د. محمد عبدالله القواسمة - 1/2 الرواية والسياسة

تتعالق الرواية والسياسة تعالقًا وثيقًا. وقد بات من المعروف أن الرواية، وإن كانت عالمًا تخييليًا يجمع بين الواقع والخيال، ويهتم بالمشاعر الإنسانية لشخصياتها فإنها الجنس الأدبي الوحيد القادر على تناول قضايا المجتمع السياسية بصورة واسعة، مثل قضايا الهجرة والديمقراطية، والصراع بين الطبقات والأيديولوجيات والمذاهب، والأحداث السياسية، وما يجري في السجون والمعتقلات.

نلمس هذه العلاقة في كل أنواع الروايات: الروايات الاجتماعية والكوميدية، وروايات الحروب، والروايات النفسية. ففي كل رواية ملامح سياسية مباشرة أو غير مباشرة. ولعل المفكر والناقد الإنجليزي تيري ايغلتونTerry Eagleton في كتابه "نظرية الأدب" كان يقصد الرواية في الدرجة الأولى، وهو يتحدث عن صعوبة فك الارتباط بين الأدب والسياسة بوصف الرواية هي المتصدرة المشهد الأدبي في هذا العصر، ومن هنا جاء المفهومان: تسييس الأدب وتأديب السياسة اللذان يتناولان التأثير المتبادل بين الأدب والسياسة.

وقد رأينا السياسة في بعض الأحيان تقتحم الرواية دون تقصد الروائي، كما ذكر نجيب محفوظ في حديثه عن بنائه شخصيات رواية "ميرامار" بأنه كان ينوي تناول حياة أشخاص عاديين، ولكنه انتهى إلى تناول شخصيات بوصفها رموزًا سياسية.

أفرزت العلاقة بين الرواية والسياسة ظهور ما يسمى الرواية السياسية. وهو المصطلح الذي يعترض عليه منظر ما بعد الحداثة فردريك جيمسون Fredric Jameson؛ إذ يرى في كتابه "اللاوعي السياسي" بأن المصطلح لا معنى له؛ لأن كل شيء سياسي في النهاية. والقول بذلك هو من قبيل تشيئ الحياة وخصخصتها كما في المجتمع الرأسمالي الاستهلاكي.

لعل هذه النظرة انعكاس لما يسيطر على الثقافة الأمريكية التي ترى أن الرواية يجب أن تركز على عالم الفرد ومشاعره وتناقضاته. ولا نجد هذه النظرة في دول أمريكا الجنوبية ودول شمال أفريقيا، وبلادنا العربية فالرواية في هذه الدول تتمحور حول السياسة وقضاياها؛ لقدرتها على صوغ علاقة قوية بين الخاص والعام.

لا شك أن الحديث عن العلاقة بين الرواية والسياسة يستدعي بيان مصطلح الرواية السياسية وتطبيقاته في الرواية.

الرواية السياسية هي تلك التي تركز على قضايا سياسية بالدرجة الأولى، وتتحكم فيها الأفكار السياسية، وتنزع، كما يرى الكاتب والناقد الأمريكي إيرفينغ هاو، Irving Howe في كتابه" السياسة والرواية" إلى نوع من الواقعية، ولا تختلف عن الروايات الأخرى إلا بتركيزها على الحدث السياسي. كما يجب أن تتوافر فيها الجوانب الفنية إلى جانب الواقعية غالبًا. فالروائي يتخلى عن الأفكار المجردة التي تفسد فنية الرواية، ويجمع جهده كي يجعل الأيديولوجيات والأفكار مادة حية، أي يحولها إلى أفعال وتضحيات، ويبين العلاقة بين النظرية والتطبيق، أي بين الأيدولوجيا والعواطف البشرية.

إنها الرواية التي تتناول قضية سياسية، وتناقش الأفكار السياسية، والبرامج الحزبية، وترصد الصراع بين الحاكم والمحكوم، وما يتخلل ذلك من علاقات قامعة وسجون، وتطرح رؤى غالبًا مخالفة للفكر السائد، وقد تخرج عن المذهب الواقعي إلى المذهب الرومانسي التاريخي، فتتحدث عن الماضي لتسقطه على الحاضر، من خلال بطلها الإشكالي الذي يدافع بقوة عن قضية فكرية.

يفرق الناقد جميل حمداوي في دراسة بعنوان "الرواية السياسية والتخييل لسياسي" نشرت في مجلة" الكلمة" الإلكترونية بين الرواية السياسية ورواية التخييل السياسي؛ فالرواية السياسية هي التي تقتصر على أفكار سياسية معينة، وعرض مجادلات سياسية دون اهتمام بالعناصر السردية. وهي رواية ضعيفة وركيكة تنتبه إلى الموضوع أكثر من اهتمامها بالأسلوب، لتتحول إلى منشور دعائي سياسي، ولغتها ليست أدبية، وأقرب إلى نشرة الأخبار، وتطرح الأفكار مباشرة، ولا تصل إلى الفكرة من خلال الحكاية، ولا تترك شيئًا للقارئ، ويغلب فيها الحوار على السرد، وتكون الشخصيات شريرة في المطلق أو خيرة في المطلق.

أما رواية التخييل السياسي فهي، التي تعبر عن أطروحة سياسية مباشرة أو غير مباشرة، وتطرح الصراع بين الذات والموضوع من خلال نقد الواقع واستشراف المستقبل. وتستند إلى بلاغة الإقناع والتكرار والسرد التفصيلي الواقعي، وتقوم على شخصيات متصارعة، كما تلائم بين الجانب السياسي والجانب الفني، في لغة أدبية، وشخصيات إنسانية حية.

ونحن لا نرى سلامة هذين المفهومين فالرواية لا تسمى رواية إلا إذا كانت تقوم على التخييل، ولا توصف بأنها سياسية إلا إذا تناولت قضية سياسية. لعل من الصواب القول في مقابل نوعي الرواية التي طرحهما حمداوي إن الرواية السياسية تنقسم إلى نوعين: الرواية التسجيلية أو التقريرية مقابل الرواية السياسية، والرواية الفنية مقابل رواية التخييل.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى