سؤال لطالما راودني التفكير فيه لكني خفت أن يكون مجرد التفكير فيه إلحاد .ماذا لو آمن المواطن العربي بشائعة تعلن صراحة موت العقل الغربي؟. هل يجوز للمواطن العربي المنبهر بالعقل الغربي ومنجزه الحضاري ان يصدق مثل هذه الشائعة ؟أم أن قسوة الطبيعه علي الإنسان جعلت قناعاته التي استقرت بمرور الأيام في اللاوعي مثار شك وجدال أودت به الي الميتافيزيقيه الخالصه .بل أن لهفتنا في مواكبة ركب الحداثة وما بعدها جعلتنا نتبني ما يسوقه الآخر الغربي لنا من أكاذيب دون أن نتوقف امامها ونسأل انفسنا عن نسبية حقيقتها او عن التفكير في نقائص راويها ؟. بل عمدنا الي الإنزلاق والتحقير للعقل العربي وبدأنا رحلة المنقطع مع تراثه كشرط للولوج في قطار الحداثة دون أن تكون لنا الخبرة الكافية بالكلمات .
إن فكرة أن نضن على الكلمات بالاسـتـنـبـاط كي نـتـلـقط المـدلـول مـن المعجم والشرح وبعض الناس. لا تمكننا من أن نستنبط المعني الحقيقي الكامن في رسالة العرض المسرحي .ولا يمكننا أن نجعلها أداة شخصية من أدوات الناقد. فكـيـف نـسـتـخـدم أداة دون أن نعرف كل ما نستطيع عن نشاطها؟. كيف السبيل إلى الخبرة بالكلمة دون أن نتعمق في فكرة الأطر المتحركة ؟ونحن مازالنا نتعامل أحيانا على الأقـل مـع الـكـلـمـات تعاملا مسترخيا. أي أننا لا نبذل جهدا واضحا في تأمل مدلول الكلـمـات فتروعنا أشياء كثيرة ليس من بينها الـبـحـث عـن مـدلـول.
واليوم لا تعنينا قضية سوء الفهم. لا يعـنـيـنـا أن نـدرس كـيـف يـخـتـلـف الفهم المناسب من بيئة إلى بيئة ومن زمن إلى آخر. لكن العاصم الأساسي من التجمد والنزاع والعنف والكيد والتستر والمداهنة والنفاق هو كيفية تعلم الكلمة بطريقة مناسبة. طريقة تكشف التغير والاختلاف وصعوبة الرؤية وانماط الجدل والمقاومة بعضها من بعض. إننا نقاوم باستمرار في كل مجال.لكن طرقنا المعتادة في النظر إلى الكلمة وما يعتريـهـا فـي المـسـافـات أكـثـرحنانا على الثبات أو أكثر خوفا من مواجهة التغير.
-إن الخبرة المتحدية بالكلمات على هذا النـحـو تـعـنـي أن نـقـرأ الـعـقـل العربي. فإذا حاولنا هذه القـراءة آن لنا أن نسعي الي إمتلاك أدوات جديده .
وكيف لي ان أفهم وضعية النص الدرامي "هاملت بالمقلوب "والذي لم يتح لي قرائته لعدم نشره ،وبالتالي لن اجيب علي السؤال هل لهذا النص وجود مستقل عن العرض المسرحي ؟.لكن يمكنني من خلال قرائتي النص العرض معرفة السياق التاريخي للحظة إبداع النص و للحظة إندماجه في سياق إجتماعي مختلف من خلال توظيفه في العرض المسرحي.
-فالفرضية التي انطلق منها الدكتور /سامح مهران مؤلف نص "هاملت بالمقلوب "في محاولة منه لقراءة الواقع المتغير . تفترض محاولة تحويل العالم الي نسخة نصيه وفرض هذه النسخه علي البشر كحيوانات سياسيه من خلال إعادة قراءة التراث المسرحي المستلهم لقصة هاملت الشكسبيريه ووضعها في مناخ الأسئله التي تبرز الثابت لتنفيه وتؤكد الأبداع لتنطلق منه محطمة في ذلك سطوة وهيمنة العقل لتتبدي قسوة الطبيعه وميتافيزيقيتها الخالصه واتحادها مع عالم الثقافة النسخيه وإشتراكهما معا في إذلال الإنسان وتجريده من حريته فإنقسام العقل الغربي علي ذاته ومعاداته لكل ماهو خارج ثقافته من خلال التشويه والكذب وإقصاء الآخر .. أدي إلي حالة الشك وفقدان اليقين التي اوصلت الإنسان في شكه في العقل وسيادته ورفضه ليقينية العلم التجريبي لا الي الشك في الأمور الميتافيزيقية فقط .بل إلي الشك حتي في الحقائق العلمية القائمة علي التجريب والإختبار. التي باتت نتيجة حتميه لحالة الفصام المرضية والمتسارعة والتي يشهدها العالم من إزدياد نسبة الفقراء وبعدهم تدريجيا عن الفئات التي تشارك في النظام الإقتصادي العالمي .
فإذا كانت الحداثة تفسر كل حدث إجتماعي او ثقافي بمكانه علي محور التراث فإن ما بعد الحداثة تفصل ما ارتبط .ومعني ذلك انه لم يعد للمجتمع أي وحدة وبالتالي ليس هناك شخصية أو لافتة إجتماعيه أو خطاب يحتكر المعني .
ولذا فهدف الدكتور سامح مهران من نص "هاملت بالمقلوب" هو قراءة التراث المسرحي الغربي في نمطية جديدة تستعيد الماضي بكل مايقترن به من قيم ادبيه وجماليه ومن ثم وضع التراث في مناخ الأسئلة التي تبرز الواقع اليومي المعاش من حيث إقترانه بالشك والتجريب وحرية البحث والمغامرة في إكتشاف المجهول وقبوله .
-لكن كيف استطاع مؤلف "هاملت بالمقلوب" أن يحقق فرضيته في التجربة النصيه ؟وما هي الأدوات التي استخدمها من داخل التراث نفسه ليستطع بها هدم ذاك المبني القديم الإتباعي الثابت ؟
إن إستلهام النسخة النصيه الشكسبيريه"هاملت" كأحد منجزات العقل الغربي الثقافيه والأدبيه والكلاسيكيه التي لها وجود مستقل ومسبق عن تلفظها مسرحيا لذلك نستطيع دائما أن نعيد قرائتها بشكل مغاير يستطيع قراءة الراهن والواقع اليومي .فالزيف المديولوجي والواقع الإفتراضي الذي يساهم بشكل كبير في الوجود الراهن للأنسان المعاصر واللعبه السياسية التي جعلت البشر خاضعين لهيمنة كافة انساق السلطه وتم تحويلهم الي نسخة مرجوه ليظهر تعالي السلطه وهيمنتها علي العقل لتحقق نتيجة حتميه هي موت العقل وقسوة الطبيعه بميتافيزيقيتها الخالصه لتشارك في عملية التحويل لكشف الأوهام وزيف الحقيقه من خلال السلطات السياسيه والدينيه وتعري السلطه الأبويه في دلالة صارخة تقود الي الهروب الي ميتافيزيقية وعالم افتراضي وهمي .
لكن كيف لي أن أبلغ المعني الحقيقي لا المعني السطحي وانا لم اشاهد العرض سوي مرة واحده يتيمه ؟وكيف لي ان اتحدث عن الوعي الجمالي لإبداع دكتور سامح مهران (المؤلف) وبين إبداع مايسترو العرض ومخرجه الفنان مازن الغرباوي Mazen EL Gharabawy ؟فليس أمامي إلا أن تعكس كلماتي ماإقترفته عيناي من جمال وانا اتلقي عرض هاملت بالمقلوب الذي كانت المنظومه العلامتيه تؤكد الوجوب الدلالي ،التضمين، التحول، الترتيب الإفتراضي في الظهور) إذ خضعت عملية إنتاج الدلالة للتحكم(فكل شئ ولو كان إعتباطيا ضمن الخطاب المسرحي فإنه يقرأ بوصفه علامة داله) فخطاب "هاملت هاملت بالمقلوب "يرتبط بفعل العلامة المتوالده من تفاعل الممثل مع ماحوله من أنساق علاماتيه كون كل ما يوجد فضاء العرض يتسم بصفة العلامه وقدرتها علي إنتاج وتوليد افكار قد تكون مغايرة لدي المتلقي لما هو موجود ضمن خطاب العرض فضلا عن التضمين المتمثل في سيادة دلاليه ثانويه علي دلالات أوليه وإمتلاك العلامه القدره علي التحول الي علامه مغايره ضمن الخطاب. فالتحول يتبعه تغير علامي في الأنساق الدلاليه للخطاب المسرحي
لقد برع د. صبحي السيد في توظيف العلامات السيميولوجيه التي خلقت مستويين .الأعلي الذي يبرز تعالي السلطه السياسيه والمؤسسات المالكه للخطاب والقوه والمعرفه في العالم علي سيادة العقل البشري (هاملت )مما اضطر العقل البشري الي الهروب الي واقع افتراضي ميتافيزيقي يلجأ فيه الي النص الرباني لتحقق نتائج فرضيه المؤلف .اما قوة العلامه المسرحيه فإنها تتناسب طرديا مع قدرتها وتأثيرها في الخطاب وفي ذهنية المتلقي في تحليله وصولا للمعني الدلالي لتلك العلامه.
وعلي الرغم من انه يستحيل تقريبا بناء اعمال مسرحيه في الفضاء العمومي بدون علامات إجتماعيه موجوده مسبقا في العالم الواقعي إلا أن المسرح يستطيع خلق علامات جديده غير موجوده في العالم الإجتماعي لتكتسب معني داخل العمل المسرحي فقط
فالرموز الماسونيه التي تم وضعها علي موتيفات الديكور وكذا ايقونة العذراء المقدسه علي يمين ويسار الدرج الصاعد والنازل في يمين ويسار المسرح دلالة سيميولوجيه تؤكد هيمنة السلطات بكافة انواعها علي العقل في فضاء العرض.
إن براعة المخرج" مازن الغرباوي"لا تنحصر في تحويل النص المقروء الي واقع وحياه بل أضافت الرؤيه التشكيليه في الفراغ المسرحي رؤية جماليه ساهم بها المخرج في توظيف ادواته في عملية الإتصال مع المتلقي فلقد كان المتلقي في هذا العرض هو مركز الحدث وبؤرته وأن القسوة لم تكن للطبيعة وحدها بل استطاع المخرج ان يقسو علي متلقيه بأن جعلهم جزء من اللعبة الدراميه علي خشبة المسرح فكان التوظيف الجمالي للتعبير الحركي للشخصيات دال وكاشف في بلوغ المعني ودليل يساعد المتلقي في فك شفرات العرض لا سيما مشهد العري الذي يفضح السلطة الأبويه كأقدم السلطات التي هيمنت علي العقل البشري (مشهد تعري والدة هاملت) ومشهد هيمنة السلطة السياسيه علي السلطه الدينيه (مائدة الطعام ) واستخدام الحركه الآليه والمصطنعه للنسخة المرجوه من العالم والتي تبغيها المؤسسات المالكه للخطاب والقوه والمعرفه في العالم . ومشهد تحول السلطه الدينيه الي الوظيفة السياسيه (تلاوة بيان كلاوديوس عبر الميديولوجيا ووسائل الإعلام )
إن السياق التاريخي لعرض هاملت بالمقلوب هو الواقع اليومي المعاش والذي مات فيه العقل ولم يعد امامه سوي اللجوء الي واقع افتراض قاس وميتافيزيقي .ليدرك المتلقي ان "هاملت بالمقلوب"كعنوان للعرض يتسق مع واقع الإنسان في هذا العالم ومحاولة تحويله الي نسخة نصيه وأن لفظة (بالمقلوب) هي لفظة تعكس خطاب العرض علي الواقع اليومي المعاش للمتلقي وليس واقع هاملت .
إن المباراة التي جسدها نجوم "هاملت بالمقلوب "في الأداء التمثيلي المتباين بين التلوين والتنغيم وتقنيات الجسد والتكيف والمعايشه مع أفكار ورسائل العرض خلقت الجمال والوعي ولاسيما الوسائل الغير مألوفه والجديده التي ابرزت زيف الميديولوجيا في مشهد إطلاق شائعة جنون هاملت . ومشهد تعري الملكه (ام هاملت) والمشهد الإفتتاحي الذي صور الواقع الديستوبي الذي نحياه تحت كفن الزيف والأكاذيب التي حولتنا الي نسخة مرجوه للمؤسسات المالكه للخطاب والقوه والمعرفه في العالم.
الممثل "عمرو القاضي" استطاع أن يتعايش مع شخصيةهاملت (سامح مهران) ببراعة وإتقان دون أن يخلط بين هاملت في(الموروث الشكسبيري) فكان هاملت بالمقلوب المتصل مع متلقيه والمحرك لذهنيتهم ومحرك لتسأولاتهم التي أودت للنتيجة وهدف الإتصال المتوقع من خطاب العرض
دكتور" أيمن الشيوي "في دور كلاوديوس .الوحش المسرحي الذي يجذب كل من يشاهده بسلاسة الأداء والحضور الطاغي و الحضور الجسدي ذو الدلالات التي تتيح بلوغ المعني من رسائل العرض
أما الفنان "خالد محمود " الذي ازعم انه يحاول إعادة إكتشاف الطاقات الإبداعيه الكامنه في ذاته ككمثل فقدم اروع ادواره في مسيرته الفنيه وهو دور القس بولونيوس والد اوفيليا
أما "سمر جابر)والتي قامت بدور اوفيليا فكانت رمزا للنسويه بصورتها وملابسهاالعصريه وبرعت في أداء الشخصيه المنسق مع القضايا العصريه للمرأه.
أما" نهاد سعيد" فأجادت في دور الملكه ام هاملت وكانت دلالة علي العهر النسوي وعهر الرغبات.
لا يمكننا أن نغفل مجموعة طلبة المعهد العالي للفنون المسرحية والتي شاركت في العرض وأخص منهم الممثل "محمد عبدالجليل"فهو ممثل واعد ينتظره مستقبل بعيد عن النسخة التي ارادواها للبشر .
لقد شاهدت هاملت بالمقلوب فلم أري اوهام هاملت الشكسبيري بل رأيت اوهام وزيف واكاذيب واقصاء للآخر من القوي المالكه للخطاب والقوه والمعرفه في العالم .
لقد شاهدت عرضا احترمني كمتلق ووضع التراث المسرحي في مناخ الأسئله وانطلق من فرضية مغايره تستقرأ الواقع المتغير وتكشف الزيف والتشويه والأكاذيب التي تحيط بنا في الراهن والواقع اليومي المعيش .
بل إن "هاملت بالمقلوب" أجاب علي سؤال هام لماذا عزف الجمهور المصري عن إرتياد دور العرض المسرحي في الآونة الاخيرة ؟ فإحترام فكر المتلقي في خطاب مسرحي جدير الإحترام صناعه وارتياد تجاربهم المسرحيه
إن فكرة أن نضن على الكلمات بالاسـتـنـبـاط كي نـتـلـقط المـدلـول مـن المعجم والشرح وبعض الناس. لا تمكننا من أن نستنبط المعني الحقيقي الكامن في رسالة العرض المسرحي .ولا يمكننا أن نجعلها أداة شخصية من أدوات الناقد. فكـيـف نـسـتـخـدم أداة دون أن نعرف كل ما نستطيع عن نشاطها؟. كيف السبيل إلى الخبرة بالكلمة دون أن نتعمق في فكرة الأطر المتحركة ؟ونحن مازالنا نتعامل أحيانا على الأقـل مـع الـكـلـمـات تعاملا مسترخيا. أي أننا لا نبذل جهدا واضحا في تأمل مدلول الكلـمـات فتروعنا أشياء كثيرة ليس من بينها الـبـحـث عـن مـدلـول.
واليوم لا تعنينا قضية سوء الفهم. لا يعـنـيـنـا أن نـدرس كـيـف يـخـتـلـف الفهم المناسب من بيئة إلى بيئة ومن زمن إلى آخر. لكن العاصم الأساسي من التجمد والنزاع والعنف والكيد والتستر والمداهنة والنفاق هو كيفية تعلم الكلمة بطريقة مناسبة. طريقة تكشف التغير والاختلاف وصعوبة الرؤية وانماط الجدل والمقاومة بعضها من بعض. إننا نقاوم باستمرار في كل مجال.لكن طرقنا المعتادة في النظر إلى الكلمة وما يعتريـهـا فـي المـسـافـات أكـثـرحنانا على الثبات أو أكثر خوفا من مواجهة التغير.
-إن الخبرة المتحدية بالكلمات على هذا النـحـو تـعـنـي أن نـقـرأ الـعـقـل العربي. فإذا حاولنا هذه القـراءة آن لنا أن نسعي الي إمتلاك أدوات جديده .
وكيف لي ان أفهم وضعية النص الدرامي "هاملت بالمقلوب "والذي لم يتح لي قرائته لعدم نشره ،وبالتالي لن اجيب علي السؤال هل لهذا النص وجود مستقل عن العرض المسرحي ؟.لكن يمكنني من خلال قرائتي النص العرض معرفة السياق التاريخي للحظة إبداع النص و للحظة إندماجه في سياق إجتماعي مختلف من خلال توظيفه في العرض المسرحي.
-فالفرضية التي انطلق منها الدكتور /سامح مهران مؤلف نص "هاملت بالمقلوب "في محاولة منه لقراءة الواقع المتغير . تفترض محاولة تحويل العالم الي نسخة نصيه وفرض هذه النسخه علي البشر كحيوانات سياسيه من خلال إعادة قراءة التراث المسرحي المستلهم لقصة هاملت الشكسبيريه ووضعها في مناخ الأسئله التي تبرز الثابت لتنفيه وتؤكد الأبداع لتنطلق منه محطمة في ذلك سطوة وهيمنة العقل لتتبدي قسوة الطبيعه وميتافيزيقيتها الخالصه واتحادها مع عالم الثقافة النسخيه وإشتراكهما معا في إذلال الإنسان وتجريده من حريته فإنقسام العقل الغربي علي ذاته ومعاداته لكل ماهو خارج ثقافته من خلال التشويه والكذب وإقصاء الآخر .. أدي إلي حالة الشك وفقدان اليقين التي اوصلت الإنسان في شكه في العقل وسيادته ورفضه ليقينية العلم التجريبي لا الي الشك في الأمور الميتافيزيقية فقط .بل إلي الشك حتي في الحقائق العلمية القائمة علي التجريب والإختبار. التي باتت نتيجة حتميه لحالة الفصام المرضية والمتسارعة والتي يشهدها العالم من إزدياد نسبة الفقراء وبعدهم تدريجيا عن الفئات التي تشارك في النظام الإقتصادي العالمي .
فإذا كانت الحداثة تفسر كل حدث إجتماعي او ثقافي بمكانه علي محور التراث فإن ما بعد الحداثة تفصل ما ارتبط .ومعني ذلك انه لم يعد للمجتمع أي وحدة وبالتالي ليس هناك شخصية أو لافتة إجتماعيه أو خطاب يحتكر المعني .
ولذا فهدف الدكتور سامح مهران من نص "هاملت بالمقلوب" هو قراءة التراث المسرحي الغربي في نمطية جديدة تستعيد الماضي بكل مايقترن به من قيم ادبيه وجماليه ومن ثم وضع التراث في مناخ الأسئلة التي تبرز الواقع اليومي المعاش من حيث إقترانه بالشك والتجريب وحرية البحث والمغامرة في إكتشاف المجهول وقبوله .
-لكن كيف استطاع مؤلف "هاملت بالمقلوب" أن يحقق فرضيته في التجربة النصيه ؟وما هي الأدوات التي استخدمها من داخل التراث نفسه ليستطع بها هدم ذاك المبني القديم الإتباعي الثابت ؟
إن إستلهام النسخة النصيه الشكسبيريه"هاملت" كأحد منجزات العقل الغربي الثقافيه والأدبيه والكلاسيكيه التي لها وجود مستقل ومسبق عن تلفظها مسرحيا لذلك نستطيع دائما أن نعيد قرائتها بشكل مغاير يستطيع قراءة الراهن والواقع اليومي .فالزيف المديولوجي والواقع الإفتراضي الذي يساهم بشكل كبير في الوجود الراهن للأنسان المعاصر واللعبه السياسية التي جعلت البشر خاضعين لهيمنة كافة انساق السلطه وتم تحويلهم الي نسخة مرجوه ليظهر تعالي السلطه وهيمنتها علي العقل لتحقق نتيجة حتميه هي موت العقل وقسوة الطبيعه بميتافيزيقيتها الخالصه لتشارك في عملية التحويل لكشف الأوهام وزيف الحقيقه من خلال السلطات السياسيه والدينيه وتعري السلطه الأبويه في دلالة صارخة تقود الي الهروب الي ميتافيزيقية وعالم افتراضي وهمي .
لكن كيف لي أن أبلغ المعني الحقيقي لا المعني السطحي وانا لم اشاهد العرض سوي مرة واحده يتيمه ؟وكيف لي ان اتحدث عن الوعي الجمالي لإبداع دكتور سامح مهران (المؤلف) وبين إبداع مايسترو العرض ومخرجه الفنان مازن الغرباوي Mazen EL Gharabawy ؟فليس أمامي إلا أن تعكس كلماتي ماإقترفته عيناي من جمال وانا اتلقي عرض هاملت بالمقلوب الذي كانت المنظومه العلامتيه تؤكد الوجوب الدلالي ،التضمين، التحول، الترتيب الإفتراضي في الظهور) إذ خضعت عملية إنتاج الدلالة للتحكم(فكل شئ ولو كان إعتباطيا ضمن الخطاب المسرحي فإنه يقرأ بوصفه علامة داله) فخطاب "هاملت هاملت بالمقلوب "يرتبط بفعل العلامة المتوالده من تفاعل الممثل مع ماحوله من أنساق علاماتيه كون كل ما يوجد فضاء العرض يتسم بصفة العلامه وقدرتها علي إنتاج وتوليد افكار قد تكون مغايرة لدي المتلقي لما هو موجود ضمن خطاب العرض فضلا عن التضمين المتمثل في سيادة دلاليه ثانويه علي دلالات أوليه وإمتلاك العلامه القدره علي التحول الي علامه مغايره ضمن الخطاب. فالتحول يتبعه تغير علامي في الأنساق الدلاليه للخطاب المسرحي
لقد برع د. صبحي السيد في توظيف العلامات السيميولوجيه التي خلقت مستويين .الأعلي الذي يبرز تعالي السلطه السياسيه والمؤسسات المالكه للخطاب والقوه والمعرفه في العالم علي سيادة العقل البشري (هاملت )مما اضطر العقل البشري الي الهروب الي واقع افتراضي ميتافيزيقي يلجأ فيه الي النص الرباني لتحقق نتائج فرضيه المؤلف .اما قوة العلامه المسرحيه فإنها تتناسب طرديا مع قدرتها وتأثيرها في الخطاب وفي ذهنية المتلقي في تحليله وصولا للمعني الدلالي لتلك العلامه.
وعلي الرغم من انه يستحيل تقريبا بناء اعمال مسرحيه في الفضاء العمومي بدون علامات إجتماعيه موجوده مسبقا في العالم الواقعي إلا أن المسرح يستطيع خلق علامات جديده غير موجوده في العالم الإجتماعي لتكتسب معني داخل العمل المسرحي فقط
فالرموز الماسونيه التي تم وضعها علي موتيفات الديكور وكذا ايقونة العذراء المقدسه علي يمين ويسار الدرج الصاعد والنازل في يمين ويسار المسرح دلالة سيميولوجيه تؤكد هيمنة السلطات بكافة انواعها علي العقل في فضاء العرض.
إن براعة المخرج" مازن الغرباوي"لا تنحصر في تحويل النص المقروء الي واقع وحياه بل أضافت الرؤيه التشكيليه في الفراغ المسرحي رؤية جماليه ساهم بها المخرج في توظيف ادواته في عملية الإتصال مع المتلقي فلقد كان المتلقي في هذا العرض هو مركز الحدث وبؤرته وأن القسوة لم تكن للطبيعة وحدها بل استطاع المخرج ان يقسو علي متلقيه بأن جعلهم جزء من اللعبة الدراميه علي خشبة المسرح فكان التوظيف الجمالي للتعبير الحركي للشخصيات دال وكاشف في بلوغ المعني ودليل يساعد المتلقي في فك شفرات العرض لا سيما مشهد العري الذي يفضح السلطة الأبويه كأقدم السلطات التي هيمنت علي العقل البشري (مشهد تعري والدة هاملت) ومشهد هيمنة السلطة السياسيه علي السلطه الدينيه (مائدة الطعام ) واستخدام الحركه الآليه والمصطنعه للنسخة المرجوه من العالم والتي تبغيها المؤسسات المالكه للخطاب والقوه والمعرفه في العالم . ومشهد تحول السلطه الدينيه الي الوظيفة السياسيه (تلاوة بيان كلاوديوس عبر الميديولوجيا ووسائل الإعلام )
إن السياق التاريخي لعرض هاملت بالمقلوب هو الواقع اليومي المعاش والذي مات فيه العقل ولم يعد امامه سوي اللجوء الي واقع افتراض قاس وميتافيزيقي .ليدرك المتلقي ان "هاملت بالمقلوب"كعنوان للعرض يتسق مع واقع الإنسان في هذا العالم ومحاولة تحويله الي نسخة نصيه وأن لفظة (بالمقلوب) هي لفظة تعكس خطاب العرض علي الواقع اليومي المعاش للمتلقي وليس واقع هاملت .
إن المباراة التي جسدها نجوم "هاملت بالمقلوب "في الأداء التمثيلي المتباين بين التلوين والتنغيم وتقنيات الجسد والتكيف والمعايشه مع أفكار ورسائل العرض خلقت الجمال والوعي ولاسيما الوسائل الغير مألوفه والجديده التي ابرزت زيف الميديولوجيا في مشهد إطلاق شائعة جنون هاملت . ومشهد تعري الملكه (ام هاملت) والمشهد الإفتتاحي الذي صور الواقع الديستوبي الذي نحياه تحت كفن الزيف والأكاذيب التي حولتنا الي نسخة مرجوه للمؤسسات المالكه للخطاب والقوه والمعرفه في العالم.
الممثل "عمرو القاضي" استطاع أن يتعايش مع شخصيةهاملت (سامح مهران) ببراعة وإتقان دون أن يخلط بين هاملت في(الموروث الشكسبيري) فكان هاملت بالمقلوب المتصل مع متلقيه والمحرك لذهنيتهم ومحرك لتسأولاتهم التي أودت للنتيجة وهدف الإتصال المتوقع من خطاب العرض
دكتور" أيمن الشيوي "في دور كلاوديوس .الوحش المسرحي الذي يجذب كل من يشاهده بسلاسة الأداء والحضور الطاغي و الحضور الجسدي ذو الدلالات التي تتيح بلوغ المعني من رسائل العرض
أما الفنان "خالد محمود " الذي ازعم انه يحاول إعادة إكتشاف الطاقات الإبداعيه الكامنه في ذاته ككمثل فقدم اروع ادواره في مسيرته الفنيه وهو دور القس بولونيوس والد اوفيليا
أما "سمر جابر)والتي قامت بدور اوفيليا فكانت رمزا للنسويه بصورتها وملابسهاالعصريه وبرعت في أداء الشخصيه المنسق مع القضايا العصريه للمرأه.
أما" نهاد سعيد" فأجادت في دور الملكه ام هاملت وكانت دلالة علي العهر النسوي وعهر الرغبات.
لا يمكننا أن نغفل مجموعة طلبة المعهد العالي للفنون المسرحية والتي شاركت في العرض وأخص منهم الممثل "محمد عبدالجليل"فهو ممثل واعد ينتظره مستقبل بعيد عن النسخة التي ارادواها للبشر .
لقد شاهدت هاملت بالمقلوب فلم أري اوهام هاملت الشكسبيري بل رأيت اوهام وزيف واكاذيب واقصاء للآخر من القوي المالكه للخطاب والقوه والمعرفه في العالم .
لقد شاهدت عرضا احترمني كمتلق ووضع التراث المسرحي في مناخ الأسئله وانطلق من فرضية مغايره تستقرأ الواقع المتغير وتكشف الزيف والتشويه والأكاذيب التي تحيط بنا في الراهن والواقع اليومي المعيش .
بل إن "هاملت بالمقلوب" أجاب علي سؤال هام لماذا عزف الجمهور المصري عن إرتياد دور العرض المسرحي في الآونة الاخيرة ؟ فإحترام فكر المتلقي في خطاب مسرحي جدير الإحترام صناعه وارتياد تجاربهم المسرحيه