الهادي نصيرة - الدهر جامع ومفرق

قدموا، من أماكن بعيدة مختلفة، إلى تلك القرية الجميلة، الهادئة.. جمعتهم الأقدار للعمل هناك، تقاربت طباعهم وأثمرت صداقة متينة ..
يتواعدون، مساء كل يوم، على اللقاء، في المقهى المحاذي لتلك الطريق المزدحمة بالسيارات..
هكذا كان دأبهم هم الأربعة ؛ نعيم أستاذ التعليم ، ورؤوف بائع قطع غيار السيارات، ونعمان الموظف بالبريد، ورفيق المدير بديوان الحبوب..
يتخذون لهم ركنا، وسط ضجيج المقهى، ليتبادلوا فيه طرائف أحداثهم اليومية .. يضحكون حينا، ويغضبون، كلما حمي وطيس النقاش بينهم ..
يختمون جلستهم، كعادتهم، ببعض النوادر والضحكات، ويغادرون، وقد تفرقوا، تاركين، بقايا ما في كؤوسهم من شاي منعنع، وقهوة سوداء، وعصير ليمون ، ومشروب غازي..
يمضي كل منهم ، في انتظار غد قادم، الله وحده يعلم خفاياه...
يسمع نعيم طرقا شديدا على باب منزله، فيخرج، وقد مضى من الليل نصفه أو أكثر، ليجد صديقه رؤوف، منقبض الملامح، يحثه لمرافقته إلى المدينة، حيث نقل صديقهما رفيق، بسيارة إسعاف، لإجراء عملية جراحية، دون تأخير..
انطلقت بهما السيارة مسرعة، تلتهم الطريق ؛ كان يسابقان الوقت، ينشدان اللحاق بصديقهما والاطمئنان عليه ..
قال أحدهما : " كيف حدث هذا ؟ كان، أول الليل، ضاحكا، مازحا بيننا في المقهى!..نسأل الله الشفاء والعافية لك يا رفيق !"
أصبحا على مشارف المدينة، لاحت لهما في الطريق أضواء حمراء متراقصة، منذرة بوقوع طارئ ما.. سيارات الحماية المدنية، وحرس المرور ، هبت، للتو، على عين المكان..
ترجلا من السيارة يستجليان الأمر؛ لم يخطر ببال أي منهما أن يحدث ذلك، في تلك الليلة ؛ سيارة الإسعاف، المقلة لصديقهما رفيق، لإجراء العملية الجراحية المستعجلة، انزلقت بمنعرج خطير، واندفعت بقوة لتصطدم بشجرة صنوبر ضخمة..
لم يستبق ذلك الحادث الأليم من الأحياء سوى الممرض، مرافق المريض إلى المستشفى ...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى