جمعي شايبي - ضربة جزاء لرشيد بوجدرة .

مع احترامي لقداسة النقد القويم وإكباري لعقول أهله الأفذاذ المبجلين.
بعيدا عن رتابة مناهج النقد الأدبي الأكاديمية المطروقة المستهلكة ومصطلحات لغتها الجافة الجامدة من تجنيس نوع النص الروائي واستقراء مفتاح العنوان والزمكانية وتحليل سوسيولوجية الشخوص ولغة حواراتها وسردية النص والتناص.
أجدني مرغما على ركنها جانبا وإحالتها على هوامش المألوف .. لدواعي مايزخر به هذا النص التحفة من المتعة والإدهاش وصناعة فكرية فنية مبهرة حد الإرباك.
مع توظيف رمزي أنيق عميق عمق الدلالات الكامنة مابين السطور مثقلة مدججة بأسمى معاني القيم المخبوءة خلف ستائر الكلمات.
كدارج لنهج فلسفي ميتافيزيقي أجدني مبحرا فيما وراء النص مستنطقا مالم يكتب من المصمت عنه مستكشفا عوالم الدهشة التي تخلقها الإيحاءات
ظافرا بقطف أسطع النجوم الفكرية من سماءات الأدب المتمادية الآفاق .
تلك التي ساهم الكاتب العظيم رشيد بوجدرة بقسط فني كبير رفقة القليل من الكتاب وإن كثروا وتكاثروا كالفطريات في تنميق زينتها بمصابيح الإبداع النورانية العصية على الإنطفاء والأفول.
في السادس والعشرون من شهر ماي عام 1957م دارت مجريات مباراة ختام نهائي كأس فرنسا بملعب كولمب بين فريق نادي تولوز الفائز بستة أهداف كاملة مقابل ثلاثة أهداف لنادي إنجي المنهزم في حضرة رئيس الجمهورية الفرنسية الإستعمارية روني كوتي.
ومع صافرة انتهائها حدث أن أطلق الفدائي الجزائري الثائر محمد بن صدوق طلقة مسدس قاتلة على الباشاغا الخائن علي شكال فأرداه قتيلا وجثة هامدة بلا حراك.
ليتم اعتقاله والزج به من بعد التحقيق في سجن فرين سجينا حاملا لرقم 1122 محتلا الزنزانة رقم 63 من زنازينه المظلمة ليصدر في حقه من بعد المحاكمة حكما بالسجن المؤبد مدى الحياة.
إتخذ الكاتب الشهير رشيد بوجدرة من هذه الحادثة التاريخية متكأ لنصه الروائي الرائع ليضنو بأدبه الرفيع ماتراكم على مدار السنين من أغبرة النسيان على حقائقنا المنسية المغيبة .. ويعصف بسحائب الصمت والجحود الدكناء لتخلو لنا شموس ذاكرتنا الشعبية ويصقل مرايا ذاكرتنا الوطنية بما يليق بتاريخنا المجيد من رفعة القدر وعلو المقام .
بقدر ما أتقن الكاتب توظيف الحادثة بقدر ما تفنن باقتدار في تدجيج نصه الماتع بالرموز والدلالات المكثفة كمباراة نهائي الكأس ورسم البطاقة البريدية المقتناة إضافة إلى نظرته التحليلية الثاقبة وذكائه الوقاد من خلال توظيفه لدلالية العنوان.
إذا كانت مباراة نهائي كأس فرنسا قد دارت في السادس والعشرون من شهر ماي عام 1957م على ملعب كولمب بين فريقي تولوز وإنجي . فإن مباراة نص بوجدرة قد دارت وقائعها على ملعب التاريخ بين الوطنيين والخونة وماضربة جزائها إلا طلقة الوطنية والأصالة على معقل الغطرسة ووكر الخيانة والعمالة.
لقد فاز الفدائي محمد بن صدوق شأنه شأن الرياضي التمثال المرسوم على البطاقة البريدية ونال كأس الوطنية.
ولم يبقى للخائن العميل علي شكال من نصيب غير ماتبقى من التمثال العاري نائلا مابرز بين فخذيه من زائدة قضيبية .. وذلك حق ومستحق كل من شاكله من الخونة والأرذال.
كل تاريخ فكر تحرري مناهض للإستدمار تقولب فلسفته العقدية أمخاخ الفصائل والتنظيمات وتكتبه بأحرف من نار ونور أشرف الذوات لجدير بالتمجيد بفعل كتابات القامات وقراءة الحصاف الحذاق إذ يشكل وعيا جمعويا يخلد بطولات الأمجاد الأباة ليظل شاهدا أبد التاريخ على العار الموشوم على جباه المدحورين الغزاة .. وعلى جباه الخونة المرميين في مزابل التاريخ كالقمامات ملعونين ماقامت الأرض والسموات .
ضربة جزاء نص فسيفسائي عبق بأدب التاريخ وأدب فلسفي بديع عميق بتحليله لشخصية فدائية خالدة وعوالم نفسها الفياضة بيقينيات التحرر والكفاح ..
نص ضم في سرديته آلام أدب المهجر والمنفى من خلال قصة بطل صال وجال عواصم الدنيا بعيدا عن الوطن والأهل والديار ..كما تعلوه مسحة من حزن دفين من أدب السجون.
إن أدبا راقيا رفيعا عميقا كالذي يكتبه العبقري الملهم رشيد بوجدرة لجدير بالقراءة والتدريس.

جمعي شايبي.




1.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى