د. أحمد الحطاب - المنظومة التَّربوية، بنيةٌ معقَّدةٌ

قبل الدخول في صُلب الموضوع، لا بدَّ من الانكباب على توضيح مفهوم "المنظومة التَّربوية" وتشريح محتواه. وفي هذا الصدد، كم هي كثيرة المفاهيم التي نستعملها في مختلف أوجُه الحياة اليومية من حدبثٍ متداول ونقاشات وقراءات وتواصل وتعليم وبحث ولقاءات علمية وإعلام… لكن، من المؤكَّد أننا لا نعيرُ إي اهتمام، في حياتِنا اليومية، للمحتوى الدلالي contenu sémantique لهذه المفاهيم ولتطوُّر هذا المحتوى تماشيا مع ظروف هذه الحياة اليومية. نظن أننا أدركنا جيدا هذا المحتوى الدلالي بينما كل واحدٍ منا يفسِّر هذه المفاهيم و يُدمِجها في رصيده من المعارف العلمية، الثقافية والمبسَّطة حسب طريقة خاصة به. وحتى إن حفظنا دلالتَها عن ظهر قلب، فإننا نستمر في تفسيرها حسب طريقتِنا الخاصة. لكن قد يحين وقتٌ من الأوقات ليصبحَ من الضروري أن تُوضَّحَ هذه المفاهيم حتى تتمكَّن مجموعةٌ من الناس، وبالأخصِّ، الاختصاصيون، من إدراكِها بنفس المنظور. وهذه المجموعة من الناس يمكن أن يكونَ لها طابع اجتماعي، ثقافي، سياسي، اقتصادي، ديني…

إن مفهومَ "المنظومة التَّربوية" يندرج في هذا الاتِّجاه حيث أن كثيرا من الناس يستعملونه، انطلاقا من دائرة المسئولين إلى الفلان الفلاني monsieur untel. لكن، قليلون هم الناس الذين يدركون، عن جدارةٍ، ما لهذا المفهوم وما عليه. كل ما يحدث هو أننا نُكوِّن نطرةً سطحيةً عن هدا المفهوم ونختزله إما في المؤسسات التَّعليمية أو في التَّعليم أو في المجموعات البشرية التي يتألَّف منها : مدرسون، متعلِّمون، طواقِم إدارية…

وحتى في الوسط المدرسي، نادرون هم المدرٍّسون الذين ينشغلون بمدلولِه والمدى الذي ينطوي عليه. إنهم يعرفون أنهم، هم وأنشِطتُهم التَّربوية، جزءٌ لا يتجزَّأ منه، لكن أن يُشرٍّحونه فكريا، اجتماعيا واقتصاديا، فهذا شيءٌ لا يخطر ببالِهم.

فيما يخصُّ مفهوم "المنظومة التَّربوية"، تجدر الإشارةُ إلى أنه لا يوجد تعريفٌ معياري définition standard أو تعريفٌ كوني définition universelle خاص بهذا المفهوم. هناك تعاريفٌ تقترحها شبكات التَّواصل الاجتماعي أو الهيئات الرسمية. لكن، في نظري الشخصي، كل هذه التَّعاريف لا تذهب بعيدا لتكونَ على درجةٍ مهمة من الوضوح والإدراك. كل هذه التَّعاريف تتخندق في العموميات، وبالتالي، لا تمكِّن من الوقوف على تعقيد هذه المنظومة. ما سيأتي من آراءٍ في هذه المقالة، هو ثمرة جُهدٍ فكري خاص.
المنظومة التَّربوية هي عبارة عن مجموعة متناسِقة من الهيئات والبٍنيات التي تنتمي إلى القطاعين العمومي والخاص والتي تُمكِّن أعمالُها وتفاعُلاتُها من صياغة وتنفيذ السياسة الوطنية في مجالات التَّعليم والتَّربية والتَّكوين.

وتتمثَّل هذه الهيئات والبِنيات في :

-السلطات العمومية التي تهيِّىء السياسة الوطنية في مجالات التَّعليم والتَّربية والتَّكوين والتي تلعب دورَ الجهاز المنظِّم appareil régulateur لهذه السياسة من خلال التَّشريع، التَّقنين، التَّنسيق، التَّخطيط، البرمجة، التَّمويل وتقييم أنشطة التَّعليم والتَّربية و التَّكوين؛
-البِنيات المكلَّفة بتنفيذ السياسة الوطنية في مجالات التَّعليم والتَّربية والتَّكوين (الإدارة المركزية والإدارات الجهوية، هيئة التَّدريس والهيئة الإدارية، مؤسسات التَّعليم والتَّكوين العمومية و الخاصة)؛
-بنيات تقييم السياسات التَّعليمية والتَّربوية والتَّكوينية وكذلك تقييم أنشطة الإداريين وهيئة التَّدريس؛
-بنيات الدَّعم والتَّتبُّع والتَّنمسيق : المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، الأحزاب السياسية، المُنتَخَبون، النقابات، المجتمع المدني، القطاع السوسيواقتصادي…

كل هذه المُكوِّنات التي تتألَّف منها المنظومة التَّربوية تربطها علاقاتٌ متبادلة mutuelles وتراتُبية hiérarchiques على المستويات القانوني، السياسي، التَّنظيمي، الاجتماعي والاقتصادي، وذلك من خلال انسيابٍ سهلٍ وفعالٍ للمعلومات ومن خلال تعبئة الموارد البشرية، المادية والتَّمويلية.

المنظومة التَّربوية ليست فقط التَّعليم والتَّربية والتَّكوين. المنظومة التَّربوية شديدة التَّعقيد نظرا لكثرة مكوِّناتها ولتشابك العلاقات بين هذه المكوِّنات. فأين يوجد التَّعقيد الذي يجعل من هذه المنظومة وحدةً معقَّدة؟

يوجد هذا التَّعقيدُ على مستوى تدبير gestion العلاقات القائمة بين مختلف مكوِّنات المنظومة التَّربوية. بالفعل وبِما أن المهمة المركزية لهذه المنظومة هي تعليم وتربية وتكوين الأجيال الصاعدة، من الضروري التَّحكُّم في تدبير هذه العلاقات من طرف جميع المُكوِّنات المعنية بالاشتغال الجيِّد لنفس المنظومة.

وبما أن التَّعليمُ والتَّربية والتَّكوين هم ركائزُ مهمة أية منظومة تربوية، فإنهم لا يُشكِّلون إلا الجزء الواضح للعِيان la partie visible de .l’iceberg غير أن نجاحَ هذه المهمة رهينٌ كذلك بالجزء غير الواضح للعيان. وداخِلَهما، أي الجزء الواضح للعِيان والجزء غير الواضح، تتزاحم مكوِّنات عديدة من طواقم تعليمية وإدارية، ومال، وبنيات تحتية، وتدبير وحكامة، وتنظيم، وتشريع، ولامركزية، وبرامج ومحتوياتٌ تعليمية، ومتعلٍّمون، وتكافؤ الفرص، و وسائل تعليمية وتكنولوجيات التَّربية، والبيداغوجيا، وعلم النفس التَّربوي، والتَّعلُّمات، والتَّقييم، والامتحانات، والنجاح والرسوب، والهدر المدرسي، والشهادات، والتًّأهيل، والاندماج في الحياة الاجتماعية والعملية، وأخلاقيات المهنة، والتَّفاعل بين المدرسة والأسرة وبين المدرسة والمجتمع، والتَّكوين الأولي والمستمر للمدرسين،… يُضاف إلى كل هذه المعطيات أن تعقيدَ المنظومة قد يتأثَّر بالعامل الديمغرافي الذي يجعل من هذه المنظومة مكانا يتساكن فيه مئات الآلاف من الإدارينن والمدرسين وملايين المتعلِّمين.

ومن جهة أخرى، من الضروري أن تشتغلَ المنظومة التَّربوية ككلٍّ شاملٍ un tout global له القدرة على الحِفاظ على ترتيبه الداخلي ordre intérieur، وفي نفس الوقت، ربط هذا التَّرتيب بمحيطه الاجتماعي، الاقتصادي والثقافي. وبما أن هذا المحيط تحدث فيه تحوُّلات مستمرة، فإن أية منظومة تربوية مطالبةٌ بأن تتكيَّفَ مع هذه التَّحوُّلات. وحين نتحدَّث عن التَّكيُّف، فالأمر يتعلَّق بإصلاح المنظومة التَّربوية. غير أنه لا يمكن إصلاحُ هذه المنظومة كل سنة. وإذا كان من الضروري إصلاحُها، يجب أن يستغرقَ هذا الإصلاح مدةً زمنية معيَّنة ويشمل، على الأقل، السِّلكَ الأساسي cycle fondamental الذي يدوم من 8 إلى 10 سنوات. وهنا، لابدَّ من التَّذكير أن الإصلاحَ لن يكونَ ناجِعا إلا إذا شمِلَ آخرَ سنة من هذا السِّلك.

وهنا، يتَّضِح أن التَّحوُّلات التي تحدث في المجتمع تشكِّل، في حد ذاتِها، عنصراً يزيد من تعقيد تدبير المنظومة التَّربوية. بالفعل، إذا تغيَّر المجتمع باستمرار، فإن المنظومة التَّربوية لا يمكن أن تُوازيَ هذا التَّغيير. فهناك فجوةٌ décalage بين ما يحدث من تغييرٍ في المجتمع وبين ما يجري من تعليمٍ وتربية وتعلُّمات داخلَ المنظومة التَّربوية. ولا داعيَ للقول أن العديدَ من المنظومات التَّربوية، إذا لم تتطوَّر، فإنها تصبح فرائسَ سهلة للجمود immobilisme والصلابة sclérose.

والتَّعقيد لا يتوقَّف عند هذا الحد. بل إنه يتفاقم عندما تتعرَّض المنظومة التَّربوية للتّجاذبات السياسية، الحزبية والنقابية، التي، غالبا ما تأخذ هذه المنظومة كرهينة لإيديولوجياتها وشعاراتها وعقائدها doctrines. وهنا، تتواجه الأفكارُ والمصالح، وخصوصا منها، السياسية، وتتواجه كذلك الرُّؤيات visions، والأفكار المسبقة présupposés والأفكار المنمَّطة stéréotypes… فكيف يمكن أن تتقاربَ وتتصالحَ كل هذه التَّوجُّهات؟ يمكن، في هذه الحالة، اللجوء إلى الحِوار الذي يمكن أن يستغرقَ وقتا طويلا، كما يمكن اللجوءُ إلى مبدأ "خير الأمور أوسطها"، أو اللجوء إلى التَّوافق، إلى التَّنازلات… الأمر ليس سهلا!

وقد يزداد التَّعقيدُ قوَّةً عندما يتعلَّق الأمرُ باتِّخاذ قرارٍ يخصُّ المنظومة التَّربوية باعتبارها كل شامل un tout global. وهنا، سأخذ كمثالٍ إعادةَ النظر في غايات finalités هذه المنظومة. فأين يكمن التَّعقيدُ هنا؟
التَّعقيد يكمن هنا في كون اتِّخاذ القرار يهمُّ بلدا بأكمله، ومستقبلَ هذا البلد وكذلك مستقبلَ الأجيال الصاعدة. اتِّخاذ القرار هنا، من الضروري أن يكونَ جماعيا، علما إن إعادةَ النظر في غايات منظومة تربوية، تُعدُّ مسئوليةٌ كبرى. وبما أن صياغةَ هذه الغايات لا يمكن أن تكونَ محطَّ إجماعٍ، فمن الضروري أن تتمَّ هذه الصياغة في جوٍّ تتقارب وتتصالح فيه الأفكار والرؤيات والتَّوجُّهات والإيديولوجيات والمصالح… فالحلُّ هنا هو البحث عن التَّوافق consensus.

وما ينطبق على الغايات، ينطبق على جميع القرارات المتعلِّقة باشتغالِ المنظومة التَّربوية باعتبارها كلا شاملاً. فكل خطوةٍ زائغة عن الصواب، قد تكون سببا، طال الزمن أم قصُر، في ظهور مشاكل لم تكن في الحُسبان. ذلك بأن المنظومة التَّربوية لا يمكن أن تستجيبَ لجميع تمثُّلات المعنيين بالأمر. كما لا يمكن أن تستجيبَ فقط لأي حزب من الأحزاب أو لأية جهة من الجهات… سواءً كانت داخلَ أو خارجَ المنظومة التَّربوية، علما أن هذه الأخيرة، في حدٍّ ذاتِها، كمفهومٍ وبِنيةٍ، عبارة عن حلٍّ وسطٍ! وقد لا أبالغ إذا قلتُ "إن التَّعقيدَ هو، في الحقيقة، وجهٌ منسوبٌ إلى طبيعة المنظومة التَّربوية نفسها.
وعليه، إن اتِّخاذَ أي قرارٍ يُدخِل تغييراً في منظومة تربوية، لا يمكن أن يتمَّ على عَجَلٍ. وهنا، لا بدَّ من التَّذكير أن بنيةَ أية منظومة تربوية ترتكز على قاعدة صلبة وغير قابلة للتَّغيير، تتمثَّل في قيمِ ومبادىء أمة nation بأكملها، وكذلك في المواطنة وحب الوطن. يمكن صياغةُ هذه القاعدة بأسلوبٍ مغايرٍ، لكن القاعدةَ تبقى محافظةً على صُلبها كهويةٍ لهذه الأمة. غير أن المنظومةَ التَّربويةَ، رغم محافظتها على قاعدتها الصلبة، من الضروري أن تتجدَّدَ باستمرار وإلا فمآلها الفشل والتَّقهقر.

وفضلا عن التَّعقيدات السابقة الذكر، إن غيابَ النُّضج السياسي يضاعف تعقيدَ المنظومة التَّربوية. وهذا هو ما يحدث في البلدان التي لا تشكِّل فيها الديمقراطية واقعا ملموسا أو تكون هذه البلدان في حالة تحوُّلٍ ديمقراطي أو تكون أحزابُها منقوصةَ النُّضج السياسي اللازم لشفافية أفكارها وممارساتها. في هذه البلدان، المنظومات التَّربوية ليست، لا أقل ولا أكثر، إلا مطيات يؤدي ركوبُها إلى كراسي السلطة. وعندما يتحقَّق الوصول إلى السلطة، المنظومات التًَّربوية التي هي مِلكٌ للأمة، تصبح سجينةَ إيديولوجية معيَّنة. إن غيابَ أو نقصَ النُّضج السياسي يزيد في الوضع تعقيدا. فعلاوةً على التَّعقيد المتضمَّن في المنظومة التَّربوية كمفهوم وبِنية، يُضاف له تدبيرٌ مُأَدلَجٌ عوض تدبيرٍ جماعي، واضح المعالم، ملائم وناجع.
فمن غير المعقول أن منظومةً تربويةً التي هي ثروة أمة بأكملها، والتي من المفروض أن تُنتِجَ الثروات، أن تكونَ مُحتجزةً من طرف جهةٍ دون الجهات الأخرى، باسم الديمقراطية! لا أحدَ يملك الحقيقة! والذين يدَّعون أنهم يملكونها، لهم أغراضٌ مغايرة لتلك التي تسعى إلى تحسين إنجازات المنظومة التَّربوية. هذه الأخيرة، من الضروري أن تُجسِّدَ وتُظهِرَ أملَ وتطلُّعات كل المجتمع الدي، من حقِّه، أن يطمحَ لتقدُّمٍ وتنميةٍ بشرية، أولا، ثم اجتماعية واقتصادية.

ولا داعيَ للقول أن السياسة السياسوية تزيد المنظومات التَّربوية غرقا في التَّعقيد. بالفعل، في العديد من البلدان، وبالأخصِّ تلك السائرة في طريق النمو، تتعاقب على كراسي السلطة أحزابٌ سياسيةٌ لها إيديولوجيات متناقضة. كما تتعاقب على المنظومة التَّربوية إصلاحاتٌ تُدخِل على هذه المنظومة تغييرات في روحها وفي اشتغالها. الإصلاحُ الأول لم يأتِ أُكلَه، يليه إصلاحٌ آخر وهكذا. تتوالى الإصلاحاتُ دون أن تُحدثَ التَّجديدَ المنتظرَ. لماذا؟

لأن هذه الإصلاحات لا تذهب إلى عمق المشاكل، ولأنها تستجيب فقط لصراعٍ قائمٍ بين إيديولوجيات ولمزايداتٍ سياسوية، عوضَ أن تستجيبَ لحاجةٍ إلى النجاعة والمردودية وإلى الجودة. وغالبا ما تتمُّ هذه الإصلاحات على عَجَلٍ وبدون القيام، مسبقا، بتشخيصٍٍ للوضع القائم المرادُ إصلاحُه. فيتمّ مثلا تغييرُ لغة التَّدريس أوتغيير المضامين التَّعليمية أو طبع مراجع مدرسية manuels scolaires جديدة أو يتمُّ تغييرالأساليب البيداغوجية أو بُعاد النظرُ في نظام الامتحانات… بكل تأكيد أن المشاكلَ ستبقى بدون حلولٍ في وضعٍ يطغى عليه الفكر السياسوي. في هذه الحالة، فإن الأمرَ لا يتجاوز تراكبَ superposition مشاكل الساعة على مشاكل يُظَنُّ أنها وجدت حلولا بفضل الإصلاح السابق. المنظومة التَّربوية عبارة عن كلٍّ شاملٍ، بمعنى أنها تَشكِّل جسدا أعضاءه مترابطة. وكل محاولة إصلاحٍ تطال المنظومة التَّربوية، من الضروري أن تأخذَ بعين الاعتبار هذا التَّرابط.

وهنا، لا بدَّ من التَّوضيح أن أيَّ إصلاحٍ هو، في الحقيقة، بمثابة حقنِ دواءٍ لجسمٍ مريضٍ. وحتى يكون الحقنُ ناجعا، يجب أن يشملَ هذا الحقنُ جميع أعضاء الجسم. وبعبارة أوضح، ليس هناك مكوٍّنٌ يمكن أن يحيا في معزلٍ عن المكوِّنات الأخرى. وإذا أصاب إحدى هذه المكوِّنات عطبٌ أوخللٌ، ينعكس ذلك على الاشتغال الجيِّد للمكوِّنات الاخرى. وقد نُشبِّه المنظومة التَّربوية بمنظومة بيئية écosystème يكون توازُنُها رهينا بصحة ونجاعة العلاقات القائمة بين مكوِّناتها. إن هذا الوضعَ مُضِرٌّ للمنظومات التَّربوية حيث الإصلاحات، عوض أن تُقوٍّمَ ما أُفسِدَ، تُحدِث عدمَ استقرار أو خللا أو ضُعفا في إنجازات المنظومة التَّربوية، علما أن الضحايا الأوائل لهذا الضُّعف هم الأطفال والمراهقون والشباب.

إن المنظومة التَّربوية يجب أن تكونَ فوق كل هذه التَّجاذبات السياسية. دورها الأول والأساسي هو تعليم وتربية وتكوين فلذات أكباد progénitures المواطنين، كدافعين للضرائب contribuables. إنه حقٌّ كوني تضمنه دساتير البلدان. أما السياسة، فلا معنى لها إلا إذا تمركزت حول التَّنمية البشرية والاجتماعية. وبعبارة أوضح، يجب أن تكونَ مبادىء السياسة مرتكزةً على نُكران الذات، وفي نفس الوقت، تُعطي الأولوية للصالح العام أولا وقبل كل شيء. وعليه، فالسياسيون، من المفروض، أن يكونوا في خدمة بلدانهم متَّخذين من المواطنة وحب الوطن خيطا ناظما لأقوالهم وأفعالهم.

وكل عمل سياسي تحوَّلَ إلى عملٍ سياسوي، فإنه يحيد عن معناه الأصلي، وفي نفس الوقت، يقتل المواطنة. وإذا لم تساهم السياسة في رفعِ مردودية المنظومة التَّربوية وتحسين أدائها، فإنها سياسية غير مُواطِنة. والسياسة السَّيِّئة النوايا تميل إلى قتل روح المواطنة وتدفع المواطنين إلى تبنٍّي ثقافة الفردانية individualisme. إن المنظومة التَّربوية، كجلِّ مرافق الحياة العامة، تعاني من تقهقُرِ القيم المواطِنة الضرورية لصالح هذه المنظومة. ويشهد على هذا التَّقَهقُر التَّشكيكُ، في أيامنا هده، الذي أصبح يُراوِد شريحةً عريضةً من المواطنين فيما يخصُّ قيمةَ المدرسة العمومية.

وباختصار، السياسة، بمعناها النَّبيل وكيفما كانت اختلافاتها الإيديولوجية، يجب أن تكونَ الضامنَ ورافعةً لجودة حكامة المنظومة التَّربوية، عوضَ أن تكونَ عاملا لتفادي خطورة تعقيدها. وبعبارة أخرى، المنظومة التربوية، استجابةً لمصلحة الجميع وعلى الإطلاق، يجب أن لا تُسَيَّسَ أو يجب أن لا تكون عُرضةً للتَّسييس.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى