البشير عبيد - الأيادي المرتعشة و إستحالة تغيير مسارات التاريخ

مثلما اكدت الأحداث في كل اقاليم الكون ان الأصابع المرتبكة لا تستطيع صنع التاريخ و احداث منعطفات كبرى في مساراته نظرا لفقدان الجسد الحامل لهذه الأنامل فكرا مستنيرا و رؤية معرفية لكل شؤون الحياة ٫ بامكاننا التأكيد ان الأيادي المرتعشة لا و لن تستطيع ان تذهب بعيدا و تخترق الحواجز و الإشتباك مع المفاهيم و التصورات المختلفة بل المتناقضة مع قيم الحرية و التحرر و الإنعتاق و مواجهة قوى الإستبداد و الاستغلال و الظلامية سواء كانت انظمة سياسية أو حركات او تيارات.........
الأيادي المرتعشة ليست لها علاقة بميكانزمات و تحريك المياه الراكدة لانها تفتقد الجراة و الفكر الإستراتيجي و الرؤية المعرفية العميقة و الشاملة...
كل المحاولات التي عرفتها الشعوب الطامحة للتحرر الوطني و الإنعتاق الإجتماعي ٫ و إن إتسمت بجسارة أصحابها و شجاعتهم النادرة ٫ إصطدمت بالشروط الموضوعية التي صارت بمثابة الصخرة الصماء التي تكسرت عليها طموحات اجيال متعاقبة من المكافحين الأحرار الحالمين باوطان تسود فيها قيم المواطنة و الحرية و العدالة الاجتماعية و علوية القانون........
الشروط الموضوعية التي نقصدها هي التحالفات
و التكتلات السياسية و الاجتماعية المتناقضة جوهرا و موضوعا مع أي مشروع وطني تحرري مناهض للسياسات النيوليبرالية التي ليس في اجنداتها رفاهية و تقدم الشعوب هنا أو هناك من اقاليم الكون...
لن ناتي بالجديد اذا قلنا ان هذه المشاريع الوطنية التحررية ذات الأفق الديمقراطي الإجتماعي و التنوير
الفكري و الثقافي ٫ عادة ما تافل و تسير الى الإنحدار٫
إضافة الى الأسباب الموضوعية الناتجة عن طبيعة الصراع الشرس بين قوى متناقضة في الأسس الفكرية والايديولوجية٫ فان لهذا الإنحدار الوارد حدوثه في أي لحظة نظرا لطبيعة التوازنات و موازين القوى
و المصالح المتشابكة بين الأطراف السياسية و الاجتماعية المتصارعة..هذا ما قصدناه بالشروط الموضوعية ٫ لكن الاشكال الجوهري و المركزي في عملية تفسير و تفكيك العناصر المكونة لهذا الانحدار يتمثل اساسا في المسالة الذهنية و الأبعاد الاستراتيجية للصفوة و القادة المباشرين لعملية تأسيس المشروع الوطني الديمقراطي الإجتماعي المنحاز فكرا و منهجا و عقيدة و دربا كفاحيا لا يلين
و لا يهدا مع مشاغل و شواغل و القضايا المصيرية و الطموحات المشروعة للشعوب الطامحة للتحرر و الإنعتاق و كنس سياسات الاستبداد والاستغلال و رميها في مزابل التاريخ بكل شجاعة و كتابة سطور مضاءة بمصابيح الحرية و الكرامة و العادلة الاجتماعية...هنا وصلنا الى مربط الفرس مثلما يقول العرب القدامى..... كيف ستتصرف القيادة المركزية و صفوتها الأولى المؤتمنة على تسيير المركب و القافلة
بعيدا عن الأجندات الإقليمية و الدولية المتناقضة جوهرا و موضوعا مع طموحات الشعوب و قضاياها المصيرية....هذا هو السؤال الحارق لكل ألأوراق.....!
إن المنعطفات التاريخية الكبرى ٫ لا تقوم بها الأيادي
المرتعشة من خصوم شرسين ٫ بل تصنعها السواعد
التي تحركها رؤى استراتيجية في السياسة والاقتصاد و الفكر و الثقافة و الاجتماع...و لنا امثلة نيرة قامت
بادارة الصراع مع القوى المناهضة لمشاريع التحرر الوطني و الإنعتاق الإجتماعي و فرض السيادة الوطنية على أرض الواقع ٫بحكمة و حنكة و دهاء نادر
...الزعماء الراحلين جمال عبد الناصر و الهواري بومدين و في السنوات الأخيرة شافيز و خليفته السياسي اليساري الثوري المحنك المتسم بالشجاعة و الدهاء و الديبلوماسية وقت اللزوم وفق متطلبات المرحلة و ما تفرضه من تكتيك و استراتيجيا في الآن
نفسه.....هذا ما ننتظره من قيادات عربية لمشاريع التحرر الوطني...لا سبيل للخروج من أي مازق سياسي واقتصادي و احتماعي سوى الأسلحة برؤية ثاقبة
و بعيدة المدى و ان لا تكون الأيادي مرتعشة...........
- كاتب صحفي مهتم بقضايا التنمية و المواطنة و النزاعات و الصراعات الإقليمية و الدولية....

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى