د. محمد عبدالله القواسمة - حول الأيام والمناسبات العالمية

الأيام العالمية هي تلك الأيام والمناسبات التي تتبناها الأمم المتحدة بمنظماتها وبرامجها ووكالاتها المتخصصة؛ كي توجه أنظار الناس إلى الاهتمام بموضوعات إنسانية صحية، أو اجتماعية، أو ثقافية، أو تاريخية من خلال الإتاحة للهيئات الحكومية والشعبية في أنحاء العالم لتقوم بنشاطات توعوية تتصل بتلك الموضوعات. فعلى سبيل المثال، تحتفل الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 23 تشرين الأول من كل عام بالكيمياء، وتحتفل اليونسكو يوم 27 آذار من كل عام بالمسرح، وتعتمد منظمة الصحة العالمية يوم 17 أيلول لسلامة المرضى.

عادة ترتبط موضوعات الأيام العالمية بما تقوم به الأمم المتحدة من أعمال، مثل حفظ الأمن والسلام في العالم، وحماية حقوق الإنسان، وتعزيز التنمية المستدامة، وضمان القانون الدولي، ودعم العمل الإنساني، ولفت الاهتمام العالمي إلى القضية التي ينصب عليها اليوم العالمي، وتمكين الجهات المعنية بتنظيم النشاطات المتعلقة بها.

من اللافت للانتباه كثرة هذه الأيام والمناسبات العالمية حتى إنها تكاد تتوزع على أيام السنة كلها، ثم إنها لا تعبأ بترابط بعضها ببعض، فتوجد، على سبيل المثال، عدة أيام مخصصة للمرأة، منها: يوم الأم، واليوم الدولي للأرامل، واليوم الدولي لعدم التسامح مطلقًا إزاء تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، واليوم الدولي للمرأة والفتاة في ميدان العلوم، واليوم الدولي للمرأة، واليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة .

كما أن بعض الأيام اعتمدتها الأمم المتحدة لأسباب سياسية أكثر منها إنسانية، فقد قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة رسمياً إعلان يوم 27 كانون الثاني، وهو اليوم الذي يصادف الذكرى السنوية لقيام القوات السوفييتية عام 1945م بتحرير أوشفيتز، معسكر الاعتقال والإبادة النازي - لإحياء ذكرى ضحايا الهولوكوست، وتأكيدها الالتزام القاطع بمكافحة معاداة السامية، والعنصرية، وسائر أشكال التعصب.

لقد اهتمت الأمم المتحدة بضحايا الهولوكوست وخصصت يومًا لذكراهم، لكنها لم تهتم بضحايا المجازر التي ارتكبتها الحركة الصهيونية بفلسطين في القرن الماضي، ومجازر غزة وجنين في العقدين الماضيين. واستعاضت عن ذلك بتخصيص يوم 29 تشرين الثاني للتضامن مع الشعب الفلسطيني. وأي حديث عن التضامن والمجازر لا تتوقف ضد هذا الشعب؟!

الحقيقة التي لا تخفى على أحد أن هذه الأيام العالمية وجدت بموافقة الدول الكبرى التي تتحكم بتلك المنظمة الدولية، فلا أيام لا تنسجم مع سياسة نلك الدول، ولا أيام لا تساير مصالحها.

لقد كان موقف الإسلام صائبًا يُقتدى به عندما قلّص عدد الأيام التي يحتفى بها، وحصرها في عيدين: الفطر والأضحى من كل عام، والاحتفاء بيوم الجمعة من كل أسبوع. فهذه الأيام كافية ليراجع الإنسان سلوكه ويتفاعل مع الآخرين، ويشارك في حل مشاكلهم، ويهتم بقضاياهم، بل والتضحية من أجلهم.

على ضوء هذا الموقف الإسلامي، نريد لهذه المنظمة العالمية أن تقلص أيامها حتى يحس الناس بجدية توجهاتها، ولا يتسرب الملل إلى نفوسهم من كثرتها. كما نريد أن تدافع عن القضايا التي تتبناها في أيامها، وتركز جهودها على العمل أكثر من القول، وعلى حل المشاكل دون الاكتفاء بتخصيص أيام لها. فما زال الصوت يتقدم الفعل في كثير من الأيام والمناسبات العالمية، كما يحدث في الاحتفال باليوم العالمي للآثار. لقد اعتمدت منظمة اليونسكو يوم 18 نيسان يومًا عالميًا للتراث والآثار، لكنها لم تحرك ساكنًا، وهي ترى الآثار في بعض البلاد تُطمس وتدمر، كما حدث لكثير من الآثار في فلسطين، فقد غيب بعضها الاحتلال الإسرائيلي، وسرق بعضها الآخر وشوهه. بهذا الموقف المتخاذل لم يعد ليوم الآثار العالمي أي معنى.

كما نرى من حولنا تنامي ظواهر العنف والبؤس والفقر في كثير من بلاد العالم، ولا نجد من الأمم المتحدة ووكالاتها ومنظماتها غير تخصيص مزيد من الأيام العالمية لتلك الظواهر.

في النهاية، نقول: مع كل تلك الملاحظات السلبية السابقة تظل الأيام العالمية تحمل في طياتها رغبة الناس كافة في السعادة والسلام، ورفض الظلم والفساد. وليت هذه الرغبة تجسدها منظمة الأمم المتحدة وهيئاتها في أفعال؛ فلا قيمة للأيام العالمية التي تعتمدها إذا اقتصرت فاعلياتها على الأقوال والنقاشات والاحتفالات فقط.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى