فتحي عثمان - وداعا إرينا..

المستمعات الكريمات والمستمعين الكرام حيثما كنتم وحيثما يصلكم بثنا اهلا وسهلا بكم في مستهل البرنامج العربي لهذا اليوم
بهذا العبارة الترحيبية بدأ البرنامج العربي لإذاعة ارينا بعد أربع أيام من أعياد المحبة في شهر فبراير من عام 2014، وبعد شهر تقريبا من عيد المحبة أيضا لسنة 2023 تنتهي مسيرتي مع البرنامج أي مسيرة تسع سنوات وثلاثة أشهر في محبة متبادلة بين أثير الإذاعة العربي والمستمعين والمستمعات في الداخل والمهجر.
بدأت إذاعة إرينا بثها في باريس في صيف 2009 ببرنامج واحد باللغة التقرينية وكان إسهامي فيها هو تأسيس البرنامج العربي؛ والذي سارت رحلته لتغطي تلك الفترة بتقديم برامج معروفة للمستمعين والمستمعات، حيث بدأنا بالبرنامج الحقوقي (أعرف حقوقك) والذي هدف إلى تعريف المواطنين بحقوقهم الإنسانية الأساسية والمواثيق التي تؤكدها. فقدمنا قراءات للإعلان العالمي لحقوق الانسان والحقوق الدستورية، وقدمنا فيه كذلك لقاءات قانونية متخصصة هدفها التنوير والتعريف. وكان هناك برنامج نافذة ثقافية وهي نافذة فتحناها على الشأن الثقافي العام، فقدمنا فيها القصص الفائزة بجائزة محمد سعيد ناود للقصة عاما بعد آخر، والتقينا فيه شعراء وكتاب وكان أبرز الحاضرين في البرنامج الروائي عبد العزيز بركة ساكن والذي شرف استديوهات الإذاعة بالحضور شخصيا وكذلك المخرجة الإيطالية المعروفة سارة كريتا، ضمن ضيوف آخرين. وتناولنا في البرنامج الأدب الارتري وهمومه والادب العالمي وابداعاته
ثم قدمنا برنامج تعليق على الحدث والذي غطى أهم الأحداث الأسبوعية من السياسة حتى افتتاح واختتام كأس العالم مرورا بقضايا سد النهضة والحروب في القرن الافريقي وهموم المواطن الارتري السياسية، والتغيير نحو الأفضل في البلاد ومشاكله.
مضت السنوات حتى عام 2017 والإذاعة في شراكة عملية مع منظمة مراسلون بلا حدود وضمن هذه الشراكة قدمنا مساعدات لصحفيين ارتريين أهلت العديد منهم للحصول على اللجوء السياسي وتسهيل وتسريع إجراءاته وكان هذا ضمن التزامنا الثابت بدعم حرية الصحافة في ارتريا بتمكين الصحفيين، حسب المستطاع، من بدء حياة جديدة. ومضينا مشاوير أبعد ذلك حيث تبنى البرنامج وبدون تردد الدفاع عن قضايا الصحفيين المعتقلين في الداخل وحرية الصحافة في ارتريا وشاركنا في مؤتمرات امتدت من هامبورغ شمالا وحتى مالطا جنوبا، وفيها عرضنا مأساة الزملاء المعتقلين وتغييبهم القسري الذي يستمر حتى الآن ووصلت مناداتنا بحقوقهم أروقة البرلمان الأوروبي في بروكسل ومجلس حقوق الانسان في جنيف
ومضت مسيرة البرنامج بانضمام الصوت الإعلامي المميز للأخ الأستاذ احمد شريف في عام 2016 وبانضمامه للبرنامج فتح الأستاذ شريف أفقا جديدا للبرنامج من حيث المساهمة الصوتية المتميزة والقرب من المستمعين إضافة اللقاءات المميزة التي اعتاد تقديمها ولا يزال ضمن برنامج متابعات الأسبوعي وهي لقاءات شملت فنانين واخصائيين نفسيين في مجال مشاكل الاسرة الارترية ونقاد ومناضلين ونساء كان لهن دور الريادة في العمل النضالي والنقابي وامتدت لتشمل لاعبي كرة قدم كان لهم حضورهم الرياضي المميز.
وكانت المسيرة التي قاربت العشر سنوات هي مسيرة تعكس طموحات وآمال وعثرات العمل الصحفي الارتري في المهجر، تعدد اللغات، شح الإمكانات وفوق كل ذلك ضعف الالتزام والمشاكل المرتبطة بتمكين المرأة في العمل الإعلامي. وهذه المشاكل لا تنفصل عن المشكلة الكبيرة للبلاد التي تئن تحت وطأة حكم الطغيان ومشاكل الهجرة والتشتت.
نتيجة لتلك الأسباب تجنب الكثيرون والكثيرات العمل مع الإذاعة خوفا على أنفسهم وعلى أحبتهم في الداخل وكان الصوت النسائي هو الأكثر غيابا للأسف وحتى اليوم في الإذاعة، مع اتساع المجال المتاح والقضايا التي يمكن تبنيها وطرحها فهناك القضايا الاجتماعية كقضايا الاسرة والشباب والتوافق مع المجتمعات الجديدة. ورغم تشابك المشكلات لكن الجهد الموازي لمعالجتها لم يكن وحتى الأن، للأسف الشديد، بحجم التحديات والمشكلات، وفي الأخير تبقى تلك الهوة السوداء بين القول والفعل، خاصة في أوساط الارتريين الناطقين باللغة العربية.
فهذا البرنامج، رغم أنه نافذة مفتوحة، في الإذاعة الأكثر متابعة وحضورا في ارتريا الا أنه لا يزال وبعد ما يقارب العشر سنوات، لا يزال يعيش طفولة بائسة. فلا المشاركة كانت حاضرة ولا والالتزام العملي ولا غيره، أي كل ما يقوي العمل الإعلامي الناطق باللغة العربية كان غائبا، وسوف يظل، غائبا، بالطبع ما عدا التذمر والشكاوى والتسخط. وعندما يتم توقيف البرنامج تماما مثل ما حدث مع برامج عربية في إذاعات أخرى حينها يتم تصوير المشهد دوما بأنه استهداف للغة العربية والناطقين بها في ارتريا وفي الخارج، وعندما تسأل ماذا قدم الناطقون بها للبرامج التي تخدمهم يكون البرنامج العربي لإذاعة شاهد وبيان، خاصة عند المقارنة بالجهد المبذول في البرنامج الموازي بلغة التقرينية.
وضمن الأداء المتميز الإجمالي للإذاعة كان للبرنامج فخر استحقاق الفوز بالجائزة الخاصة لمنظمة ون ورلد ميديا وهي منظمة خاصة بمحرري البي بي سي في لندن، وفازت إذاعة ارينا بجائزة أفضل وسيلة إعلامية في العالم النامي للعام 2017.
وفي ديسمبر من عام 2019 فازت كذلك بجائزة الجمهورية الفرنسية لحقوق الانسان من المفوضية الاستشارية الوطنية لحقوق الانسان
وتوجت تلك المسيرة في ديسمبر 2020 بالفوز بجائزة الشجاعة الإعلامية في افريقيا من منظمة تطوير الاعلام الافريقي والتي تتخذ من لاغوس، نيجيريا مقرا لها.
وكان لي شرف استلام اثنتين من هذه الجوائز باسم الإذاعة. وهو تكريم مستحق لجهد طويل وشاق ومتميز في مسيرة الاعلام الارتري في الخارج، ونأمل أن يتواصل حتى ينتقل من الخارج إلى ارتريا الجديدة المتحررة من قبضة الطغيان.
لكل مستمع ومستمعة في الداخل والمهجر أتقدم بالشكر والعرفان للمتابعة والتشجيع والمرافقة في ذلك المشوار الحافل الذي زينته، قبل تكريم الآخرين، الرعاية والتشجيع الذي لا يلين في ظل ظروف غاية في الصعوبة.
على أمل اللقاء بكم في محطات أخرى من محطات الحياة
ونختم معكم بقفلتنا المعروفة: وحتى الملتقى بكم عزيزاتي والمستمعات وأعزائي المستمعين في برامج أخرى تقبلوا تحيات محدثكم فتحي عثمان ودمتم في حفظ الله وأمانه
ووداعا إرينا




336741094_902427404399875_2670124337452130745_n.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى