د. زهير الخويلدي - المقاومة بين الحق والواجب

" لا يمكن لأحد كان دائما حرا أن يستوعب القوة المدهشة للأمل في الحرية الذي يتمتع بها من ليسوا أحرارا"

تتصدى الشعوب لكل محاولات الاختراق والتدجين والاستيلاء التي تتعرض لها جميع مدخراتها المادية والرمزية وترفض كل أشكال التبعية والاستغلال والوصاية التي تفرض عليها بالقوة والإكراه والغلبة. كما تناضل المجتمعات المحتلة من طرف الحضارة الغازية في سبيل إحراز التحرر وتدارك ما فاته من تقدم وتوظف من أجل ذلك كل النصوص القانونية والمبادئ القيمية التي تشرع لها المطالبة بالاستقلال وتقرير المصير بنفسها وتعول على عقول مفكريها وإرادات مناضليها وإصرار شبابه ونسائها لكي تحقق حلمها.

تسمى هذه العملية بالمقاومة وتتراوح بين دائرة الوسائل المتبعة في اتجاه التمتع بالسيادة الوطنية ودائرة الغايات المستهدفة في اتجاه الشعور بالكرامة القومية والسؤدد الحضاري والعزة الثقافية والمجد التاريخي.

المقاومة واجب على كل ثائر يريد لشعبه أن يتخلص من الظلم والقمع ويتمتع بالحرية والعدالة الاجتماعية وعلى كل نفس صادقة تريد لأمتها القضاء على التخلف والرجعية والسير الحثيث نحو التمدن والعصرية.

المقاومة حق يجدر أن يتمتع به كل كائن آدمي يعيش في مستنقع من الذل والامتهان وذلك بغية استرداد منزلته واستعادة إنسانيته المقيدة وشخصيته المغتربة والتعبير عن اقتداره على الرفض وممانعة الازدراء.

يستدعي مفهوم الحق في المقاومة مصطلحات قوية وأفعال إرادية ويسمح للشعب بالعصيان ضد الطغيان ويشرع للأفراد رد العدوان والانخراط في الجهود الرافضة للاستعمار واجتياح البلدان والحروب المدمرة.

لقد تشكلت السلطة السياسية من أجل تنظيم العلاقات بين الأفراد والتدخل في الشأن العام وحماية المصالح والحقوق والحريات وتوفير الأمن والسلم والخير المشترك وكل تقصير في هذه المهمة الحيوية يتيح للناس معرضتها ومحاسبتها على التقصير ونقد فساده والتشهير بها والسعي إلى خلعها وطلب تغييرها بالأفضل.

هكذا ينبع الحق في المقاومة من مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواطن التي تنصص على توفير وضمان حقوق الحياة والحرية والملكية لكل البشر بلا استثناء وتحمل السلطة مسؤولية التقصير والانتهاك.

كما لا يجوز التفريق بين الحق في مقاومة الاستعمار والحق في مقاومة الاستبداد والتصدي للغزاة والطغاة في ذات الوقت وذلك لأن الاستبداد يؤذن بقدوم الاستعمار نتيجة الفساد والضعف والتردي التي يصاب به المجتمع في عهده ولأن الاستعمار يتعاون مع الحكم المطلق ويمد له يد العون ويطبق سياساته التوسعية.

تستمد المقاومة شرعيتها من ثلاثة أسس متينة:

1-وظيفة المجتمع السياسي هي المحافظة على حقوق المواطنين.

2- لا حَكَم على الشعب سوى الشعب نفسه في تدبير جميع أموره.

3- الشعب قادر على توحيد الإرادات الفردية في إرادة عامة واحدة.

غير أن حق المقاومة يوجد خارج مؤسسات المجتمع المدني والمجتمع السياسي في ذات الوقت وينتمى إلى الأفراد في ذاتهم لغياب التمييز بين سلطة الجسم السياسي المكون من الشعب وسلطة الحاكم المشرع.

لقد تحول المجتمع المدني بعد ذلك إلى أداة تؤدي وظيفة الدفاع والحماية للحقوق الفردية ضد النزاعات الداخلية والاعتداءات الخارجية وتقر بأولوية الشعب في ضمان استمراريته وبقائه والمحافظة على ذاته لا كاجتماع عدد من الأفراد في جسم سياسي بل بوصفه جماعة منظمة بصورة طبيعية ومتجذرة في التاريخ.

لا يوجد تعارض بين المبادئ الفردية والحق في المقاومة من أجل الصالح العام ولا يمكن الاعتقاد في وجود تناقض بين الحقوق الطبيعية للناس والحقوق السياسية والقانونية التي يمنحها العقد التشاركي بل من واجب الحكومة المدنية أن تساعد المواطنين على حماية الذوات والممتلكات والاشتراك في صد الاعتداء. إن الشعب من حيث هو جسم موحد قادر على القرار السيادي حول الضروري للدفاع عن حقوق أفراده. ان المقاومة الشعبية هي الخيار المتبقي للأفراد الذين أوقعتهم الحروب المعولمة في مصيدة التشرد وان البوصلة الحقيقية للمشروع الوطني تتحدد وفق الوسائل المعتمدة في مواجهة ثنائية الاستبداد والاستعمار.

لكن بأي وجه حق انتهى الفكر السياسي النيوليبرالي إلى القول بأن حق المقاومة هو فكرة غير نافعة؟

كاتب فلسفي

















تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى