قال مترددًا والكلمات تجرح حلقه المتيبس: «اعطني هويتك، انظر فيها قليلاً واعيدها».
وبدا على جاره انه لم يفهم فعاد يقول مادًا يده بشيء من نقاد الصبر: «اقصد بطاقتك، بطاقة الهوية».
وتحت عصبية اليد الممدودة اخرج الآخر محفظة متأكِّلة واخرج البطاقة ودفع بها اليه وقبل ان يخطو بها متجاوزًا العتبة مرق الصوت من وراء اذنه يقول: «وما تفعل بهويتي يا فلسطيني؟ ولو سمع الجار الشتيمة التي دمدم بها لانتزعها حتمًا من بين اصابعه.. ولكنه سارع بها الى دكانه ورخم أمام الطاولة المبقعة، وفتحها، ثم مد يده الى جيبه واخرج بطاقته الجديدة، خضراء يجري فيها رونق.. ارزتها سليمة الأغصان لم يتلفها التغضن.. جديدة ما تسلمها إلا قبل اسبوعين. صورته على جانب منها وعلى كل طية من طياتها الثلاث ختم مستدير لقسم النفوس في وزارة الداخلية، ورابع على الوجه الآخر من الطية الرابعة. اربعة اختام مستديرة صريحة لا تنفذ شبهة من حلقتها المفرغة. وتوقيع الرئيس والمأمور يكادان يتعانقان في خطوط ملتوية ملتفة غامضة منيعة لا يبين منها اسم ما شأن تواقيع من بيدهم مقدرات الأمور....
وتلك بطاقة الجار لا تختلف الا بالصورة العتيقة الباهتة وبتفصيلات الاسم والسن ومكان الولادة وتاريخها، وبالتغضن والتكسر وكثرة ما تحمل من آثار اصابع ملوثة لا مكترثة لا تحسن الرفق بما يأتي كحق طبيعي لم يقاض صاحب جهدًا او قلقًا او شكلاً او نقودًا... بطاقة لم تكن بنت شعور مغيظ محنق ممض من أنه في الحي الذي يعيش فيه والذي افتتح فيه دكانًا تعامل معها الحي اكثر من عشر سنوات نقدًا او دينًا او «نصبا»، لم يستطع ان يفرض لنفسه اسمًا... فهو في هذا الركن الذي تقوم فيه دكان لا تختلف في شيء عن اكثر الدكاكين ليس اكثر من «فلسطيني»... بهذا ينادونه، ويعرفونه ويشتمونه اذا ما اقتضى الامر، شأنه شأن ذلك الأرمني الإسكافي الذي عرفه في صباه، والذي سلخ من عمره التعس ثلاثين عامًا متداركًا نعال الحي بالرقع فلم يبال احد بل لم يجد حاجة بأن يعرف احد اهو هاجوب، كما يمكن لأسماء الأرمن ان تكون، او سركيس او وارطان، فالأرمني هو كل اسمه، هكذا عاش وهكذا مات، فعزله اسمه عن كل الناس حيًا وميتًا، ولعل التسمية قد عقدته فما ترحرحت تلك العجمة في لسانه، ولم ترتفع اهتماماته بما حوله عن مستوى الاقدام!
بطاقتا الهوية امامه، واصبعه تتنقل بينهما، والتفاصيل تهتز امام عينيه، وزبون يدخل فيصرفه بحركة من يده دون ان يرى وجهه، فيمضي هذا ساخطًا لا يعرف لماذا لا يريد الرجل ان يبيع... والصحيفة تنزلق الى الارض فيرفعها فيرهبه العنوان الأحمر يتوج صور اعضاء العصابة.
وما جدوى ان يقرأ الخبر للمرة الخامسة او المئة؟ فلن يفهم اكثر مما فهم، والصورة برهان دامغ... الوجه النحيف وقد اكلت النظارتان اكثر من نصفه، والصلعة التي تمتد من فوق النظارتين ولكنها لا تكشف عن مخ جهنمي... وآخرون معه لا يعرف منهم الا واحدًا... قد يوحي بأي شيء الا بحقيقته، كان واسطة التعرف الى ذاك الآخر.
اجل كان يلبس بذلة زرقاء حين دخل واشترى علبة كبريت دفع ثمنها «فرنكًا»، ثم مد يده واخرج صندوق سجائره واخذ واحدة وعرض عليه اخرى اعتذر عنها... ودخن نصف السيجارة وهو على العتبة ووجهه الى الشارع، ثم عاد وتلكأ كمن يريد ان يجره الى حديث، اي حديث... ولكنه عاد وطرق الموضوع بصراحة... لقد سمع ورفض ان يقول كيف انه راغب في ان يلبنن... فاذا شاء فهناك طريقة واحدة... والثمن، اجل هناك ثمن، الفا ليرة... اغلى قليلاً مما اعتاد عليه الناس ان يدفعوا، فموقف السلطات بان اصلب، ولقد نبش الفلسطينيون كل جذور العائلات فما ظلت شجرة لم تمد فرعًا لها في فلسطين.. وهؤلاء المحامون الذين اثروا من تجارة التجنس قد بدأ يخذلهم علم الأنساب!!
كثير وقبل سنوات لم يهضم ان يدفع ربعه ليبحث عن جد له في قرية لبنانية طيبة، او ليبتعث تاريخًا جديدًا لجده ابي صالح الذي ولد فيما يعلم، ومات فيما يعلم ايضًا، في «الرامة» وبهذا لا يكون قد انكره قبل صياح الديك ثلاثًا، ولكنه يستأذنه في ان يعدل من صدفة جغرافية تعفيه من كلمة «فلسطيني» تشده الى قطيع امحت فيه معالم الفردية، يتلفظون بها مشفقين حين يرفض ان يكون موضع شفقة، او ساخطين دون مبرر لسخط، او متوعدين كلما نفث منافسوه من اصحاب الدكاكين الصغيرة حقدهم ونسجوه اشاعات يفسرون بها الأحداث على هواهم تلتفت حوله خيوطًا واهية ولكنها متكاثفة.
ضبابه قلق تحسسه ان وحانوته هذا واولاده الأربعة وزوجه ليسوا اكثر من الهية يتعابث بها مفسرو الحوادث، وان ضمانته الوحيدة من الترحيل الى مجهول من اللجوء المركّب هي ان يكون متجنسًا. وكان الحافز في نفسه يضعف كلما تراخت خيوط الإشاعات ومات خوفه في ثنايا الحياة اليومية، ويقوى كلما عرض له امر يهز وجوده المتداعي، حين تخرج ابنه من المدرسة مثلاً فما لمه عمل واحد اكثر من اسبوعين...القانون صريح... ومحظور العمل في المصالح والشركات على غير ابناء البلد، فما وجد الشاب بدًا من ان يطير الى الصحراء من هذه الصحارى التي تجمع الناس اخوة على شقاء، وتتسامح في اشقائهم ولو اختلفت الجنسيات...سميرة.jpeg[/HEADING]
========
ميرة عزام ( 13 سبتمبر 1927- 8 أغسطس 1967)، كاتبة وصحفية فلسطينية ولدت في مدينة عكا بفلسطين، لقبت برائدة القصة القصيرة في فلسطين، اشتهرت بمجموعاتها القصصية التي تؤكد على الهوية الفلسطينية. نشرت مجموعتها القصصية الأولى عام 1954 بعنوان "أشياء صغيرة" تحدثت فيها عن دور المرأة في المجتمع الفلسطيني. كتبت العديد من المنشورات النسائية وترجمت الكلاسيكية الإنجليزية إلى اللغة العربية. أصبحت ناشطة سياسية في الستينيات وساهمت في تأسيس جبهة التحرير الفلسطينية كما شاركت في تحرير جريدة «الشعب» مع بدر شاكر السياب.
[HEADING=3]الحياة المبكرة[/HEADING]
ولدت سميرة عزام في عكا، فلسطين لعائلة أرثوذكسية مسيحية، التحقت بمدرسة ابتدائية في عكا ثم بمدرسة "تكميلية الراهبات" الثانوية في حيفا، وأصبحت معلمة مدرسة في سن 16 ومارست مهنة التدريس في مدرسة الروم من عام 1943 حتى 1945.
خلال هذه الفترة بدأت في كتابة مقالات لإحدى الصحف الفلسطينية تحت الاسم المستعار "فتاة الساحل". في عام 1948 أو ما يسمى عام النكبة انتقلت سميرة مع عائلتها إلى لبنان بسبب حرب 1948 وما ترتب عليها من تهجير للفلسطينيين من بيوتهم وأراضيهم.
بعد عامين من مكوثها في لبنان تركت سميرة عائلتها وانتقلت إلى العراق لتعمل كمديرة مدرسة للبنات.
في العراق بدأت حياتها المهنية كمقدمة برامج في إحدى المحطات الإذاعية، كتبت سيناريو برنامج "ركن المرأة، ثم نقلتها الإذاعة إلى بيروت وهناك قدمت برنامج "مع الصباح"، وأصبح صوتها مألوفا في حياة العديدين من العرب، مما جعل كتابتها أكثر تأثيرًا.في 24 ديسمبر 1959، تزوجت سميرة من الأديب يوسف حسن، وعادت معه إلى بغداد لفترة قصيرة من الزمن، وهناك تعاقدت مع إذاعتي بغداد والكويت حيث شغلت منصب مراقبة للبرامج الأدبية من عام 1957 حتى عام 1959. ومع ذلك، اضطررت إلى المغادرة بعد فترة وجيزة عندما سقط النظام الملكي في العراق واتهمتها الجمهورية الجديدة ببث برامج إذاعية معادية للنظام الجديد فأُبعدت مع زوجها إلى لبنان. عند عودتها إلى بيروت، بدأت الكتابة للعديد من المنشورات النسائية وكذلك ترجمة الكلاسيكية الإنجليزية إلى اللغة العربية. أصبحت ناشطة سياسية للغاية في الستينيات. عَمِلت مع شفيق الحوت، نقولا الدر، خالد اليشرطي، عبد المحسن أبو ميزر، سعيد بركة وراجي صهيون وغيرهم على تأسيس جبهة التحرير الفلسطينية. شاركت سنة 1964 في المجلس الوطني الفلسطيني الأول.
[HEADING=3]الكتابة والموضوعات الرئيسة[/HEADING]
تدور كتابات سميرة عزام، في كثير من الحالات، حول «الخبرة الفلسطينية في الشتات». وشملت المواضيع الرئيسية في أعمالها الدقة والتحكم - قصصها غالباً ما تدور حول إجراء أو اختيار محدد.في أول مجموعة من القصص القصيرة، بعنوان «الأشياء الصغيرة»، تم نشرها في عام 1954. طوال هذه المجموعة، تفشل الشخصيات في كثير من الحالات، في مساعها. وتفتقر إلى الشعور بالهوية أو الغرض. أصبحت نشطة سياسياً للغاية في الستينيات. في قصتها «لأنه أحبهم»، تصور عزام مزارعاً مجتهداً يفقد كل شيء في التهجير 1948. ثم يتدني مستواه إلى مستوي الفلاح، ويتحول إلى الكحول للراحة. تنتهي القصة بقتل زوجته وهو مخمور. في جميع أجزاء القصة، لا يتميز البطل بالشر أو الانتقام، بل رجل ذو شخصية نبيلة تأثر بفقدان كل ما كان يحب مما جعله يتخذ القرارات الفقيرة.خاصة في كتاباتها المبكرة، تطور سميرة عزام تعليقاً مكثفاً على النساء في المجتمع، إلا أنه لا يأخذ وجهة نظر النسوية التقليدية. بدلاً من أن تلقي باللوم في معناة النساء بسبب الاضطهاد من قبل الرجال، فإنها تعزو ذلك إلى المجتمع ككل. يتم تطوير هذا التعليق أيضاً في «لأنه أحبهم». حيث تلوم الكاتبة قتل الزوجة في الظروف المحيطة بزوجها بدلاً من الزوج. الخطأ في المجتمع والوضع السياسي في ذلك الوقت، وليس في شخصية الذكور، وتميز المرأة بأنها «ضحية ظرف».على الرغم من ذلك في البداية، فإن كتاباتها تُخفي قناعًا سياسيًا، حيث استمرت في نشر عملها، وأصبحت أكثر وأكثر وضوحاً في قصصها نحو رمزية النضال السياسي الفلسطيني. كما أظهرت آرائها حول هذه النضال، وأحيانا تغلب في بعض الأحيان القيمة الفنية للقصة. أصبحت نشطة سياسياً للغاية في الستينيات. في قصتها «في طريقها إلى حمامات سليمان»، تروي الكاتبة قصة مدرس قرية يحاول بمفرده تحويل القوات الإسرائيلية المتعدية. على الرغم من عدم النجاح في نهاية المطاف، إلا أن كفاحه يمثل المعركة الفلسطينية من أجل البقاء، حتى عندما تواجه معارضة غير قابلة للتغلب عليها. ثم يدفن ابنه الوحيد في التربة تحت شجرة. يمثل هذا الإجراء الشعور الحالي الأمل في الأمل داخل الشعب الفلسطيني في يوم من الأيام، وسيكون منزلهم ينتمون إليهم مرة أخرى.العديد من الزخارف الموجودة في قصصها تنبع من صراعات واجهتها طوال حياتها. بطلاتها مستقلة إلى حد كبير، والعديد منهم يعملون، كما فعل هي من سن مبكرة. كثير منهم مسؤولون عن دعم أسرهم ونقدر قيمة المال والراحة التي تسمح لهم بها. تعتبر شخصياتها بشكل عام على أنها واقعية للغاية، حتى من قبل النقاد المعاصرين.
ركزت على النضافات التي يواجهها الشعب المشترك، على الرغم من أنها لم تنتمي بالضرورة إلى هذه الديموغرافية. تجسد مجمل الهوية الفلسطينية في كتاباتها، مما يجعلها شعار أدبي لهذا الإطار الزمني.
طوال الستينيات، تم وضع الكثير من جهودها نحو صياغة رواية، وبحسب ما ورد أُلغيت عند سماع هزيمة العرب خلال حرب الأيام الستة.
كانت الرواية بعنوان سيناء بلا حدود. تم نشر مجلدين من قصصها بعد وفاتها.
[HEADING=3]وفاتها[/HEADING]
بعد حرب 1967 عملت مع لجان السيدات التي تأسست في بيروت لجمع التبرعات للنازحين الفلسطينيين. وفي صباح 8 أغسطس 1967 غادرت بيروت إلى عمان وعند مشارف مدينة جرش في الأردن أصيبت بنوبة قلبية أدت إلى وفاتها. نقل جثمانها إلى بيروت ودفنت فيها.
[HEADING=3]أعمالها الأدبية[/HEADING]
[HEADING=3]مؤلفاتها[/HEADING]
[HEADING=3]آثارها المترجمة[/HEADING]
أقام لها الاتحاد العام للكتاب والصحافيين الفلسطينيين مهرجاناً تأبينياً، وأصدرت مجلة «الآداب» في كانون الثاني 1968 عدداً خاصاً. مُنح إسمها «وسام القدس للثقافة والفنون والآداب» عام 1990.
السيرة عن ويكيبيديا
وبدا على جاره انه لم يفهم فعاد يقول مادًا يده بشيء من نقاد الصبر: «اقصد بطاقتك، بطاقة الهوية».
وتحت عصبية اليد الممدودة اخرج الآخر محفظة متأكِّلة واخرج البطاقة ودفع بها اليه وقبل ان يخطو بها متجاوزًا العتبة مرق الصوت من وراء اذنه يقول: «وما تفعل بهويتي يا فلسطيني؟ ولو سمع الجار الشتيمة التي دمدم بها لانتزعها حتمًا من بين اصابعه.. ولكنه سارع بها الى دكانه ورخم أمام الطاولة المبقعة، وفتحها، ثم مد يده الى جيبه واخرج بطاقته الجديدة، خضراء يجري فيها رونق.. ارزتها سليمة الأغصان لم يتلفها التغضن.. جديدة ما تسلمها إلا قبل اسبوعين. صورته على جانب منها وعلى كل طية من طياتها الثلاث ختم مستدير لقسم النفوس في وزارة الداخلية، ورابع على الوجه الآخر من الطية الرابعة. اربعة اختام مستديرة صريحة لا تنفذ شبهة من حلقتها المفرغة. وتوقيع الرئيس والمأمور يكادان يتعانقان في خطوط ملتوية ملتفة غامضة منيعة لا يبين منها اسم ما شأن تواقيع من بيدهم مقدرات الأمور....
وتلك بطاقة الجار لا تختلف الا بالصورة العتيقة الباهتة وبتفصيلات الاسم والسن ومكان الولادة وتاريخها، وبالتغضن والتكسر وكثرة ما تحمل من آثار اصابع ملوثة لا مكترثة لا تحسن الرفق بما يأتي كحق طبيعي لم يقاض صاحب جهدًا او قلقًا او شكلاً او نقودًا... بطاقة لم تكن بنت شعور مغيظ محنق ممض من أنه في الحي الذي يعيش فيه والذي افتتح فيه دكانًا تعامل معها الحي اكثر من عشر سنوات نقدًا او دينًا او «نصبا»، لم يستطع ان يفرض لنفسه اسمًا... فهو في هذا الركن الذي تقوم فيه دكان لا تختلف في شيء عن اكثر الدكاكين ليس اكثر من «فلسطيني»... بهذا ينادونه، ويعرفونه ويشتمونه اذا ما اقتضى الامر، شأنه شأن ذلك الأرمني الإسكافي الذي عرفه في صباه، والذي سلخ من عمره التعس ثلاثين عامًا متداركًا نعال الحي بالرقع فلم يبال احد بل لم يجد حاجة بأن يعرف احد اهو هاجوب، كما يمكن لأسماء الأرمن ان تكون، او سركيس او وارطان، فالأرمني هو كل اسمه، هكذا عاش وهكذا مات، فعزله اسمه عن كل الناس حيًا وميتًا، ولعل التسمية قد عقدته فما ترحرحت تلك العجمة في لسانه، ولم ترتفع اهتماماته بما حوله عن مستوى الاقدام!
بطاقتا الهوية امامه، واصبعه تتنقل بينهما، والتفاصيل تهتز امام عينيه، وزبون يدخل فيصرفه بحركة من يده دون ان يرى وجهه، فيمضي هذا ساخطًا لا يعرف لماذا لا يريد الرجل ان يبيع... والصحيفة تنزلق الى الارض فيرفعها فيرهبه العنوان الأحمر يتوج صور اعضاء العصابة.
وما جدوى ان يقرأ الخبر للمرة الخامسة او المئة؟ فلن يفهم اكثر مما فهم، والصورة برهان دامغ... الوجه النحيف وقد اكلت النظارتان اكثر من نصفه، والصلعة التي تمتد من فوق النظارتين ولكنها لا تكشف عن مخ جهنمي... وآخرون معه لا يعرف منهم الا واحدًا... قد يوحي بأي شيء الا بحقيقته، كان واسطة التعرف الى ذاك الآخر.
اجل كان يلبس بذلة زرقاء حين دخل واشترى علبة كبريت دفع ثمنها «فرنكًا»، ثم مد يده واخرج صندوق سجائره واخذ واحدة وعرض عليه اخرى اعتذر عنها... ودخن نصف السيجارة وهو على العتبة ووجهه الى الشارع، ثم عاد وتلكأ كمن يريد ان يجره الى حديث، اي حديث... ولكنه عاد وطرق الموضوع بصراحة... لقد سمع ورفض ان يقول كيف انه راغب في ان يلبنن... فاذا شاء فهناك طريقة واحدة... والثمن، اجل هناك ثمن، الفا ليرة... اغلى قليلاً مما اعتاد عليه الناس ان يدفعوا، فموقف السلطات بان اصلب، ولقد نبش الفلسطينيون كل جذور العائلات فما ظلت شجرة لم تمد فرعًا لها في فلسطين.. وهؤلاء المحامون الذين اثروا من تجارة التجنس قد بدأ يخذلهم علم الأنساب!!
كثير وقبل سنوات لم يهضم ان يدفع ربعه ليبحث عن جد له في قرية لبنانية طيبة، او ليبتعث تاريخًا جديدًا لجده ابي صالح الذي ولد فيما يعلم، ومات فيما يعلم ايضًا، في «الرامة» وبهذا لا يكون قد انكره قبل صياح الديك ثلاثًا، ولكنه يستأذنه في ان يعدل من صدفة جغرافية تعفيه من كلمة «فلسطيني» تشده الى قطيع امحت فيه معالم الفردية، يتلفظون بها مشفقين حين يرفض ان يكون موضع شفقة، او ساخطين دون مبرر لسخط، او متوعدين كلما نفث منافسوه من اصحاب الدكاكين الصغيرة حقدهم ونسجوه اشاعات يفسرون بها الأحداث على هواهم تلتفت حوله خيوطًا واهية ولكنها متكاثفة.
ضبابه قلق تحسسه ان وحانوته هذا واولاده الأربعة وزوجه ليسوا اكثر من الهية يتعابث بها مفسرو الحوادث، وان ضمانته الوحيدة من الترحيل الى مجهول من اللجوء المركّب هي ان يكون متجنسًا. وكان الحافز في نفسه يضعف كلما تراخت خيوط الإشاعات ومات خوفه في ثنايا الحياة اليومية، ويقوى كلما عرض له امر يهز وجوده المتداعي، حين تخرج ابنه من المدرسة مثلاً فما لمه عمل واحد اكثر من اسبوعين...القانون صريح... ومحظور العمل في المصالح والشركات على غير ابناء البلد، فما وجد الشاب بدًا من ان يطير الى الصحراء من هذه الصحارى التي تجمع الناس اخوة على شقاء، وتتسامح في اشقائهم ولو اختلفت الجنسيات...سميرة.jpeg[/HEADING]
========
ميرة عزام ( 13 سبتمبر 1927- 8 أغسطس 1967)، كاتبة وصحفية فلسطينية ولدت في مدينة عكا بفلسطين، لقبت برائدة القصة القصيرة في فلسطين، اشتهرت بمجموعاتها القصصية التي تؤكد على الهوية الفلسطينية. نشرت مجموعتها القصصية الأولى عام 1954 بعنوان "أشياء صغيرة" تحدثت فيها عن دور المرأة في المجتمع الفلسطيني. كتبت العديد من المنشورات النسائية وترجمت الكلاسيكية الإنجليزية إلى اللغة العربية. أصبحت ناشطة سياسية في الستينيات وساهمت في تأسيس جبهة التحرير الفلسطينية كما شاركت في تحرير جريدة «الشعب» مع بدر شاكر السياب.
[HEADING=3]الحياة المبكرة[/HEADING]
ولدت سميرة عزام في عكا، فلسطين لعائلة أرثوذكسية مسيحية، التحقت بمدرسة ابتدائية في عكا ثم بمدرسة "تكميلية الراهبات" الثانوية في حيفا، وأصبحت معلمة مدرسة في سن 16 ومارست مهنة التدريس في مدرسة الروم من عام 1943 حتى 1945.
خلال هذه الفترة بدأت في كتابة مقالات لإحدى الصحف الفلسطينية تحت الاسم المستعار "فتاة الساحل". في عام 1948 أو ما يسمى عام النكبة انتقلت سميرة مع عائلتها إلى لبنان بسبب حرب 1948 وما ترتب عليها من تهجير للفلسطينيين من بيوتهم وأراضيهم.
بعد عامين من مكوثها في لبنان تركت سميرة عائلتها وانتقلت إلى العراق لتعمل كمديرة مدرسة للبنات.
في العراق بدأت حياتها المهنية كمقدمة برامج في إحدى المحطات الإذاعية، كتبت سيناريو برنامج "ركن المرأة، ثم نقلتها الإذاعة إلى بيروت وهناك قدمت برنامج "مع الصباح"، وأصبح صوتها مألوفا في حياة العديدين من العرب، مما جعل كتابتها أكثر تأثيرًا.في 24 ديسمبر 1959، تزوجت سميرة من الأديب يوسف حسن، وعادت معه إلى بغداد لفترة قصيرة من الزمن، وهناك تعاقدت مع إذاعتي بغداد والكويت حيث شغلت منصب مراقبة للبرامج الأدبية من عام 1957 حتى عام 1959. ومع ذلك، اضطررت إلى المغادرة بعد فترة وجيزة عندما سقط النظام الملكي في العراق واتهمتها الجمهورية الجديدة ببث برامج إذاعية معادية للنظام الجديد فأُبعدت مع زوجها إلى لبنان. عند عودتها إلى بيروت، بدأت الكتابة للعديد من المنشورات النسائية وكذلك ترجمة الكلاسيكية الإنجليزية إلى اللغة العربية. أصبحت ناشطة سياسية للغاية في الستينيات. عَمِلت مع شفيق الحوت، نقولا الدر، خالد اليشرطي، عبد المحسن أبو ميزر، سعيد بركة وراجي صهيون وغيرهم على تأسيس جبهة التحرير الفلسطينية. شاركت سنة 1964 في المجلس الوطني الفلسطيني الأول.
[HEADING=3]الكتابة والموضوعات الرئيسة[/HEADING]
تدور كتابات سميرة عزام، في كثير من الحالات، حول «الخبرة الفلسطينية في الشتات». وشملت المواضيع الرئيسية في أعمالها الدقة والتحكم - قصصها غالباً ما تدور حول إجراء أو اختيار محدد.في أول مجموعة من القصص القصيرة، بعنوان «الأشياء الصغيرة»، تم نشرها في عام 1954. طوال هذه المجموعة، تفشل الشخصيات في كثير من الحالات، في مساعها. وتفتقر إلى الشعور بالهوية أو الغرض. أصبحت نشطة سياسياً للغاية في الستينيات. في قصتها «لأنه أحبهم»، تصور عزام مزارعاً مجتهداً يفقد كل شيء في التهجير 1948. ثم يتدني مستواه إلى مستوي الفلاح، ويتحول إلى الكحول للراحة. تنتهي القصة بقتل زوجته وهو مخمور. في جميع أجزاء القصة، لا يتميز البطل بالشر أو الانتقام، بل رجل ذو شخصية نبيلة تأثر بفقدان كل ما كان يحب مما جعله يتخذ القرارات الفقيرة.خاصة في كتاباتها المبكرة، تطور سميرة عزام تعليقاً مكثفاً على النساء في المجتمع، إلا أنه لا يأخذ وجهة نظر النسوية التقليدية. بدلاً من أن تلقي باللوم في معناة النساء بسبب الاضطهاد من قبل الرجال، فإنها تعزو ذلك إلى المجتمع ككل. يتم تطوير هذا التعليق أيضاً في «لأنه أحبهم». حيث تلوم الكاتبة قتل الزوجة في الظروف المحيطة بزوجها بدلاً من الزوج. الخطأ في المجتمع والوضع السياسي في ذلك الوقت، وليس في شخصية الذكور، وتميز المرأة بأنها «ضحية ظرف».على الرغم من ذلك في البداية، فإن كتاباتها تُخفي قناعًا سياسيًا، حيث استمرت في نشر عملها، وأصبحت أكثر وأكثر وضوحاً في قصصها نحو رمزية النضال السياسي الفلسطيني. كما أظهرت آرائها حول هذه النضال، وأحيانا تغلب في بعض الأحيان القيمة الفنية للقصة. أصبحت نشطة سياسياً للغاية في الستينيات. في قصتها «في طريقها إلى حمامات سليمان»، تروي الكاتبة قصة مدرس قرية يحاول بمفرده تحويل القوات الإسرائيلية المتعدية. على الرغم من عدم النجاح في نهاية المطاف، إلا أن كفاحه يمثل المعركة الفلسطينية من أجل البقاء، حتى عندما تواجه معارضة غير قابلة للتغلب عليها. ثم يدفن ابنه الوحيد في التربة تحت شجرة. يمثل هذا الإجراء الشعور الحالي الأمل في الأمل داخل الشعب الفلسطيني في يوم من الأيام، وسيكون منزلهم ينتمون إليهم مرة أخرى.العديد من الزخارف الموجودة في قصصها تنبع من صراعات واجهتها طوال حياتها. بطلاتها مستقلة إلى حد كبير، والعديد منهم يعملون، كما فعل هي من سن مبكرة. كثير منهم مسؤولون عن دعم أسرهم ونقدر قيمة المال والراحة التي تسمح لهم بها. تعتبر شخصياتها بشكل عام على أنها واقعية للغاية، حتى من قبل النقاد المعاصرين.
ركزت على النضافات التي يواجهها الشعب المشترك، على الرغم من أنها لم تنتمي بالضرورة إلى هذه الديموغرافية. تجسد مجمل الهوية الفلسطينية في كتاباتها، مما يجعلها شعار أدبي لهذا الإطار الزمني.
طوال الستينيات، تم وضع الكثير من جهودها نحو صياغة رواية، وبحسب ما ورد أُلغيت عند سماع هزيمة العرب خلال حرب الأيام الستة.
كانت الرواية بعنوان سيناء بلا حدود. تم نشر مجلدين من قصصها بعد وفاتها.
[HEADING=3]وفاتها[/HEADING]
بعد حرب 1967 عملت مع لجان السيدات التي تأسست في بيروت لجمع التبرعات للنازحين الفلسطينيين. وفي صباح 8 أغسطس 1967 غادرت بيروت إلى عمان وعند مشارف مدينة جرش في الأردن أصيبت بنوبة قلبية أدت إلى وفاتها. نقل جثمانها إلى بيروت ودفنت فيها.
[HEADING=3]أعمالها الأدبية[/HEADING]
[HEADING=3]مؤلفاتها[/HEADING]
- أشياء صغيرة ـ دار العلم للملايين بيروت 1954.
- الظل الكبير ـ دار الشرق الجديد ـ بيروت 1956.
- قصص أخرى ـ دار الطليعة بيروت 1956.
- الساعة والإنسان ـ المؤسسة الأهلية للطباعة ـ بيروت 1963.
- العيد من النافذة الغربية- دار العودة – بيروت 1971.
- فصل من رواية «سيناء بلا حدود» مجلة الآداب ـ آذار 1964.
- قصة «الحاج محمد باع حجته» مجلة الآداب ـ حزيران 1966.
[HEADING=3]آثارها المترجمة[/HEADING]
- جناح النساء ـ بيرل باك.
- ريح الشرق وريح الغرب مؤسسة فرانكلين 1958.
- كيف نساعد أبناءنا في المدرسة ـ مكتبة المعارف 1961 (ماري ولورنس فرانك).
- القصة القصيرة ـ راي وست ـ دار صادر 1961.
- القصة الأمريكية القصيرة ـ دانفورت روس ـ المكتبة الأهلية 1962.
- توماس وولف ـ مختارات من فنه القصصي ـ دار مجلة شعر 1962.
- أمريكي في أوروبا ـ دزوارت ـ المؤسسة الأهلية 1960.
- حين فقدنا الرجاء ـ جون شتاينبك ـ دار الطليعة 1962.
- حكايات الأبطال ـ اليس هزلتين ـ المؤسسة الأهلية 1963.
- عصر البراءَة ـ أديث وارتون ـ المؤسسة الوطنية 1963.
- فن التلفزيون كيف نكتب وكيف نخرج ـ وليم كوفمان ـ الدار الشرقية 1964.
- رائد الثقافة العامة ـ كورنيلوس هيرسبرغ ـ دار الكتاب العربي 1963.
- كانديدا مسرحية لجورج برناردشو ـ دار العلم للملايين 1955.
- أعوام الجراد ـ لولا كريس اردمان ترجمة رباح الركابي ـ مراجعة ـ سميرة عزام.
- تحت شمس الظهيرة.
أقام لها الاتحاد العام للكتاب والصحافيين الفلسطينيين مهرجاناً تأبينياً، وأصدرت مجلة «الآداب» في كانون الثاني 1968 عدداً خاصاً. مُنح إسمها «وسام القدس للثقافة والفنون والآداب» عام 1990.
السيرة عن ويكيبيديا