مصطفى معروفي - ألوان الجمال في النص الشعري

في الشعر يحق لنا أن نقول بأنأي نص فيه لا بد له أن يكون متوفرا ولو على قدر يسير من الجمال ،فكلنا يتصور الشعر بأنه منبع الجمال الثرّ بل وموطنه الأصيل،ويكفي أن ندلل على هذا بأن الشعر في بعض الأحيان يبدي لنا حتى القبيح جميلا من خلال آلية التصوير وكشف التفاصيل التي يمتاز بها،والتي تكاد تكون سمة أساسية فيه ومن مقوماته التي يتحقق بها.
الفن عامة هو جميل ،والشعر بوصفه فنا ومن أسمى وأرفع أنواعه نجد الجمال فيه ذا ألوان تتضافر في ما بينها لتكسبه ملامح غاية في الروعة والحسن ،الشيء الذي يجعل قارئه أو سامعه يميل إليه بجوارحه بسبب ما تثير فيه هذه الألوان من أحاسيس وانفعالات تسمو به إلى عالم روحاني سام حيث يتمثل الصفاء الذهني والكمال الوجودي.
وعند إلقاء النظر على أي نص شعرى لأحد من كبار الشعراء سنرى فيه ألوانا من الجمال متمثلة في الأفكار الرائعة والمعاني الموحية التي تشهد للشاعر صاحبها بقوة العاطفة و أصالة الابتكار ،فهي من جهة تكون إضافة وإثراء للحياة الأدبية وهي من جهة ثانية تخلد ذكر صاحبها من خلال تخليد نفسها بما احتوت عليه من مواصفات فنية مكينة توجب لها الخلود والمكوث في الأرض.
ثم إن النص الشعري الصادق في التعبير عن نفسه وعن عواطف صاحبه يشكل لونا آخر من الجمال الذي يجلب القارئ له ليشارك الشاعر في خواطره وفي إحساساته ويستلذ الاسمتاع بقصائده.
إن ألوان الجمال في الشعر لا تقف عند هذا الحد ،فهناك أيضا لون آخر من هذه الألوان مصدره الخيال الذي يعمل على إشباع الذائقة الجمالية و الأدبية فينا ،وهذا في الواقع يتولد من مهارة الشاعر الذي يتوفق في الإمساك بالصور الشعرية الموحية وفي أن يضعها في المكان المناسب والملائم لها في القصيدة.
ولا ننسى أن وضوح التعبير وإبراز الشاعر لشخصيته في النص هو نفسه لون جمالي يزيد النص إشعاعا ورونقا ،ونرى ذلك يتحقق من خلال ألفاظ خاصة ، وفي تنسيقها تبعا لما يتطلبه الموضوع،فنحن نعرف أن كل شاعر ـ الشاعر الحقيقي ـ يتوفر على أسلوب معين يعبر به عن روحه ،وبه يدل القارئ على شخصيته.
كما أن الشاعر يعمد إلى لون جمالي آخر ليوظفه في نصه ،هو حسن استعماله البلاغي للتعابير اللغوية ،ويتجلى ذلك مثلا في الخبر والإنشاء، وفي التقديم والتأخير، وفي الاستعارة...إلخ مما يتحقق منه الهدف الذي يرمي إليه من خلال ما يخاطب به القارئ في القصيدة.
ونستطيع أن نلمح لونا جماليا إضافيا يعمل الشاعر على بسطه في نصه ،هو ذلك الانسجام الصوتي الحاصل بين الكلمات إذا كانت متآلفة في ما بينها وكانت متوازنة ،ويحكم جريانها في النص الاتساق الذي يمنح العبارة موسيقا تجعل الأسلوب يسمو ويبلغ المراتب العليا في الكلام.
والكمال لله وحده.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى