المستشار بهاء المري - يوميات قاض -11- عندما يرعَى الذئاب

11-

جَنَّ عليها الليلُ ولم يَعُد زوجها عند مُنتصفه كما اعتاد، الشتاءُ قارس وصَوت هُطول الأمطار والرَّعد جعلاَ رهبةً شديدة لم تعتدها من قبل تدُبُّ في أوصالها.

ساوَرَها القلقُ لتأخره، أجرَت اتصالًا به، فأجابها بقُرب عودته، وأردفَ، بأنَّ صديقة سَيَحضُر خلال دقائق فلتُضيِّفهُ حتى يعود.

فور إغلاق الهاتف تَسمَع طرْقًا خفيفًا على الباب، هو صديقه الذي لا ينفكُّ عنه أغلب الأوقات.

لم يكن أمر حضور الصديق مُستَغربًا في مثل هذا الوقت، فقد اعتادا التلازم ليل نهار، لا يُفرِّقهما سوى ساعات النوم، وأزْكَى هذا التلازم أنَّ عملًا واحدًا يجمعهما ذهابًا وإيابًا فلا يكادان يفترقان.

كم استقبلَتْه في بيتها حتى في غياب زوجها إلى أن يعود، ولم يَبدُر منه يومًا ما يُوغِر صَدرها ولا ما يَجعلها ترفض استقباله أو تخشاه.

يدخل الصديق كالعادة، قَصَدَ ذلك المَكان المُخصَّص للقاء الضيوف، تستأذنه لتُعِدَّ له مشروبًا، على غير عادته يطلبُ منها أن تُجالسهُ، لم يفعلها من قبل، استدارت إليه مُتجهمةً مُحملقةً، وتيار من الخَوف المفاجئ بدأ يسرى في أوصالها، لم تَنبِس بكلمة، وكأنَّ صَمتها يَعنى هاتِ ما عِندك.

تنفرجُ شفتاه عن ابتسامة ماكرة، يلمعُ في عينيه مَكْر الخيانة، تَتَسَارَع دقات قلبها، تضغط فكَّيها على بعضهما في حركةٍ لا إرادية، ينطقُ بعبارات غزَل صريح في مَفاتِن جِسمها.

تَخرُجُ عن صَمتها كالبركان المُنفجر، تَصرخ فيه: ماذا دَهاكَ هذه الليلة، أجُنِنتَ أم أنَّكَ سكران؟

ينتفضُ من مجلسه، يَنقضُّ عليها كالثور الهائج، تُقاومه، يَشُقُّ قُبلها بعنفوان بالغ، تدفعه دفعةً قوية تُلصقه بالحائط المقابل، تَصرخ صرخة مُدوِّية، ينفتحُ الباب في لمح البَصَر، تَجدُ زوجها من خَلفها يَسُدُّ فاها بكف يده.

تَنفَلِتُ من بين يديه، تُحملقُ فيه بشدة وهي تَرتجف، تُتمتم بكلماتٍ لا تُريد مقاطعها أن تكتمل: "هو الذي...، أنا فوجئتُ بأنه...، هو...، أنا...، لا أدرى ما... " ثم تنهار لتدخل في نَوبةٍ من النَّحيب.

يُهدِّئ زوجها من رَوعها، يضمُّها إلى صدره، يَرْبتُ على كتفيها، تأنَس إلى أنه يُصدقها.

هدأت قليلًا، جلس الصديق في مقعده وابتسامة باهتة على شَفتيه، تَبَادَل مع زوجها نظراتٍ غريبة، وابتسامات صامتة، واجَهتهُ بنظرة حادة بعيَنين قد اتسعتا لا إراديًا، فَهِمَ زوجها النظرة، تَبَسَّم في وجهها، أخبرها بهدوء: أنا الذي طلبْتُ منه ما فعل!

تَدفعه هو الآخر دَفعة قوية، تَفقِد السيطرة على أعصابها، تَبصُقُ في وجهه عِدَّة مرَّات، تُطلقُ صرَخات مُدوية بقوة ما وجدت من نَذالته، يَملأ الصُّراخ أرجاء المكان، يتجمع الجيران، يُبصِرونَ قُبلها وقد شُقَّ فأظهر ثدييها، يَتحفَّظون على الصديق، عبثًا حاوَل َالزوج إثناءهم عن إبلاغ الشرطة.

تَنكشفُ باقي الوقائع، كانا قد اتفقا على تبادُل الزوجات، وفاز زوجها ببدء المَاراثون، بَيْدَ أنه لم يَقوَ - مثل صديقه -على أن يطلب منها ذلك، فترك للصديق الأمر في حراسته المشددة، وهو ينتظره خارج الباب، حتى يُنتهي من مأموريته!!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى