استفاقت على صوت بائع الخضر المتجول تذكرتْ: آه لم يعد هناك ما أعده للغداء.
نهضت بسرعة دون أن تغسل وجهها رمت بخمارها على رأسها وأسرعت نحو الباب.
آه نسيتُ النقود أين المحفظة؟! آ، ها هي هنا؟!
أخذتها في يدها، دفعت الباب وراءها، نزلت درج العمارة مسرعة، تذكرت أن الجيران في هذا الوقت نيام، والعمارة من الكارتون، يمكنك أن تستشعر ما يحدث داخل الشقق المغلقة: كل صرخة، كل أنّة، كل أفّ، كل شيء مكشوف من جدرانها المرهفة الحس.
انتبهت لحذائها المزعج، رفعت مؤخرة رجليها، ونزلت في هيئة لص.
في الدرج تعاقبت مع شاب غريب لم تره من قبل، شيء مريب في ملامحه، رمى ببصره إلى يدها.
هذا الشاب ينوي على شيء، هو ينظر إلى محفظة النقود في يدي، لا شك أنه لص، فقد كثر اللصوص هذه الأيام، قالت في نفسها وهي ترقبه بمحيط نظرها.
تباطأت خطواته وهو يصعد السلم، توقف، استدار، شيء ما في جيب سرواله الخلفي، كأنه ينوي اللحاق بي.
تملكها الرعب، أسرعت في خطوها، وما إن خرجت من العمارة حتى انطلقت كأرنب مرعوب هارب من مخالب صقر، ودون أن تفكر دخلت العمارة المقابلة، حيق أفضل الجيران يستغرق وقتا كافيا لتشبع موتا قبل أن يفتح الباب.
ما كادت تدخل حتى لمح طرفا من جلبابها، سار وراءها، كانت تصعد السلم وصوت أنفاسها يتضخم في أذنيها من تسارع دورتها الدموية، ونبض قلبها مثل طبل يدق ناقوس الخطر، وبكلتا يديها صارت تضرب باب الجيران تكاد تكسره.
افتحوا الباب، افتحوا افتحوا..
كان الزمن قد توقف، لا أحد يفتح، كأنهم صم بكم، استسلمت لقدرها، ظنت أنها النهاية.
كان الشاب واقفا وراءها، وبيده مفاتيح بيتها، يشير إليها بحركات يديه، ويخبرها بلغة الإشارة: يا خالة، هذه المفاتيح لك وقعت منك في السلالم.
وحده الفهد الوردي الذي علقته في حامل المفاتيح جعلها تستوعب ما حدث.
كان المسكين أصمَّ أبكمَّ، لم يدرك ما أحدثه من صخب بداخلها، ولم يسمع ما أحدثته هي من ضجيج وفوضى في العمارة.
بيدها المرتجفة تناولت مفاتيحها، فقدت ركبتاها القدرة على حمل جسمها، فنزلت أرضا تحاول استرجاع توازن نبضها وتفكيرها، وقد غادر الشاب البريء بكل هدوء.
أخيرا فتح أحد الجيران بابه ليطمئن.
ما خطبك أختاه؟!
بعد أن متُّ وعدتُ إلى الحياة؟! شكرا لا شيء، عذرا على الإزعاج.
خرجت وكان البائع المتجول قد غادر الحي وأهله موتى.
(قصة قصيرة مترجمة إلى عدة لغات).
أ. د. ربيعة برباق. الجزائر / الجزائر
نهضت بسرعة دون أن تغسل وجهها رمت بخمارها على رأسها وأسرعت نحو الباب.
آه نسيتُ النقود أين المحفظة؟! آ، ها هي هنا؟!
أخذتها في يدها، دفعت الباب وراءها، نزلت درج العمارة مسرعة، تذكرت أن الجيران في هذا الوقت نيام، والعمارة من الكارتون، يمكنك أن تستشعر ما يحدث داخل الشقق المغلقة: كل صرخة، كل أنّة، كل أفّ، كل شيء مكشوف من جدرانها المرهفة الحس.
انتبهت لحذائها المزعج، رفعت مؤخرة رجليها، ونزلت في هيئة لص.
في الدرج تعاقبت مع شاب غريب لم تره من قبل، شيء مريب في ملامحه، رمى ببصره إلى يدها.
هذا الشاب ينوي على شيء، هو ينظر إلى محفظة النقود في يدي، لا شك أنه لص، فقد كثر اللصوص هذه الأيام، قالت في نفسها وهي ترقبه بمحيط نظرها.
تباطأت خطواته وهو يصعد السلم، توقف، استدار، شيء ما في جيب سرواله الخلفي، كأنه ينوي اللحاق بي.
تملكها الرعب، أسرعت في خطوها، وما إن خرجت من العمارة حتى انطلقت كأرنب مرعوب هارب من مخالب صقر، ودون أن تفكر دخلت العمارة المقابلة، حيق أفضل الجيران يستغرق وقتا كافيا لتشبع موتا قبل أن يفتح الباب.
ما كادت تدخل حتى لمح طرفا من جلبابها، سار وراءها، كانت تصعد السلم وصوت أنفاسها يتضخم في أذنيها من تسارع دورتها الدموية، ونبض قلبها مثل طبل يدق ناقوس الخطر، وبكلتا يديها صارت تضرب باب الجيران تكاد تكسره.
افتحوا الباب، افتحوا افتحوا..
كان الزمن قد توقف، لا أحد يفتح، كأنهم صم بكم، استسلمت لقدرها، ظنت أنها النهاية.
كان الشاب واقفا وراءها، وبيده مفاتيح بيتها، يشير إليها بحركات يديه، ويخبرها بلغة الإشارة: يا خالة، هذه المفاتيح لك وقعت منك في السلالم.
وحده الفهد الوردي الذي علقته في حامل المفاتيح جعلها تستوعب ما حدث.
كان المسكين أصمَّ أبكمَّ، لم يدرك ما أحدثه من صخب بداخلها، ولم يسمع ما أحدثته هي من ضجيج وفوضى في العمارة.
بيدها المرتجفة تناولت مفاتيحها، فقدت ركبتاها القدرة على حمل جسمها، فنزلت أرضا تحاول استرجاع توازن نبضها وتفكيرها، وقد غادر الشاب البريء بكل هدوء.
أخيرا فتح أحد الجيران بابه ليطمئن.
ما خطبك أختاه؟!
بعد أن متُّ وعدتُ إلى الحياة؟! شكرا لا شيء، عذرا على الإزعاج.
خرجت وكان البائع المتجول قد غادر الحي وأهله موتى.
(قصة قصيرة مترجمة إلى عدة لغات).
أ. د. ربيعة برباق. الجزائر / الجزائر