محمود سلطان - مصر التي تبحث عن "رئيس".. ماذا يتعين فعله؟!

سمعت إعلاميا مصريا، من الحاضنة التعبوية والتسويقية للسلطة الحالية، وهو يتساءل: هل مصر أقل من تركيا؟! .. ولِمَ لا نشهد تجربة لانتخابات رئاسية على الطريقة التركية، التي كانت محل اهتمام ومتابعات العالم كله، ونسبة المشاركة فيها تعكس حيدة أدوات الدولة الخشنة ووقوفها على مسافة واحدة من جميع المرشحين: المرشح الذي في السلطة (الرئيس) ومرشح المعارضة الشرسة و"الموحدة" ضد الأول!

والحال.. أن مصر شهدت صورة تكاد تكون "كربونية" من التجربة التركية.. ربما فاقتها في الإبهار بل وفي الإلهام أيضا: للأسف مرة واحدة، تلك التي تلت مباشرة ثورة يناير، حيث تنافس مرشحون أقوياء ليس من بينهم مرشح "كومبارس" واحد.. وتم تحييد الجهاز الإداري للدولة وأدوات التدخل التقليدية التي كانت "تقليدا" في كل العهود التي تعاقبت على الحكم في القاهرة.

روي لي صديق سوداني.. أنه ـ في هذه الانتخابات "انتخابات المرة الواحدة" ـ اهتزت العاصمة الخرطوم بالكامل وكأنه قد أصابها "زلزال" لحظة إعلان النتيجة وتسمية المرشح الفائز بمنصب الرئيس. وأضطرب القادة السياسيون في دول الخليج وفي العواصم الغربية.. ولم تذهب مصر ـ آنذاك ـ إلى "الدنيا".. ولكن جاءتها الدنيا كلها "مرغمة".. وقلقة: ماذا عساه يفعل هذا الإقليم العربي الأهم مع العالم، بعدما بات يمتلك رأيًا عاما قادرًا على تغيير الخريطة السياسية الداخلية بالكامل.. وإثارة قلق حسابات صناع القرارالإقليمي والعالمي.

الآن.. وبعد إنهاء هذه التحربة سريعا، وبشكل "تحايلي" وخاطف، فقد الناس تقريبا ثقتهم في أية تجربة تلت عام 2013، خاصة وأنها جرت وفق سيناريو صوري ومحبط: مرشح/منافس" كومبارس" وبصورة "فجة" تخلو من أية جهد احترافي، يشبه "الملطفات" لإيلاج السيناريو إلى منطقة الإقناع، وكأن المهمة هي تمرير "التجديد" بأية صورة، حتى لوكانت بشكلها الكاريكاتوري، الذي لا يخلو من "إهانة" لبلد في وزن وحجم وثقل المصر"الإقليم/الرائد" في المنطقة.

نحن على بعد مسافة قريبة جدا، من انتخابات رئاسية، وهي الثالثة منذ الإطاحة بحكومة الإخوان، بعد أقل من عام من وصولهم إلى السلطة، المؤشرات تشير إلى إضافة المزيد من مشاعر الإحباط، وربما الإحساس بأنه من الصعوبة ولو "تحسين" الصورة، بعمليات تجميل على يد جراح حرفي، يخفي ـ على الأقل ـ البثور فوق جلد المشهد، يإعطاء مساحة نسبية للتنفس، لأن رصد ما يجري من فعل ورد فعل، يفصح صراحة، بأن ثمة قلقا غير عادي، يبلغ مبلغ "العصبية غير الرصينة، " في رد الفعل وعدم تحليها بالحكمة، في إدارة المشهد الجديد، خاصة أن الحسبة بـ"الورقة القلم" تؤكد أن مصر بحاجة ملحة فعلا إلى تجربة جديدة، مغايرة تماما عن تجربة السنوات العشر الأخيرة بكل رموزها وشخوصها وضجيجها وصخبها.

لا يمكن بحال "تصديق" أن انتخابات جادة وحقيقية، ستشهدها البلاد قريبا، بدون منافسين أقوياء وليس "كومبارس".. وبدون أحزاب سياسية معارضة ومشاكسة وترغب فعليا في إزاحة النظام الحالي لتحل هي محله.

وبدون برامج سياسية وبدون مناظرات بين المرشحين، ينقلها الإعلام "المحايد" مباشرة، يعقبها برامج "توك شو".. تجمع المتناقضين في الرأي : مَنْ مع هذا ومن مع ذاك، وبإدارة مهنية للحوار.

كيف نثق في انتخابات رئاسية تنافسية، بدون إعلام مستقل وصحافة حرة وجادة.. تمارس دورها الرقابي على أداء كل مؤسسات الدولة.. ومحايدة وتقف على مسافة واحدة من جميع المرشحين.. وبدون جهاز إداري ـ بما فيه أدواته الخشنة ـ بعيد عن قبضة السلطة الحالية المرشحة للمنصب!

كيف نصدق أن انتخابات رئاسية جادة، في بيئة أمنية "توجسية"، و"قمعية" وتوفر حاضنة ومظلة آمنة لـ"الموجود".. وتحول دون وصول "القادم" إلى المقعد الرئاسي بتجربة جديدة وأجندة جديدة وبرامج انقاذية مختلفة.

مصر دولة كبيرة.. ورائدة.. ذات ثقل إقليمي ودولي.. وتاريخ وحضارة تفوق ما برصيد قوى عظمي وعالمية بمراحل.. والمشهد الحالي فيما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي.. لا يمكن بحال الزعم بأنه يعكس قيمة القاهرة وقامتها.


محمود سلطان

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى