هل سيدخل حذاء منتظر الزيدي التاريخ من أوسع أبوابه؟ ثمة صحافي لم يبلغ بعد شهرة محمد حسنين هيكل، ولكنه بضربة حذاء، كأنها ضربة حظ بورقة يانصيب، غدا معروفاً في العالم كله. ثمة حذاء لهذا الصحافي قد لا يصل ثمنه عشرة دولارات يلامس رأس أكبر رئيس في العالم، وحين يفتتح المزاد على الحذاء يصل سعره الى عشرة ملايين دولار.
لماذا خطر ببالي حقاً، صباح الاثنين، ان افتتح مزاداً علنياً على حذاء الزيدي؟ كنت أقرأ، على الانترنت، القدس العربي، فعقبت على مقال رئيس التحرير، وافتتحت مزاداً علنياً: أدفع ألف دولار، رغم امكاناتي المتواضعة، بحذاء الزيدي. وسأعلم ان المبلغ وصل مساء الاثنين مائة وخمسين ألفاً، وسأعرف صباح الثلاثاء، ان سعودياً دفع فيه عشرة ملايين دولار.
سأكرر بيت الشعر:
رأس اذا ضرب الحذاء بوجهه صاح الحذاء بأي حق أُضرب
سأحور فيه. سأستبدل كلمة بأخرى. هل كان من حق الحذاء ان يصيح: يا منتظر، يا منتظر بأي حق أُضرب؟ الأرض أرحم وأفضل من رؤوس القتلة؟
قبل سنوات ضُرب تمثال صدام بالأحذية. هدم جيش الاحتلال الاميركي التمثال وساقه بعض العراقيين وجروه في الشوارع، وارتفعت الاحذية العراقية تضرب الرأس، رأس التمثال، وتضرب أيضاً صُور صدام: ماذا فعلت بالعراق؟
لم تمر سنوات خمس حتى ضُرب الرئيس المُحّرِر، شخصياً، بالحذاء. هل هي حكمة التاريخ أم مكره؟ بشّر بوش بالديمقراطية، وظل، سنوات، يكرر هذه المفردة، بمناسبة وبغير مناسبة، حين تقتضي الضرورة ذلك وحين لا تقتضيها، حتى غدا خطابه مملاً، ومفرداته فقيرة. هل ثقافة الرئيس فقيرة حقاً؟
عصر الاثنين 14/12/2008 سأقرأ مقالاً عنوانه: عراقيون خربت بيوتهم الحرب. كاتبته هي الاميركية (يوهان بيريفان)، وهي تعمل في بيت الكرامة في فيلادلفيا في ولاية (بنسلفانيا). أعجبني أسلوبها، وذكرني اسمها بفتاة ألمانية عرفتها، كانت على قدر لا بأس به من الجمال. قلت: ماذا تكتب الجميلة عن الخراب؟ ماذا تكتب عن الوحش وما فعله في بلاد الرافدين؟
سأقرأ في مقال (يوهان) الذي راق لي أُسلوبه ما فعلته حرب بوش في العراق وسكانه. سأقرأ عن معاناة من بقي صامداً، ومعاناة من خرج طالباً النجاة. لا هذا بخير ولا ذاك، فالحرب، كما يقول العنوان، خربت بيوت العراقيين. سأحزن لما آلت اليه أوضاع العراقيين: موت وفقر وتشرد وبؤس وبطالة. دم ومنفى وأطفال لا يذهبون الى المدارس يبحثون عن عمل لاطعام أسرهم، وطاعنون في السن يتألمون لأنهم ما عادوا يملكون ثمن العلاج؟
هل ثقافة (بوش) فقيرة حقاً؟ لو كان قرأ مقال مواطنته (يوهان) هل كان سيذهب إلى العراق ويبتسم ويواصل ادعاءاته بنشر الديمقراطية؟ هل خانه الذكاء حين ذهب أم انه كان يعرف الاشياء كلها؟ يقيناً انه يعرف كل شيء. حين لا يسير في شوارع بغداد ويقابل المواطنين، وحين يظل في المنطقة الخضراء، وحين يعقد مؤتمراً صحافياً في قاعة مغلقة، في منطقة مغلقة، يدرك ان الديمقراطية التي جلبها مثل غيم خُلّب. سراب خادع. كذب وادعاء. وربما فاجأه منتظر بما لم يكن يتوقع. ثمة مقاومة عراقية. حقاً انها بعيدة عن المنطقة الخضراء الآن، وبعيدة عن قاعة المؤتمر، لكنها حاضرة. ثمة مقاومة بالاحذية، وهذه حضرت في المنطقة الخضراء، وفي قاعة المؤتمر.
منذ أعوام لم أضحك كما ضحكت مساء 14/12/2008. هل أُسمي هذا العام عام الحذاء عام ضرب الرئيس بالحذاء، عام الضحك، عام الاقتناع بأن على هذه الأرض ما يستحق الحياة. عام منتظر الزيدي؟ وكلما رأيت المشهد ضحكت. ضحكت رغم مناظر الدم والدمار والموت والقتل التي تحفل بها ذاكرتنا منذ العام 2003. منذ غزو العراق.
سأتذكر، وأنا أُشاهد المشهد يتكرر، سأتذكر ناجي العلي، ومحمود درويش. لو كان الأول حياً لربما أتحفنا بكاريكاتير قد يكلفه حياته. وسأخاطب الثاني: لماذا أجريت العملية؟ أما كان الأجدر ان تؤجلها حتى ترى ما رأينا، فتموت من الضحك، بدلاً من ان تموت بين يدي جراح عراقي شهير؟
لا أدري ان كان هناك في العالم العربي، بعد ملاحظة ردود الأفعال على الحادث، من سينشئ جائزة لافضل مقال ولأفضل رسم كاريكاتيري ولأفضل نكتة ولأفضل تعليق على الحادث: ضرب بوش بالحذاء.
غالباً ما كنت أُكرر قول درويش: على هذه الأرض ما يستحق الحياة، تكرار فيه قدر من السخرية. ماذا يستحق الحياة في عالمنا العربي. ليلة 14/12/2008 ضحكت كثيراً قلت جاداً: على هذه الارض ما يستحق الحياة.
لماذا خطر ببالي حقاً، صباح الاثنين، ان افتتح مزاداً علنياً على حذاء الزيدي؟ كنت أقرأ، على الانترنت، القدس العربي، فعقبت على مقال رئيس التحرير، وافتتحت مزاداً علنياً: أدفع ألف دولار، رغم امكاناتي المتواضعة، بحذاء الزيدي. وسأعلم ان المبلغ وصل مساء الاثنين مائة وخمسين ألفاً، وسأعرف صباح الثلاثاء، ان سعودياً دفع فيه عشرة ملايين دولار.
سأكرر بيت الشعر:
رأس اذا ضرب الحذاء بوجهه صاح الحذاء بأي حق أُضرب
سأحور فيه. سأستبدل كلمة بأخرى. هل كان من حق الحذاء ان يصيح: يا منتظر، يا منتظر بأي حق أُضرب؟ الأرض أرحم وأفضل من رؤوس القتلة؟
قبل سنوات ضُرب تمثال صدام بالأحذية. هدم جيش الاحتلال الاميركي التمثال وساقه بعض العراقيين وجروه في الشوارع، وارتفعت الاحذية العراقية تضرب الرأس، رأس التمثال، وتضرب أيضاً صُور صدام: ماذا فعلت بالعراق؟
لم تمر سنوات خمس حتى ضُرب الرئيس المُحّرِر، شخصياً، بالحذاء. هل هي حكمة التاريخ أم مكره؟ بشّر بوش بالديمقراطية، وظل، سنوات، يكرر هذه المفردة، بمناسبة وبغير مناسبة، حين تقتضي الضرورة ذلك وحين لا تقتضيها، حتى غدا خطابه مملاً، ومفرداته فقيرة. هل ثقافة الرئيس فقيرة حقاً؟
عصر الاثنين 14/12/2008 سأقرأ مقالاً عنوانه: عراقيون خربت بيوتهم الحرب. كاتبته هي الاميركية (يوهان بيريفان)، وهي تعمل في بيت الكرامة في فيلادلفيا في ولاية (بنسلفانيا). أعجبني أسلوبها، وذكرني اسمها بفتاة ألمانية عرفتها، كانت على قدر لا بأس به من الجمال. قلت: ماذا تكتب الجميلة عن الخراب؟ ماذا تكتب عن الوحش وما فعله في بلاد الرافدين؟
سأقرأ في مقال (يوهان) الذي راق لي أُسلوبه ما فعلته حرب بوش في العراق وسكانه. سأقرأ عن معاناة من بقي صامداً، ومعاناة من خرج طالباً النجاة. لا هذا بخير ولا ذاك، فالحرب، كما يقول العنوان، خربت بيوت العراقيين. سأحزن لما آلت اليه أوضاع العراقيين: موت وفقر وتشرد وبؤس وبطالة. دم ومنفى وأطفال لا يذهبون الى المدارس يبحثون عن عمل لاطعام أسرهم، وطاعنون في السن يتألمون لأنهم ما عادوا يملكون ثمن العلاج؟
هل ثقافة (بوش) فقيرة حقاً؟ لو كان قرأ مقال مواطنته (يوهان) هل كان سيذهب إلى العراق ويبتسم ويواصل ادعاءاته بنشر الديمقراطية؟ هل خانه الذكاء حين ذهب أم انه كان يعرف الاشياء كلها؟ يقيناً انه يعرف كل شيء. حين لا يسير في شوارع بغداد ويقابل المواطنين، وحين يظل في المنطقة الخضراء، وحين يعقد مؤتمراً صحافياً في قاعة مغلقة، في منطقة مغلقة، يدرك ان الديمقراطية التي جلبها مثل غيم خُلّب. سراب خادع. كذب وادعاء. وربما فاجأه منتظر بما لم يكن يتوقع. ثمة مقاومة عراقية. حقاً انها بعيدة عن المنطقة الخضراء الآن، وبعيدة عن قاعة المؤتمر، لكنها حاضرة. ثمة مقاومة بالاحذية، وهذه حضرت في المنطقة الخضراء، وفي قاعة المؤتمر.
منذ أعوام لم أضحك كما ضحكت مساء 14/12/2008. هل أُسمي هذا العام عام الحذاء عام ضرب الرئيس بالحذاء، عام الضحك، عام الاقتناع بأن على هذه الأرض ما يستحق الحياة. عام منتظر الزيدي؟ وكلما رأيت المشهد ضحكت. ضحكت رغم مناظر الدم والدمار والموت والقتل التي تحفل بها ذاكرتنا منذ العام 2003. منذ غزو العراق.
سأتذكر، وأنا أُشاهد المشهد يتكرر، سأتذكر ناجي العلي، ومحمود درويش. لو كان الأول حياً لربما أتحفنا بكاريكاتير قد يكلفه حياته. وسأخاطب الثاني: لماذا أجريت العملية؟ أما كان الأجدر ان تؤجلها حتى ترى ما رأينا، فتموت من الضحك، بدلاً من ان تموت بين يدي جراح عراقي شهير؟
لا أدري ان كان هناك في العالم العربي، بعد ملاحظة ردود الأفعال على الحادث، من سينشئ جائزة لافضل مقال ولأفضل رسم كاريكاتيري ولأفضل نكتة ولأفضل تعليق على الحادث: ضرب بوش بالحذاء.
غالباً ما كنت أُكرر قول درويش: على هذه الأرض ما يستحق الحياة، تكرار فيه قدر من السخرية. ماذا يستحق الحياة في عالمنا العربي. ليلة 14/12/2008 ضحكت كثيراً قلت جاداً: على هذه الارض ما يستحق الحياة.