المحامي علي ابوحبله - الاعتقال الإداري أمر مخالف لكافة القوانين والمواثيق الدولية

إن الاعتقال الإداري هو اعتقال بدون تهمه أو محاكمة، يعتمد على ملف سري وأدلة سرية لا يمكن للمعتقل أو محاميه الاطلاع عليها، ويمكن حسب الأوامر العسكرية الإسرائيلية تجديد أمر الاعتقال الإداري مرات غير محدودة، حيث يتم استصدار أمر اعتقال إداري لفترة أقصاها ستة شهور قابلة للتجديد.

إن الاعتقال الإداري إجراء مرتبط بالوضع السياسي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وحركة الاحتجاج الفلسطيني على استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967، وهو عقاب وأجراء سياسي يعبر عن سياسة حكومية رسمية لدولة الاحتلال باستخدامها الاعتقال الإداري كعقاب جماعي ضد الفلسطينيين، والاعتقال الإداري بالشكل الذي تستخدمه قوات الاحتلال محظور في القانون الدولي، فقد استمر الاحتلال في إصدار أوامر اعتقال إداري بحق شرائح مختلفة من المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية ، نشطاء حقوق إنسان، عمال، طلبة جامعيون، محامون، صحفيون ، أمهات معتقلين وتجار.

يحتجز حالياً وبعد الحرب على غزه الآلاف من الفلسطينيين في سجون الاحتلال تحت أوامر الاعتقال الإداري دون تهمة أو محاكمة لمدة غير محددة من الزمن ، وتتزايد حالات الاعتقال الإداري أثناء الهبات والانتفاضات الشعبية حيث تستخدم سلطات الاحتلال هذه السياسة لقمع وترهيب الفلسطينيين، فأصدرت قوات الاحتلال منذ العام 1967، ما يزيد عن (50,000) أمر اعتقال إداري، 24 ألفاً منها صدرت ما بين العامين 2000 و2014. وأثناء انتفاضة الحجارة، وصل عدد المعتقلين إدارياً في العام 1989 إلى ما يزيد على (1,700) معتقل، وفي العام 2003 إبان انتفاضة الأقصى بلغ عدد المعتقلين إدارياً (1,140) معتقلاً. ومنذ الهبة الشعبية عام 2015 حتى نهاية العام 2018، أصدرت سلطات الاحتلال 5068 أمر اعتقال إداري بين أمر جديد وتجديد لأمر.

يقع إصدار أوامر الاعتقال الإداري دون تحديد عدد مرات التجديد للمعتقلين من سكان الضفة الغربية وغزة بيد الحاكم العسكري الإسرائيلي للمنطقة، فيما يقع إصداره ضمن صلاحيات وزير الأمن الإسرائيلي للمعتقلين من سكان القدس، يمنح القانون الإسرائيلي للقائد العسكري صلاحية إجراء أية تعديلات على الأوامر العسكرية المتعلقة بالاعتقال الإداري بما يتلاءم والضرورة العسكرية، دون الأخذ بالحسبان أية معايير دولية لها علاقة بحقوق المعتقلين.

ترجع القوانين العسكرية الإسرائيلية المتعلقة بأوامر الاعتقال الإداري إلى قانون الطوارئ الانتدابي لعام 1945، ويستند القائد العسكري الإسرائيلي في غالبية حالات الاعتقال الإداري على مواد سرية، وهي بالأساس مواد البينات ضد المعتقل، والتي تدعي السلطات الإسرائيلية عدم جواز كشفها حفاظاً على سلامة مصادر هذه المعلومات، أو لأن كشفها قد يفضح أسلوب الحصول على هذه المواد، وقد أقرت المحكمة العليا الإسرائيلية في حالات عدة جواز إمكانية عدم كشف هذه البينات، وعدم إلزام السلطة باحترام حق المشتبه به بالحصول على إجراءات محاكمة عادلة، بما يعد انتهاكاً لحق المعتقل الإداري في معرفة سبب اعتقاله، فمن حق كل شخص أن يعرف سبب اعتقاله، وتنص المادة 9(2) من العهد الدولي المذكور "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية" على ما يلي: "يجب إبلاغ كل شخص يقبض عليه بأسباب القبض عليه لدى وقوعه، ويجب إبلاغه على وجه السرعة بأية تهمة تُوجَّه إليه".

وانتهاك حق المعتقل الإداري في عدم التعرض للقبض عليه أو اعتقاله تعسفياً، حيث تنص المادة 9(1) من "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية" على أنه "لا يجوز القبض على أحد أو اعتقاله تعسفاً"، وأنه "لا يجوز حرمان أحد من حريته إلا لأسباب ينص عليها القانون وطبقاً للإجراء المقرر فيه". وقد ذكرت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان أن مصطلح "التعسف" لا يعني فقط أن الإجراء "مخالف للقانون"، بل يجب تفسيره تفسيراً أوسع ليتضمن بعض العناصر الأخرى، مثل عدم اللياقة والظلم وعنصر المفاجأة.

يتم محاكمة الفلسطينيين في محاكم عسكرية إسرائيلية لا تراعي أصول المحاكة العادلة المنصوص عليها قانونياً ودولياً والتي تحفظ لهم حقهم في المساواة أمام القانون، والمثول أمام محكمة مختصة ومستقلة وحيادية ومنشأة بحكم القانون، ونظراً لان الاعتقال الإداري يتم دون محاكمة فعلية، فتكون مراجعة ملفات الاعتقال الإداري في محكمة رقابة قضائية من قبل قاض عسكري وليس لجنة، وكانت المحكمة تقوم باستدعاء مندوب المخابرات عند بحث كل ملف لعرض البينات السرية بالتفصيل من قبله أمام القاضي في السابق، وتم التنازل عن هذا الإجراء خلال فترة إعادة احتلال الجيش الإسرائيلي لمدن الضفة الغربية عام 2002، ويرجع قرار استدعاء ممثل المخابرات من عدمه اليوم للقاضي، وهذا يعني أنه في الغالبية المطلقة من الحالات يقوم القاضي بالاطلاع على ملخص البينات ضد المعتقل وليس كافة المواد السرية، ولا تتاح له الفرصة لمناقشة رجل المخابرات في كيفية حصوله على المعلومات، وكيفية فحصها للتأكد من صحتها.

تستخدم سلطات الاحتلال الإسرائيلية إجراء الاعتقال الإداري بشكل روتينيّ بحيث اعتقلت على مرّ السنين آلاف الفلسطينيين لفترات طويلة تراوحت بين بضعة أشهر وبضعة سنين، دون أن تقدّمهم للمحاكمة ودون أن تواجههم بالتّهم المنسوبة إليهم ودون أن تسمح لهم أو لمحاميهم بالاطّلاع على الأدلّة. ضمن ذلك اعتقلت إسرائيل أيضًا قاصرين لم يتجاوزوا سنّ الثامنة عشرة.

علاوة على ذلك: يوافق القضاة دائمًا على طلب النيابة فرض السرّية على الأدلّة والبيّنات التي تعرضها أمامهم "لاعتبارات تتعلّق بأمن الدولة". بذلك يحوّل القضاة الاستثناء الوارد في أمر الاعتقالات الإدارية إلى قاعدة جارفة تحرم المعتقلين من أيّة إمكانية للدفاع عن أنفسهم أمام الادّعاءات الموجّهة ضدّهم تحت بند . سرّية الأدلّة وبموجبها يمنع المعتقلين ووكلائهم المحامون من فحص جودة المعلومات وصحّتها وراهنيّتها.

ويرى خبراء في القانون الدولي أن الحكومة الإسرائيلية تستخدم الاعتقال الإداري كوسيلة للسيطرة السياسية منذ بداية احتلال الأرض الفلسطينية في عام 1967.

استخدمت إدارة الانتداب البريطاني هذه الوسيلة في فلسطين لأول مرة في ثلاثينيات القرن الماضي ، ويمكن للجيش الإسرائيلي احتجاز المعتقلين الفلسطينيين لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد والتمديد إلى أجل غير مسمّى. وتُتاح المراجعة القضائية، لكن يتم إجراؤها أمام قاضٍ عسكري إسرائيلي، حيث لا تنطبق المعايير الدولية الدنيا للحقوق، ولا الأدلة ولا العدالة الإجرائية.

وأضاف الخبراء أن الأسرى "ليس لديهم سبيل للطعن في هذه المزاعم التي لم يُكشف عنها ولا يعرفون متى أو ما إذا كان سيتم الإفراج عنهم." وتُعتبر الطعون الناجحة لأوامر الاعتقال الإداري نادرة للغاية.

وقال الخبراء: "قد تبدو هذه الإجراءات بمثابة احتجاز تعسفي، وهي محظورة تماما بموجب القانون الدولي، بما في ذلك القانون الإنساني الدولي." وأشار الخبراء إلى أنه بموجب اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، لا يجوز لسلطة الاحتلال نقل الأسرى من الأرض المحتلة إلى مراكز الاحتجاز في أراضيها. وقالوا: "لاحظت الأمم المتحدة بانتظام أن إسرائيل تنتهك هذا الواجب القانوني، ودعتها إلى الامتثال لالتزاماتها، ولكن دون جدوى."

وقال الخبراء: "كما فعلنا مرات عديدة من قبل، ندعو إسرائيل مرة أخرى إما لتوجيه اتهام أو المحاكمة أو الإفراج عن جميع المعتقلين الإداريين." وبحسب القانون الدولي، فإن الاعتقال الإداري مسموح به فقط في ظروف استثنائية، ولفترات قصيرة فقط. وقالوا: "ممارسات إسرائيل تتجاوز كل الحدود القانونية الدولية."

ودعا الخبراء أيضا إسرائيل إلى وضع حد لظروف الاعتقال القاسية للفلسطينيين الأسرى في سجونها. وقالوا: "على وجه الخصوص، نصرّ على أن فرض الحبس الانفرادي على المعتقلين، الذين أضعفتهم بالفعل شهور من الإضراب عن الطعام، يجب أن يتوقف فورا."

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى