فاتن فاروق عبدالمنعم - القدس…. ملتقى الأنبياء (٢)

(٢)


افتراء وافتئات:
على الذاكرة، وهنا الكاتبة كارين متأثرة بالكتاب المقدس الذي بين يديها بما يفوق الأدلة التاريخية التي هي نفسها تقر بصحتها ولكنها في الوقت نفسه تقول في معرض حديثها عن رغبة اليهود في العودة إلى «وطنهم» وهي في ذلك تبطن اعترافا ضمنيا بأن فلسطين هي وطنهم، في الوقت الذي تقر بأن وجودهم واستقرارهم كمملكة لم يكن أكثر من أربعمائة عام أقاموا فيها مملكة داوود في منطقة محدودة جدا من فلسطين ثم جاءهم من نقضها وتبر ما علو تتبيرا، وتقر أيضا بأن المعلومات الموجودة عن حياتهم في أرض كنعان بالكتاب المقدس شحيحة ولا ترقى إلى الشكل الصافي، وهذا دأبهم طيلة حياتهم لم يقر لهم قرار ولا أقيمت لهم دولة بالمعنى المتعارف عليه، والشيء نفسه كان في مصر لم يقيموا مملكة ولا حتى اعتبروا أنفسهم مواطنين كالمصريين وإنما عاشوا في «جيتو» منفصل بعد مجيئهم في زمن سيدنا يوسف ولم يتركوا فيها أي أثر أو بصمة تذكر كما قال دكتور جمال حمدان، ثم يأتي بيجين ليتبجح علينا ويقول أنهم هم بناة الأهرام، ولا غرو فهذا هو عهدنا بهم.

تقول كارين:
“ولكن الله لم يكن قد تخلى تماما عن شعبه في البرية، إذ كان الإسرائيليون شأنهم شأن الشعوب الرحل الأخرى يحملون معهم رمزا للرابطة التي تربطهم بالعالم الإلهي والتي حافظت على وجودهم، وإذا كان سكان استراليا الأصليين يحملون معهم عمودا مقدسا فإن بني إسرائيل يحملون معهم تابوت العهد وهو الذي أصبحت له أهميته العظيمة في أورشاليم”

ثم تعترف هي نفسها ومن كتابهم أنه لا صحة على أصالة هذا التابوت لأن أوصافه بالكتاب المقدس ممن أضيفت له في الأزمنة المتأخرة.

(تابوت العهد هو الذي يحتوي على الألواح الأصلية المكتوب فيها شريعة موسى، ومعروف لدينا كمسلمين أن هذه الألواح رفعت من الأرض ولم يعد لها وجود)

أصل أرض الميعاد:
في هذه الجزئية لم تبرح كارين الكتاب المقدس وكثيرا ما كررت «مؤلفو الكتاب المقدس» فهل للكتاب المقدس مؤلفين؟!!!!

فأفردت للاستشهاد منه الصفحات، فداوود بنى مملكته بالقتل والإرهاب والاغتصاب واستعباد الناس واتخاذهم للعمل بالسخرة، ولما ورث سليمان ملكه كان لا يزال من عباد الآلهة الوثنية حتى بنى الهيكل، والإله إيل بنى قصره على أطراف جبل صهيون وبذلك فقد أصبح من حقه وتابعيه أرض أورشاليم وما حولها من أراض بمؤازرة إلهية على حد تعبير الكاتبة، وبذلك فإن أصل “أرض الميعاد” هي أرض الإله الوثني إيل الذي كان يعبده خليل الله إبراهيم وموسى وداوود وسليمان قبل أن يكتشفوا أن إيل هو نفسه يهوه أوالله.

(اللهم إنا نبرأ إليك من هذا الافتراء على أنبيائك المكرمين)

الدين الإبراهيمي:
ظهر مؤخرا كنوع من الطمس على مآربهم كي يمرروها قسرا وإلا وضع المخالف تحت مقصلة الأمراض والمطاردات والتضيق في العمل ومختلف روافد الحياة ودروبها، ثم نكتشف من كتابهم المقدس أنها خطوات مدروسة ومحسوبة، يجعلون من «هذا الدين» قنطرة مرور لبلوغ مملكة داوود التي فيها يحكم اليهود العالم كله من خلال الصهيونية والماسونية حتى ولو كانت الأخيرة هي عبادة صريحة للشيطان فكما هو معلوم لدينا كمسلمين أن كل عبادة لغير الله هي عبادة للشيطان.

تقول كارين:
“كانت طقوس العبادة في صهيون تمثل الاحتفال بيهوه ملكا على العالم كله، وأصبح أشعياء الآن يتطلع إلى اليوم الذي تجري فيه كل الأمم إلى جبل بيت الرب، وتحث فيه الشعوب بعضها بعضا على الصعود إلى أورشاليم قائلة «هلم نصعد إلى جبل الرب إلى بيت إله يعقوب» 21 أشعياء 2/3، ومن ثم تكون عودة الجميع إلى جنة عدن، حيث تعيش الخلائق كلها في توافق، الذئب مع الحمل، والنمر مع الجدي، والعجل مع الشبل 22 أشعياء 11/6، أي أن يشهد جبل أورشاليم المقدس «خلق نظام عالمي جديد» واستعادة الكمال المفقود الذي تتحرق البشرية شوقا إليه، ولم تغرب رؤيا أشعياء لأورشاليم الجديدة من ذاكرة الإنسان أبدا، إذ كتب الأمل الذي أعرب عنه في بعث ملك مسيح (أي مسح بالزيت القدسي على رأسه) ليفتتح عهد السلام، أن يرسي الأساس لأمل النجاة الذي أصبح مصدر إلهام للمؤمنين بالتوحيد في الأديان الثلاثة المنحدرة من دين إبراهيم، فقد كتب لليهود والمسيحيين والمسلمين أن ينظروا جميعا إلى أورشاليم باعتبارها المكان الذي شهد التدخل النهائي للرب في التاريخ الإنساني، فيوم الحساب الأكبر قادم، وسوف تدور معركة فاصلة في آخر الزمان، وسوف يتدفق التائبون الذين نبذوا الكفر صاعدين إلى أورشاليم لإعلان تسليمهم بمشيئة الله، وما تزال هذه الرؤى تؤثر في السياسات المرتبطة بأورشاليم حتى يومنا هذا”

وتقول في موضع آخر:
فإذا حكم الملك وتقديسه باعتباره «مسيح يهوه» هو أساس الدولة اليهودية حتى الآن فينبغي أن تصبح التوراة، أي الشريعة الموسوية، هي قانون البلد وشرعته.

تأطير هام طبقا لما قالت:
يهوه له مقر في الأرض على جبل صهيون، وهناك مسيح يخص اليهود مسح على رأسه بالزيت القدسي وهو الملك الذي سيحكم العالم (مملكة داوود) لاستعادة الكمال المفقود وهو الخلاص والنجاة الوحيدة لأتباع اليهودية والمسيحية والإسلام، ومن لا يقر بذلك أي من يشق عصا الطاعة سيكون وقود المعركة الفاصلة في آخر الزمان، وهذه الرؤية هي الأساس الذي تنطلق منه السياسات المرتبطة بأورشاليم حتى يومنا هذا.

وكنتيجة حتمية لهذه العقيدة الدينية الراسخة كتبت بروتكولات صهيون التي رسمت الطريق لإقامة مملكة داوود وفيها اليهودي يخدمه ألف من الحيوانات البشرية (المسيحيين والمسلمين) وبلوغهم ذلك سيتم عبر بحور من الدم والنار التي ستحرق المخالف، وهذا ما يجعل العالم كله بمؤسساته المزيفة لأن يصمت صمتا مطبقا إزاء المجازر التي تحدث للمسلمين على وجه الخصوص بل والدعم غير المحدود لليهود، لأن المسيحية متمثلة في الامبراطورية الأمريكية تؤمن بنفس العقيدة وإن شابها بعض الخلافات، فالمسيح في معتقدهم لكي يعود إلى الأرض ليقيم الألفية السعيدة لابد أن يتم التخلص من الإرهابيين الذين يرفضون هذا المعتقد (الثالوث)، وبالطبع هؤلاء الإرهابيون هم المسلمون.

ألم يقل بقلب مطمئن أحد مسؤولي الكيان الغاصب لفلسطين أنهم لن يهدأوا حتى يقتلوا خمسين ألف طفل في غزة بمؤازرة وتأييد ودعم لوجسيتي كامل من الغرب المسيحي، فهل هناك دليل أقوى من ذلك على أنها حربا دينية بامتياز، ألم يصرح اليهود أن الفلسطينيين في أعينهم ليسوا إلا حيوانات بشرية، ألم تظهر مجندة إسرائيلية من أصول مصرية كانت تعيش بمصر حتى 2016 فكان انتمائها بالكلية لبني دينها، ولا يغرنكم خروج البعض منهم معلنا عن رفضه لما يفعله الكيان الغاصب لفلسطين، فهؤلاء لا قيمة لهم ولا وزن لأنهم بعيدين عن دوائر صنع القرار.

السبي البابلي:
هاجم نوبختنصر الملك الآشوري أورشاليم وهدم معابدهم وقتل منهم الآلاف وفر العشرات إلى الممالك الأخرى وسبى السواد الأعظم منهم، فكانوا عبيدا اضطروا للذوبان في المجتمع الجديد (إذ كانوا يقولون كيف نرنم للرب في أرض غريبة) وعانى الأمرين القلائل الذين رغبوا في الاحتفاظ بيهوديتهم واعتبروا ما حدث لهم هو غضب يهوه عليهم، وغلب عليهم اليأس من أن تقوم لهم قائمة مرة أخرى حيث شعروا أنهم انتزعوا من بيت يهوه الذين كانوا يعيشون في أحضانه، وهم لا يصلون صلاة جماعية إلا في الأماكن التي تجلى يهوه فيها وأرض بابل لم يعرف عنها تجلي يهوه فيها، بحلول القرن السادس قبل الميلاد تم القضاء على مملكتهم التي كانت لمدة 400 سنة في أورشاليم.

رؤيا حزقيال:
يقولون إنه أحد أنبيائهم، وقد رأى رؤية تشير إلى عودتهم مرة أخرى إلى أرض الميعاد وسوف يقيم يهوه مرة أخرى في مقره على جبل صهيون وأنهم سوف يقيمون مملكتهم مملكة داوود في إشارة إلى انتهاء الانفصال والاغتراب والعودة إلى الاكتمال الأصلي.

الحقيقة أن إسهابها الديني كان منداح ومترامي ولكنه يشير بقوة في أن أفعالهم وسياستهم كلها نبتت من كتابهم المقدس وبلا توقف.

وللحديث بقية إن شاء الله

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى