د. محمد لبيب - فلنحترس من الآخرين..

يظل الإنسان يهرول شرقًا وغربًا وشمالاً وجنوبًا وقلبه وعقله مملوءًا بكل الطاقات التي وهبها الله إياه سواء كانت كامنة فيه أو كان قد اكتسبها منذ أن بدء مشوار الحياة. يظل يهرول حاملاً علي كتفيه آماله العراض. يهرول وهو يحلم بأن يحقق ولو بعض الآمال وبعض الأمنيات، لنفسه ولمن حوله.

ويظل الإنسان يهرول ويهرول، وكلما تحقق أمل أو بدت له أمنية في الأفق يزيد من ايقاع هرولته وتزداد طاقته وتزداد أحلامه وكأن الأمنيات والآمال والأحلام تتزاوج وتتوالد فيصبح وكأنه يقف فوق أكوام من مزيج من الآمال التي تحققت والأحلام التي مازالت يهيم في الأفق.

وأثناء هرولة الإنسان علي الطريق قد يستعين بايقاع لحن لسان حبيب يُطربه أو أغنية مُنتفع تدغدغ مشاعره أو كلمة مديح تسعده. ويظل يهرول علي الطريق ناسيًا الغاية الرئيسية من وجوده في الحياة من تعمير الأرض ليس فقط تحت قدميه فهذا هو اضعف الايمان، ولكن أيضا تحت أقدام من حوله لعله يترك بصمة وبسمة. بصمة لغيره، وبسمة لنفسه. وبالطبع الغاية الكبري للإنسان هو تعمير بعيدا عن دائرته كلما استطاع لذلك سبيلا.

وعندما يحاول الإنسان أن يصنع بصمة ويرسم بسمة، يجد نفسه مقاتلاً وسط شد وجذب أحداث الحياة. ويجد نفسه يصارع رغباته في القول والعمل محاولا ارضاء احتياجات نفسه ورغبات الآخرين. ولكنه يفاجأ بمنطقة رمادية يختلط الأمر فيها علي هؤلاء الآخرين، فمن ناحية يكتشف أنهم يدركون جيدًا أهمية تطبيق الأصول والقواعد والتقاليد والأعراف علي وجه العموم. ومن ناحية أخري يجدهم يبحثون عن منفعتهم الخاصة ولو خالفت تلك الأصول والقواعد والتقاليد والأعراف.

وهنا يصبح الإنسان ممسكًا في أحداث الحياة بحبل رمادي، يتدلي به علي حافة هوة ساحقة قد يقع فيها هو نفسه ومن تعلق به. فإن هو تمسك بالقواعد، فلن ينال رضاء الآخرين، بل قد يخسر كل من يبحث عن منفعته ولو إلي حين. وإن لم يطبق القواعد خسر نفسه وثوابته وكسب المنتفعين.

ويظل الإنسان يلهث بين هذا وذاك حتي يستقر به المقام في كسب نفسه ولو خسر الآخرين. وعندئذ يصبح هو نفسه عبئا ثقيلًا علي نفسه وعلي من حوله، فيقرر الهجران ويتقوقع في ذاته ويكتفي بمشاهدة هؤلاء الآخرين عن كثب وعن بعد حتي يبتعد عن ذلك الهبل الرمادي ولا يقع في براثن الهوة السحيقة سواء في الدنيا أو الآخرة.
فطوبي لمن يهجر الحبل الرمادي ويتمسك باللون الأبيض، لون النقاء والأثر والبقاء.

د. محمد لبيب
أستاذ علم المناعة
كلية العلوم جامعة طنطا
وكاتب وروائي وعضو اتحاد كتاب مصر

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى