أمين الزاوي - من يمنع "فيلم باربي" قادر على حرق نصف مكتبتنا التراثية الأدبية والفقهية

كل منع للإبداع هو مس بحرية الخيال.
الجزائر بكل تراثها وثورتها ومثقفيها بلغاتهم المختلفة أعظم من مقص الرقيب وعصا الشرطي، والجزائر التي أومن بها أكبر من أن تخاف من فيلم عن حياة متخيلة لدمية اسمها "باربي" صنعت في مخابر أذواق الشركات الرأسمالية العابرة للقارات، يعرض في صالة عرض سينمائية واحدة، في بلد ب 44 مليون نسمة.
جزائر أبوليوس وسانت أوغسطين وكاتب ياسين ومحمد ديب والأخضر حامينة والشاب خالد ومولود معمري وجان سيناك وجمال عمراني ويوسف سبتي وعبدالقادر علولة والطاهر وطار وإمحمد أسياخم ومحمد خدة ومحمد أركون ومالك شبل وعلي مراد والطاهر جاووت وبشير حاج علي ومفدي زكريا وآيت منقلات و مرزاق علواش والشيخة الريميتي وعبد الكريم بهلول والصافي بوصلة وسيد علي كويرات ورشيد بوشارب وإيدير وبيونة وسيد أحمد أقومي ومعصوب الوناس وبوعلام صنصال وياسمينة خضرا وكمال داود وأحلام مستغانمي وكوثر عظيمي ومايسة باي وآسيا جبار وغيرهم لا تقبل بالرقابة والقص والمنع وبخاصة حين يرتبط الأمر بمنع عمل إبداعي فني تخيلي سينمائي أو أدبي أو موسيقي.
لا أصدر حكماً نقدياً من الخارج، فقد شاهدت "فيلم باربي" صحبة زوجتي الشاعرة والروائية ربيعة جلطي، وهي عادة سينمائية عريقة فينا، إذ نغتنم الفرصة كلما كنا خارج البلد كي نشاهد أكبر عدد من الأفلام الجديدة لأننا واثقان من أنه يستحيل مشاهدة فيلم جديد أو حتى قديم بشكل طبيعي في قاعة عرض جزائرية في الأيام العادية.
"فيلم باربي" للمخرجة الأميركية غريتا جيرويغ فيلم عادي جداً وخال من أية فلسفة أو طرح سياسي عميقين، فيلم يريد تارة التوجه للأطفال باعتباره يتحدث عن حياة الدمية باربي، وتارة يريد أن ينتقل بالخطاب إلى الكبار ليتحدث عن حقوق النساء والمساواة في رؤية نسوية "فيمينيست" مركبة وخارجية، وبين هذا الخطاب وذاك ضاع الفيلم في هرج الألوان وحركات الممثلين والممثلات بصورة استعراضية غير مقنعة...
الجزائر البلد الوحيد من بقية جميع بلدان شمال أفريقيا والشرق الأوسط الذي حصل على السعفة الذهبية في مهرجان كان الدولي عن فيلم "وقائع سنوات الجمر" للمخرج الكبير الأخضر حامينة أطال الله في عمره.
في بلد 44 مليون نسمة كان الفيلم يعرض في قاعة واحدة ومدينة الجزائر العاصمة، وأنا متأكد بأن عدد المشاهدين كان لا يمكنه أن يتجاوز بعض الآلاف القليلة جداً، لكن مع قرار منع التداول فمؤكد بأن الجميع وبدافع "كل ممنوع مرغوب" سيشاهدونه على منصات كثيرة أخرى مثل "نتفليكس".
حين يمنع فيلم كـ "باربي" بحجة أنه يروج لقيم أخلاقية تتعارض مع قيم مجتمعنا، فعلينا العودة لتراثنا الإسلامي وسنجد أن الفقهاء والأدباء لم يكونوا يوما ليتحرجوا من الحديث عن "الجنس" بكل أنواعه، بما فيه "المثلية" ومن دون حرج،(للتنبيه ففيلم باربي لا علاقة له بموضوع الجنس ولا المثلية مطلقا) وكتبنا الأدبية والفقهية مليئة بذلك وهي موجودة في جميع المكتبات العائلية تقريباً، ويكفي مراجعة "رسالة القيان" للجاحظ وكتاب "الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني وكتاب "مروج الذهب" للمسعودي و"تاريخ الخلفاء" للسيوطي وبعض كتب ابن القيم الجوزية، وكتاب "الزهرة" لابن داوود و"طوق الحمامة" لابن حزم، و"الروض العاطر" للنفزاوي و"مصارع العشاق" لأبي بكر البغدادي وأشعار أبي نواس وغيرهم.
وعلى من يتجرأ لإصدار قرار منع كتاب أو فيلم بمثل هذه الحجة أن يحرق نصف مكتبته من كتب الفقهاء والأدباء والرحالة والحكماء وغيرهم.
وفي بلدنا كما في بلدان عربية ومغاربية كثيرة يسمح بتداول كتاب "حياتي" لهتلر، فهو على سبيل المثال متوافر في كثير من مكتبات العاصمة الجزائرية، وهو ملهم للمجرم السفاح "كلاوس باربي"، باربي الآخر، أو كتاب "معالم في الطريق"، ومثل هذه الكتب هي أكثر خطراً على المجتمع من أي فيلم كان.
لقد تطرفنا كثيراً فأصبحنا مجتمعاً متشدداً ومتعصباً ثقافياً واجتماعياً ولغوياً لا يحبذ الاختلاف وعلى قطيعة مع الآخر، وعلينا أن نفهم بأننا في الجزائر لسنا أكثر إسلاماً من المجتمع في السعودية الذي يعيش على أرض الحرمين الشريفين، بلاد مهبط الوحي ومرقد الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، حيث يتم عرض "فيلم باربي" وباحترام كامل لحرية المواطن والمواطنة، فمن شاء فليشاهد ومن شاء غير ذلك فله مطلق الحرية، وتمر الأمور بشكل طبيعي جداً.
علينا أن نفهم بأن الحرية في الإبداع ليست سوء الأخلاق، فللإبداع منطقه الخاص.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى