في حافلة النقل العمومي ذاهبة للتدريس، أتفقد الساعة كل ثانية والوقت يمر بسرعة والحافلة من بطئها كأنها تسير إلى الخلف، الكل يثرثر ولا يأبه للوقت، حتى السائق، إلاي كان القلق، والخوف من التأخر يأكل أعصابي (أنا التي عرفت بالقدرة على ضبطبها) فقدت القدرة على التحكم فاحتدمت فاشتعلت غضبا، أسرع يا عم، سيفوتني وقت العمل.
كأنه لم يسمعني، استمر بالرتم نفسه، يسير على مهل. يا عم، قلت لك الوقت، الوقت، لم يرد، كأنني وحدي في فراغ بطولين وعرضين، لا صدى، في هذه الحافلة المليئة بالضجيج، لا أحد مهتم بصراخي، كنت أردد كل العبارات القانونية والشعرية والأخلاقية والإنسانية الخاصة بالعمل والوقت، لعل السائق يهتم فيسرع، لكن لا شيء هنا يتأثر غير أعصابي.
بعد منعرج خطير من الصراخ توقفت الحافلة، لم نصل بعد إلى المدرسة، نزل الجميع إلاي.
انزلي، هنا المحطة الأخيرة: نطق السائق أخيرا.
ماذا؟! قلت وأنا مندهشة، لا سيدي، المحطة الأخيرة هناك قرب المدرسة، كيف تنزلني هنا، الوقت تأخر!
أكملي طريقك راجلة، قال السائق بكل برودة اعصاب.
ركبتي مريضة لا أستطيع قطع هذه المسافة، لن أستطيع الوصول في الوقت.. سيفوت الدرس التلاميذ، ثم إن القانون حدد مكان التوقف بجانب المدرسة، لماذا توقفت هنا؟!.
يبدو أن جميع الوسائل التي درستها في الجامعة عن الإقناع عاجزة عن التأثير فيه!؟ أم أن اللغة فقدت وظيفتها؟، كأنه ذاك الحلم المتكرر حيث تستنجد وتصرخ ولا أحد يسمعك، هذا السائق لم يهتم أبدا.
وأنا كمن يحاول تغيير القدر، صرت شخصا آخر ممتلئا بالغضب الأعمى، بدأت في بكاء هستيري، أصرخ وأضرب بالقلل أرضا أحطمها. كان المكان فناء بيته، وهو يهم للدخول دون أن يأبه، كسرت قلة على رأسه.
اتجهت نحو المدرسة أحاول الوصول في الوقت المناسب دون جدوى، كانت الطريق مصممة على تنفيذ حكم القدر، تستطيل كلما خطوت خطوة إلى الأمام.
فجأة تعالت أصوات ثرثرة الناس: ضربت السائق على رأسه، كسرت قلله، فعل شنيع، اشتكى للشرطة، صرت مجرمة في نظر الناس، والجميع يردد ستذهب إلى السجن.
هناك في الشارع البعيد بدت أمام ناظري طفلة تتوسط شرطيتين وتجوب شوارع المدينة، حاملة لا فتة مكتوب فيها: مطلوبة للعدالة حية أو ميتة.
انتابني رعب شديد، أشعر بالاختناق لمجرد التفكير في السجن، يقال أنه مكان فظيع .
بسرعة حملت نفسي وذهبت إلى مقر الشرطة لتسليم نفسي وتبرير ما حدث، فضلت ذلك على أن أقتاد من بيتي بالسلاسل كمجرم خطير. مركز الشرطة من الداخل غير مختلف، لأول مرة أراه. بدا لي كبلدية، لا فرق، أو كمركز بريد، طابور طويل من اشخاص (مجرمين حتى تثبت براءتهم)، جالسين (حتى يؤذن لهم) على كراسي حديدية.
كغريب بهندام مختلف، نظرات مختلفة، تفكير مختلف، شعور مختلف عن كل المنتظرين، على آخر كرسي هناك، حيث الوقت يمر والطابور لا يمر، جلست أنتظر مصيري.
كان ضوء الشمس يتسلل من بين خطوط الستائر ليزعج نعستي القصيرة، فتُفتّح عيناي على منظر الكراسات المبعثرة على مكبتي في ذلك الركن الشرقي من بيتي الصغير، يا الله يا الله مازلت منهكة لم أنم سوى ساعة من الزمن.
أ. د. ربيعة برياق / الجزائر
كأنه لم يسمعني، استمر بالرتم نفسه، يسير على مهل. يا عم، قلت لك الوقت، الوقت، لم يرد، كأنني وحدي في فراغ بطولين وعرضين، لا صدى، في هذه الحافلة المليئة بالضجيج، لا أحد مهتم بصراخي، كنت أردد كل العبارات القانونية والشعرية والأخلاقية والإنسانية الخاصة بالعمل والوقت، لعل السائق يهتم فيسرع، لكن لا شيء هنا يتأثر غير أعصابي.
بعد منعرج خطير من الصراخ توقفت الحافلة، لم نصل بعد إلى المدرسة، نزل الجميع إلاي.
انزلي، هنا المحطة الأخيرة: نطق السائق أخيرا.
ماذا؟! قلت وأنا مندهشة، لا سيدي، المحطة الأخيرة هناك قرب المدرسة، كيف تنزلني هنا، الوقت تأخر!
أكملي طريقك راجلة، قال السائق بكل برودة اعصاب.
ركبتي مريضة لا أستطيع قطع هذه المسافة، لن أستطيع الوصول في الوقت.. سيفوت الدرس التلاميذ، ثم إن القانون حدد مكان التوقف بجانب المدرسة، لماذا توقفت هنا؟!.
يبدو أن جميع الوسائل التي درستها في الجامعة عن الإقناع عاجزة عن التأثير فيه!؟ أم أن اللغة فقدت وظيفتها؟، كأنه ذاك الحلم المتكرر حيث تستنجد وتصرخ ولا أحد يسمعك، هذا السائق لم يهتم أبدا.
وأنا كمن يحاول تغيير القدر، صرت شخصا آخر ممتلئا بالغضب الأعمى، بدأت في بكاء هستيري، أصرخ وأضرب بالقلل أرضا أحطمها. كان المكان فناء بيته، وهو يهم للدخول دون أن يأبه، كسرت قلة على رأسه.
اتجهت نحو المدرسة أحاول الوصول في الوقت المناسب دون جدوى، كانت الطريق مصممة على تنفيذ حكم القدر، تستطيل كلما خطوت خطوة إلى الأمام.
فجأة تعالت أصوات ثرثرة الناس: ضربت السائق على رأسه، كسرت قلله، فعل شنيع، اشتكى للشرطة، صرت مجرمة في نظر الناس، والجميع يردد ستذهب إلى السجن.
هناك في الشارع البعيد بدت أمام ناظري طفلة تتوسط شرطيتين وتجوب شوارع المدينة، حاملة لا فتة مكتوب فيها: مطلوبة للعدالة حية أو ميتة.
انتابني رعب شديد، أشعر بالاختناق لمجرد التفكير في السجن، يقال أنه مكان فظيع .
بسرعة حملت نفسي وذهبت إلى مقر الشرطة لتسليم نفسي وتبرير ما حدث، فضلت ذلك على أن أقتاد من بيتي بالسلاسل كمجرم خطير. مركز الشرطة من الداخل غير مختلف، لأول مرة أراه. بدا لي كبلدية، لا فرق، أو كمركز بريد، طابور طويل من اشخاص (مجرمين حتى تثبت براءتهم)، جالسين (حتى يؤذن لهم) على كراسي حديدية.
كغريب بهندام مختلف، نظرات مختلفة، تفكير مختلف، شعور مختلف عن كل المنتظرين، على آخر كرسي هناك، حيث الوقت يمر والطابور لا يمر، جلست أنتظر مصيري.
كان ضوء الشمس يتسلل من بين خطوط الستائر ليزعج نعستي القصيرة، فتُفتّح عيناي على منظر الكراسات المبعثرة على مكبتي في ذلك الركن الشرقي من بيتي الصغير، يا الله يا الله مازلت منهكة لم أنم سوى ساعة من الزمن.
أ. د. ربيعة برياق / الجزائر
أ.د. ربيعة برباق
أ.د. ربيعة برباق is on Facebook. Join Facebook to connect with أ.د. ربيعة برباق and others you may know. Facebook gives people the power to share and makes the world more open and connected.
www.facebook.com