محمد الأحمد - العنصرية المقيتة في رواية "مسلم ويهودية"للكاتب"رونين شتاينكة"

لم تكن رواية تقنية سردية،وانما رواية معلومات تحوي على معلومات وتفاصيل كثيرة وعديدة عن موضوع سياسي بامتياز، يمكن وصفها بموسوعة شاملة استطاعت ان تلمّ بموضوع شائك قد بات إعادة النظر فيه من بين المحظورات السياسية الكبرى، خاصة في دولة عظمى مثل"المانيا"،والتي باتت تتنصل منهاكمثلبة يتطلب نسيانها،وتفرض على مواطنيها نكرانها. بات ذلك حقل شائك مليء بالألغام.لكونه زمن عصيباضطهدت فيه اليهود الى درجة الإبادة الجماعية.حيث نسيانه او تركه يصب في معاداة السامية والوقوف في صفه يصب في اثارة الفتن العنصرية.
رواية "مسلم ويهودية" تحكي عن حقبةشاخصة عاشها اليهود بعذابوالم تخللتها المذابح والاتهامات بالجرائم والابتزاز والنفي خارج البلاد. بعد تدنّى الوضع القانوني للمجتمع اليهودي وتمّاقصاؤه عن جميع الادوار في الحياةالى درجة النبذ.خاصة بعد ان وضع وصول "أدولف هتلر" لسدة الحكم عام 1933 حيث شرع القانون العرقي في عام 1935م وجعل من اليهود المجتمع الذي لا يستحق الوجود على ارض المانيا. ثم حصلتالاضطهادات السافرة.خاصة بعدمنح صلاحيات واسعة (للكتيبة sa) حيث استمرت بالبحث عن اليهود وسوقهم الى معسكرات خاصة بحجة ترحيلهم الى الشرق الأوسط، ولكنها مارست فيهم الإبادة العرقية، وتذكر الرواية انه جرت اعدامات أطباء يهود اخرجوا من المستشفيات بأثوابهمالبيض ثم أعدموا بدم بارد. حيث لم تعد هناك فصول منسية من التاريخ، او مُغَطَسَة بعمدٍ.. إلا وقد أحضرتها الرواية وفرشتها امام القارئ بكل قضّها وقضيضِّها. جعلتها امام المجهر حتى يتم إعادة النظر، وإعطاء كلّ ذي حق حقّهحيث الرواية اليومباتت تغطي التفاصيل المتشعبة من الإشكاليات التي تحدث على كوكبنا الأرضي، حيث طافت على السطحمختلف القضايا وما عاد المخفي مخفيا، ولا مسكوت عنه.(وفي العراق كان رشيد عالي الكيلاني المناهض لبريطانيا قد انقلب على البريطانيين، وتم اسقاطه بعد اسابيع قليلة فهرب الى برلين مثل المفتي العام، ولكن ليس قبل ان يتسبب في مذبحة دامت يومين في بغداد قتل فيها نحو 200 يهودي ودمر فيها 900 منزل فيما يعرف بالفرهود- الرواية). حيث ان الرواية الجيدة هي التي تجيد النبش، وتفضح ما بقيّ تحت البساط. وليست هناك أهمية لاي رواية ما لم تنفرد بمعلومة وتكشف له عن تفاصيل مهمة لا يستطيع ذكرها التقرير الصحافي،وتكتسب الرواية أهمية بقضيتها.والرواية التي تخلو من المعلومة تنقصهاالسمّة الرئيسة الإبداعية حيث تجتذب القارئ، حتى يعيد النظر امام الجيد المشوق الذي سوف يقدم اليه.. خاصة الرواية التي يكتبها محايدونيبحثون بجد وراء المعلومة المخفيةفيماوراء الأكمة. من أجل تقديمها في رواياتهم المتميزة، فالمضمون الروائي المعتمد على وثيقة موثوقة.المحتوى الروائي يجعل الروايةمتفوقة عن غيرها. (وكان هتلر يختم خطبته وهو في مخبئه في برلين المشتعلة "من حظنا السيء اننا ندين بالدين الخطأ.. كان الدين الاسلامي ليناسبنا أكثر من المسيحية بتسامحها الضعيف" – الرواية).ذلك العالم السردي الذي صار يبحث عن المكبوت والمعتم والمغيب. يبحث في سطور الاحداث عما يجعله مفيدا وله معلومة مضافة الى العالمين. البديع في هذه الرواية انها قصة حقيقية موثقة باتت شهيرة امتدتعبر هذه الرواية. لتحكي عن طبيب شاب مصري مسلم اسمه " محمد حلمي" يقرر إنقاذ شابة يهودية وأسرتها من بين الوحوش النازية، خلال أوج قوتها، وتأمين هروب الفتاة "آنا" المتواصل من حملات النازيين.الرواية عن الألمانيةترجمة (سكينة صالح ومحمود مهران).. ولكل فصل من فصول الرواية اسم لمحور جديد تنتقل اليه الرواية.. "الشرق الأوسط– برلين"، "زيارة منزلية"، "رائحة الشاي"، "قرابة الدم"، "حرية المجانين"، "الاعتقال فورا"،"نهاية الآمال– الاختفاء"، "خطة جريئة، "الاختفاء امام اعين الناس"، "في عرين الأسد"، "مسلمة بين عشية وضحاها"، "زواج صوري"، "البوليس السري يقترب"، "الكذبة الأخيرة"، "زيارة في القاهرة"، "الشخصيات"، "السياسة الاسلامية للنازيين". حوادث حقيقة اعتمدتهاهذه رواية عنالطبيب "محمد حلمي" الذي وضع خطة من اجل انقاذ اليهودية "آنا بروس" والتي بقيتتعمل معه في مختبره منذ ان كانت في الرابعة عشرة من عمرها، وبعد بدء البحث عنها من قبل "الغوستابو" وأعضاء "الكتيبة sa" وضع خطة متكاملة لأبعادها عن دائرة بحثهم، وجعلها تلبس الشال الإسلامي وغيرلها اسمها الى "نادية"، ينجحفي حمايتها من الترحيل الى معسكرات الإبادة، على الرغم ان الاثنان معا يقتربان من الخطر وبقيت تتظاهر بأنَّها قريبة له (ابنة أخته) مسلمة قادمة من مدينة "دريسدن"، وبقيت تشعر بالأمان تحت حجابها. بدعم فعَّال من أصدقاء مسلمين وأنصار آخرين.. ينسج "محمد حلمي" شبكة كثيفة من القصص الكاذبة ليستطيع بها تضليلالشرطة السرية حتى وصل الجيش الأحمر إلى برلين في شهر نيسان/أبريل 1945.. كانتللطبيب دوافع حقيقية جعلته يرفض ان يكون ترسا دوّارا ناقل للحركة في عجلة الإبادة العرقية، وجعلها ظاهرة للعيان غير متخفية، كمساعدة له في مهنة الطب. حتى تم نقلها الى مصر، وتمّ عقد قرانها بشكل صوري على الطريقة الإسلامية في "زواج عرفي" على الورق بحضور شهود. الرواية تكشف عن العمق الثقافي الديني المتشابه بين اليهود وبين المسلمين له أكثر من تطابق في التعاليم والمناسك. لذا تعايشوا معاً بشكل جيد، وظل هذا التعاطف فيما بينهم مجهولاً لفترة طويلة، ولم يظهر للعلن إلا من خلال ما اكتشف حديثاً في أرشيف الدولة، والأرشيف السياسي لوزارة الخارجية الألمانية. حيث كانت الجالية العربية متعاطفة مع اليهود وساعدوهم في الاختباء في وسط عاصمة هتلر، لإنقاذ حياتهم، إنها رواية مشجعة في زمن الكراهية، وإذا كان لدى بعض المسلمين في ألمانيا اليوم انطباع بأن ذكرى "الهولوكوست" لا تعنيهم في شيء، وأنه لا يوجد أي نقاط تماس مع تاريخهم الخاص؛ حيث لا مكان فيها للمهاجرين المسلمين، فإن القصة المروية في هذا الكتاب تثبت عكس ذلك، فهي مبنية على الوثائق التاريخية وملفات التعويضات ومراسلات "الجوستابو" ومستندات الدبلوماسيين. ثمة عبارة شهيرة "مَنْ أحيا نفسًا فكأنما أحيا الناس جميعًا". هذه العبارة التلمودية المقتبسة من كتاب "مشناه سنهدرين" ترد في القرآن أيضًا وبصيغتها الحرفية تقريبًا، وهي منقوشة منذ عقود على ميداليات "الصالحين بين الأمم من الجدير ذكره أصبح بطل هذه الرواية منذ عام 2013م واحدًا من بين خمسة وعشرين ألف منقذ تم تكريمهم. ومعه المؤلف "رونين شتاينكه" الذي اصبح بفضل هذا العمل الأول من بين الروائيين المشهورين في العالم.. رواية تحدثت كثيرا عن الغرام والصداقة، والعلاقات الدينية والثقافية والفلسفية بين اليهود والمسلمين. وبقي لها وجه حي شاهد على الاستراتيجيات السياسية التخريبية.

5-10-2022
.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى