أ. د. عادل الأسطة - تداعيات حرب ٢٠٢٣ : الأمراض والأوبئة ووقف الحرب ومكر التاريخ

ينهي محمود درويش قصيدته " هدنة مع المغول أمام غابة السنديان " بالآتي :
" لم نجد أحدا يقبل السلم .. لا نحن نحن ولا غيرنا غيرنا / البنادق مكسورة .. والحمام يطير بعيدا بعيدا / لم نجد أحدا ههنا ../ لم نجد أحدا ../ لم نجد غابة السنديان " .
والسؤال هو هل ستنتهي الحرب بما هدد به يحيى السنوار قبل بدئها بأنه سيحرق اليابس والأخضر ؟ أو بما هدد به بعض أعضاء الكنيست بقصف غزة وتدميرها بقنبلة ذرية ؟ أو بما هدد به وزير الحرب بمسح لبنان عن الخريطة إن تدخل حزب الله ؟ أو برد حسن نصرالله مرارا على تهديدات مثل هذه بأن ما سيلم بلبنان سيلم أيضا بحيفا وتل أبيب ؟
في ٢٣ / ١١ / ٢٠٢٣ نشر الكاتب ( جدعون ليفي ) مقالا - ترجمته إلى العربية غانية ملحيس - يحكي فيه عن اقتراح ( جيورا آيلاند ) " أحد الضباط المفكرين الذين خدموا في الجيش الإسرائيلي " . الاقتراح ، كما رآه ليفي ، وحشي وفكرته أن الأوبئة في غزة مفيدة لإسرائيل . ومما يقتبسه من اقتراح آيلاند الذي نشره في صحيفة ( يدبعوت احرونوت ) الآتي :
" في نهاية المطاف ، فإن الأوبئة الشديدة في جنوب القطاع ستقرب النصر وتقلل الوفيات بين جنود الجيش الإسرائيلي ، وما علينا إلا أن ننتظر حتى تصاب بنات قادة حماس بالطاعون ، وقد انتصرنا " .
وفي ٤ / ١٢ / ٢٠٢٣ نشر خبر عن نيويورك تايمز فحواه أن معسكرا على صلة بالسلاح النووي الإسرائيلي تضرر يوم السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ ، وفي تاريخ النشر نفسه نشرت جريدة ( يديعوت احرونوت ) أن بكثيريا ( الشيغيلا ) وأمراض معوية تنتشر بين جنود الاحتلال في قطاع غزة " ، وفي الفترة نفسها أيضا عمم أيضا أن إسرائيل أعدت مضخات ضخمة لإغراق أنفاق غزة بالماء ، ولكنها تخشى من أضرار بيئية . يضاف إلى ما سبق ما أعلنه الناطق باسم الأونروا مؤخرا بأن مرض الوباء الكبدي تفشى بين سكان غزة وهذا ما لم يعرفه القطاع من قبل . ( في ١٩٤٨ أراد الإسرائيليون تسميم مياه غزة )
أعادتني هذه الأخبار إلى فترات أسبق كتب عنها المؤرخون والروائيون عن تأثير الأمراض التي تسببها الحروب ، كما أعادتني إلى كتاب أمين معلوف " الحروب الصليبية كما رآها العرب " .
في روايته " أمريكا " ( ٢٠٠٩ ) يكتب ربيع جابر حوالي أربع عشرة صفحة تحت عنوان " الإنفلونزا الإسبانية يأتي فيها على انتشار وباء الإنفلونزا الذي اجتاح العالم ، ولم تنج منه غير بعض الجزر ، في أعقاب الحرب العالمية الأولى وقتل في القارات الخمس ، أثناء ١٩١٨ و ١٩١٩ ، أضعاف ما قتلته الحرب الكبرى ، بين ٢٠ مليونا و ٤٠ مليونا " ( صفحة ٣٠٢ ) ويذكر ما حل بمدينة فيلادلفيا في نهاية أيلول ١٩١٨ ونهاية أكتوبر " تركها منكوبة : بين مدن أميركا وقع في فيلادلفيا العدد الأكبر من الضحايا " .
في روايتين فلسطينيتين يعود زمنهما الروائي إلى نهاية القرن ١٨ وبداية القرن ١٩ ، أتى كاتباهما على غزو نابليون مدينتي يافا وعكا ومرض الطاعون الذي ألم بسكانهما وبجيش نابليون . ولا شك أن الروائيين ، وهما علاء حليحل ويحيى يخلف ، اطلعا على مصادر ومراجع قديمة وحديثة أتت على الموضوع .
في رواية الأول " أورفوار عكا " ( ٢٠١٤ ) صفحات عديدة عن مرض الطاعون الذي ألم بالسكان وبمن وقف معهم من الجيش الإنجليزي والضابط الفرنسي أيضا الذي وقف مع أهل عكا ضد الجيش الفرنسي ( دي فيليبو ) ، ويمكن أن يقرأ المرء " الوقعة الثالثة والعشرون : ٢٨ نيسان " ( ص ١٨١ ) لملاحظة تأثير المرض على السكان ومنهم اليهودي ( فرحي ) الذي سمع عن " أحاديث المسنين عن الطاعون وما يفعله بالبشر " الأحاديث التي " دبت الرعب فيه وهو طفل صغير يكبر في حضن أبيه ويستمع إلى هذه القصص المروعة ... إنه يفضل أن يلقي بنفسه إلى البحر أو من فوق السور لو مرض على أن يرمى كالكلب يبصق رئتيه دما ومخاطا ... " .
وفي رواية الثاني " راكب الريح " ( ٢٠١٦ ) يكتب عما ألم بجيش نابليون في يافا ، بعد اندحاره على أسوار عكا .
كانت بداية إصابة جنود نابليون بالطاعون في يافا فنقلوه معهم إلى عكا وفيها انتشر ، فتفشى المرض بين سكانها وتمكن أيضا من جنود نابليون الذي أمر الأطباء بمعالجته بالأفيون الذي كان مخدرا أكثر منه علاجا ، ولما كانت حالة بعض الجنود ميؤوس منها ، فقد طالب نابليون الأطباء زيادة الجرعة ليتخلص منهم ، وفي اليوم الستين لحصار عكا كانت خسائر القوات الفرنسية كبيرة " ورافق ذلك نقص في التموين وسرعة انتشار الوباء . في اليوم الحادي والستين أشعل الفرنسيون مشاعل هائلة على امتداد السور وبدأوا القصف ليلا من جميع المدافع بلا توقف . وأفرغوا كل ما لديهم من قذائف وقنابل . وفي صباح اليوم الثالث صمتت المدافع . أفرغوا ترسانتهم وتوقفوا . لقد أقروا بالهزيمة " ( صفحة ٢٩٧ ) .
وماذا عن كتاب أمين معلوف ؟
لم يأت أمين معلوف على أمراض ألمت بالجيشين المتحاربين أو بالمواطنين ، ولكنه أتى على ما جرته الحرب بين الطرفين من كوارث ومصائب حتى شعرا بثقلها وصارا يتطلعان إلى حل ما . اقتبس معلوف من بعض كتب المؤرخين مثل بهاء الدين بن الأثير ليصف ما آلت إليه الأوضاع " ومات رجالنا ورجالكم ودمرت البلاد وأفلت زمام الأمور تماما من أيدينا جميعا . أفلا تظن أن ذلك يكفي ؟ ومن جهتنا فليس هناك خلاف إلا على ثلاثة : القدس وصليب المسيح والأرض " ( ٢٦٤ ) ، وكاد الطرفان يتفقان على حل يتمثل بزواج الملك العادل شقيق صلاح الدين من أخت ريتشارد قلب الأسد الأرملة لولا رفضها ، وكانت الفكرة أن هذا الزواج قد يسفر عن ولادة أمير يؤول إليه حكم البلاد وتصبح كلها موحدة تحت حكمه ، ورحم الله محمود درويش وما كتبه في " حالة حصار " ( ٢٠٠٢ ) عن زواج فلسطيني من يهودية يخلفان طفلا يصبح حفيدا يهوديا للقاتل بحكم الولادة .
( مقال الأحد لدفاتر الأيام الفلسطينية ١٠ / ١٢ / ٢٠٢٣ )
الثلاثاء ٥ / ١٢ / ٢٠٢٣ .
عادل الاسطة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى