د. خالد محمد عبدالغني - النرجسية أو الغرور في الحياة الثقافية: نماذج ومواقف

بداية علينا أن نعرف الاختلاف بين أن تكون صاحب ثقة في النفس أو أن تكون مغرورا. فإذا كنت صاحب نجاح حقيقي بني على العرق والجهد والعطاء والمثابرة والقدرة على تجاوز الصعوبات والمواقف المحرجة، والحكمة في التعامل، وتوطين النفس بالتسامح فهذا هو جوهر الثقة بالنفس ، أما إذا كان لديك شعور بالعظمة وتوهّم الكمال فأنت إذا مغرور بلا شك ، وكلما ازدادت ثقة الإنسان بنفسه، كلما أصبح أكثر قدرة على مواجهة مصاعب الحياة ومتطلباتها وهمومها، ولكن إذا ما تجاوزت الثقة بالنفس الحد المطلوب والمعقول فإنها بذلك تصبح خطرا على صاحبها لأنها في هذه الحالة ستتحول إلى نرجسية غشوم او غرور.
وفي حياتنا الثقافية نماذج كثيرة جدا – طبعا لسنا في حاجة للقول بان هناك نماذج ايجابية ومتفانية في عملها ومعطاءة لأقصى درجات العطاء - أصابها الغرور ومن هؤلاء رؤساء تحرير الصحف والدوريات الثقافية وأول مظاهر ذلك الغرور عدم الرد على أصحاب المقالات والدراسات المرسلة إليهم لنشرها بتلك الصحف والمجلات وفي ذلك استهانة بالمؤلفين والمبدعين والكتاب تعبر عن غرورهم الذي بني في هذه الحالة من المكان الذي تقلدوه أو الكرسي الذي جلسوا عليه ، وأحيانا ما يوقع هذا الفعل أصحاب تلك الدراسات بمشكلات وأنا واحد منهم وسأضرب لعديد من المواقف كنت بعثت في عام 2007 بدراسة عن حرافيش نجيب محفوظ وأخرى في 2020 عن أعمال الكاملة لنجيب محفوظ أيضا لإحدى المجلات الأدبية الكبرى وطبعا كعادة رؤساء التحرير لم يردوا علي ولذلك فقد نشرت الدراسة في مجلة عمان بالأردن عام 2009 ، وفي عام 2013 وبالصدفة فقط عرفت أن المجلة الأدبية الكبيرة في مصر كانت قد نشرت الدراسة في عام 2011 بمناسبة الذكرى المئوية لنجيب محفوظ وإلى الآن لم احصل لا على نسخة المجلة ولا على مكافأة مالية عن الدراسة ، هذا الحال تقريبا يعاني منه كل الكتاب ما لم أكن مبالغا ،، وهناك واقعة مع مجلة الأزهر إذ تواصلت مع أحد أعضاء مجلس التحرير وعبر عن سعادته بنشر إحدى دراساتي في الفكر الإسلامي وقال في الأعداد القادمة وما زلت انتظر ومر أربعة أعوام على هذه الكلمات المعسولة بالموافقة ،، وهناك غرور أصاب عددا إذ لا يتواصلون إلا مع شلتهم الثقافية ومن هم على شاكلتهم .
وعندما تقدمت بكتاب عن نجيب محفوظ لهيئة الكتاب في إحدى السلاسل التي كان يرأس تحريرها هذا الأديب الكبير وكلما قابلته يقول لي سوف نرد عليك بشان الكتاب مستغربا ومندهشا كيف لم يردوا علي ويخبروني بموقف الكتاب ، والكتاب يمر عليه الآن أكثر من عشر سنوات ولم يرد علي رئيس تحرير السلسلة ، ولما تقدمت بكتاب عن سيكولوجية الأدب لهيئة الكتاب أيضا رد على رئيس الإدارة المركزة للنشر منذ عشر سنوات ويقول لي "إن اللجنة رفضت الكتاب ، فقلت له هل من صورة من التقرير لمعرفة السلبيات ومراجعتها " فقال لا نعطى الكتاب صورة من التقرير ولما أخذت النسخة وجدت الكتاب لم يفتح ولم يقرأه أحد ، ولكن الغرور الذي أصاب رئيس إدارة النشر يومها جعله يتعامل معي بقرار فوقي وكأنه لا يسأل عما يفعل. وعندما لا ينشر لك رئيس تحرير لأنك على خلاف مع إحدى الأديبات اللاتي يصاحبهن كما حدث مع الراحل الشاعر الكبير محمود الأزهري والذي بسبب ذلك وغيره من المواقف أصابه الحزن وآثر الابتعاد علن الوسط الثقافي واعتزلهم حتى انه حذف ثلاثة أرباع أصدقائه من الفيسبوك قبل رحيله المفاجئ، وعندما ترسل دراسة عن نجيب محفوظ ويرد عليك المسئول " إننا مجلة تتحدث عن الأحياء وليس عن الموتى ". وعندما تقدمت للنشر العام بالمجلس الأعلى للثقافة ويضيع الكتاب ولا تجد له أثر لا عند موظف ولا مسئول ولا مخزن ولا أثر له البتة ولا يعاقب احد على هذا الإهمال. ما معنى هذا السلوك ؟؟ إنه الغرور الذي أصاب الوسط الثقافي كمسئول ،، وهناك الغرور الذي أصاب الوسط الثقافي كمبدع وهذا هو موضوع المقال القادم .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى