زكي مبارك - مقدمة ديوان "علقمة الفحل"

ديوان علقمة الفحل – جمع وشرح السيد أحمد صقر
تحميل ديوان علقمة الفحل pdf
عنوان الكتاب: ديوان علقمة الفحل
المؤلف: علقمة بن عبدة الفحل
جمع وشرح: السيد أحمد صقر
الناشر: المطبعة المحمودية بالقاهرة
سنة النشر: 1353 هـ / 1935 م
رقم الطبعة: الأولى
مقدمة ديوان علقة الفحل بقلم الدكتور زكي مبارك:

إي والله! هذه مقدمة ديوان!

ولكن هل هذا ديوان؟

نحن في بلد الأحجام والمكاييل والموازين. والديوان فيه ديوان! أما القصائد التي تعد أبياتها عدا فليست بديوان، وليست خليقة بأن يهتم بها ناشر أو شارح، وإن تكلفت الغيرة على الأدب والبيان!

كذلك حدثت نفسي حين زارني الأديب “السيد أحمد صقر” وطلب مني أن أكتب مقدمة لهذا الديوان.

فقد كنت طالبا في الأزهر قبل أن يولد هذا الأديب، وكان الأزهر لذلك العهد لا يعترف بالذاتية الأدبية، ولا يشجع أحدا على رواية الشعر، ولا يمر فيه البيت إلا باسم الاعراب!

وكنت وأنا طالب في الأزهر أحفظ الشعر سرا وأنظمه سرا، لأن نظم الشعر كان ينافي الأزهرية الصحيحة، وكان الإهتمام به من سمات الغافلين عن حقائق المتون والشروح والحواشي والتقارير.!

لذلك طريت حين سئلت كتابة هذه المقدمة، فقد تيقنت أن الأزهر رفع الرقابة عن النزعة الأدبية، وبدأ يبتسم لمن يشرحون دواوين الأدب وهم طلاب.

ولأقيد أن شارح هذا الديوان طالب بالقسم الثانوي ولما يبلغ العشرين، والعشرون ليست بالسن القليل، أو القليلة إن شئتم، لكنها في حي الأزهر أقل من القليل!

ولأقيد أيضا أن في مقدور هذا الشاب أن يكون أديبا، إن جرى على الفطرة، وأطاع الطبع، وفهم أن الأدب بحر عجاج وأن لا سبيل إلى الفوز إلى بالجد الموصول.

ولأقيد أيضا أن دنيا الأزهر دنيا ضيقة الأرجاء، ولا مفر للأديب من تنسم الهواء في جو أنقى وأوسع.

فليتذكر ذلك أدباء الشباب في الأزهر الشريف، وليعرفوا أن في مصر معاهد تعرف الأدب خيرا مما يعرفون، وتدرس العربية خيرا مما يدرسون، وتعرف فوق هذا وذاك أن في الشرق والغرب علوما يجب أن تدرس؛ وأن في كل شيء مجالا للتأمل والدرس والاستقراء.

مالي ولهذا؟ إنما أمهد لشرح ديوان ” علقمة الفحل ” فلنترك الأزهريين إلى المقادير ولنعد إلى الديوان.

قلت إن هذا ديوان صغير، فلا نص على أن العناية بع تدل على فهم وذكاء. أليس علقمة قريح امرئ القيس؟ فهو إذن من أعلام الشعراء الذين اشتغلوا الناس في أيام الجاهلية، وكان شعراء الجاهلية قدوة في البيان.

والأدب الجاهلي هو الأصل الأصيل للغة العربية، والأديب مسئول عن تعرف ذلك الأصل وإن بدا له غريب الوجه، في زمن قل فيه من يحفظ الأصول.

فلا تستقلوا هذه القصائد والمقطوعات والأبيات، فإن الجوهر الجيد ليس فيه قليل.

وتذكروا أن أسلافكم كانوا يتواصون بحفظ الذخائر الأدبية واللغوية؛ والشعر الأصيل من أنفس الذخائر والأعلاق، وإن عز عليكم فهمه في بعض الأحيان.

إن كلية الآداب بالجامعة المصرية تفرض على طلبة اللغة العربية التعرف إلى العبرية والسريانية، فإن فاتكم ذلك يا أهل الأزهرـ فلا يفتكم أن تتعرفوا إلى شعر علقمة وأمثاله من الذين كادوا يعاصرون لغة القرآن.

قد تقولون: إن علقمة شغل نفسه بوصف الناثة في أكثر القصائد، وقد تعدون هذا من التوافع في عالم البيان.

فاعرفوا الآن أن وصف الناقة لم يكن من اللغو والفضول: فالناقة في بلاد العرب حيوان جميل جدا.

ومن “الجمل” جاء “الجمال” لو تعلمون.

إن أهل مصر ينظرون إلى الجمل فلا يرون فيه جمالا. وفاتم أن الجمل في بلادهم يأكل غير طعامه، فيكبر بطنه من وفرة البرسيم والماء، وتنمحي منه آيات الجمال؛ والجمل في مصر غريب لم يعرف المصريون في الزم القديم، ولكنه في بلاد العرب حيوان جميل عرف البادية وعرفته منذ ألوف السنين. فإن رابكم الإكثار من وصف الناقة فلا تلوموا الشاعر، ولكن لوموا أنفسكم فأنتم الذيم اكتفيتم بمرابض “القبلة القديمة” ولم تسيروا في الأرض فتنظروا كيف أنعم اللع على “الجِمال” بالجَمال.

على أن أهلينا في “سنتريس” لم يفتهم هذا المعنى، وعهدي يقولون في وصف الفتاة الهيفاء: “صبية كالناقة” ولولا جمال الناقة ما شبهوا بها الخريدة العطبول.

ومعاذ الأدب أن نقول إن هذا خير ما عرف علقمة الفحل، ففي ديوانه إشارات نفسية واجتماعية، جديرة بأن تقربه من أذهان أهل العصر الحديث. أليس هو الذي يقول:

وقد يعقل العقل الفتى دون همه وقد كان لولا القل طلاع أنجد

وله من أمثال هذه الحكم أشياء كثيرة لا يزال يرحب بها الذوق، ويجدها القارئ في ثنايا الديوان.

أما بعد: فإني أشكر لهذا الشاب عنايته بشرح هذا الديوان ونشره، أرجو أن يكون قدوة لأمثاله من طلبة الأزهر الشريف… والسلام.

زكي مبارك

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى