9
غياب الشاشة
مخزن الأمتعة
والأثاث القديم
يتنفس فيه السكون
يتساقط فيه الزمن
كغبار
هاهنا كانت الشاشة الساطعة
وسط هذا الجدار
وهنا كانت القاعة الواسعة
قاعة العرض مكتظة في الظلام
والشعاع الذي يتراقص بين الظلال
يموج عوالم للحب والسحر والخوف والانتصار
والمغامرة الرائعة
ورجال الفروسية الاولين
والنساء الجميلات، والسفن الخالدة
وبلاد الكنوز الخفية
والمدن الهائلة
والبيوت البسيطة رافلة في الدعة
والسعادة خالصة
والدموع
•
للمكان
روحه الصامتة
للهواء روائحه الباهتة
كرماد حريق قديم
السكون
وحده يتنفس.
الكائنات الخفية تكمن داخل أشيائها
المهود التي صدئت. الأسرة ذات النقوش
الكراسي بأذرعها الناحلة.
المناضد مكسورة بعض أطرافها.
الخزانات مغلقة.
الزهور الصناعية الشاحبة
الأواني. المعاطف. الأغطية
أطر الصور الفارغة
متعلقة بالجدار
•
لحظة تتصاعد وشوشة الناس في قاعة العرض
حين تشع حروف
(النهاية)
حين تضاء المصابيح ثانية...
من ترى يتذكر؟ أين الوجوه التي ائتلقت ؟
والعيون التي شاهدت كل شيء ؟
وهل غادر الناس أحلامهم وانتهوا؟
وانطوى مهرجان الحياة، كما تتلاشى الظلال
على شاشة خالية ؟
سأل معاوية مجالسيه : (من اسعد الناس ؟ ) ..اجابوا (انت يا امير المؤمنين .. قال : < لا بل هو رجل صياد يعود الى كوخه مساء بسمكه لزوجة وديعة فتقلي له في ضجة من مرح الصغارلا يعرفنا ولا نعرفه ).. سالني البريكان : ( من الزوجة المناسبة .. اجبته : المطيعة . قال : بل <الوديعة >..تخيل زوجة كحمامة تتحرك في المنزل زاخرة برضا روحي وصفاء ذهن.. تشع انوثة بلا تكلف تنجز مئات الاعمال عن طيب خاطر ..لم يتمكن منها الحزن رغم دموع ..ولا عقد رغم طارئات..عالمها منزل وزوج وطفولة .. زاهدة عن ضجيج الاخرين ..حين مرت القصيدة (بالبيوت البسيطة وما تضم من سعادة خالصة ..ترسخت مفردة < والدموع >.. ( دموع كاذبة .. حرارة الدموع كاذبة .. ما هي الا عطش وجوع )..(كانت نساء الجنود الالمانيات يجمعن الدموع في قوارير صغيرة ويرسلنها للازواج او عشاقهن .. طالت الحرب ..اصبحت بعض النساء ترسل ماء في قارورة م)... بمرور الايام تفقد الرموز دلالتها والمشاعر طزاجتها والاهتمامات قوة تاثيرها وقد تتحول المقدسات الى طقوس رتيبة .قصائده مثل ( من معقل المنسيين ,,, و احتفاء بالاشياء الزائلة )تسلط الضوء على نظرته للجو الاسري الذي يرسخ الاستقرار ويزهر الروح بالسعادة ..لكننا الان امام شاشة غائبة مسخت الى مخزن للامتعة .عليك ان تتخيل مكانة السينما في تلك المرحلة قبل الشاشة الصغيرة الملونة ..وقبل ان تنتشر طرفة شهيرة في العراق (اغلق الشاشة وضع صورة الرئيس فلن تجد فرقا )...لقد كان يحتلها لساعات ...سينمات البصرة ولا فتات دعائية للافلام يتصدرها <تومان> ـ من اصل زنجي ـ يجوب ازقة ام البروم عازفا بالفيفرة بانفه صارخا فجاة ليفزع الصبايا غير المحجبات : (هنا كاري كوبر ).. تخيل بائعي الزبيب وفستق العبيد يتصاعد منه الدخان المتنقلون ينتظرون العائدين من السينما اخر الليل ..تخيل الناعسين و المشردين والجزعين يقتلون الوقت في صالة السينما..اتذكر ايام مراهقتي قصدت احدى صالات العرض ومعي قريبي بنفس عمري وتدفقت الاضواء < رجل و99 أمراة )اظنهم هاربين من سجن .. وبرزت لقطات مثيرة .. فالتفت لقريبي رجل مبتسما (يا اخي هم يلتصقون ما ذنبي انا ؟ ) كان قريبي قد تفاعل ونسي نفسه فامسك الرجل بيديه من الاكتاف ...ما كان يجري في دور السينما يحتاج مجلدات .لكن سينمات البصرة مرت بتحولات : تغيرت اشكالها واسماؤها وانواع عروضها واماكنها وانهكها التراجع حتى انقرضت تماما .. فقد امتد بها العمر لتشهد محكمة <المحرمات>..مستسلمة بعد احتضار طويل لقوة الفناء .
قصائد البريكان تضيء بعضها مثلا < الزهور الصناعية الشاحبة)...تذكرك بقصائد تجريدية (نباتات من الاسفنج ). (مهما اختلف الشعراء المعاصرون في استخدامهم اللغة الشعرية فانهم يجتمعون على هدف واحد وهو بلوغ النظارة والمعاصرة باستعمال قاموس متحرر من تراث الاربعينيات وهم يظهرون ميلا نحو استعمال الكلمات بشكل اكثر مواربة لكنهم يتوقون دقة اكبر في معاني الالفاظ وهم يبحثون عن لغة اكثر حركية قادرة على التعبير عن الوضع الحديث للانسان في الوطن العربي ( الحركات والاتجاهات في حركة الشعر الحديث \ سلمى الخضراء الجيوسي \ ترجمة عبد الواحد لؤلؤة \بيروت 2007 ص734)
. نحن هنا امام لون من الشعر بسّطت فيه المفردات لاقصى ما يمكن ..وهذه <اللغة الاكثر حركية > لم يعد لها مكان هنا .. يذكر التدريسي في جامعة البصرة الدكتور شهاب احمد مترجم شعر البريكان في مقابلة اجراها معه الشاعر حسين عبد اللطيف ((< وكان دقيقا جدا في توخي الدقة حتى في التشكيل الحروفي للآبيات على الصفحة ، وأذكر أنه طلب مني ألا أستخدم مفردة Mass)) كمقابل لكلمة قداس .. في ترجمة عنوان قصيدة ( قداس لشاعر على حافة العالم ) .. وقلت له انني لم استخدم هذه الكلمة وانما استخدمت كلمة أخرى تعود الذاكرة بها إلى إحدى القطع الموسيقية .
((استطيع ان اغرقهم بالمفردات الزاخرة بالمجاز كما يرغبون, ولكني افضل الان المفردات الابسط م)).و عندما كان يحاور د شهاب احمد ابان فترة ترجمته للقصائد رايته يحثه على اختيار المفردات الاكثر دقة , البعيدة عن الايحاء المشوش. نقّب في غياب شاشة <النساء الجميلات ... الخزانات مغلقة .. الزهور الصناعية... الأواني. المعاطف. الأغطية....>مفردات تقترب من اللهجة الدارجة ...... لقد توقف تيار الكلمات التي استعملت في قصائده سابقا ..والسؤال لماذا ؟ في الشعر العربي ..المتنبي نموذجا ..ترى الصياغات اقل تعقيدا والمفردات اكثر بساطة لديه كلما تقدم به العمر : <يقول لي الطبيب اكلت شيئا .. وداؤك في شرابك والطعام > في البيت التالي ستكتشف قيمة البيت السابق < وَمَا في طِبّهِ أنّي جَوَادٌ.. أضَرَّ بجِسْمِهِ طُولُ الجَمَامِ > , لم يكن البريكان مهتما بتلميع الجزئيات في القصيدة ولا بكم من الايحاء المحشور انه مشغول بنهاية كارثية لكائن جميل اجهزت عليه يد الزوال .. كائن طالما شغل الناس وحلق بخيالهم بعيدا وملأ ذاكرتهم بالعجائب وطور فيهم حب الفضول وفن الاسئلة ..ان وصفا مثل (فَدَقَّتْ،وَجَلَّتْ،واسْبَكَرَّتْ،وأُكْمِلَتْ, فَلَوْ جُنَّ إنْسَانٌ من الحُسْنِ جُنَّتِ) لا يحتاج اليه هنا ..يكفيه مفردة جميلات لوصف النساء ..لا يريد ان يشغل القاريء بالتفاصيل .. وهو في عجالة ليضعه امام السؤال الخطير : (فهل غادر الناس اشياءهم وانطوى مهرجان الحياة .. كثيرا ما استبدلت شخصيا بلا وعي مفردة انطوى ب انتهى ...حين اردد البيت لكن مادة انطوى لا تعني نهاية شيء بل حركة نهايته كالفرق بين صورة ومشهد فديو لها. تفلت القصيدة من قبضة العروض الرتيب حتى لتظهر لاول وهلة غير موزونة..تتنقل ايقاعا بين البحرين المتدارك والخبب..
في قصيدته ( الى الاشغال الشاقة ) لحظت ميولا لدى البريكان الى الايقاع المتزن ..غير المرقص.. واجابني(لا اميل للايقاع السريع..م)..
غياب الشاشة
مخزن الأمتعة
والأثاث القديم
يتنفس فيه السكون
يتساقط فيه الزمن
كغبار
هاهنا كانت الشاشة الساطعة
وسط هذا الجدار
وهنا كانت القاعة الواسعة
قاعة العرض مكتظة في الظلام
والشعاع الذي يتراقص بين الظلال
يموج عوالم للحب والسحر والخوف والانتصار
والمغامرة الرائعة
ورجال الفروسية الاولين
والنساء الجميلات، والسفن الخالدة
وبلاد الكنوز الخفية
والمدن الهائلة
والبيوت البسيطة رافلة في الدعة
والسعادة خالصة
والدموع
•
للمكان
روحه الصامتة
للهواء روائحه الباهتة
كرماد حريق قديم
السكون
وحده يتنفس.
الكائنات الخفية تكمن داخل أشيائها
المهود التي صدئت. الأسرة ذات النقوش
الكراسي بأذرعها الناحلة.
المناضد مكسورة بعض أطرافها.
الخزانات مغلقة.
الزهور الصناعية الشاحبة
الأواني. المعاطف. الأغطية
أطر الصور الفارغة
متعلقة بالجدار
•
لحظة تتصاعد وشوشة الناس في قاعة العرض
حين تشع حروف
(النهاية)
حين تضاء المصابيح ثانية...
من ترى يتذكر؟ أين الوجوه التي ائتلقت ؟
والعيون التي شاهدت كل شيء ؟
وهل غادر الناس أحلامهم وانتهوا؟
وانطوى مهرجان الحياة، كما تتلاشى الظلال
على شاشة خالية ؟
سأل معاوية مجالسيه : (من اسعد الناس ؟ ) ..اجابوا (انت يا امير المؤمنين .. قال : < لا بل هو رجل صياد يعود الى كوخه مساء بسمكه لزوجة وديعة فتقلي له في ضجة من مرح الصغارلا يعرفنا ولا نعرفه ).. سالني البريكان : ( من الزوجة المناسبة .. اجبته : المطيعة . قال : بل <الوديعة >..تخيل زوجة كحمامة تتحرك في المنزل زاخرة برضا روحي وصفاء ذهن.. تشع انوثة بلا تكلف تنجز مئات الاعمال عن طيب خاطر ..لم يتمكن منها الحزن رغم دموع ..ولا عقد رغم طارئات..عالمها منزل وزوج وطفولة .. زاهدة عن ضجيج الاخرين ..حين مرت القصيدة (بالبيوت البسيطة وما تضم من سعادة خالصة ..ترسخت مفردة < والدموع >.. ( دموع كاذبة .. حرارة الدموع كاذبة .. ما هي الا عطش وجوع )..(كانت نساء الجنود الالمانيات يجمعن الدموع في قوارير صغيرة ويرسلنها للازواج او عشاقهن .. طالت الحرب ..اصبحت بعض النساء ترسل ماء في قارورة م)... بمرور الايام تفقد الرموز دلالتها والمشاعر طزاجتها والاهتمامات قوة تاثيرها وقد تتحول المقدسات الى طقوس رتيبة .قصائده مثل ( من معقل المنسيين ,,, و احتفاء بالاشياء الزائلة )تسلط الضوء على نظرته للجو الاسري الذي يرسخ الاستقرار ويزهر الروح بالسعادة ..لكننا الان امام شاشة غائبة مسخت الى مخزن للامتعة .عليك ان تتخيل مكانة السينما في تلك المرحلة قبل الشاشة الصغيرة الملونة ..وقبل ان تنتشر طرفة شهيرة في العراق (اغلق الشاشة وضع صورة الرئيس فلن تجد فرقا )...لقد كان يحتلها لساعات ...سينمات البصرة ولا فتات دعائية للافلام يتصدرها <تومان> ـ من اصل زنجي ـ يجوب ازقة ام البروم عازفا بالفيفرة بانفه صارخا فجاة ليفزع الصبايا غير المحجبات : (هنا كاري كوبر ).. تخيل بائعي الزبيب وفستق العبيد يتصاعد منه الدخان المتنقلون ينتظرون العائدين من السينما اخر الليل ..تخيل الناعسين و المشردين والجزعين يقتلون الوقت في صالة السينما..اتذكر ايام مراهقتي قصدت احدى صالات العرض ومعي قريبي بنفس عمري وتدفقت الاضواء < رجل و99 أمراة )اظنهم هاربين من سجن .. وبرزت لقطات مثيرة .. فالتفت لقريبي رجل مبتسما (يا اخي هم يلتصقون ما ذنبي انا ؟ ) كان قريبي قد تفاعل ونسي نفسه فامسك الرجل بيديه من الاكتاف ...ما كان يجري في دور السينما يحتاج مجلدات .لكن سينمات البصرة مرت بتحولات : تغيرت اشكالها واسماؤها وانواع عروضها واماكنها وانهكها التراجع حتى انقرضت تماما .. فقد امتد بها العمر لتشهد محكمة <المحرمات>..مستسلمة بعد احتضار طويل لقوة الفناء .
قصائد البريكان تضيء بعضها مثلا < الزهور الصناعية الشاحبة)...تذكرك بقصائد تجريدية (نباتات من الاسفنج ). (مهما اختلف الشعراء المعاصرون في استخدامهم اللغة الشعرية فانهم يجتمعون على هدف واحد وهو بلوغ النظارة والمعاصرة باستعمال قاموس متحرر من تراث الاربعينيات وهم يظهرون ميلا نحو استعمال الكلمات بشكل اكثر مواربة لكنهم يتوقون دقة اكبر في معاني الالفاظ وهم يبحثون عن لغة اكثر حركية قادرة على التعبير عن الوضع الحديث للانسان في الوطن العربي ( الحركات والاتجاهات في حركة الشعر الحديث \ سلمى الخضراء الجيوسي \ ترجمة عبد الواحد لؤلؤة \بيروت 2007 ص734)
. نحن هنا امام لون من الشعر بسّطت فيه المفردات لاقصى ما يمكن ..وهذه <اللغة الاكثر حركية > لم يعد لها مكان هنا .. يذكر التدريسي في جامعة البصرة الدكتور شهاب احمد مترجم شعر البريكان في مقابلة اجراها معه الشاعر حسين عبد اللطيف ((< وكان دقيقا جدا في توخي الدقة حتى في التشكيل الحروفي للآبيات على الصفحة ، وأذكر أنه طلب مني ألا أستخدم مفردة Mass)) كمقابل لكلمة قداس .. في ترجمة عنوان قصيدة ( قداس لشاعر على حافة العالم ) .. وقلت له انني لم استخدم هذه الكلمة وانما استخدمت كلمة أخرى تعود الذاكرة بها إلى إحدى القطع الموسيقية .
((استطيع ان اغرقهم بالمفردات الزاخرة بالمجاز كما يرغبون, ولكني افضل الان المفردات الابسط م)).و عندما كان يحاور د شهاب احمد ابان فترة ترجمته للقصائد رايته يحثه على اختيار المفردات الاكثر دقة , البعيدة عن الايحاء المشوش. نقّب في غياب شاشة <النساء الجميلات ... الخزانات مغلقة .. الزهور الصناعية... الأواني. المعاطف. الأغطية....>مفردات تقترب من اللهجة الدارجة ...... لقد توقف تيار الكلمات التي استعملت في قصائده سابقا ..والسؤال لماذا ؟ في الشعر العربي ..المتنبي نموذجا ..ترى الصياغات اقل تعقيدا والمفردات اكثر بساطة لديه كلما تقدم به العمر : <يقول لي الطبيب اكلت شيئا .. وداؤك في شرابك والطعام > في البيت التالي ستكتشف قيمة البيت السابق < وَمَا في طِبّهِ أنّي جَوَادٌ.. أضَرَّ بجِسْمِهِ طُولُ الجَمَامِ > , لم يكن البريكان مهتما بتلميع الجزئيات في القصيدة ولا بكم من الايحاء المحشور انه مشغول بنهاية كارثية لكائن جميل اجهزت عليه يد الزوال .. كائن طالما شغل الناس وحلق بخيالهم بعيدا وملأ ذاكرتهم بالعجائب وطور فيهم حب الفضول وفن الاسئلة ..ان وصفا مثل (فَدَقَّتْ،وَجَلَّتْ،واسْبَكَرَّتْ،وأُكْمِلَتْ, فَلَوْ جُنَّ إنْسَانٌ من الحُسْنِ جُنَّتِ) لا يحتاج اليه هنا ..يكفيه مفردة جميلات لوصف النساء ..لا يريد ان يشغل القاريء بالتفاصيل .. وهو في عجالة ليضعه امام السؤال الخطير : (فهل غادر الناس اشياءهم وانطوى مهرجان الحياة .. كثيرا ما استبدلت شخصيا بلا وعي مفردة انطوى ب انتهى ...حين اردد البيت لكن مادة انطوى لا تعني نهاية شيء بل حركة نهايته كالفرق بين صورة ومشهد فديو لها. تفلت القصيدة من قبضة العروض الرتيب حتى لتظهر لاول وهلة غير موزونة..تتنقل ايقاعا بين البحرين المتدارك والخبب..
في قصيدته ( الى الاشغال الشاقة ) لحظت ميولا لدى البريكان الى الايقاع المتزن ..غير المرقص.. واجابني(لا اميل للايقاع السريع..م)..