د. فارس الحسيني - التَّشابُهُ بين (الأَديان الوَثنيَّة القديمة) و( القرآن الكريم) !.. المقالة الرَّابعة

4


مِن خِلال قِراءاتي في الأَديان ، وجدتُ نِقاط تَشابهٍ ، ومَواضِع اقتباسٍ بين ( القرآن الكريم ) والكُتُب المُقدَّسة للأديان القديمة فِيما يَخُصُّ خَلْقَ العالَم والإِنسان ، وهي كثيرة ولا تَكادُ تُحصى ، ومِنها _ على سَبيل المِثال لا الحصر _ :
1. يَقُول القرآن الكريم : ( أَوَلم يَرَ الَّذينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ والأَرضَ كانَتَا رَتقًا فَفَتَقْناهُما ....... ) سورة الأنبياء ، آية ( 30) .
وقد جاءَ في قِصَّةِ الخليقةِ عندَ السُّومرييِّن والبابلييِّنَ أَنَّ الإِله ( مَردوخ) قَد شَقَّ الإِلهة ( تيامة ) _ المياه المالِحة _ إِلى نِصفَينِ ، و (( خَلَقَ مردوخُ مِن نصفِ جِسمِها العُلويِّ السَّماءَ ، ونصفِ جِسمِها الأَسفَلِ الأرضَ ))
وتَقُولُ _ أَيضًا _ الأَسطورة المصريَّة القَديمة في قِصَّةِ الخَلْقِ ، إِنَّ الإِلهَ الأَكبر ( آتوم ) قد أَوحى إِلى الإِلهِ ( شُو ) أن يَفصِلَ السَّماءَ عن الأَرضِ فقد (( كانتِ السَّماء والأرض مُتَّصِلَتَينِ رُوحًا وجَسَدًا ، إِلى أن أَذِنَ الإِلهُ الخالقُ ...... أن يفصل بينهما ؛ فَرَفعَ ( شُو) السَّماءَ عن الأَرض ونَهضَ بِها إِلى أعلى عِليِّين ثُمَّ مَلَأَ الفراغَ بينَها وبينَ الأَرض بِما كانَ يُحيطُ بِهِ ويصدرُ عنهُ من هواءٍ وضياء . )) ، وبذلكَ تكوَّنَ الإِله ( جب ) ، إله الأرض ، والإِلهة ( نوت ) ، إلهة السَّماء ، .
2. وَرَدَ في كتاب ( الفيدا) _ المُقدَّس عند الهندوس_ أَنَّ العالَم يَتَنَفَّسُ خِلالَ آلاف السِّنين ويُصبِحُ (حَجمُهُ أوسعَ ) !، ثُمَّ يَتَقلَّصُ ، وهكذا يَنقبضُ وينبسطُ في تَعاقب أبديٍّ ! / ، وهذا ما ورَدَ في ( القرآن) في قَولِهِ (﴿وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾ [الذاريات: 47] ، وهذه الآية تُعَدُّ من الإِعجاز العلميِّ للقرآن !!!
3. وَرَدَ في كتاب _ ( الأَفستا)_ لِلزَّرادشتيَّة ، هذه التِّلاوة لِلإِله ( أهورا مزدا) :
(مَنْ خَلَقَ السَّماءَ ، ومَنَعَها مِنَ السُّقُوط على الأرضِ ؟!)/
وقد وَرَدَ في القُرآن قولُهُ : ( ويُمسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ على الأَرضِ إِلَّا بِإِذنِهِ .. ) الحج ( 65) .
4. أهميَّة الأَسماء ، كما جاءَ في القرآن الكريم : ((وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ )) ) البقرة (33) .
وفي الفكر العراقيِّ القديم يَحتلُّ ( الاسم ) مكانةً عُليا وأساسيَّة في عمليَّة الخَلقِ والإِيجاد ؛ (( إِذْ إِنَّهُ يُمَثِّلُ الوُجُودَ الفِعليَّ ، فالشَّيءُ يَتمتَّعُ بِوجودِهِ الفِعليِّ عِندما يَكُونُ قَد اقتَرَنَ بِاسم ، فَما دامَ لَم يكُنْ ثَمَّةَ شيءٌ لَهُ اسمٌ ؛ فَإِنَّهُ لَن يَكُونَ مَوجُودًا )) !
5. خَلقُ الإِنسانِ من (طِين ) : جاءَ في القرآن الكريمِ أَنَّ الإِنسانَ مَخلُوقٌ من ( طين) أو من ( ماءٍ) و( طينٍ) ، في العديدِ مِنَ الآياتِ ، مِنها : ((هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ )) سورة ( الأنعام) (2) و قولُهُ _ أَيضًا _ : ((وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ )) سورة ( المؤمنون ) (12) .
وقد وَرَدَ في أساطيرِ الخلقِ السُّومريَّة _ والبابليَّة أيضًا _ أَنَّ (( الإِنسانَ خُلِقَ مِنْ طِين )) وَ أَنَّ الآلهة أو الإِلة ( إِنكي ) أو ( إِيا) قد خَلَقَ الإِنسانَ الأوَّلَ من (( لُبِّ الطِّينِ )) ، من طِينِ مياه ( الأبسو) _ المياه الجوفيَّة العذبة _ !
6. إِنزال الحديد من السَّماء : فَقد جاءَ في القرآن الكريم : ((وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ)) سورة ( الحديد) ( 25) .
وفي السُّومريَّة تُسمَّى الحديد بِ(( المعدن من السَّماء )) !
7. تَدميرُ المُدُن : فَكُلُّ مدينةٍ يَستولي عَليها جيشٌ أجنبيٌّ غازٍ _ في الحَضارات القديمة_ يَكون سَبَبُ هذا الاحتلال هُوَ غَضَبَ إِله المدينة على أهل تلكَ المدينة لِأنَّهم دَنَّسُوا مَعبدَهُ أو أَهمَلُوا عِبادتَهُ ! ، وهذا ما حصَلَ في ( أور) حينما غَضِبَ الإِله ( إنليل) على أهلها فَسَلَّطَ عليهم الغُزاةَ فَدَمَّرُوها تَدميرًا ! ، وهكذا الأمر في آلهة اليونان وغيرها من الأَقوام : دَمارُ المُدُن بِسببِ غَضَب الآلهة العارم الذي لا يُمكنُ كَظمُهُ بِأيِّ حالٍ من الأَحوال !
ويَرِدُ هذا الغَضَبُ العارم في الكتاب المُقدَّس في أكثر من قِصَّةٍ ، كَدمار مدينتي ( سَدوم) و( عمورة) إِذْ أمطَرَ ( الرَّبُّ على سَدوم وعمورة كبريتًا ونارًا من عند الرَّبِّ من السَّماء ، وقَلَبَ تلكَ المُدُن وجميع سُكَّان المُدُن ونبات الأرض ) / التَّكوين : 18 .
وهكذا عاشَ الإِنسانُ في قَلَقٍ من غَضب الآلهة التي تُدمِّرُهُ مَتى تَشاء ،وأورَثَ قَلَقَهُ هذا لِلأجيال التَّالية ، فَأصبح القلقُ يَجري في عُروق وَأعصابِ البَشريَّة !
وفي القرآن الكريم وَرَدَ تَدميرُ المُدُن والأَقوامِ في العَديدِ من الآيات ، كقولِهِ عن ( ثمود) : ((كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (12) فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15) )) سورة ( الشَّمس) .
وقولُهُ _ أَيضًا _ عن قريةِ قوم لوط : (( فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ )) سورة ( الحجر) (74) .
ويَقُول القرآن الكريم _ بِصورةٍ عامَّةٍ عن تَدمير القُرى والبَشَر _ : ((وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17) )) سورة ( الإِسراء) .
...........
المصادر _ بِحسبِ تسلسلها في المَقالة _ هِيَ :
1. الفكرُ الدِّينيُّ عندَ السُّومرييِّنَ ( في ضوءِ المَصادر المسماريَّة ) ، د. مريم عمران ، جمهوريَّة العراق ، وزارةِ السِّياحة والآثار ، الهيئة العامة للآثار والتُّراث ، شركة دار المعمورة لِلطِّباعة والنَّشر والتَّوزيع ، بغداد ، 2014 ، ص109 .
2. الفلسفة الشَّرقيَّة القديمة ، أ . د مصطفى حسن النَّشَّار ، دار المسيرة للنَّشر والتَّوزيع والطِّباعة ، عمَّان _ الأردن ، ط1 ، 2012 ، ص40 .
3. فلسفة الشَّرق ، مهرداد مهرين ، ترجمة : محمود علاوي ، المجلس الأعلى للثَّقافة ، مصر ، 2003 ، ص67 . ، ص225 .
4. الفِكر السِّياسِيُّ في العراق القَديم ، د. عبد الرِّضا الطَّعَّان ، دار الشُّؤون الثَّقافِيَّة العامَّة ، العراق _ بغداد ، ط2 ، 1986 ، 2/ 99 . ، ويُنظَرُ _ أَيضًا _ الحياة اليوميَّة في بلاد بابل وآشور ، ص276 .
5. السُّومريُّون ( تاريخ حضارتهم وخصائصهم ) ، صموئيل نوح كريمر ، ترجمة : د. فيصل الوائلي ، مكتبة الحضارات ، بيروت _ لبنان ، ط1 ، 1973 ، ص200 .
6. الفكر الدِّينيُّ القديم ، د. تقي الدَّبَّاغ ، دار الشُّؤون الثَّقافيَّة العامة ، العراق _ بغداد ، ط1 ، 1992 ، ص27 .
7. المثولوجيا السُّومريَّة ، د. خزعل الماجدي ، منشورات تكوين _ الكويت ، الرَّافدين _ لبنان ، ط1 ، 2018 ، ص350 .
8. أَنبياء سُومريُّون ( كيف تحوَّل عشرةُ ملوكٍ سُومرييِّن إِلى عشرةِ أَنبياء توراتييِّن ) ، د. خزعل الماجدي ، المركز الثَّقافي للكتاب لِلنَّشر والتَّوزيع ، الدَّار البيضاء _ المغرب ، بيروت _ لبنان ، ط2 ، 2019 ، ص152 .
9. ارتقاء الإنسان ، ج. برونوفسكي ، ترجمة : د. موفق شخاشيرو ، مراجعة : زهير الكرمي ، عالم المعرفة ، الكويت ، 1981 ، ص82 .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى