أ. د. عادل الأسطة - زكريا محمد الابن البار الرؤوف :

في الكتابة عن الأب في الأدب الفلسطيني نصوص عديدة ، تارة بدا الأب ضرورة وغيابه مشكلة ، وطورا صور عبئا بخاصة في حالات مرضه . بدا هذا في الشعر والنثر ، ولا أعرف إن كان هناك من تتبع صورة الأب في نماذج أدبية فلسطينية . كتبت فدوى طوقان في سيرتها عن أبيها القاسي وسحر خليفة في روايتها " الصبار " وفي سيرتها " روايتي لروايتي " ورثى محمود درويش أباه " رب الأيائل ، ربها يا أبي " وقسا أحمد دحبور في قصائده على أبيه والقائمة تطول .
لا أعرف الكثير عن زكريا محمد ( داوود عيد ) وأسرته ؛ أبيه وأمه وأشقائه وشقيقاته ، ولا أعرف عن العلاقة التي سادت بينهم ، وللأسف فإن لقاءاتي بزكريا ، وقد شابها الود والاحترام ، كانت قليلة عابرة لم تتجاوز حديثا سريعا .
وأنا أعيد قراءة " عصا الراعي " التفت إلى العلاقات الأسرية فيها .تكاد تغيب الأم ، فلا يكون لها حضور لافت إلا من خلال تشبثها بحقها " أريد تينة أبي " " أريد شجرة أبي " ، والحضور الأكثر هو للأب القروي المزارع الذي امتد به العمر حتى بدأ ينسى ويخرج من البيت فيتخاصم مع هذا أو ذاك . لقد هدته الحياة وأضعفه غياب الابن الأكبر - هذا إن قرأنا الرواية على أنها رواية سيرية .
السارد الذي يقيم في رام الله ويزور قريته باستمرار ويعود أباه ويلتقي بأخيه وأخته يوصيهما خيرا بأبيه ويتعامل هو معه بحب وحنان ورأفة وبالحسنى ولا يقول له " أف " . غالبا ما يلبي لأبيه طلباته ويسايره ويعطف عليه ولا ينتقص منه أبدا ، وعندما انتهيت من القراءة ظلت الكلمة التي خاطب الابن فيها أباه عالقة بذهني ، لا بلفظها ، وإنما أكثر بما تحتويه من حنان يكنه الابن للأب :
" - يا به " .
وأنا أقرأ " يا به " تذكرت لقاءاتي بزكريا محمد . لم يكن فجا ولم يكن غليظا . كان ودودا هادئا يبدو وديعا جدا . وربما قليلة جدا هي المرات التي كان ينرفز فيها حين نتواصل فيسبوكيا وتختلف آراؤنا .
ليست " عصا الراعي " رواية أجيال ، ولا هي كتبت لتكون رواية عائلية أساسا وإن حضرت العائلة فيها ، ومع ذلك يستطيع الباحث عن لازمة / فكرة الأخ في الأدب الفلسطيني أن يتوقف أمامها مطولا إذ تشغل هذه العلاقة بال السارد لا في لحظتها الراهنة وحسب ، وإنما في الأساطير والديانات ولدى الشعوب ، وهذا وحده يتطلب كتابة خاصة ، وما يتطلب كتابة خاصة أيضا مقارنة ما يطرحه زكريا محمد حول الأخ الأكبر والأخ الثاني بما كتب عنه مريد البرغوثي في " رأيت رام الله " وما كتبت عنه رضوى عاشور في " الطنطورية " وقد كنت كتبت عن الأخيرين في جريدة الأيام الفلسطينية .
مساء الخير
خربشات عادل الاسطة

١٤ / ٨ / ٢٠٢٣
في ١٤ / ٨ / ١٩٨٢ ناقشت رسالة الماجستير في الجامعة الأردنية في قاعة مجمع اللغة العربية الأردني وكان دكتور محمود السمرة رئيسا والدكتوران عبد الكريم خليفة ونصرت عبد الرحمن مناقشين .
( من محاضرتي عن زكريا محمد في يوم الاثنين المقبل في ٢١ / ٨ / ٢٠٢٣ )

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى