خيم الصمت على وجوه الحاضرين في صباح ذلك اليوم الخريفي الذي اصطبغت فيه السماء بلون رمادي حزين، وتناثرت أوراق الشجر مصفرة باهتة، وساد المكان جو ثقيل مشوب بالقلق وملتبس بالتوتر.
وفجأة، علا صوت الضابط الفرنسي معلنا أسماء الشبان المجندين.
وقف الأب ممتقع الوجه، مقطب الجبين، تائه النظرات، لايدري أين يضع قدميه.
بينما بدت الأم جزوعة، مهتزة، لم تتمالك نفسها، ثم ما لبثت أن اندفعت نحو ابنها "علي" تضمه إلى صدرها ضما وتحضنه بذراعيها بقلب مرتجف، وعينين دامعتين آلمتهما حرقة الوداع وأبكتهما أوجاع الفراق.
مضت اشهر وتلتها أعوام. اندلعت الحرب العالمية، فأجبر آلاف الجنود التونسيين والأفارقة على القتال إلى جانب الفرنسيين في معركتهم ضد الألمان.
يقف الجنود على خط النار، على أهبة الاستعداد للقتال .
لم يكن "علي" ورفقاؤه يتصورون أنهم سيحشرون، ذات يوم، في تلك الحرب الطاحنة التي لاناقة لهم فيها ولا جمل، وأنهم سيواجهون آلة حربية جهنمية، شرسة، تلتهم الأخضر واليابس.
أعلنت ساعة الصفر لبدء المعركة.. انبرى صوت الرصاص يلعلع في كل مكان، يحصد الأرواح بلا رحمة.. الطائرات تخترق الأجواء التي استحالت كتلا سوداء من أثر دخان القذائف، والقنابل، والمتفجرات..
الدبابات تزحف ، تزمجر، تقصف الجسور، والطرقات، تدك المباني، وتمحق الأنفاق..
أشلاء الجثث الآدمية تتطاير، وتملأ الساحات في مشاهد مروعة ومفزعة..
الناس يركضون في كل اتجاه، يندفعون هربا من الموت، باحثين لهم عن مخابىء، خلف بقايا سور او آثار جدار..
الحرب مارد منفلت، يستبيح الشوارع، والغابات، والمزارع، والمرتفعات، والسهول، والأودية، والخنادق..
يسقط "علي" وآخرون في قبضة الجيش الألماني.. يساق الجميع في مسيرات لأيام طويلة، ومسافات بعيدة.. يجوع البعض، يعطش، يصاب بالإرهاق، يموت البعض الآخر..
وأخيرا، يرمى بالصامدين في محتشد للأسرى، ليروا فيه ألوانا من التعذيب وسوء المعاملة..
هناك، ليس لهم من طعام سوى حساء وقطعة جبن، وقليل من الرغيف، وإذا ما جفت ينابيع الغذاء، فلا يجدون من أكل سوى الأعشاب.
يا لقساوة الدهر الذي يفعل بالانسان ما يفعل !
مضت على غياب علي أكثر من سبع سنوات، ظل أبواه ينتظرانه بفارغ الصبر، وهما يعيشان على أمل عودته، واللقاء به، لكن الموت لم يمهلهما لتحقيق تلك الأمنية..
ولم يكف ما أصاب الرجل في الأسر من عذاب، وتنكيل، وتجويع، وإهانة، وإذلال، فإذا به بعد كل ذلك ، ينال حكما بالإعدام مع ثلة من رفاقه، إثر معركة اشتباك دامية مع السجانين المستبدين في معتقل العذاب، والشقاء، والعناء..
ومع اشتداد غربة الأسر، والظلم، والقهر، والإضطهاد، لم يعد أمام "علي" من حل سوى الفرار للنجاة من الإعدام..
ويطل يوم جديد، حاملا معه تفاصيل مغامرة فرار أقدمت عليها مجموعة من أسرى معسكر الإعتقال الألماني المهلك، والمميت..
تلك كانت بداية حياة جديدة كتبها الله لكل من "علي" ومن نجا معه من الفارين ..
لم ينس البطل مسيرته كمحارب مع الجيش الفرنسي، وظل مستذكرا تفاصيل المعارك التي خاضها، وحكاية أسره التي انتهت بفراره من موت محقق، وعودته إلى تونس، ليعيش بقية حياته بين أهله، وأفراد عائلته، ويتوفى، ويدفن في بلده...
وفجأة، علا صوت الضابط الفرنسي معلنا أسماء الشبان المجندين.
وقف الأب ممتقع الوجه، مقطب الجبين، تائه النظرات، لايدري أين يضع قدميه.
بينما بدت الأم جزوعة، مهتزة، لم تتمالك نفسها، ثم ما لبثت أن اندفعت نحو ابنها "علي" تضمه إلى صدرها ضما وتحضنه بذراعيها بقلب مرتجف، وعينين دامعتين آلمتهما حرقة الوداع وأبكتهما أوجاع الفراق.
مضت اشهر وتلتها أعوام. اندلعت الحرب العالمية، فأجبر آلاف الجنود التونسيين والأفارقة على القتال إلى جانب الفرنسيين في معركتهم ضد الألمان.
يقف الجنود على خط النار، على أهبة الاستعداد للقتال .
لم يكن "علي" ورفقاؤه يتصورون أنهم سيحشرون، ذات يوم، في تلك الحرب الطاحنة التي لاناقة لهم فيها ولا جمل، وأنهم سيواجهون آلة حربية جهنمية، شرسة، تلتهم الأخضر واليابس.
أعلنت ساعة الصفر لبدء المعركة.. انبرى صوت الرصاص يلعلع في كل مكان، يحصد الأرواح بلا رحمة.. الطائرات تخترق الأجواء التي استحالت كتلا سوداء من أثر دخان القذائف، والقنابل، والمتفجرات..
الدبابات تزحف ، تزمجر، تقصف الجسور، والطرقات، تدك المباني، وتمحق الأنفاق..
أشلاء الجثث الآدمية تتطاير، وتملأ الساحات في مشاهد مروعة ومفزعة..
الناس يركضون في كل اتجاه، يندفعون هربا من الموت، باحثين لهم عن مخابىء، خلف بقايا سور او آثار جدار..
الحرب مارد منفلت، يستبيح الشوارع، والغابات، والمزارع، والمرتفعات، والسهول، والأودية، والخنادق..
يسقط "علي" وآخرون في قبضة الجيش الألماني.. يساق الجميع في مسيرات لأيام طويلة، ومسافات بعيدة.. يجوع البعض، يعطش، يصاب بالإرهاق، يموت البعض الآخر..
وأخيرا، يرمى بالصامدين في محتشد للأسرى، ليروا فيه ألوانا من التعذيب وسوء المعاملة..
هناك، ليس لهم من طعام سوى حساء وقطعة جبن، وقليل من الرغيف، وإذا ما جفت ينابيع الغذاء، فلا يجدون من أكل سوى الأعشاب.
يا لقساوة الدهر الذي يفعل بالانسان ما يفعل !
مضت على غياب علي أكثر من سبع سنوات، ظل أبواه ينتظرانه بفارغ الصبر، وهما يعيشان على أمل عودته، واللقاء به، لكن الموت لم يمهلهما لتحقيق تلك الأمنية..
ولم يكف ما أصاب الرجل في الأسر من عذاب، وتنكيل، وتجويع، وإهانة، وإذلال، فإذا به بعد كل ذلك ، ينال حكما بالإعدام مع ثلة من رفاقه، إثر معركة اشتباك دامية مع السجانين المستبدين في معتقل العذاب، والشقاء، والعناء..
ومع اشتداد غربة الأسر، والظلم، والقهر، والإضطهاد، لم يعد أمام "علي" من حل سوى الفرار للنجاة من الإعدام..
ويطل يوم جديد، حاملا معه تفاصيل مغامرة فرار أقدمت عليها مجموعة من أسرى معسكر الإعتقال الألماني المهلك، والمميت..
تلك كانت بداية حياة جديدة كتبها الله لكل من "علي" ومن نجا معه من الفارين ..
لم ينس البطل مسيرته كمحارب مع الجيش الفرنسي، وظل مستذكرا تفاصيل المعارك التي خاضها، وحكاية أسره التي انتهت بفراره من موت محقق، وعودته إلى تونس، ليعيش بقية حياته بين أهله، وأفراد عائلته، ويتوفى، ويدفن في بلده...