زينة اقللوش - زمن الإهتزازت...

قد يتبادر الى ذهن القاريء وهو يرى العنوان أنه سيقرأ عن اهتزاز الأرض او اهتزاز المشاعر...، الا أن المقال سيتناول نوعا من الإهتزاز الذي بدأ يشتد الوعي به وهو الاهتزازت الصوتية ، قوتها وتأثيرها...
لقد كانت الكتابة والقراءة على مر العصور إحدى أهم الطرق وأكثرها فعالية في التأثير والتغيير ونشر الأفكار...، بل ربما لم يسبق الاعتقاد أن طريقة اخرى قد تتجاوزهما في الفعالية والجدوى الى حدود الوقت الراهن الذي أصبح شعاره "تحدث حتى أراك " أَسْمِعْ صوتك جهرا حتى يتسنى للآخر سماعه في لحظات قد لا يحتاج فيها المرء لأن يجلس ويقرأ ويتمعن، فلم يعد يملك الإنسان الوقت والقدرة على قرأة كتاب أو مقال...، فوقته قصير والقراءة تحتاج الكثافة الزمنية والاسترخاء، و الإنسان لم يعد يملك الصبر الذي سيمكنه من تجاوز خطوات ومحطات حتى يصل للنهاية، يميل أكثر للخلاصات، المردودية ،النتائج ، والإنتاج السريع ...، الذي لا يحتاج للإختمار في عقله وربما في قلبه...
لا ننكر أبدا أن الصوت كان هو الطريقة الوحيدة التي عبر بها الكون عن نفسه منذ الأزل، وبه تناسل الوجود وتواصل حتى بعد وجود البشرية وعبر به الإنسان عن مكنوناته ورغباته الطبيعية والجنسية ، الا أن هذا الصوت مختلف عن أصوات الوقت الحالي، لأنه صوت أصلي، حقيقي ومليء بنفسه ، يولد من نفسه ويثمر فيها ، والأصوات اليوم معولمة تقطع مسافات طويلة على المباشر في لمح البصر دون أن تمتلك هذا الإستحقاق، تسرق من الزمن نفسه، لذلك فتأثيرها قوي لكن ليس على نحو سليم...، خصوصا الأصوات التي تصدر من اشخاص فارغين من أنفسهم ، يحدث صوتهم صخب كبير ، فيخلق الواقع على هذا المقاس ، وفقا لهذه الإهتزازت الصوتية...فالواقع اليوم يُخلق من طاقة الصوت ...، من المنتوجات التي تعتمد في الربح على الصوت كالغناء والإشهار ، والإعلام السمعي والخرجات المباشرة المتاحة للجميع في مختلف وسائل التواصل الإجتماعي ...فكلها على اختلافها يجمعها هدف واحد هو الربح وإن كان الإنتاج ضئيلا وهشا وبالتالي فهي تنتج واقعا من نفس جنسها...
وبما انه لا حق لأحد في اسكات صوت غيره ، فكل إنسان حر في التعبير عن نفسه، ولا يمكن تطويع الأصوات أو قمعها..، فلابد من الإشتغال على المتحدث نفسه ، أن يتعلم هذا المتحدث كيفما كان القراءة والكتابة قبل أن يتكلم ،أن لا يكبر قبل أوانه ، أن يأخد وقته الكافي ليملأ نفسه قبل أن يُفرغها، وأن يطهًِر حنجرته من غصصه حتى يتحدث من وعيه وليس من انتكاساته وانفعالاته، أن لا يجعل من صوته الداخلي بضاعة قابلة للبيع والشراء ... أن يسمع صوت الطبيعة ويتعلم لغة الصمت.

------
زينة اقللوش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى