د. فارس الحسيني - (القُربان)!.. من سلسلة خمسِ مقالاتٍ في ( علم الأديان ) _ .

مِن خِلال قِراءاتي في الأَديان ، وجدتُ نِقاط تَشابهٍ ، ومَواضِع اقتباسٍ بين الأديان البدائية الوثنية وبين الأديان التوحيدية ، ومنها ( القُربان) ؛ فَهو مَوجودٌ وضَروريٌّ في الأديان الوثنية وكذلك فيما يُطلَقُ عليها (الأديان التَّوحيديَّة أو السَّماويَّة) ، ولا يَتسعُ المجالُ لِذكرِ الأَشكال الغريبة والعجيبة للقربان في الأديان البدائيَّة ، ولكنني أستطيع الإِشارة إلى الأديان القديمة التي مارَسَتْ أنواعًا من القرابين كَالديانة الفينيقيَّة التي كانتْ تُقدِّم الأطفالَ قرابينَ للآلهة لا سيما ( بعل) بِإِلقائِهم في النِّيران !! ، أو تَذبح الابن البِكْر قُربانًا للإله ! ،_ وُجدتْ عظامُ أطفالٍ تحتَ أُسُس المنازل الفينيقية ! _ وهذا يُشبهُ ما أرادَ فعلُهُ النبيُّ ( إبراهيم ( ع) ) حينما أرادَ ذبحَ ابنهِ ( إسماعيل ) أو ( إِسحق) !!!حتَّى فُدِيَ بِكبشٍ عظيمٍ !
، والكبشُ هُو القُربان الحَيوانيُّ الأَوَّل لَدى الدِّيانات يَليهِ التَّيس الَّذي ( يحمل كُلَّ الذُّنوب ) / الكتاب المقدس، سِفر اللَّاويين ، الإِصحاح ( 16) .
ودَمُ الخَروف أو التَّيس هُو الغاية من القربان ( وبِدون سَفك الدَّم لا تَحصل مغفرة) / الكتاب المقدس ، سفر العبرانيين ، الإصحاح ( 9) .
وقبلَ هذهِ الأديان (( عُثِرَ في الخَرائبِ السُّومريَّة على لَوحةٍ نُقِشَتْ عليها بعضُ الصَّلَواتِ وجاءَتْ فِيها هذهِ النُّذُرُ الغَريبة : "" إِنَّ الضَّأنَ فِداءٌ لِلَحمِ الآدمييّن ، بِهِ افتدى الإِنسانُ حَياتَهُ "" ))
وهكذا كُتِبَ على الخروف المسكين أنْ يَحملَ ذُنوبَ الإِنسان !
فَمَنْ يُنصِفُ الخَروفَ ؟!
والغَرضُ مِنَ القُربان هُوَ إِرضاءُ الآلهة ، وهو تعبيرٌ عَن الخوف من الآلهة ، فَهُوَ مُرافقٌ لِلصَّلاةِ والتَّراتيل للآلهة ، والقرابينُ _ حسبَ اعتقاد البابلييِّن _ تُطيلُ العُمُر ، فَقد وَرَدَ هذا النَّصُّ : (( الخوفُ مِنَ الآلهة ، مدعاةٌ لِلعطف ، والقَرابينُ تُطِيلُ العُمُر )) ، وورَد أيضًا عن أحدِ مُلُوكِ ( آشور) (( مُنجزاتُ يَدَيهِ وقَرابينُ عَطاياهُ لِلآلهة العَظيمة قَد استمرَّت بِلا انقطاعٍ ؛ فَطالَ عُمُرُهُ ، حَتّى أدرَكَ البَياضُ شَعَرَهُ )) !
وكثيرًا ما كانَ القُربانِ لِغَرضٍ آخَرَ غير إِطعامِ الآلهة فَقَط بِل هُو لِإِرضائِها ، ويَترافقُ هذا مع حُدُوثِ بعضِ الظَّواهرِ الكونيَّة في بعضِ الحضارات ، على سبيل المثال في حضارة ( الأزتيك ) التي استوطنت منطقة أمريكا الوسطى ( المكسيك حاليًّا ) ما بين عام 1200 ميلاديَّة إلى حدود عام 1521 ميلاديَّة، كانت طقوس تقديم القرابين البشرية منتشرةً بشكلٍ كبيرٍ جدًّا و منظَّم إلى حدٍّ كبير، فعند وقوع كسوف شمسيٍّ ، مثلًا، كان يتمُّ التَّضحية بعددٍ كبيرٍ من البشر قد يبلغ حدود 20 أو 30 ألفَ شخصٍ طيلة 3 أيام لا يتوقَّف فيها القتلُ مطلقًا_ بِنزع قُلُوبهم ، بِلا تَخدير ! _ لكي يرضى الإله الخالق للكون المدعو Quetzalcoatl و يُعيدَ الشَّمسَ للظُّهور من جديد !
****
والسُّؤال الَّذي يَلحُّ علينا في الطَّرح هُو : في الأديانِ الوَثنيَّة كانتِ الآلهة تَأكلُ القَرابين ؛ ( فَالقُربان رمزٌ لِصفة إِطعام الآلهة ) ، ويعني _ في اللُّغة السُّومريَّة ( طعام الآلهة ) ! ؛ وقد كان ( الكهنةُ يَقُومُونَ ، نِيابَةً عن الآلهة ، بِأكلِ الطَّعام ) ! فِلماذا بَقِيَتْ القَرابينُ في الأديان التَّوحيديّة الَّتي تَقُول إِنَّ الخالقَ لا يَأكل ولا يَشربُ ولا يَحتاجُ شَيئًا ؟!
وما هِيَ حاجةُ الخالق لِلدَّمِ _ دمِ الأَنعام _ الَّذي يُسفَك ؟!
وما مَعنى ( التَّقوى) في القرآن الكريم : ((لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ )) سورة ( الحجِّ) ( 27) .
وإِذا كانت ( التَّقوى ) بِذبحِ الخِرفان ؛ فَإِنَّ أَيَّ حاكِمٍ طاغيةٍ يَستطيعُ أن يذبحَ آلاف الخِرفان _ كَما يَذبحُ أَفرادَ المُعارَضة لِحُكمهِ ! _ ؛ فَيُصبحَ مِن أتقى الأتقياء !!!



...........
تنويه: أُحيلُ القارئ الكريم _ للاستزادة _ إلى المَصادر الآتية _ حسبَ وُرُودِ اقتباساتُها في المَقالة _ :
1.( الأُسطورة والتُّراث ، سيد محمود القِمني ، سينا للنشر ، القاهرة ، ط2 ، 1993 ، ص77_ 107 . )
2. ( قصَّة الحضارة ، ول ديورانت ، ترجمة : د. زكي نجيب محمود ، لجنة التَّأليف والتَّرجمة والنَّشر ، الإِدارة الثّقافيَّة في جامعة الدُّول العربيَّة ، مطابع الدَّجوي ، مصر _ القاهرة ، ط4 ، 1973 ، 1/ 29 . )
3. ( القَرابين والنُّذُور في العراق القديم ، سعد عمر محمد أمين ، إصدارات وزارة الثَّقافة _ دار الشُّؤون الثَّقافيَّة العامَّة ،العراق _ بغداد ، ط1 ، 2011 ، ص10 _ 11 ، وص19)
4. ( العراق في التّاريخ القَديم _ مُوجَز التَّاريخ الحَضاريِّ _ ، د. عامر سليمان ، وزارة التَّعليم العالي والبحث العلمي ، جامعة الموصل ، 1993 ، ص134 . ) .
5. معلومات من ( شَبَكة النَّت )

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى