محمود سلطان الشاعرة الكويتية د. سعاد الصباح، ظلت ـ وإلى الآن ـ "هدفا" في ميدان رماية، قطاع ليس بالقليل من "ذائقة" الرأي العام!

كان ـ كلما قرأتُ لها ـ يتجدد في خاطري، إحساسٌ لا يكاد يفارقني، بأنها تسدد فاتورة "هويتها" الاقتصادية "النفط" ومكانتها الاجتماعية "أميرة" كويتية .. والأولى كانت مصدر "غيرة" أو ما يشبه "الحقد الطبقي" داخل الحالة العربية المنقسمة والمضطربة.. والثانية على علاقة ثأر مع "القومجية" بسبب ترتيبات ما بعد تحرير الكويت من الاحتلال العراقي.
ويقول المثل الشائع بين المصريين: " ملقوش فى الورد عيب قالوا يا احمر الخدين"
يبدو لي أنه ـ أي هذا المثل ـ ينسحب على حالة "الصباح"، فيما كان الموقف الأيديولوجي من الأستاذ نزار قباني، بسبب قصيدته الشهيرة "هوامش على دفتر النكسة".. والتي ـ حتى اليوم ـ لا تبرح الذاكرة الناصرية المتوثبة للثأر، من كل من تحرر من العبودية السياسية في ستينيات القرن الماضي.. كان فرصة "لـ"تأديب" النموذجين : "الصباح وقباني، الأولى لسببٍ لا ذنبَ لها فيه.. والثاني بسبب جلده للقيادة العربية، صاحبة أكبر فضيحة عسكرية، في يونيو عام 1967.
اختلقوا قصة شديدة "الغباوة" حول قصيدتها "لا تنتقد خجلي" والتي كتبتها الصباح على بحر "الكامل".. بمهارة شاعر حرفي وماهر.. وغنتها لاحقا الفنانة نجاة الصغيرة تقريبا عام 1998..
لَا تنتقد خجلي الشَّدِيد فَإِنَّنِي
درويشة جِدًّا وَ أَنْت خبيرُ
يَا سَيِّدَ الكلماتِ هَبْ لِي فُرْصَة
حَتَّى يُذَاكِر دَرْسَه العصفورُ
خُذْنِي بِكُلّ بساطتي وطفولتي
أَنا لَمْ أَزَلْ أحبو وَ أَنْت كبيرُ
والقصة باختصار تزعم أن "الصباح" حضرت مؤتمرا للشعر العربي في القاهرة.. وما أن صعدت إلى المنبر لإلقاء قصيدتها حتى لمحت الأستاذ نزار قباني، ارتبكت حينها، وتلعثمت ولم تستطع أن تلقي قصيدتها بلغة عربية سليمة.. فـ"شخط " فيها نزار قائلا :" انزلي عن هذا المنبر وتعلّمي العربية قبل أن تلقي الشعر" ثم طلب من القائمين على المهرجان إنزالها عن منصة الإلقاء.
فكتبت الصباح ـ بعد ذلك ـ قصيدتها "لا تنتقد خجلي".. ردا على نزار والذي ـ كما تقول السردية المختلقة ـ بات بعدها من أقرب أصدقائها.. الأخيرة "الصباح" تحدت صناع هذه "الخرافة" أن يعودوا إلى "أرشيف" صحافة القاهرة التي غطت تلك الاحتفالية الشعرية بكل ضجيجها.. فليس من المعقول ـ إن حدثت الواقعة على هذا النحوـ تتجاهلها الصحف المصرية من أولها إلى آخرها.. فضلا عن أن "نزار" لم يكن شاعرا به "بداوة" أو خشن الأخلاق وفظ المعاملة مع الآخرين.. حتي ينهرها على هذا النحو الذي لا ذوق فيه ولا أدب ولا رصانة.. بل كان نزار "ديبلوماسيا" سوريا "سفيرا" لبلاده طاف ـ خلال خدمته في وزارة الخارجية السورية ـ دول العالم، واستبطن ثقافة واسعة ومتعددة.. فكيف نصدق أن تجتمع "الديبلوماسية" مع "قلة الذوق" و"سوء الأدب"؟!.
المفارقة.. هنا أن الجميع أصر على هذه الرواية المختلقة.. فيما تجاهلوا تعقيب سعاد الصباح ذاتها على هذه القصة المثيرة للضحك والتي نشرتها صحيفة "الرأي الكويتية" .. تقول الصباح في رسالتها:
القصائد هنَّ بناتي التي نمَتْ بين يدي وتبرعمَت واشتدت، إذ سقيتُها بدمعي وأعصابي، فكان أجملَها تلك التي نثرتُها شموساً بين يدي أستاذي ومعلمي، زوجي وصديقي صديق الزمن الجميل عبدالله المبارك. وأذكر تماماً عندما أهديتُه قصيدة (لا تنتقد)... وأنا تلميذتُه التي ظلّت تتهجى حروف شفتيه... وتترجمُ لغة عينيه وإشارات يديه».
وأضافت «من المحزن أن تنتشر قصة خيالية تغيّر مناسبة كتابة القصيدة، وتمحو تفاصيلَها الحقيقية وتزعُم أنني كتبتها رداً على موقف مع الأستاذ نزار قباني، بعد أن أغضبني وطلب مني النزول من منصة الشعر وتعلُّم اللغة العربية... في أمسية هو لم يحضرها أصلاً!
ولولا أنّ القصيدة بمناسبتها وحروفها ومشاعرها ونبضها تخصّ عبدالله المبارك لما كتبتُ توضيحاً، ولما أجهدتُ نفسي في ملاحقة الإشاعة لإطفائها... فالحكايةُ من أساسها خارج المنطق والعقل، والقصيدة لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالأستاذ نزار قباني أو بالحادثة المزيفة التي تتناقلها وسائل التواصل بكل أنواعها... وهو المؤتمر الأدبي الذي أقيم في القاهرة وصعدت فيه المنبر مطلع التسعينيات بعد تحرير الكويت مباشرة فتحدثت فيه عن أثر الغزو على الكويت، وطالبت فيه بعودة الأسرى الكويتيين ولم أقرأ فيه أي قصيدة!».
ومضت الدكتورة الصباح «الأستاذ نزار لهُ أهميّتُه وقدْرُه كشخصٍ وشاعر في نفوس محبيه، إلا أنّه لا يملك أن يطلب مني النزول من منصة الشعر، ولم يحدث أن استخدمت شعري في اعتذاريات من هذا النوع!
لقد جمعتْني منابر كثيرة على مستوى العالم مع الأستاذ نزار وغيره من كبار شعراء تلك المرحلة، ولم يحدث أن ألقيتُ هذه القصيدة تحديداً بحضوره. ومن البدهي أن يتساءل المتابع الحصيف عن غياب الصحافة ووسائل الإعلام في تغطية حدث (مزعوم) مثل هذا يتم في أمسية شعرية بحضور الأدباء والمثقفين والمتابعين، وفي القاهرة... وما على المهتم إلا أن يبحث عن أرشيف الصحف المصرية والعربية في تلك الفترة، فلن يجد أثراً لمثل هذا الخيال، ومن الغريب أنه بعد أكثر من ربع قرن من الأمسية تظهر هذه القصة التي لم يتحدث عنها أحد في وقتها!
تبقى القصيدة ورمزيتها وإحساسها الصادق.. وتذهب الحكايات غير الصادقة»
انتهي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى