المقاهي مصطفى نصر - فنحان القهوة

وفي العصر العثماني ( القرن الخامس عشر ) عرف المصريون شراب القهوة، وقد قيل أن أول من اهتدى إليه هو أبو بكر بن عبد الله – المعروف بالعيدروس – وكان أصل اتخاذه له أنه مر في إحدى سياحاته بشجر البن، فأكل من ثمره حين رآه متروكا لا ينتفع به أحد مع كثرته. فوجد فيه تخفيفا للدماغ واجتلابا للسهر، وتنشيطا للعبادة، فاتخذه قوتا وطعاما وشرابا، وأرشد أتباعه إليه، ثم نشر ذلك في اليمن والحجاز ومصر.فقد جاء أبو بكر إلى القاهرة حوالي سنة 1486. ( 1 )
وأول دولة عربية استخدمت القهوة هي اليمن. فكانوا في الماضي يغلون نبات القات، وقد وصل إليهم نبات القهوة – البن – فاستعملوه بدلا من القات، فاستساغوه وارتاحوا للتعامل معه.
وظهرت القهوة بمصر في القرن العاشر للهجرة، وأول ظهور لها في رواق العلم من اليمن بالأزهر. وجاءتهم القهوة عن طريق إخوانهم القادمين من عدن، كانوا يضعونها في ماجور كبير من الفخار، وعن طريقهم انتشرت أولا بين الطلاب المصريين الذين يدرسون في الأزهر. ثم ذاعت بين العامة وانشأ الناس دكاكين لتقديمها أشبه بالحانات.
وقد حرمها البعض، وادعوا بأنها من الخمر واطلقوا عليها اسم " القهوة وهو أصلا من اسماء الخمر، ومنعها الحكام وقاموا بكسر أوانيها، وتعزير باعتها بالضرب وغيره، وتأديبهم بضياع مالهم وإحراق القشرة المتخذة منه في كرات متواترة، وادعوا أن شاربها سيحشر – يوم القيامة – ووجهه أسود من قعور أوانيها. لكن بيوت القهوة تعددت على غير مبالاة من الولاة، وأبى الجمهور أن يتقيد بفتاوي الفقهاء أو تنطع الحكام واحتفظ بحريته في تناول الطعام والشراب. وبذلك انتشرت القهوة في كل بلاد المسلمين.
1 – في ربوع الأزبكية – محمد سيد كيلاني.
قهوة المشايخ
ومن المعروف أن لكل مهنة شيخ، فالزبالون لهم شيخ يحل منازعاتهم ويتحدث معهم، والبناءون لهم شيخ، والطباخون لهم شيخ، وكذلك المقرءون، وكل شيخ مهنة له مقهى يجلس عليها، وكان مقر المقرءون في الإسكندرية وشيخهم في تقاطع شارعي إيزيس وجامع سلطان. وكان يجلس على هذا المقهى؛ المشايخ المشهورين أمثال عبد الباسلط عبد الصمد والمنشاوي ومصطفى إسماعيل وغيرهم وكان موقعها مهم لمقرئي القرآن فشارع مسجد سلطان يؤدي إلى مدافن عمود السواري، أكبر وأهم مدافن في الإسكندرية، ومما كان يفخر به هذا المقهى أن محمد نجيب رئيس مصر في بداية ثورة يوليو 52 زار هذا المقهى وجلس فيه.
لكن دورة مياه الدور الأول العلوي وقعت فجأة على نصبة المقهى، فوقعت العمارة وتشتت المشايخ. حتى لجأوا إلى مقهى قريب في أول شارع ابن الخطاب. وفي مواجهة " مبولة الحضري" المشهورة هناك.
عم عيسى كان شريكا في قهوة المشايخ، وعندما تم هدمها، افتتح قهوة بشارع شجرة الدر - مكانها الآن مكتب بريد غربال - وبدأ الصعايدة يتوافدون على الشارع للعمل، كانت ظروف قراهم ومدنهم تطردهم إلى القاهرة والإسكندرية، فيأتون إلى شارع شجرة الدر الممتلئ بمقاولي المعمار، يعملون في البناء وعمل السلالم الحجرية في البيوت، وينزحون الآبار، إذ لم تكن المجاري قد دخلت غربال، وكان عيسى صاحب المقهى يستضيفهم عنده، وقد أجر لهم دكانا في مواجهة المقهى ينامون فيه، ويبيع لهم الأطعمة، الفول والفلافل، والعدس والفول النابت والأودسية، ويسترزق منهم.
وإذا وقفت في آخر شارع شجرة الدر مساءً، ( وهو مكان مرتفع ) سترى غابة من الطواقي، ففي منتصفة كمية هائلة من المقاهي، يرتاده الصعايدة، عمال البناء.
وسرت في هذا الشارع مع صديق لي في بداية فترة الشباب، وسأل الساقي عن المعلم جرجس. فقالوا له:
لسه ما جاش، ساعة والا اتنين ويحضر.
وسألت صديقي- الذي كان مغرما بالمداعبة ومعاكسة الناس -:
من جرجس هذا؟
قال: معرفش حد اسمه جرجس، إنما لابد أن يكون من رواد المقهى معلم اسمه جرجس. فمعظم عمال البناء مسيحيين.
تحريم القهوة
قلت إن القهوة فى اللغة العربية اسم من أسماء الخمر، وقد حُرمت مئتي عام بمصر، وعندما سألوا المشايخ عن رأيهم في القهوة؛ قالوا حرام لأنها مُسكِّر.
لكن أحد علماء الأزهر أراد أن يتأكد بنفسه، فاحتجز في بيته عشرة أشخاص من الفجر حتى الظهر، وأخذ يسقيهم من القهوة ولا يشرب منها خوفاً من أن تكون مُسكرة، فوجدهم فى قمة التركيز، عكس ما يشاع عنها. فأصدر فتواه بأنها حلال، وأصدر الخليفة فى تركياً قرارا بإجازتها بعد أن كان يحرمها.
مقاهي حينا
في حينا مقاهي كثيرة – ثلاث منها في الشارع العمومي، أقربهم إلينا مقهى أبو دومة، فهو في مواجهة الحارة التي تسكنها جدتي. ومقهى أبو الترك ومقهى بكر، ثلاثتهم يمتلكون راديوهات. ولا يمتلكون تلفزيونات. لذا كان عشاق مشاهدة مباريات كرة القدم، يذهبون لشارع إيزيس – أقرب شارع كبير لنا، كل مقهى فيه تلفزون. يشاهدون المباريات هناك مقابل شرب الشاي أو الكاكاو أوالسحلب، لذا، كانت تحرص هذه المقاهي على تعليق لافتة بنوع المباراة وموعدها. وفي شهر رمضان- وقت الصيام - يوزع الساقي على مشاهدي المباريات، قطع ملبن بدلا من المشروبات.
لكن بمرور الزمن استطاع أصحاب المقاهي في منطقتنا من شراء تلفزيونات كبيرة وملونة.


مصطفى نصر


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى