د. أحمد الحطاب - الطرائق البيداغوجية، مسار فكري و ليس قوالب نمطية

الطرائق (جمع طريقة) البيداغوجية، أي باللغة الفرنسية méthodes pédagogiques، هناك مَن يُسمِّيها الطرائق التَّربوية. لكني، أنا شخصيا، أفضِّل تسمية طرائق بيداغوجية عوض طرائق تربوية لماذا؟

لأن البيداغوجيا هي نوعٌ من التربية، لكن، في الأصل، خاص بالأطفال والمراهقين. بينما التربية، بمعناها الواسع، لا سِنَّ لها. لهذا، أنا شخصيا، أفضِّل أن يبقى مصطلحُ "بيداغوجيا" ملتصقا بالممارسة التَّعلمية في مرحلتيها الابتدائية والثانوية علما أن هذه الممارسة هي تعليمٌ وتعلُّمٌ وتربيةٌ. وهذا الاختيار لا ينفي، بتاتا، أن البيداغوجيا ليس لها جانبٌ تربوي في الممارسة التَّعلمية. بكل تأكيدٍ أن البيداغوجيا هي العامل الأساسي في تربية المتعلِّمين إنسانيا، فكريا، سلوكيا… فما هي الطرائق البيداغوجة؟

في مرحلة أولى، يمكن أن نقولَ أن الطرائق البيداغوجية تتلخَّص في النَّهجُ أو المسار الذي يتَّبعُه أو يسلكه المدرس، داخلَ القسم، ليكونَ تعليمُه ناجعا ومُسهِّلاً لتعلُّم المتعلمين. وبعبارةٍ أخرى، يمكن القول، كذلك، أن الطرائق البيداغوجية تتلخَّص في كل نشاط فكري، نظري أو مادي يقوم به المدرسُ، داخلَ القسم، من أجل تحقيق أهدافٍ تعليمية تعلُّمية، معرفية، تربوية أو سلوكية. كما يمكن تلخيصُ الطرائق البيداغوجية في التفاعل النشيط والمنشِّط الذي يُحدثُه المدرسُ، من خلال تدخُّلاته التعليمية التَّعلُّمية داخلَ القسم، بين المعرفة والمتعلِّمين. وفي نهاية المطاف، الطرائق البيداغوجية يمكن تلخيصُها في لغة تواصل المدرس، في تصرُّفه، في سلوكه داخلَ القسم، الكل يصبُّ في تسهيل عملية التَّعلُّم من طرف المتعلِّمين.

غير أن الطرائقَ البيداغوجية لا تأتي من فراغٍ. إنها تترتَّب عن الكيفية التي يتمثَّل se représente بواسطتها المدرسُ المعرفةَ والمتعلمَ. فإذا كان المدرس يعتقد، مثلا، أن المعرفةَ هي صورة حقيقية vraie وأمينة fidèle للواقع réalité، فإن الطريقة البيداغوجية التي سيركِّز عليها في ممارسته التَّعليمية، هي الطريقة السردية méthode expositive ou transmissive، التي ستُمكِّنه من الإلحاح على تبليغ هذه المعرفة. في هذه الحالة، ما على المتعلِّم إلا أن يقبلَ هذه المعرفة ويبذلَ مجهودا لتخزينها في ذاكرتِه. أما إذا كان المدرسُ يعتقد أن المعرفةَ ليست إلا تفسيرا explication أو تأويلا interprétation للواقع ومن الممكن أن تتغيَّرَ مع مرور الوقت، فإن الطريقةَ البيداغوحية التي سيعتمد عليها المدرس في الممارسة التعليمية، هي الطريقة النَّشِطة أو النَّشيطة أو طريقة الاستكشاف méthode active ou méthode de découverte. في هذه الحالة وخلافا للطريقة البيداغوجية السردية، فإن المتعلِّمَ يكون، بمساعدة المدرس، طَرَفا حيويا ونشيطا في بناء المعرفة أو إعادة بنائها. ولا داعيَ للقول أنه، من منطلق معطيات الإبيستيمزلوجيا épistémologie وعلم النفس التَّربوي psychopédagogie، الطريقة النَّشِطة هي الأكثر ملاءمةً لنجاح المدرس في أداء مهمته التَّعليمية التَّعلُّمية والتربوية. لأنه، في نهاية المطاف، كل ما يقوم به المدرس داخل القسم، هدفُه الأساسي هو تسهيلُ التَّغلُّم من طرف المتعلِّم. وما يُميِّز هذه الطريقة، هو مشاركة المتعلِّمين في بناء المعرفة أو إعادة بنائها.

ولهذا، فإن نوعيةَ الطرائق البيداغوجية التي يلجأ لها المدرسُ مرتبطةٌ ارتباطا وثيقا بالتمثُّلات التي يُدرك بها وضعَه داخلَ القسم، وكذلك بالتَّمثُّلات التي يدرك بها المعرفة والمتعلمين. في هذه الحالة، الطرائق البيداغوجية ماهي إلا نتيجة للتفاعل القائم بين المدرس والمعرفة والمتعلم. إنها تتأثر بالأوضاع التي توجد عليها هذه المكونات الثلاثة للممارسة التعليمية والتربوية. و إن لم تساعد على جعل التعليم سياقا ناجعا، نافعا ومؤثِّرا على بناء شخصية المتعلٍّمين، فإن الطرائق البيداغوجية تصبح مجرد التِواءات تنتهي عاجلا أو آجلا بتبليغ المعارف وتراكمها عند المتعلمين.

فإذا مثلا اعتبر المدرسُ نفسَه كمالكٍ للمعرفة واعتبر، كما سبق الذِّكرُ، أن معارفَه (تَصوَّرها) كحقائق لا غُبارَ عليها، واعتبر المتعلِّمَ (تَصوَّره) كعنصرٍ جامدٍ دورُه هو تلقِّي هذه المعارف وحفظها واستظهارها لاحقا، فلا حاجةَ له بالطرائق البيداغوجية. فما عليه إلا أن يُمليَ المعارف على المتعلِّمين وانتهى الأمر. أما إذا اعتبر، كما سبق الذِّكرُ، المعارفَ (تَصوَّرها) كتفسير للأشياء والظواهر والأحداث واعتبر المتعلِّمََ (تَصوَّره) كعنصرٍ يريد أن يفهمَ ويتعلَّمَ ويشاركََ في النشاط التعليمي، فلا مناصَ له من الطرائق البيداغوجية التي، من المفترض، أن تجسّد تصوُّرَه للمعارف والمتعلِّم.

ومن جهة أخرى، كل المزايا التي من المفترض أن تتسم بها الطرائق البيداغوجية المترتِّبة عن البيداغوجيا النشيطة أو البيداغوجيا المعتمِدة على المشاريع أو على المحاور أوالأهداف أو الكفاءات...، قد لا تكون مُجدية بالنظر إلى الوضع الذي يعطى للمعرفة وإلى سيادة تعليم يعطي الأولويةَ لتبليغ المعرفة.

وفضلا عن ذلك، عندما يكون المدرسُ منهمكا في الممارسة التعليمية التعلُّمية داخلَ القسم، لا يمكن، على الإطلاق، أن يعتمدَ، في ممارسته هذه، على طريقة بيداغوجية واحدة. لماذا؟ لأن كلَّ تدخُّلٍ للمدرس، داخلَ القسم، يتمُّ في طروف تفسية تربوية معيَّنة circonstances psychopédagogiques déterminées. ولهذا، فالأرجح، هو أن يمزِجَ المدرسُ بين عدة طرائق بيداغوجية التي، تارةً، تكون نشِطة، وتارةً توحيهية directives، وأخرى سردية…وعليه، عندما نتحدث عن الطرائق البيداغوجية، فالأمر يتعلق، أولا وقبل كل شيء ب"مسار فكري" un cheminement intellectuel ينتهي ببناء أو إعادة بناءٍ المعارف والمفاهيم من طرف المتعلمين. والبناء أو إعادة البناء هو في الحقيقة نشاط فكري يستدعي شيئا من التنظير théorisation والقدرة على صياغة المفاهيم conceptualisation. لماذا مسارٌ فكري؟

لأنه لو لم تكن تدخُّلات المدرس داخلَ القسم مسارا فكريا يتغيَّر بحسب الظروف النفسية التربوية السائدة داخلَ هذا القسم، لكانت الطرائق البيداغوجية عبارة عن وصفات جاهزة للاستعمال recettes prêtes à l'emploi أو قوالب نمطية modèles stéréotypés. وهذا شيءٌ غير ممكن لأن الطرائق البيداغوجية، هي نفسُها، عبارة عن جُهدٍ فكري يتطوَّر بانتظام!

وبالنظر إلى الكيفية المُنمَّطة التي تُستعمل بها الطرائق البيداغوجية في الممارسة التعليمية والتربوية، فإن هذه الطرائق ليست، في غالب الأحيان، محفِّزا لتنشيط الملكات الفكرية للمتعلمين. فإنها غالبا ما تُحوَّل إلى أعمال آلية actes mécaniques إن لم نقل إلى طقوس متكررة rites répétitifs وخطية التوجُّه linéaire، تُدخِل في نهاية المطاف، المللَ على أكثر المتعلمين حماسا، الذين يصبحون مع مرور الوقت مجردَ مشاهدين spectateurs أو بالأحرى، مجرد مُصدِّقين crédules. إن اللجوء إلى الطرائق البيداغوجية على هذا النحو المُنمَّط، يُعدُّ تضليلا للمتعلمين وذلك بجعلهم يعتقدون بأن إنتاجَ المعارف يتم حسب أساليب تتشابه وتتكرَّر بانتظام وبكيفية لامحدودة selon des processus identiques, répétitifs et sans limites. بينما إنتاج المعرفة من طَرَف الباحثين هو نتيجةُ أخذٍ وردٍّ و تقدُّمٌ إلى الأمام و رجوع إلى الوراء va-et-vient…

فعوض أن تُدركَ الطرائقُ البيداغوجيةُ كطقوس أو كأعمال آلية متكررة، يجب اعتبارها كمسار فكري يشكل منطلقا لبناء أو إعادة بناء المعارف من طرف المتعلمين. في هذه الحالة، سيتحول المدرس إلى مسهِّل ومحفِّز لهذا البناء أو إعادة البناء، ومن خلالهما، تسهيل التَّعلُّم من طرَف المتعلِّم. وكمسار فكري، من المفترض أن تساعد الطرائقُ البيداغوجية على إقامة حوارٍ متمرٍ بين المدرس والمتعلمين لإدراك ليس فقط أهمية المعرفة في التَّعلُّم والتَّربية، ولكن كذلك طبيعة الطرائق البيداغوجية نفسها. كما أنها، من المفترض، أن تساعدَ على دمج المتعلمين في العملية التعليمية-التعلمية كفاعلين كاملين ناشطين أولا وقبل كل شيء على المستوى الفكري.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى