فاتن فاروق عبد المنعم - القدس... ملتقى الأنبياء (1)

(1)
أيهما لجأ إلى العنف أولا، الصهيونيون أم العرب:
سنعيش هذه السلسلة إن شاء الله مع مؤلف الراهبة والمستشرقة الإنجليزية كارين أرمسترونج "القدس" وهي بعكس كينيدي الذي كان يقطر بهتانا وافتراء، فلديها بعض الموضوعية فالعنوان الجانبي الذي تخيرته هو سؤالها هي، وبقدر ما يفصح باعترافها بالكيان الغاصب لفلسطين والتي مكنت انجلترا بلدها اليهود منها هي أيضا تصرح بالصهيونية كخطة شيطانية ابتدعها اليهود في الوقت الذي ينكر وجودها ولا يعترف بها أناس من بيننا "كتاب" يرون المتحدثون عن بروتوكولات صهيون أو المقرون بصحتها هم من المهويسين الذين لا يستندون إلى حقيقة ماثلة!!
وهي بدورها تفيض بالقول كيف أن اليهود والمسلمين أفاضوا لها بالشرح في تجذرهم في هذا المكان إلى أن أصبحت الآثار نفسها جزء من الصراع القائم، فما العجب في ذلك إن كان الكيان الغاصب لفلسطين سرق التاريخ والجغرافيا فلماذا نستكثر انهم يسرقون الآثار وينسبونها لأنفسهم وهو فعل المحتل في كل زمان ومكان، فالأمريكان عندما احتلوا العراق 2003 حطوا عن أكتافهم كل معالم الرقي والتحضر الزائف وعلى غرار ما فعله آبائهم سراق مآثر المسلمين العلمية في حملاتهم الصليبية والأندلس ليبنوا عليها حضارتهم الآنية، فعلوا الشيء نفسه بالعراق فهجموا على المتاحف وسرقوا آثار العراق العريق والبنوك بمحتواها من الأموال وسبائك الذهب، ثم يزيدوا في الانحطاط فيقوموا باغتصاب النساء حتى عندما سؤل أحد الجنود عن أفضل شيء في العراق قال مجهول النسب "النساء"
المدينة المقدسة:
طوال صفحات مؤلفها بدت كما لو كانت تفض نزاع بين فصيلين، المسلمون واليهود، ولم تذكر أنها كمسيحية ترى أن المسيحيين هم جزء من الصراع، وهذا طبيعي ومنطقي أولا لأن المسيحيين أضافوا لكتابهم المقدس التوراة، يعترفون بهم ولا يعترفون بنا حتى لو أصاب بعض الكنائس أو بعض المسيحيين ما يصيب الفلسطينيين عموما فهم ليسوا المعنيين، ويحمد لهم إلتزام حيدة العالم الباحث عن الحقيقة وإن استشهدت بنصوص من التوراة ومنجز مؤرخيهم من اليهود والمسيحيين على حد سواء، ولكنها لم تستعن بمؤلف واحد من المسلمين كجمال حمدان وعبد الوهاب المسيري على سبيل المثال.
الليبراليون والعلمانيون في بلادنا يقولون أن الصراع ليس ديني بينما الكاتبة فاضت وأفاضت بشرح الأصول الدينية لفلسطين حتى الوثنية منها وفترات تواجد اليهود فيها كلمحة خاطفة وإن شاب بعض أسانيدها ميلا لليهود.
تتساءل الكاتبة في استنكار كيف لمدينة تعج بالبشر الخاطئين بل الغارقون في الخطيئة أن تكون مقدسة؟! وتستثني من ذلك المسيحيين لأن القدس شهدت موت المسيح وبعثه (حسب معتقدها) وميلاد المسيحية ذاتها، ثم تسهب في إيضاح أن حتى القداسة على الرب الذي هو "الله" فقدت قدسيتها لدى الأغلبية في الغرب لأن القتال الدائر في بقع كثيرة من الأرض يتم باسم الله، ثم تتعجب لأن نشأة اليهودية والإسلام كانت بعيدة عن القدس.
ولنا هنا وقفة:
لا أخفيكم سرا أنني من المحبين لقراءة منجز كارين أرمسترونج لما لديها من علم زاخر حقيقي وأسلوب جزل هاديء في التناول دون استفزاز لمن يختلف معها فضلا عن مسحة أدبية ولفظ رشيق في عرض ما تفيض به وإن كانت لغة المترجم ولكن نظرا للاختلاف العقدي بيننا وبينها سألت سؤالها آنف الذكر بمعنى أنها لا تفهم معنى "الإسلام" كدين شمولي للأنبياء كافة بما فيهم المسيح نفسه وقبل الكل آدم أبي البشر، ولأنها عالمة معنية بهذا الأمر فعلينا أن ننوه أن المسجد الحرام وماله من قدسية لدى المسلمين بناه الملائكة قبل نزول آدم إلى الأرض ولما غاص في الأرض بفعل عوامل الطبيعة أمر الله أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم وابنه سيدنا إسماعيل برفع القواعد وليس بنائها والآية في ذلك واضحة:
وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" 127 البقرة "
أما المسجد الأقصى فقد بني قبل الميلاد بألفي سنة، والمسجد الأقصى هو مسرى نبينا خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم، وعندما أسري به إليه صلى إماما بالأنبياء جميعا فيه، في دلالة وإشارة قوية انهم جميعا على عقيدة واحدة (الإسلام) وهدف واحد توحيد العبودية لله متنزها عن الشرك به، وبذلك فإن ارتباطنا كمسلمين بالقدس لا مراء فيه.
ثم تحيلنا الكاتبة إلى أن المسلمين ينكرون أن اليهود أقيم لهم مملكة داوود في وقت ما وأن هيكل سليمان هدم ولا وجود له، كما ينكر اليهود على المسلمين حادثة الإسراء والمعراج نظرا لأن العقل لا يقبلها وأنها لا تعدو كونها أسطورة تعلق بها قلب المسلمين!
(هل عرفنا منشأ خروج فسل علينا من وقت لآخر ينكر حادثة الإسراء والمعراج ويكذب القرآن الذي يزعم الانتماء إليه)
صهيون:
أسهبت الكاتبة في شرح تاريخ فلسطين ما قبل الميلاد ومرت مرورا خاطفا على مسماها الأصلي “أرض كنعان” ولم تذكر أصولهم العربية حيث أنهم ينحدرون مع الفينيقيين واليوبسيين من شبه الجزيرة العربية سكنوا فلسطين وسوريا ولبنان والأردن وقد أقاموا حضارة عريقة في البلاد التي سكنوها، وهم ساميون من أبناء سام بن حام بن نوح، ومن أرض كنعان خرج الهكسوس الذين حاربوا مصر قديما، وبعض المؤرخين يذكر بأسانيد ضعيفة أنهم قدم إليهم بعض من القوقاز.
وذكرت أن لفظ “صهيون” لم يطلق على الجبل أو الأكمة (مجموعة من التلال) بأكملها وإنما على القلعة التي سكنها اليوبسيون في الأكمة ليحتموا بها من الأعداء في طرف أورسالم (أورشاليم) وقد سميت بهذا الإسم لأن سكان هذه البلاد كانوا يعبدون إله يسمى “سالم” عند الكنعانيين، أور تعني مدينة ولكن اليهود لكي يطمسوا الأصول العربية استدعوا الإسم أورشاليم من كتابهم المقدس لتهويد المدينة “عنوة”
إسرائيل:
وحسبما ذكرت الكاتبة وأرى ما قالته منطقي لأنه يوافق ما ذكر في القرآن، أن بني إسرائيل الإثنى عشر قبيلة (أبناء يعقوب) جاءوا إلى أرض كنعان من بلاد ما بين النهرين (العراق وسوريا وتركيا) واستقروا فترة في أرض كنعان ثم هاجروا إلى مصر في فترة المجاعة (زمن سيدنا يوسف) وانتعشت حياتهم في البداية ولكنهم انتهوا إلى الاسترقاق حيث كانوا طائفة منبوذة في مصر حتى فروا من الفرعون مع سيدنا موسى إلى سيناء ولكنهم ظلوا مقتنعين بضرورة عودتهم إلى أرض الميعاد ومات موسى قبل أن يعودوا إلى أرض كنعان، ثم عادوا إليها بقيادة يوشع بن نون والذي كان انتصاره جزئيا لم يحقق لهم ما يأملوه
توضيح هام:
ذكرت الكاتبة أن بني إسرائيل لم يؤمنوا بإله موسى وحده وإنما آمنوا بآلهة أخرى وثنية معه، وغالت بقولها أن سيدنا إبراهيم نفسه كان عابدا لإيل ومثله سيدنا موسى حتى تأكد لهما أن إيل هو نفسه يهوه أو الله.
ودليلها في ذلك كان من كتابهم المقدس ومؤرخيهم وهذا ليس إلا افتراء وبهتانا على صفوة بني آدم، فبني إسرائيل حقا عبدوا عجل السامري ولكنهم لم يكونوا أبناء يعقوب المباشرين بل كانواجيل الحفدة الذين فتنوا بهالة الآلهة الوثنية من حولهم بعد أن بعدت عليهم الشقة بينهم وبين جدهم يعقوب، وعاقبهم الله بالتيه في صحراء سيناء أربعين سنة، ولكن أبناءيعقوب المباشرين كانوا مؤمنين.
(أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) ) البقرة
أما سيدنا إبراهيم خليل الله أبو الأنبياء فلم يتلوث قلبه بالشرك أبدا فقد كان حنيفا (حاد عن السائد لجموع البشر الوثنين من حوله)
وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِيمُ لِأَبِيهِ ءَازَرَ أَتَتَّخِذُ أَصۡنَامًا ءَالِهَةً إِنِّيٓ أَرَىٰكَ وَقَوۡمَكَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ (74) وَكَذَٰلِكَ نُرِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلِيَكُونَ مِنَ ٱلۡمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيۡهِ ٱلَّيۡلُ رَءَا كَوۡكَبٗاۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّيۖ فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَآ أُحِبُّ ٱلۡأٓفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَءَا ٱلۡقَمَرَ بَازِغٗا قَالَ هَٰذَا رَبِّيۖ فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمۡ يَهۡدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلضَّآلِّينَ (77) فَلَمَّا رَءَا ٱلشَّمۡسَ بَازِغَةٗ قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَآ أَكۡبَرُۖ فَلَمَّآ أَفَلَتۡ قَالَ يَٰقَوۡمِ إِنِّي بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهۡتُ وَجۡهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ حَنِيفٗاۖ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ (79) الأنعام

وللحديث بقية إن شاء الله

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى