د. زياد العوف - حربُ المصطلحات الزائفة والمضلِّلة

المصطلحاتُ بكافة أنواعها ومجالاتها هي مفاتيح المعارف والعلوم، لذا فإنّ التدقيق في اختيارها واستعمالها ومدلولاتها يُعَدُّ من المقدّمات والأسس الضرورية لكلّ جهد أو بحث علميّ جادّ ورصين.
هذا مدخل لا بُدّ منه للوقوف على بعض المغالطات المقصودة للإيحاء بمدلولات كاذبة أو زائفة في صياغة بعض المصطلحات تزامناً مع أحداث غزّة الداميّة.
المصطلح إذن هو عنوان عريض يكثّف مدلولات الموضوع الذي يشير إليه.
أذكر فيما يلي عدداً من أهم المصطلحات التي يكثُر تداولها في هذه الأيام العصيبة محاولاً توضيح مدلولاتها الأصلية والفرعية، مع بيان محاولات التضليل الذي قد تشوبها.
١- عملية طوفان الأقصى:
هو العنوان العريض الذي أطلقته المقاومة الفلسطينية على عمليتها العسكرية الناجحة التي باغتَتْ فيها الكيان الصهيونيّ وقواته المحتلّة في محيط غزّة صبيحة السابع من شهر اكتوبر/تشرين الأوّل من هذا العام.
إنّه عنوان (مصطلح) واضح وحاسم؛ إذ يبيّن سبب العملية وأهدافها؛ إذ إنّها بمثابة الطوفان الجارف الذي يأتي ردّاً على جرائم المحتلّ المتكرّرة لتدنيس المسجد الأقص والتلاعب بهويته الإسلامية من خلال الإتيان بمواكب المتطرفين التلموديين ودعمهم وحراستهم وهم يتناولون المسجد والمصلين المسلمين بشتى أساليب الشغب والمضايقة والاعتداءات اللفظية والجسدية، ناهيك عن عمليات الحفر والتنقيب العبثي في أركان الأقصى بحثاً عن مخلّفات دينية وتراثية مزعومة تعود لآلاف السنين. هذا فضلاً عن الاعتداءات المتكرّرة على أبناء الشعب الفلسطيني في الضّفة الغربية .
٢- السيوف الحديدية:
هو الاسم الذي أطلقته "إسرائيل " على عملياتها العسكرية ردّاً على عملية" طوفان الأقصى" .
إنّه كما يبدو للوهلة الأولى عنوان عام وغامض الدلالة يدلّ على القوّة المطلقة التي يمثّلها كلّ من السيف بوصفه أداة الحرب التاريخية، وكذلك معدن الحديد الصلب الذي يُصنَعُ منه هذا السيف. وإذا كان هناك من دلالات أخرى يمكن استشفافها من هذا المصطلَح فهو مرونته الدلالية المقصودة التي لا ترتبط بأي هدف سياسي أو أخلاقيّ نبيل سوى قطع رؤوس الفلسطينيين بالسيوف، وحسم المعركة بصورة قاطعة، فضلاً عن محاولة الإيحاء بالأصالة الحربية التاريخية التي يمثّلها السيف، آلة الحرب الأولى.
٣-الدفاع عن النفس:
إنّه المصطلح السياسي الأكثر استعمالاً من طرف الكيان الغاصب وداعميه، وذلك لتبرير ما هم مقبلون على ارتكابه من مجازر وجرائم بحقّ أبناء الشعب الفلسطيني في غزّة.
لكن..هل يقوم الكيان هنا بالدفاع نفسه ؟
الجواب هو قطعاً بالنفي؛ ذلك أنَّ الاحتلال بحدّ ذاته إنّما هو عدوان مستمرّ يستوجبُ المقاومة والردّ في كلّ زمان ومكان.
إنّ جذور القضية الفلسطينية تعود قانونياً ورسمياً إلى " وعد بلفور " المشؤوم الصادر عن بريطانيا ممثّلةً بوزيرها (بلفور) بتاريخ ٢-١٠-١٩١٧م الذي يعد بتأسيس وطن قوميّ لليهود في فلسطين. ولعلّ أفضل توصيف لهذا الوعد الفريد من نوعه قولنا: " وعد مَن لا يملك لمَن لا يستحقّ " .
كلّنا يعرف المآسي والكوارث التي نجمت عن هذا الوعد وما تلاه، وبخاصة منذ تأسيس دولة "إسرائيل" بقرار من الدول الاستعمارية الكبرى التي تهيمن على ما يُسمّى مجلس الأمن الدوليّ عام (١٩٤٨م) على وقع الظلم والعدوان وطرد السكان الأصليين وتهجيرهم وارتكاب المجازر المتلاحقة ضدهم لإرهابهم ودفع من بقي منهم على قيد الحياة إلى الرحيل عن أرض آبائهم وأجدادهم على يدّ عصابات ( شتيرن والهاغاناه، والناحال..) وغيرها من المنظّمات الإجرامية الإرهابية التي مثّلت ما سُمّيَ فيما بعد ( جيش الدفاع الإسرائيلي).
إن مصطلح (الدفاع عن النفس) المستخدَم في هذه الحالة إنّما هو عنوان زائف ومضلّل يهدف إلى تبرير الجرائم والمجازر التي يندى لها جبين الإنسانية على مرّ العصور.
٤- منظمة حماس الإرهابية:
ينطوي عذا المصطلَح على مغالطة كبرى تتجلّى في إطلاق صفة الإرهاب على المقاومة المشروعة ضدّ الاحتلال، وذلك بغية تبرير الجرائم التي يعتزم الكيان الصهيونيّ ارتكابها بحقّ جميع سكّان غزّة.
إنّ حركة المقاومة الإسلامية (حماس) شأنُها في ذلك شأن حركات المقاومة الفلسطينية وغيرها، إنّما هي حركة تحرّر وطني تناضل ضد المحتل الاستيطانيّ الغاصب لاسترداد الحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني بما تملكه من وسائل كفلها لها القانون الدولي والشرائع الإنسانية..إنّ كلّ مواطن فلسطينيّ هو بمثابة مقاوم يدافع عن أرضه وحقوقه بالسلاح المناسب؛ إذ إنّ الكلّ يقاوم حسب مكانه ومؤهلاته واختصاصه.
إن حرب التحرير الشعبية- كما بيّنت في مقال سابق- هي الأسلوب الذي اتّبعته، ولا زالت تتّبعه، الشعوب المقهورة للدفاع عن نفسها واسترداد حقوقها، أي أنّه لا يمكن معاملتها معاملة الجيوش النظامية في الانتشار على الحدود، المنتهَكة أصلاً، بل هي موجودة بالفعل بين أبناء شعبها، وتمثّل طليعته المقاتلة التي أخذت على نفسها عهداً بالدم أن تصون حرية وكرامة شعبها ،وأن تبذل الروح في سبيل الوصول إلى الحقوق المسلوبة وانتزاعها عنوةً من أيدي المعتدين الغاصبين.
هذا يعني أنّ الحديث الممجوج عن اتّخاذ المقاومة المدنيين في غزّة دِرعاً للوقاية إنّما هو عنوان و( مصطلح) مضلّل آخر يهدف إلى استباحة دماء أبناء غزّة الباسلة، أطفالاً ونساءً وشيوخاً ورجالاً..إنّه عنوان كريه ومقيت للجريمة المنظمة التي لطالما اعتمدتها الدول الاستعمارية الكبرى في حروبها العدوانية ضدَّ الشعوب المستضعفة.

دكتور زياد العوف

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى