د.خالد عبدالغني - نظرية التدافع : إبداع بين الذاتية والموضوعية

أعلن منذ قليل فوز كتاب العالم الجليل د. خالد النجار "نظرية التدافع " كتاب العام بحسب مؤسسة العلوم النفسية العربية بتونس برئاسة الأستاذ الدكتور الجليل جمال التركي ونهنئ العالم الجليل اد. خالد النجار بهذا الفور ونهنئ أنفسنا والجماعة النفسية المصرية أيضا ، والحق أني أسعد كثيرا كلما حقق احد علماء النفس من جيل الوسط نجاحا وصحيح اني لست كثير الصلة بهذا الجيل ربما لاقتراب العمر بيننا وقلة السنوات الفاصلة بينهم وبين جيلي وربما هناك اعتبارات أخرى تغيب عني في هذه اللحظة ، اقدم هذه المقدمة لأبين ان اد. خالد النجار اصبح من علامات الاشارة لامارة هذا الجيل من علماء النفس في مصر وقد يعوض ذلك ما نلمسه من أسى في منشوراته عبر وسائل التواصل الاجتماعي في سنواته الاخيرة على الاقل التي تابعناه خلالها والتي يغيب في آن عنا معرفة مصدر هذا الأسى ، ومن المفارقات اللطيفة أني لم أعرف أد.خالد النجار استاذ علم النفس بكلية التربية للطفولة وإن كنت سمعت عنه من بعض الطالبات بالكلية منذ سنوات وقرأت بعض الأعمال التي لم تكن بالنسبة لي كثيرة له ، وظل الاسم بالنسبة لي غفلا لسنوات طويلة ، فأساتذة علم النفس المعاصرين قد زادت الجفوة / والفجوة بيننا مع مرور الزمن وبالتالي لا يمكن أن أتعرف على صورهم ولكن أعرف الأسماء بالطبع ، حتى كان لقائي بمجلة علم النفس بأد. أمال كمال رئيس التحرير وحديثها عن موقف للدكتور خالد النجار من أحد البحوث المنشورة حديثا قد قصه عليها ذات يوم وتنقله لي بودها وهدوئها المعروفين ، وأنا طبعا لا علاقة لي بالاسم ولا أعرف الصورة ، ولمعت في ذهني قكرة سؤالها عن أن هناك استاذا أخرا في كلية رياض الاطفال ومقرها الدقي اسمه د. خالد عبدالرازق السيد كنت قد قرأت كل أعماله من رسالة الماجستير و الدكتوراه وبحوث كثيرة منشورة بمجلة معوقات الطفولة الصادرة عن جامعة الأزهر ومجلة علم النفس الصادرة عن هيئة الكتاب وغيرها من المجلات العلمية وللحق كنت معجبا بتلك الاعمال وبذلك الاسم وخاصة بأنه سميي في الاسم - خالد - و كان تلميذا لـ اد. كامليا عبدالفتاح ذلك الاسم الكبير والمؤثر في مسيرة علم النفس في مصر الذي وسع الناس جميعا ، ويومها حلت اد. أمال كمال اللغز لتخبرني بأنه هو نفسه اد. خالد النجار ، فقلت ولكن هناك تباين كبير بين الاسمين حتى ليغدوان شخصين مختلفين ، ولست اعرف السر وراء هذا التباين في الاسمين واصبحت بحاجة للاطلاع على أعمال اد.خالد النجار ، وكنت سابقا اطلعت على كل المنجز العلمي الخاص بـ اد. خالد عبدالرازق السيد وخاصة وأنه على صلة قوية بعالم الفئات الخاصة وعلم النفس الاكلينيكي ، ثم لمعت في ذهني خاطرة بها قدر كبير من الطرافة وهي (فكما تغير اسم الكلية من رياض الاطفال الى كلية التربية للطفولة المبكرة ، فقد تغير اسم اد. خالد عبدالرازق السيد إلى اد.خالد النجار) ، حتى كان هذا الصباح الجميل والآن اتسلم هدية من اد. خالد النجار وهي كتابه الجديد "نظرية التدافع " لتكون له وقفات أخرى في أجزاء لاحقة بأمر الله .
ذهب صلاح مخيمر لإهداء رشدي فام منصور أحد مؤلفاته فم يجده فترك الكتاب على مكتبه ، وجاء آخرون فقرأوا الكتاب فوجدوا الإهداء على هذا النحو "الى القلة التي ستفهم هذا الكتاب وأنت منهم " فسارت في نفوسهم بعض الجفوة تجاه صلاح مخيمر وربما استمرت تلك الجفوة لسنوات طويلة بعد ذلك ، وقدم سيد أحمد عثمان عددا كبيرا من التنظيرات المهمة والملهمة في علم النفس ولم يعيره زملاؤه قدرا كافيا من اهتمامهم ولم يلتفتوا لإساهمه المهم وقال لو كنت اجنبيا لكانوا اهتموا ولكني مصري عربي مسلم ، وأكمل يقول "أنا أؤلف الكتاب وأطبعه وأعطيه هدية لهم ومع ذلك لا يقرأون ولا يهتمون " ، وطلبت من أحد العمداء لواحدة من المؤسسات التعليمية أن يكتب مقدمة لأحد كتبي واخذ الكتاب ولمدة اربع شهور مكث الكتاب لديه وأعاده لي بحجة أنه لم يكتب كتابا مثله ويجد حرجا في كتابة مقدمة لي". ولابد في يقيني أن يكون حظ هذا الكتاب - النظرية - مثل حظ أعمال الرواد الكبار إذ أننا ما زلنا لا نرى الآخر متميزا بل نراه وبالضرورة تابعا غير مجدد ولا بناء ، ونأتي لكتاب "نظرية التدافع للدكتور خالد النجار" ومنذ الصفحة الأولى لهذا التنظير والجهد الذي لا يبذله إلا متبتل في رحاب العلم أقول وجدته متلبسا روح أحد أساتذة التحليل النفسي العظام الذي درست التحليل النفسي على يديه وهو "فرج أحمد فرج" وقد امعنت في الاهتمام به مبكرا فأعددت ملخصا لكل أعماله المنشورة وغير المنشورة ولذلك كان من اليسير اكتشاف روحه التي تلبست عقل ووجدان مؤلفنا اد. خالد النجار ، وكأننا ومنذ البدء أمام جهد غير منبت عن الجذور ولكنه في آن مغاير لها ويا لها من أفكار تستلهم المغايرة التي بثها سيد أحمد عثمان كمعيار للصحة النفسية والسواء النفسي ، وكأن المغايرة معادل موضوعي لمفهم التدافع ، ولهذا لم نجد المغايرة والتدافع سوى تطوير لذلك المفهوم الجديد الذي قدمه مخيمر للتوافق حول فض الاستثارة والسعي من جديد لفض استثارة أخرى أ إننا هنا أمام نظرية لها جذورها العميقة في تراث علم النفس ولكنها نظرية لا يمكن فهمها دون فهم صاحبها - أد. خالد النجار- وهذا الفهم لابد وأن ينبني على جاء في الكتاب وهو ما سيكون له وقفات أخرى ، ولكن دعونا الآن نستحضر روح فرج أحمد فرج التي تلبست مؤلفنا الطلعة اد. خالد النجار إذ يقول :
"فالوجود الإنساني هو وجود جدلي يمتزج فيه الفعلي بالممكن، والإنسان هو الكائن الحي الوحيد الذي يعيش عالمين؛ عالم الأشياء وعالم الأفكار، وأنه يتحرك حركة بندولية دائمة وعبر مراحل النمو النفسي يتطور النشاط العقلي البدائي ليصبح خيالاً مفكرًا يسعى الإنسان إلى تحقيقه وتنفيذه على أرض الواقع، ويلتحم النشاط العقلي الإبداعي بالنشاط العملي الإنتاجي، وتستمر الحركة البندولية صاعدة وهابطة معلنة عن واحدة من أخطر حقائق الوجود الإنساني وهو الوجود الراغب، والذي هو في الحقيقة انتقال من الوجود بالقوة إلى الوجود الرمزي إلى النشاط المتخيل. فالوجود الإنساني، هو وجود في حضرة الآخرين،معهم وبينهم وجود يمنح الرغبة الإنسانية معنى إنساني لا يمكن وجودها خارجه أو تصورها بمعزل عنه، فهي رغبة فيآخر أو هي رغبة فى رغبة أخرى، تولد فى وجوده وتستهدفه بل وتتخلق ملامحها وقسماتها باعترافه وموافقته، ومعنى ذلك ببساطة أن رغبة الإنسان لا وجود لها بدون موضوعها الإنساني، أي بدون الآخر."
تبين لنا - في الفقرات السابقة - أن نظرية التدافع ليست منبتة ولكنها ذات جذور عميقة في التراث النفسي وعندما نبحث في التدافع في شخصية المؤلف اد.خالد النجار نجد ما يلي، كانت دراساته الاولى حول عالم الفئات الخاصة ثم أكمل بحوثا كثيرة حولها و سيكولوجية الرسوم وقدم قراءات عميقة لنصوص من تراثنا الفكري والثقافي ممثلا في نص لابي حامد الغزالي ، وفي هذا تدافعا على نحو ما من التدافع الفكري والايديولوجي فهو بدأ من منطقة فكرية وقضايا علمية محددة وتنقل في عديد من القضايا ، ثم ها هو يصدر كتابين حول الفئات الخاصة وتشخيصها وفهمها وهما في ظني كتاب واحد من جزئين استخدم فيهما مقدمة واحدة وذلك عام 2016 وهما اعاقات النمو الشامل ، والتقويم والتشخيص في التربية الخاصة ، ثم جاء كتاب نظرية التدافع لنجد نفس مقدمة النظرية هي نفس مقدمة المرجعين السابقين ، ولا يظن ظانٌ أن هذا تكرار ، ولكنه انشغال مبكر وديمومة تفكر في نظريته التي لم تكن ضرب من التسرع ولا الالهام الحادث عن طفرة في الوجدانات بل عمل جاء على مهل وتأمل واطلاع وجهد استغرق سنوات من البحث المضني والعمل المرهق وكان له ارهاصات مبكرة كما سنرى في جزء بسيط من تلك المقدمة لنحيل القارئ الكريم الى قراءة المقدمة كاملة في متنها من النظرية والتي سيكون لنا معها وقفة أخرى ودعونا ألا نطيل حتى نكون مع كلمات صاحب النظرية ليقول لنا :" كان العلم ولا يزال هو ذلك الفكر الرائع والإبداع الإنساني الذي يعبر عن ديالكتيك الوجود البشري في علاقته بالتاريخ، عامدًا إلى جملة نتاجاته صاعدة في بعض الأحيان محققة أسمى أشكال الوجود الإنساني في العالم، تواصلاً يتيح ديمومة الحوار وإنجازًا يدفع بحركة تطور العلم والعالم، وكشوفًا تعمل على معرفة الإنسان لنفسه وبنفسه. والتي قد تنحدر حينًا آخر إلى تلك الصور الحصرية التي يصرُّ عليها البعض بالنسبة للبحث العلمي أو تنحرف عن أهدافها هابطة إلى صور الدوجماطيقية (الجمود العقلي) التي لا تعمل على إقلاق العقل وتنشيط عادات المعرفة العلمية، بل والتي قد تعمل على تجريد وإلغاء للدراما الإنسانية، أي فضّ الخبرة من طابعها الإنساني، أو حديثًا باللجوء إلى ذلك الارتداء إلى جملة ما اخترعه الإنسان من أساليب بحثية تستهدف السيطرة والتحكم في الإنسان باعتباره عنصرًا من عناصر الطبيعة، مستخدمة في ذلك أشكال الضبط التجريبي الذي لا تتدخل فيه سوى ظواهر "مدبرة" تقوم المعامل والأدوات بإنتاجها بدلاً من تسجيلها.فالعلم إذ يتناول الأشياء والموضوعات، فإنه كذلك يتخلى عن الإقامة فيها؛ذلك لأن حركة تطور العلم لا تتوقف، فلا ثابت ولا مطلق، بحيث تكون الموضوعات العلمية المتناولة فى حقبة زمنية هي التي تعبر عن هذه الحركة الديالكتيكية (الجدلية) لروح التطور ومن ثم يكون التاريخ هو تأريخ لتلك العلاقة بين الإنسان وجملة ما حوله من ظواهر والتي تفرض نفسها وفقًا لمتغيرات كل حقبة زمنية.
فالوجود الإنساني هو وجود جدلي يمتزج فيه الفعلي بالممكن، والإنسان هو الكائن الحي الوحيد الذي يعيش عالمين؛ عالم الأشياء وعالم الأفكار، وأنه يتحرك حركة بندولية دائمة وعبر مراحل النمو النفسي يتطور النشاط العقلي البدائي ليصبح خيالاً مفكرًا يسعى الإنسان إلى تحقيقه وتنفيذه على أرض الواقع، ويلتحم النشاط العقلي الإبداعي بالنشاط العملي الإنتاجي، وتستمر الحركة البندولية صاعدة وهابطة معلنة عن واحدة من أخطر حقائق الوجود الإنساني وهو الوجود الراغب، والذي هو في الحقيقة انتقال من الوجود بالقوة إلى الوجود الرمزي إلى النشاط المتخيل. فالوجود الإنساني، هو وجود في حضرة الآخرين،معهم وبينهم وجود يمنح الرغبة الإنسانية معنى إنساني لا يمكن وجودها خارجه أو تصورها بمعزل عنه، فهي رغبة فيآخر أو هي رغبة فى رغبة أخرى، تولد فى وجوده وتستهدفه بل وتتخلق ملامحها وقسماتها باعترافه وموافقته، ومعنى ذلك ببساطة أن رغبة الإنسان لا وجود لها بدون موضوعها الإنساني، أي بدون الآخر.ويضم الكتاب الفصول التالية :
الفصل الأول : علم النفس بين الإستقلالية والتبعية
الفصل الثاني: التدافع .. التأصيل والمعنى اللغوي
الفصل الثالث : التدافع .. محددات ودلائل
الفصل الرابع : التدافع .. وعلاقته ببعض المفاهيم الأخرى
الفصل الخامس : التدافع والنمو الإرتقائي
الفصل السادس : التدافع وعلم النفس الإجتماعي
الفصل السابع : التدافع ومعاير الجماعة
الفصل الثامن : التدافع والعلاقات الأسرية
الفصل التاسع : التدافع والصحة النفسية
الفصل العاشر : التدافع ونظريات علم النفس
الفصل الحادي عشر : التدافع والسوي الإيجابي
الفصل الثاني عشر : إضطرابات التدافع

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى