د. محمد عبدالله القواسمة - مخيمات منى حج 2023

لا شك في أن تأدية مناسك الحج فيها مشقة كبيرة، بل هي نوع من الجهاد فُرض على المسلم المستطيع مرة واحدة في العمر. تلك المشقة يدركها الحاج قبل سفره ويستعد لها. وتتجلى خاصةً في الطواف والسعي ورمي الجمرات. ولكن ما يؤثر في النفس ويرهق البدن تلك المشقات التي يصنعها البشر.

ولعل وصف المخيم الذي وُضع فيه الحجاج الأردنيون يقدم صورة عن العذاب الذي زجوا فيه، فهذا المخيم أسوأ من مخيمات اللاجئين التي بنيت للذين شردوا من ديارهم في فلسطين عام ١٩٤٨ كما ورد في رواية "أصوات في المخيم"، فمساحة المخيم صغيرة وازدحمت بالخيام الملتصقة بعضها ببعض. والممرات بين صفوف الخيم ضيقة، ولم تكتب أرقام على كل خيمة. وهذا يعني إذا خرج الحاج من خيمته فلن يستطيع العودة إليها إلا بعد جهد جهيد، وتعب يهلك القدمين شديد.

وما يلفت الانتباه أن خيام النساء ملتصق بعضها بخيام الرجال ما يجعل الجميع كأنهم في جلسة واحدة لا يفصل بعضهم عن بعض غير جدار من الشادر.

أما داخل كل خيمة فترى العجب العجاب. مكيف قوي يهدر نافثًا الهواء شديد البرودة ممزوجًا بالغبار والجراثيم، فرشات قليلة السمك تحس وأنت تجلس عليها بصلابة الأرض من تحتك. ولكن للحق هي فرشات متعددة الألوان وصغيرة العرض، طرفها الأسفل يلتقي بطرف فرشة أخرى ومن الأعلى تلتقي بجدار الخيمة الأخرى حيث رأس أحدهم أو رجله.

كما لا يقدر أحد أن يمر بين الفرشات إلا بعد أن يصطدم بالأقدام الممددة على طول الصف. كما لو تحرك نائم ربما يجد نفسه في أحضان رجل آخر. وإذا أسند رأسه فليس غير جدار الخيمة الملتصقة بخيمته. وهذه الحالة تكون مقدمة لمرض جسدي أو نفسي.

هنا البرد في ناحية والحر في الناحية الأخرى في الخيمة الواحدة. لا تستطيع الخروج من صعوبة التحرك فيها من ناحية، والخوف من التوهان من ناحية أخرى.

لا عجب أن وزير الأوقاف عندما عاين المكان أوصى المرشدين والمسؤولين عن بعثة الحج بالتساهل في عدم المبيت في منى للعجزة ولمن لا يجد مكانًا ليبيت فيه فيمكن أن يبقى في سكنه في مكة ولكن هذا الرأي أربك الوضع ودار الصراع الكلامي بين من مع ترك الخيام وبين من مع البقاء فيها وفق سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.

وكانت أعباء جديدة ومشقات كثيرة على الجانبين مالية وجسدية. هذا ما حدث في مخيمات منى وهو على كل حال يشابه ما جرى في مخيمات عرفات. وإن كانت فرشات الضياع في منى أكثر سوءًا من توابيت النوم في عرفات التي وصفت بالكنبات المريحة.

رغم هذه المشقات فإن حجاجنا الطيبين لا يرغبون إلا أن يكون حجهم مبرورًا وسعيهم مشكورًا بإذن الله.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى