كمن يزرع المجهود الإبداعي ليجني الفن المسرحي الرفيع، طلعت علينا "ورشة الإبداع دراما مراكش" بعمل فني شبيه بوردة يهديها العاشق لمن يحب.
المسرحية من تأليف الفنان الراسخ في أرض العطاء بوبكر فهمي، ومن إخراج فنان آخر لا يقل مقدرة، يسحر بوهجه وتألقه عبد العزيز بوزاوي.
السينوغرافيا التي تميزت بانسيابها وانسجامها الأخاذين من إضاءة معبرة، وديكور فقير لكنه نفاذ ومعبر، وقادر على أسر الجمهور.. كل ذلك كان من فعل رشيد البندقي.
التأليف الموسيقي أنجزه فنان مقتدر، غني بأعماله الهادفة الجميلة، عزيز باعلي.
أما التشخيص، فقد اجتمع عليه سبع من القامات المسرحية الكبيرة، يتقدمهم أبو بكر فهمي الذي يستطيع إعادة صياغة الحياة على الركح.. من نفس مرتبته الرائع والفنان الذي لم يولد إلا ليكون مسرحيا عبد العزيز بوزاوي..
كطائر نسر معتز بغزوه العلياء، يأتي سالم دابلا، مجسد الكوميديا السوداء، والقادر على خلخلة موازين الفرجة وإمتاع الجمهور بكل ما أوتي من ألق
ويكاد الفؤاد أن يهزج، حين يصل الدور على نادية فردوس ايقونة الركح، وصاحبة الأدوار الصعبة التي تتطلب المراس الفني، لتجسيد روح الصمود والمواجهة كما هو الحال بدور الزاهية في مسرحية "لالة الغزالة".
هذا الرباعي الذي قُدّ من صخر مسرح الهواة، وتشرب نَسْغَه، كان مرفوقا بأزهار متفتحة، أبدعت في أدائها، وعبرت عن مستوى يليق بالكبار: عبد الرحيم رضا، ودليلة حسني، وزهير الزهراوي..
من عمق التراث المغربي الشعبي، وهو انشغال فني أساسي في تصور ورشة الإبداع دراما مراكش، نسج المؤلف مرتفعا اعتلاه ليصرخ في وجه الجهل المقدس.
تبدأ الحكاية باكتشاف عالم آثار لنقش يجسد غزالة على صخرة في دوار يرمز إلى البلد. وتتوالى الأحداث إلى أن تتحول هذه الصخرة إلى ولية صالحة تجسد قطبا للمعتقد.
يأتي جدول حكائي يحمل قصة حب بين سليمان وهنية المتواعدان على زواج مستحيل بسبب الفقر والتهميش. غير أن مسار الحكي يجعل سليمان في قلب الحدث، لأنه سيتحول بفعل دوافع المصالح والجشع التي تحرك الشيخ لاختلاق ما يحيط بهذه الصخرة من قداسة، وجعلها مقصدا للزيارة وللأرباح المتراكمة.. سليمان يصبح ضحية هذا التزوير..
من جهتها ستقف الزاهية، وتشخصها الأيقونة نادية فردوس، في وجه الشيخ، وتحول الاحتجاج إلى قضية، تحولت بفعل المسرحة إلى مجهود فني لمواجهة استغلال الكبار لفقر وجوع الفقراء، وتغليفه بالجهل المقدس..
ويأتي "صالح" كتجسيد لاستمرار المواجهة، وكبعد درامي تمثله الحياة، ويرقى به المسرح إلى مصاف التعبير الفني..
عناصر السينوغرافيا جاءت لإنضاج تنامي البناء الدرامي، بحيث وظف عبد الكريم والعياض، إنارة تناسب أجواء الحضرة والتهيب، وهو ما تزخر به ثقافة الأضرحة والمواسم.
الديكور من جهته، ينتمي للمسرح الفقير، بحيث تم توظيف خيمة ومظلات يمكن تحريكها بخفة تفي بغرض ما ينطبع في ذهن الجمهور من تمثلات معمارية لصيقة بأجواء الأضرحة.
الموسيقى وكلمات الأغاني الجماعية، أحالت على أجواء المقدس الشعبي الغارق في معتقدات تبتعد كثيرا عما يحتاجه نهوض وطننا من تصورات وأفكار حداثية داعية لتحرر الإنسان المغربي من كل ما يجعله ضحية لتكريس التخلف والانصياع للجهل..
وفي خضم الفرجة أتت لمسات ساخرة لفضح المستور، وهدم صرح الخرافة، من قبيل الوزير الذي يرجو من "لالة غزالة" الا تستغني عنه الحكومة، وكأنه خلق للكرسي، وامتصاص دماء المحرومين.
"لالة غزالة" عمل مسرحي أغنى "ربيرتوار" فرقة ورشة الإبداع دراما مراكش، ووشح صدرها بميدالية الفخر الفني في ظل أجواء ثقافية يغلب عليها الاستهلاك وانتهاز الفرص..
عزيز معيفي
مراكش 13 / 12 / 2023
المسرحية من تأليف الفنان الراسخ في أرض العطاء بوبكر فهمي، ومن إخراج فنان آخر لا يقل مقدرة، يسحر بوهجه وتألقه عبد العزيز بوزاوي.
السينوغرافيا التي تميزت بانسيابها وانسجامها الأخاذين من إضاءة معبرة، وديكور فقير لكنه نفاذ ومعبر، وقادر على أسر الجمهور.. كل ذلك كان من فعل رشيد البندقي.
التأليف الموسيقي أنجزه فنان مقتدر، غني بأعماله الهادفة الجميلة، عزيز باعلي.
أما التشخيص، فقد اجتمع عليه سبع من القامات المسرحية الكبيرة، يتقدمهم أبو بكر فهمي الذي يستطيع إعادة صياغة الحياة على الركح.. من نفس مرتبته الرائع والفنان الذي لم يولد إلا ليكون مسرحيا عبد العزيز بوزاوي..
كطائر نسر معتز بغزوه العلياء، يأتي سالم دابلا، مجسد الكوميديا السوداء، والقادر على خلخلة موازين الفرجة وإمتاع الجمهور بكل ما أوتي من ألق
ويكاد الفؤاد أن يهزج، حين يصل الدور على نادية فردوس ايقونة الركح، وصاحبة الأدوار الصعبة التي تتطلب المراس الفني، لتجسيد روح الصمود والمواجهة كما هو الحال بدور الزاهية في مسرحية "لالة الغزالة".
هذا الرباعي الذي قُدّ من صخر مسرح الهواة، وتشرب نَسْغَه، كان مرفوقا بأزهار متفتحة، أبدعت في أدائها، وعبرت عن مستوى يليق بالكبار: عبد الرحيم رضا، ودليلة حسني، وزهير الزهراوي..
من عمق التراث المغربي الشعبي، وهو انشغال فني أساسي في تصور ورشة الإبداع دراما مراكش، نسج المؤلف مرتفعا اعتلاه ليصرخ في وجه الجهل المقدس.
تبدأ الحكاية باكتشاف عالم آثار لنقش يجسد غزالة على صخرة في دوار يرمز إلى البلد. وتتوالى الأحداث إلى أن تتحول هذه الصخرة إلى ولية صالحة تجسد قطبا للمعتقد.
يأتي جدول حكائي يحمل قصة حب بين سليمان وهنية المتواعدان على زواج مستحيل بسبب الفقر والتهميش. غير أن مسار الحكي يجعل سليمان في قلب الحدث، لأنه سيتحول بفعل دوافع المصالح والجشع التي تحرك الشيخ لاختلاق ما يحيط بهذه الصخرة من قداسة، وجعلها مقصدا للزيارة وللأرباح المتراكمة.. سليمان يصبح ضحية هذا التزوير..
من جهتها ستقف الزاهية، وتشخصها الأيقونة نادية فردوس، في وجه الشيخ، وتحول الاحتجاج إلى قضية، تحولت بفعل المسرحة إلى مجهود فني لمواجهة استغلال الكبار لفقر وجوع الفقراء، وتغليفه بالجهل المقدس..
ويأتي "صالح" كتجسيد لاستمرار المواجهة، وكبعد درامي تمثله الحياة، ويرقى به المسرح إلى مصاف التعبير الفني..
عناصر السينوغرافيا جاءت لإنضاج تنامي البناء الدرامي، بحيث وظف عبد الكريم والعياض، إنارة تناسب أجواء الحضرة والتهيب، وهو ما تزخر به ثقافة الأضرحة والمواسم.
الديكور من جهته، ينتمي للمسرح الفقير، بحيث تم توظيف خيمة ومظلات يمكن تحريكها بخفة تفي بغرض ما ينطبع في ذهن الجمهور من تمثلات معمارية لصيقة بأجواء الأضرحة.
الموسيقى وكلمات الأغاني الجماعية، أحالت على أجواء المقدس الشعبي الغارق في معتقدات تبتعد كثيرا عما يحتاجه نهوض وطننا من تصورات وأفكار حداثية داعية لتحرر الإنسان المغربي من كل ما يجعله ضحية لتكريس التخلف والانصياع للجهل..
وفي خضم الفرجة أتت لمسات ساخرة لفضح المستور، وهدم صرح الخرافة، من قبيل الوزير الذي يرجو من "لالة غزالة" الا تستغني عنه الحكومة، وكأنه خلق للكرسي، وامتصاص دماء المحرومين.
"لالة غزالة" عمل مسرحي أغنى "ربيرتوار" فرقة ورشة الإبداع دراما مراكش، ووشح صدرها بميدالية الفخر الفني في ظل أجواء ثقافية يغلب عليها الاستهلاك وانتهاز الفرص..
عزيز معيفي
مراكش 13 / 12 / 2023