يموت الناس من حولي بطرق ٍ شتى، بعضهم في حوادث الطرقات، وآخرون بالأمراض المستعصية، البعض منهم يموت بلا مقدمات، هكذا فجأة تركن قلوبهم للصمت، إنهم يموتون فحسب، إلّا هي كانت بعيدة تماما عن الموت، حتى إنها لا تشيخ، خلاياها لا تتعب، بشرتها لا تتجعد، شعرها لا يتساقط، و الأعجب من هذا كلّه أنها لا تتوقف عن الحب... هكذا تنثر الفرح والعطف والبهجة في وجوه الجميع.
كلّما تقدمت في العمر يتقدم كعب حذائها في الإرتفاع بضعة سنتيمترات، و يزداد بريق عينيها، كأنها فتاة في الثامنة عشرة تعيش قصة حبّها الأولى.
مات أبواها و شقيقتها الوحيدة، و صديقتاها المقربتان، كانوا يموتون من حولها، هكذا بكلّ بساطة، يرحلون فتحزن عليهم، تبكي بضعة أيامٍ بصمت ثم تعيش بعمق أكبر من ذي قبل. إنّني أشفق عليها فحسب، أظن أن وقت رحيلها قد حان لكنها لا تدرك، لا تفهم أنها ينبغي الان أن تتناول أدوية الضغط والسكر واقراص الكالسيوم، وأن عليها قضاء وقتها في العبادة فحسب، سأخبرها أن تتوقف عن شراء المزيد من العطور والملابس والحقائب والأحذية، وأن المساحيق التي تضعها على وجهها باتت سخيفة، أتمنى لو أني لاأتردد في إخبارها ، فلم أعد أحتمل هذا النأي عن الموت، إنها لا تخاف حتى من القبر والعتمة هناك، و من الأهوال التي كلمونا عنها، يا للهول! لا مبالاتها تقتلني، وانغماسها في الحياة يسلبني حريتي، وعمري الذي أريد الإحتفاء به على طريقتي بعد رحيلها، احتفي بكلّ شيء أملكه بعيدا عن شغفها بالحياة، بعيدا عنها تماما، عندما يسكن فيها كلّ شيء، وتكون هناك مثل نجمة بعيدة تنظر لكلّ شيء في الأرض بصمت، لا شيء ممكن أن تقوله أو تؤديه، محض ضوء في أقصى الأفق، هكذا ستكون.
لكن الأيام التي كانت تمر على وجهي وقلبي تاركةً آثاراً وندوبا، لم تكن تمرّ عليها، كانت كأنها تقفز وتتخطاها.
أيقنت أن انتظار الموت يزيده بعدا، و خطر لي أن الذهاب إليه خير من انتظاره، لا يتطلب الأمر سوى قرارا شجاعا ثم وضع خطةٍ جيدة.
الآن بعد مضي عامين، وقد هدأ كلّ شيء، الشرطة والأصدقاء والأقارب الذين تصنّعوا العطف والصُحف التي تبحث عن المشاكل والمآسي، وبعض الفضائيات، لازلت أتذكر ماذا حصل تلك الليلة، كأنه حدث للتو، حيث أعددت لها كوبا من الشاي الأخضر بالطريقة التي تحبها، عدا أني وضعت ثلاث قطرات من مادة قاتلة حصلت عليها بمبلغ من المال، أتذكر جيدا أنها كانت قد خرجت للتو من الحمام، حيث لفت شعرها بمنشفة صفراء، وارتدت بجامة بيضاء وقميصا بنياً، بدت سعيدة وهي تمشط شعرها حيث كان كوب الشاي بانتظارها على الطاولة، لم يستغرق الأمر وقتا طويلا، لقد جلست على الأريكة وتناولت كوب الشاي بأصابعها وهي تحكي لي عن تفكيرها برحلة سياحية إلى الهند، كنت أراقب وجهها، وهي تأخذ رشفة تلو أخرى بسلامٍ كبير، علي ّ الإنتظار بعض الوقت بعد فراغها من كوب الشاي، وحتى هذا الوقت سأكون خارج المنزل، ثم عندما أعود... رباه! سأجدها ممددة على الأرض بطريقة مأساوية، سأبكي بصوت عال، وأصرخ مصدوما وأحملها بيديّ هاتين.
في الخارج كنت اتأمل القمر المنغمس في العزلة، بدا نصف وجههِ شاحبا بفعل دخان السيارات، لكنه كان جميلا هادئا بطريقة مذهلة، ذكرني بالمرة الأولى التي رأيتها فيها، كانت عيناها موغلتان في الإخضرار، كأنهما حقلان من النعناع، الآن حان وقت إغماض عينيها للأبد. لقد مرت ساعة كاملة، و ما عليّ سوى أن أقطع هذه الأمتار لأقف على أعتاب حياة جديدة. أدرت مقبض الباب، كان ثمة صوت مريب، في الحقيقة توقعت أن يكون بانتظاري سكون عميق، لكنها كانت هناك تصارع الألم وحيدة وتتشبث بالأشياء حولها، كانت خصلات شعرها الغزيرة ملتصقة على وجهها الأبيض المائل للزرقة وعيناها تستنجدان بي بطريقة فظيعة، لقد تفاقم لديّ الإحساس بالغضب، واللامبالاة، كان الجفاف شديدا في فمي، شربت بقايا علبة العصير في الثلاجة، و أكلت الكعك الذي أعدتْه هي قبل ليلة، ثم دخلت غرفتي لأنام وأغلقتُ الباب.
كلّما تقدمت في العمر يتقدم كعب حذائها في الإرتفاع بضعة سنتيمترات، و يزداد بريق عينيها، كأنها فتاة في الثامنة عشرة تعيش قصة حبّها الأولى.
مات أبواها و شقيقتها الوحيدة، و صديقتاها المقربتان، كانوا يموتون من حولها، هكذا بكلّ بساطة، يرحلون فتحزن عليهم، تبكي بضعة أيامٍ بصمت ثم تعيش بعمق أكبر من ذي قبل. إنّني أشفق عليها فحسب، أظن أن وقت رحيلها قد حان لكنها لا تدرك، لا تفهم أنها ينبغي الان أن تتناول أدوية الضغط والسكر واقراص الكالسيوم، وأن عليها قضاء وقتها في العبادة فحسب، سأخبرها أن تتوقف عن شراء المزيد من العطور والملابس والحقائب والأحذية، وأن المساحيق التي تضعها على وجهها باتت سخيفة، أتمنى لو أني لاأتردد في إخبارها ، فلم أعد أحتمل هذا النأي عن الموت، إنها لا تخاف حتى من القبر والعتمة هناك، و من الأهوال التي كلمونا عنها، يا للهول! لا مبالاتها تقتلني، وانغماسها في الحياة يسلبني حريتي، وعمري الذي أريد الإحتفاء به على طريقتي بعد رحيلها، احتفي بكلّ شيء أملكه بعيدا عن شغفها بالحياة، بعيدا عنها تماما، عندما يسكن فيها كلّ شيء، وتكون هناك مثل نجمة بعيدة تنظر لكلّ شيء في الأرض بصمت، لا شيء ممكن أن تقوله أو تؤديه، محض ضوء في أقصى الأفق، هكذا ستكون.
لكن الأيام التي كانت تمر على وجهي وقلبي تاركةً آثاراً وندوبا، لم تكن تمرّ عليها، كانت كأنها تقفز وتتخطاها.
أيقنت أن انتظار الموت يزيده بعدا، و خطر لي أن الذهاب إليه خير من انتظاره، لا يتطلب الأمر سوى قرارا شجاعا ثم وضع خطةٍ جيدة.
الآن بعد مضي عامين، وقد هدأ كلّ شيء، الشرطة والأصدقاء والأقارب الذين تصنّعوا العطف والصُحف التي تبحث عن المشاكل والمآسي، وبعض الفضائيات، لازلت أتذكر ماذا حصل تلك الليلة، كأنه حدث للتو، حيث أعددت لها كوبا من الشاي الأخضر بالطريقة التي تحبها، عدا أني وضعت ثلاث قطرات من مادة قاتلة حصلت عليها بمبلغ من المال، أتذكر جيدا أنها كانت قد خرجت للتو من الحمام، حيث لفت شعرها بمنشفة صفراء، وارتدت بجامة بيضاء وقميصا بنياً، بدت سعيدة وهي تمشط شعرها حيث كان كوب الشاي بانتظارها على الطاولة، لم يستغرق الأمر وقتا طويلا، لقد جلست على الأريكة وتناولت كوب الشاي بأصابعها وهي تحكي لي عن تفكيرها برحلة سياحية إلى الهند، كنت أراقب وجهها، وهي تأخذ رشفة تلو أخرى بسلامٍ كبير، علي ّ الإنتظار بعض الوقت بعد فراغها من كوب الشاي، وحتى هذا الوقت سأكون خارج المنزل، ثم عندما أعود... رباه! سأجدها ممددة على الأرض بطريقة مأساوية، سأبكي بصوت عال، وأصرخ مصدوما وأحملها بيديّ هاتين.
في الخارج كنت اتأمل القمر المنغمس في العزلة، بدا نصف وجههِ شاحبا بفعل دخان السيارات، لكنه كان جميلا هادئا بطريقة مذهلة، ذكرني بالمرة الأولى التي رأيتها فيها، كانت عيناها موغلتان في الإخضرار، كأنهما حقلان من النعناع، الآن حان وقت إغماض عينيها للأبد. لقد مرت ساعة كاملة، و ما عليّ سوى أن أقطع هذه الأمتار لأقف على أعتاب حياة جديدة. أدرت مقبض الباب، كان ثمة صوت مريب، في الحقيقة توقعت أن يكون بانتظاري سكون عميق، لكنها كانت هناك تصارع الألم وحيدة وتتشبث بالأشياء حولها، كانت خصلات شعرها الغزيرة ملتصقة على وجهها الأبيض المائل للزرقة وعيناها تستنجدان بي بطريقة فظيعة، لقد تفاقم لديّ الإحساس بالغضب، واللامبالاة، كان الجفاف شديدا في فمي، شربت بقايا علبة العصير في الثلاجة، و أكلت الكعك الذي أعدتْه هي قبل ليلة، ثم دخلت غرفتي لأنام وأغلقتُ الباب.