* الشُّعاع..
أكانَ عليَّ ألَّا أتبعَ
هذا الشُّعاعَ؟!
لكنَّهُ نورُ وجهِكِ ينبثقُ
من خلايا سطوعِكِ!!
ينبعُ من نقاءِ أنفاسكِ
يتدفَّقُ من هالةِ ظلالِكِ
ينبجسُ من جبينِ قامتِكِ
يتفجَّرُ من قدومِكِ
ينبعثُ من غيابِكِ
يهطلُ من حضورِكِ
يعمُّ الآفاقَ
يكتسحُ الأرضَ
ينبسطُ فوق الندى
ويطبِقُ على أمواجٍ البحرِ
على خُطا أنوارِكِ تنتظمُ النُّجومُ
تبصرُ المجراتُ
يتَّسعُ الكونُ
تطيرُ العصافيرُ
تتفتَّحُ مساماتُ التُّربةِ
تحلِّقُ أجنحةُ الغيمِ
وتتهاطلُ قبلاتُ الشَّغفِ
أيَّتها المنيرةُ
تعلَّقَ قلبي بتوهُّجِ عينيكِ
ببريقِ فتنتِكِ
بسموِّ خصالِكِ
بضوءِ صوتِكِ
بنعومةِ قدميكِ
بتناهي كيانِكِ
بقمَمِ عطرِكِ
بشواطئِ أنوثتِكِ
بأشرعةِ رذاذِكِ
بأعشابِ سحركِ
كانَ لا بدَّ أنْ يجرفَني العشقُ
أنْ يجذبَني كلامُكِ
أن يأسرَني صوتُكِ
أن تصهرَني ضحكتُكِ الحالمةُ
سأحبُّكِ رغمَ إنذاراتِ الموتِ
التي تتعالى
رغم إحتجاجِ المسافاتِ
وحنقِ الأعالي
وسأكتبُ عنكِ قصائدَ النَّارِ
والدَّمعِ المضمَّخِ بالخيبةِ.*
إسطنبول
* القدر..
قدري أنْ أنسجَ من موتي
حياةً..
ومن نزيفي ضوءً
ومن أوجاعي شلالاتِ محبَّةٍ
وأنْ أستبدلَ الخناجرَ بالورودِ
وأنْ أفتحَ في جدرانِ العتمةِ
نوافذاً
وأصيغَ من الكلماتِ
سحائبَ انعتاقٍ ونشوةٍ
فأحوِّلُ مسرى الدروبِ إلى
فيضانِ نورٍ
َوأرمي عذاباتي في مجرى الأملِ
وأشيِّدُ من سقوطي درجاً
يرتقي إلى الشموخِ
َوأعطي للندى سفوحَ البرقَ
وللشمسِ بسمةَ الأشجارِ
وللعاصفةِ ثيابَ الوقارِ
أحملُ أمواجي على مراكبي
لأغسلَ بها درنَ الضَّغينةِ
أنا العاشقُ
الذي أجهَزَ عليَّ حُبِّي.*
إسطنبول
* سلسبيلُ السّرابِ..
ألمسُ خيالكِ في مخيِّلتي
يشعُّ النَّدى في أصابعي
وتُضاءُ كهوفُ دمعتي
وتتكسَّرُ قيودُ قلبي
تتفتَّحُ أمواجُ اللهفةِ
تَتَّسعُ آفاقُ الحنينِ
وتموءُ ساحاتُ الشَّوقِ
أحتَضِنُ صدى سطوعِكِ
أضمُّ أمواجَ التَّألُّقِ
أشمُّ دبيبَ السُّحرِ
أتنشَّقُ شموخَ البهاءِ
أتسلَّقُ أجنحةَ النُّورِ
أمسحُ عن قدميكِ قبلاتِ الدُّروبِ
وأستلقي على جلّنارِ ينابيعِكِ
أُصغي لحنانِ غيابِكِ
بعيدةٌ أنتِ كما آفاق المستحيلِ
كما ذكريات الطُّفولةِ
كالجرعةِ الباردةِ
من سلسبيلِ السَّرابِ.*
إسطنبول
* حرِّيَّةُ الكلامِ..
كم كنتِ كريمةً ببخلِكِ على قلبي؟!
أعطيتني كلَّ أسبابِ اليأسِ
منحتِني الظّلمةَ الدَّائمةَ
أغدقتِ عليَّ المرارةَ
أغلقتِ جميعَ المنافذِ
وكنتِ ،تصعدينَ على أوجاعي
لتطلِّي على رميمِ انتظاري
دموعي تغسِّلُ ضحكتَكِ
دمي يطهِّرُ دربَ مجدكِ
أنتِ ألمُ حياتي
مَحرَقةُ نبضي
مخالبُ هواجسي
كفنُ قصيدتي
أحببتُكِ بكاملِ العفَويَّةِ
فقتلتِني بكاملِ التَْخطيطِ
قلتِ لمرآتكِ:
- لن ينالَني
حتَّى يبقى مخدوعاً بي
ويزدادَ توهُّجي
في أشعارهِ
أمَّا أنا
فأخبرتُ أحرُفي عن خُصالِكِ
وتركتُ لها حريَّةَ القولِ.*
إسطنبول
* بابُ قلبِكِ..
دائماً أكونُ عند أسوارِكِ
أتوسَّلُ إلى بابِكِ علَّهُ يفتحُ
أَرشو المِقبضَ
أوشوِشُ ثقبَ المفتاحِ
أمسِّدُ قضبانَ الحديدِ
أقبِّلُ الجرسَ
أتضرَّعُ للعتبةِ
أداعبُ الرَّصيفَ
أبُثُّ أشواقي للحجرِ
أبلِّلُ الشَّارعَ بدموعي
ونافذتُكِ مقفلةٌ
وشُرفتُكِ ترميني بالتَّجاهُلِ
وورودُ حديقتِكِ متجهِّمَةُ العطرِ
مدجَّجةٌ بالأشواكِ
تعضُّ مَنْ يَلمَسُها
والفراشاتُ ترفرفُ بعنجهيَّةٍ
وغرورٍ أسوَدَ
حتَّى العصافيرَ التي تحرسُ بيتَكِ
تقذفُني بالخيبةِ
وتهدِّدُني بالإعتقالِ
إنْ تجاسرتُ على دقِّ بابكِ
لا يشفقُ عليَّ الزُّجاجُ
ولا يتعاطفُ معي العشبُ
محيطُ مسكنِكِ يطردُني
ضوءُ الشَّمسِ يرسلُ لعيوني
جحافلَ الظُّلمَةِ
والهواءُ يتحوَّلُ إلى حبلٍ
يلتفُّ حول عنقي
أحبُّكِ رغمَ قسوتكِ
أكتبُ لكِ القصائدَ لتمزِّقيها
أمدُّ لكِ يدي لتقطعيها
وأكشفُ لكِ عن حُبِّي
لتهيلي عليه التُّرابَ
أحتاجُ ألفَ سنةٍ منْ تجاهلِكِ
لأبتعد عن بابِكِ
لكنَّ عُمُري قصيرٌ
وقلبي ضعيفٌ لا يحتمِل.*
إسطنبول
* هذيانُ الاحتضارِ..
تركتُ لكِ كلَّ الصَّباحاتِ
كلَّ المساءاتِ
كلَّ أوقاتِ الحياةِ
لم أُنقِصْ وردةً في حياتي
تركتُ لكِ كلَّ الورودِ
لم أحظَ بفرحةٍ واحدةٍ
تركتُ لكِ كلَّ الفرحِ
لمْ أقطفْ نَجمةً
لم ألمسْ نسمةً
لمْ أنفردْ مع بسمةٍ
تركتُ لكِ فضاءَ الأملٍ
وعشتُ وأنا أعمِّرُ لكِ قِلاعَ الخلودِ
قِممَ المجدِ
أسوارَ النَّضارةِ
حضارةَ العطرِ
خنوعَ القصائدِ
لم أُنْقصْ لكِ منَ الدُّنيا
مثقالَ قبلةٍ
أو بضعَ همسةٍ
أمواجَ البحرِ هي ذاتُها
عدِّدِيها وتأكَّدي
أنَّ عددَ رمالِ الشاطئِ
مازالَ على حالِهِ
الأشجارُ زادتْ وتضاعفَتِ
الأنوارُ ساطعةً لم تنطفئْ
الضّحكةُ لمْ أتعاطاها
اللمسةُ لمْ أقترفْها
أصابعي متلبِّدةٌ
تركتُ لكِ الهواءَ
الذي كان يجافيني
الخبزَ الذي أكلَ عظامي
الماءَ الذي تجرَّعَ عنفواني
الأرضَ التي ستنعمُ بجثماني
كلَّ ما فعلتُهُ بحياتي القصيرةِ
أنَّني أضفتُ لكوكبِنا
أبجديَّةَ العشَّاقِ
وقصائدَ منْ ندى.*
إسطنبول
* منيعةُ الأسوارِ..
أهاجمُ بخشوعٍ توهُّج آفاقِكِ
ألتُهمُ رِحابَ أنوارِكِ
وأقتحمُ بانكسارٍ مفاتنَ العطرِ
الصَّارخِ من بسمتِكِ
أنتِ نيرانُ نبضي
فيضانُ أحلامي الجزلةِ
شواهقُ أمنياتي
أحبُّكِ ما فوق الشَّغَفِ
تجنُّ أصابعي إنْ لامسَتْ
نسمة عبرتْ من قربكِ
أنتِ تاجٌ على رأسِ الزَّمانِ
قلادة نورٍ على صدرِ المكانِ
رحيقُ النَّدى أنتِ
وعصارةُ البرقِ
ثمرةُ الموجِ المتلاطمِ
على شواطٍئِي النَّاهدةِ
أحبُّكِ أضعافَ ما عند الموتِ
من شبقٍ وعنفوانٍ
أنا إنهيارُ الرَّهبةِ عند مذبحِ القبلةِ
إعصارُ الرَّغبةِ الجامحةِ
سكاكينُ الوميضِ في الهمسةِ المخمورةِ
أزرعُ على دروبِكِ سماواتِ حنيني
أشتلُ الأرضَ بلهفتي
أعمٍّرُ من ناري جنَّةَ الخلودِ
أحبٍُّكِ أعظمَ منَ الإتساعِ
بحجمِ ما عند قلبي من قوَّةٍ
أهصرُ عذوبتَكِ
أنقضُّ على رهافتِكِ
أُشعِلُ النيرانَ في وداعتِكِ
وأفجِّرُ ينابيعَ التَّصحُّرِ
في أنوثتِكِ
حين تأذنينَ لي
بالاقترابِ من أسواركِ
المنيعةِ.*
إسطنبول
* طَلَبُ لُجوءٍ إلى جهنَّمَ..
تدوسُ الحشرةُ على رأسِهِ
يلتهمُ الحيوانُ نظافتَهُ
والطَّيرُ يخطفُ منهُ قامتَهُ
أباحوا لكلِّ الشُّعوبِ إذلالَه
طردوا منْ مجلِسهم دموعَهِ
وآهاتِهِ
والأممُ تلهوا بمأساتِهِ
وتَتَلاعَبُ بمصيرِهِ
حرَّضوا عليهِ الرَّغيفَ
أثاروا حفيظَةَ البيوتِ
لكي لا تؤويهِ
ربطوا الهواءَ ليمتنعَ عنهُ
مسكوا بيفاعةِ الضَّوءِ عن طريقِهِ
دسُّوا بفراشِهِ ألسنةَ النَّارٍ
وزرعوا الهمَّ في لِحافِهِ
وعبَّأُوا بالقلقِ مِخدَّتَهُ
أينما حلَّ وتوجَّهَ يصدمُهُ
الكرتُ الأحمرُ
ملَّ الموتُ من حصادِهِ
ضاقَ الخرابُ من تفسُّخِ أحلامِهِ
هربَتِ القبورُ من بينَ ذراعيهِ
يجرفُهُ المطرُ بإزدراءٍ
ويتأفَّفُ الغبارُُ من أنفاسِهِ
والشَّمسُ تَرجُمُهُ بلهيبِها الحانقِ
لا أحدَ يَقبَلُهُ يا اللهُ!!
لا أحدَ يشفقُ على تراثِهِ الضَّاوي
على تفتُّقِ الموسيقا من جوارحِهِ
على اكتمالِ البدرِ في قَلبِهِ
أخوتُهُ أجتثُّوا هُوِيَّتَهُ
والوطنُ استبدلَ جذورَهُ
وصارتْ لغتُهُ النَّاهدةُ نقمةً
على وجودِهِ
تلكَ حكايةُ اللاجِئِ المقتولِ
في كَبِدِ الحَضَارَةِ!!*
إسطنبول
* حبيبتي الجليلةُ..
لا..
لا يُعقلُ أنتِ
أنْ تمشي فوق الأرضِ!!
هذا هُراءً
فمكانتكُ فوقَ النّجومِ!
حتماً
سيخصُّكِ اللهُ
بكوكبٍ من نورٍ
إنَّ التُّرابَ قزَمٌ
أمامَ نضارتِكِ
والماء علقمُ
على مَنْ يرتشفُ
سحرَ عينيكِ
مؤكد
لنْ تطالَكِ الشيخوخةُ
ولنٍ يقتربَ الموتُ منكِ
أمامَكِ
يجثو الزَّمانُ
وبكِ تعتني الأبديَّةُ
ولكِ سيخصِّصُ اللهُ
الطابقَ الأوَّلَ منَ الجنَّةِ
والطَّابقَ الثاني لخدَّامِكِ
وسأكونُ زعيمَهم
لن اسمحَ للضوءِ
أن يقتربَ منكِ
إلَّا بَعدَ أنْ يُبرزَ لي
هويَّتَهُ
وبعد أنٍ أفتِّشَ النَّسمةَ
وأتأكَّدَ من نقاءِ الابتسامةِ
حتَّى قصائدي
ستخضعُ للمراقبةُ
والمسائلةِ الفطِنَةِ
أخافُ عليكِ من كلِّ كائنٍ
فأنتِ لا تقلِّينَ أهميَّةً
عنِ الحكامِ العربِ!!*
إسطنبول
* تحتَ عجلاتِ الحبِّ!!
حبيبتي
أيتها الغبيَّةُ الحمقاءُ
كم أنتِ وحيدةً وحزينةٌ؟!
أنتِ مِثلي تماماً!!
لا نصلُحُ سوى للشفقةِ
نحنُ عبارةٌ عن أشقياءَ
بؤساءَ
يبكي الذُّبابُ النَّشطُ
على أحوالِنا تألُّماً!!
يحزنُ الغبارُ النَّخِرُ علينا!!
ويتعاطفُ الموتُ-ذو الخِبرة ِبالتُّعساءِ- بقوَّةٍ مَعَنا!!
كان شبابُنا متجمِّداً
بليدَ الليالي
سقيمَ المروجِ
لم يذُقْ طعمَ الندى
عِشنا بلا حياةٍ
لم تُثْمِرْ أغصانُنا
قبلةً
لمْ تعرِفْ شفاهُنا
نكهةَ الاكتواءِ
كنَّا ننظُرُ من خلال خيوطِ العناكبِ
إلى أصدقائِنا العشَّاقِ
بحسرةٍ مخنوقةِ الأنفاسِ
والسَّببُ هو أنتِ!!
بمفاهيمِكِ الغبيَّةِ
ولأسبابٍ واهيةٍ
مخجلةٍ في هذا الزمنِ المتفجِّرِ
بالحيويَّةِ والصَخَبِ
كان للشكليَّاتِ السَّخيفةِ
عندكِ
كلُّ الأهميِّةِ والاعتبارِ
فلمْ تقتربي منِّي
ولم تسمحي لي
بالإقترابٍ!!
فأمضينا عُمرَينا تحتَ عجلاتِ
الحبِّ!!
إسطنبول
* تصحُّرُ الغِيابِ..
أتناهى إلى حدودِكِ
أقِفُ على قلقي
وخوفي وارتباكي
نبضي فاغرٌ فمُهُ
وهواجسي ترتعشُ
ينتشرُ اللهبُ على أطرافِها
كأنَّها جبالٌ من جنونٍ
أتحسَّسُ الشُّعاعَ
أتلمَّسُ الرَّحيقَ
أتنفَّسُ الفتنةَ
وأتسلَّلُ إلى فيءِ ظلالِكِ
أستمعُ لأناشيدِ الوردِ
وصخبِ الفراشاتِ
وشغبِ الندى المشاكسِ
يدي على اندلاعِ السَّكينةِ
دمي على شفاهِ النَّارِ
أطوِّقُ خصرَ العطرِ
ألعقُ عُنُقَ البرقِ
أشمُّ زَغَبَ السَّحابِ
أتضوَّرُ أمام الذُّرا
أقبِّلُ دفءَ التَّوهُّجِ
أصرخُ ملأَ دمعتي
شكراً للمرارةِ التي أحياها
شكراً للخيبةِ التي ترافقُني
منذ تعارَفْنا في رحمِ العشقِ
لولا الجحيمُ ما عرفتُ
نكهةَ الجنَّةِ
لو لا احتراقي بحبِّكِ
ما أشفقتْ عليَّ القصيدةُ
أضمُّ رمادَ انتظاري
أحتضنُ رميمَ عُمُري
أمجِّدُ عذاباتِ الحُلُمِ
وأسعى في تصحُّرِ الغيابِ
الغيابُ قطعةٌ من وجودِكِ
بل رايةً لامتدادِكِ
أنتِ وهمُ شموخي.*
إسطنبول
* عميقُ الغباءِ أنا..
في آخِرِ قصيدةٍ لي
وبآخِرِ سطرٍ منها
سأقولُ لكُمُ:
- مزقوا قصائدي كلَّها
لأنِّي كنتُ أخدعُكُمْ
فأنا لا أعرفُ كتابةَ الشعرِ
وكذبتُ عليكُمُ كثيراً
أمَّا أنتم فقد أحسنتُمْ مجاملتي
وتظاهرتُمْ بالإعجابِ
ألفُ شكرٍ للنقَّادِ
الذين كتبوا عنِّي دون أنْ يقرؤوني
وألفُ إعتذارٍ ممنْ لم يسمعْ باسمي
كان على الحكامِ أن يتجاهلوني
لأنِّي لم أزلزلْ من تحتِهم كراسيَهُمْ
وعلى المرأةِ أن تتوقَّفَ عن مهاجمتي
لأنِّي لم أفلحْ بالإستحواذِ على قلبِ أنثى
أنا شاعرٌ شديدُ الرَّداءةِ
استخدمتُ قاصداً
كلماتٍ بغيرِ معانيها
فظنَّني القارئُ عميقَ الرُّؤيةِ
وواسعَ الخيالِ
وهكذا داريْتُ غبائي عنكُمُ.*
إسطنبول
* ثِمارُ الرِّيحِ..
جاءَ دمي ليودّعَني
أحسستُ بموتٍ عارمٍ
يطوِّقُ فضائي
الأفقُ كانَ متَّشحاً بالصرخَةِ
الهواءُ كانَ مسكوناً بالرَّمادِ
شدَّ الرَّحيلُ على يدي
همسَتْ شفاهُ الإختناقِ
وعانقَني جُرحي البليغُ
تمسَّكَتْ أصابعي بذَهابِهِ
استوقفَتْهُ أنفاسي
وارتمتْ عليهِ مخاوفي
كانَ ظلُّهُ ينحسِرُ عندما غادرَني
أشعلَتْني أشجارُ الرِّيحِ
تواثَبتْ عليَّ المقابرُ
حدَّقتُ بمخاوفي بذعرٍ شرسٍ
رأيتُ السَّيفَ يهوي على طرقاتِ
العودةِ
شاهدتُ البحرَ يزحفُ على عكَّازِ النَّدمِ
من شرَّدَ الأمواجَ
هو مَنْ أحرقَ الأشرعةَ
من بعثَ الجوعَ في الحقولِ
هو مَنْ أكلَ الرَّغيفَ
تعالتِ احتجاجاتُ الوميضِ
ثارت آلامُ الفاجعةِ
لكنَّ الخيبةَ خسفتْ قِوى الرُّوحِ
وصارتِ المسافاتُ تصُدُّ الحنينَ
وبشراهةٍ تلتهمُ اللهفةَ الهوجاءَ.*
إسطنبول
* بزوغُ السُّكونِ..
تبكي دموعي معي
وتشهقُ أصابعي على أسطرِ
الإختناقِ
سجائري تُكفكِفُ نبضَ قلبي
وروحي تتعثَّرُ بأحزاني
تسقُطُ منِّي قوايَ
تنفلتُ عزيمتي
َتتدحرجُ أحلامي
تنقبضُ رؤايَ
وتتلاطمُ أمواجُ دروبي
إنِّي أحيا دونَ عمرٍ
وأموتُ بغيرِ جسدٍ
وأجابهُ نهايتي
قبل أن ألمسَ بدايتي
أبحُري بِلا ماءٍ
سمائي لمْ تقوَ على الارتفاعِ
وصحرائي هجرَتْها رمالُها
مرَّةً صادفتُ اسمي
كان يجلسُ عند عتبَةِ الشَّقاءِ
اقتربتُ منه ، لم يعرفْني!
تهالَكَ الجبلُ فوق دهشتي
وتزلزلَ سحابُ رمادي
أبصرتُ الظّلمةَ في السَّرابِ
شربتُ الحرقةَ من كأسِ العدمِ
تناهيتُ إلى علقمِ الوحدةِ
إلى شفاهِ الغيابِ
إلى صلصالِ الصَّمتِ
وبزوغِ السُّكونِ.*
إسطنبول
* السُّمسارُ..
السُّمسارُ صَفيقُ الوجهِ
متكبّرٌ
ومتعجرفُ الأخلاقِ
لا يقتربُ منِّي
ولا يبعثُ لي بتحيّاتِهِ
يحاولُ جاهداً
ألَّا يجمعَنا مكانٌ واحدٌ
قالَها علانيَّةً
هو لا يحبُّ الفقراءَ
ويحتقرُ
أصحابَ الشَّرفِ الرَّفيعِ
ويسخرُ
مِمَّنْ يتمسَّكونَ بالفضيلةِ
والنزاهةِ
والسُّمعةِ الطيّبةِ
في عُرفٍهِ الفقراءُ
أغبياءٌ
الشُّرفاءُ سذَّجُ
الأنقياءُ مغفَّلونَ
والحياةُ تحتاجُ للأذكياءِ
اللذينَ يصعدونَ
وإن سَقَطَتْ منهم كرامتُهم
وتمرَّغَ شرفُهم بالقذارةِ
يتحتَّمُ عليهم التَّضحيةُ
في سبيلِ السَّطوةِ
والحظوةِ
والرُّكوبِ على كبرياءِ الآخرينَ.*
إسطنبول
* حِصانُ القمرِ..
يتلعثمُ البرقُ
يرتبكُ الرَّعدُ
ويرتدي المطرُ معطفَ دمعتي
الشجرُ يتبلَّلُ بحنيني
والأرضُ تُصغي لاحتراقي
الأيامُ يذروها الوجعُ
والأفقُ معلَّقٌ على آهتي
بسمتي يسكنُها الخرابُ
ويدي تبحثُ في جيبِ
الذُّكرى
الدَّربُ يفقدُ عينيهِ
الصَّمتُ يلوكُ جمرَهُ
النَّافذِةُ تهاجمُ النَّسَماتِ
والجدرانُ تنتصبُّ فوق جموحي
تطاردُني الهواجسُ
يقضُمُ القلقُ روحي
ويخيِّمُ الحزنُ على نبضي
أتلفَّتُ إلى رمادي
أستنجدُ بنزيفي
أمسكُ بشريانِ الحلمِ
علَّ الضَّوءَ ينهضُ
في ظلمةِ الانهزامِ
تُراني هل أفكُّ عن الوردِ
قيودَهُ..؟!
وأرمّمُ للعصفورِ فضاءَهُ؟!
وأعيدُ للقمَرِ حصانَهُ
الذي سرقَهُ الظَّلامُ؟!*
إسطنبول
* المكلوم..
تتنفَّسُني جدرانُ غرفتي
ويحطُ السَّقفُ على صدري
الوقتُ يعتصرُ صمتي
ويحدِّقُ بي صفيرُ الليلِ
وأخالُ البابَ يهاجمُني بغتَّةً
أراقبُ صمتَهُ المريبَ
أسدُّ ثقبَ المفتاحِ بحذرٍ
وأنصتُ للَمَعانِ المِقبضِ
والضَّوءُ الأصفرُ لا يتوقَّفُ
عن الدَّقِ على رأسي
والهواءُ الذي أتنفسُهُ
مسلَّحٌ بالمخالبِ!!
يجرحُ هواجسي القلقةَ
أتأمَّلُ مخاوفي المتوثِّبةِ
أقرأُ بِلا لغةٍ قصيدتي
على سيجارتي المتَّقدةِ
دُخَانُها يصفِّقُ
رمادُها يبكي
وجمهوري هو الفراغُ الثوري
الذي يُتوِّجُني بالجائزةِ
وتهرعُ إليَّ أحرفي العرجاء
تصافِحُ دمعتي
حُبرُها الأبيضُ المتجمِّرُ
في دمي المكلوم.*
إسطنبول
* رياحُ العدمِ..
ويشهقُ الصَّمتُ
الدَّمعُ يطوِّقُ الرُّوحَ
والقلبُ يتهدَّمُ ضَوؤُهُ
وفي العينِ ظلامٌ
يمتدُّ على سعةِ الغربةِ
كنتُ أخطو نحو التَّلاشي
أتَّكئُ على حلمٍ منخورِ الأماني
أتوهَّمُ أنَّ يديَّ إليَّ
أنَّ دمي مُلك يميني
وأنَّ أسواري تُطيحُ بالعاصفةِ
خدعَني الدَّربُ الذي أفضى بي
إلى التَّشرُّدِ
أنا في وسطِ الفاجعةِ
في قلبِ الهزيمةِ
في فكِّ الانهيارِ
أتمسَّكُ بصُراخي
ألوذُ بعويلي
أستنجدُ بالخيبةِ
أرتمي على أقدامِ المرارةِ
أطرُقُ بابَ الهلاكِ
أُريدُ خيمةً تعصفُ فيها
رياحُ العدم.*
إسطنبول
* رعونة..
سَرَقتُ بَصمَتَكِ
من بابِ عمارتِكِ
كنتُ خائفاً من جرسِ شقَّتِكِ
غافلْتُ الدَّرجَ وصعدتُ
بحذرٍ شديدٍ
قبَّلتُ الجدرانَ المغترَّةَ بلمساتِكِ
لعقتُ الضَّوءَ المُنْبعِثَ مِنْ شُرفتِكِ
هصرتُ هواءَ المَمَرِّ الطَّويلِ
انحنيتُ للدرجِ بتقديرٍ واحترامٍ
أصغيتُ لسحرِكِ الوارفِ
والمندلقِ من كلِّ العمارةٍ
سمعتُ لحنَ كعبِ حذائِكِ
كان البهوُ يُنشدُهُ عنْ ظهرِ قلبٍ
كتبتُ على قطعةٍ اقتطعتُها
من قلبي المضطرمِ بعشقِكِ
أحبُّكِ يا ملاكي السَّفاحُ
ها أنا أتيتُكِ إلى حَدِّ المِقصلةِ
إقطعي عُنُقَ ابتهالاتِي
اذبحي أوردةَ قصائدي
ابتُري شَغَفَ قُبُلاتي
أطيحي بمكانتِكِ السَّامقةِ
التي تبوَّأتْ آفاقَ رُوحي
واقتُليني جيَّداً
لكي يعودَ قلبي لرشدِهِ
وأصحو مِنْ جمالِكِ الفتَّاكِ.*
إسطنبول
* خريرُ الدَّمِ..
يجثُمُ الخوفُ فوقَ دمي
والخرابُ يملأُ الخرائطَ
أختفي تحتَ خوفِي
أتخبَّطُ بخطواتِ ظلِّي
الخائبِ من توسُّعِ الخمودِ
في جحودِ الرؤى
وأُناشدُ النشوةَ أنْ تشفَّ
من شقوقِ النَّزيفِ
العابثِ بسهوبِ لوعتي
السَّاطعةِ بالنَّجوى
والشَّاهقةِ النُّدوبِ
يتصاعدُ انهيارُ صَمتِي
يترنَّحُ لهبُ القلبِ
يطوِّقُني الظلامُ بساعديهِ
أدفعُ عنِّي أيادِ الصَّدى
تجنُّ رائحةُ الخواءِ
أعاركُ أنيابَ الهزيمةِ
أتمسَّكُ بشهيقي
وأفقأُ ورمَ الاستسلامِ
فيَتفجَّرُ الماءُ من بينَ أصابعي
عذباً كقبلةِ أمِّي يومَ ولدتُ.*
إسطنبول
* رايةُ الإباءِ..
للظَّلامِ عيونٌ
ترقبُ تحرُّكاتِ أنفسَنا
وتستدعي الخوفَ
إن تجرأنا وتهامسنا
ظلامٌ دامسٌ
يحطُّ فوقَ رموشِنا
يفترسُ البصيصَ
إنْ أطلَّ علينا
نمسكُ بتلابيبِ الدَّمعةِ
فبريقُها طوقُ نجاةٍ لخطاوينا
والكلامُ مقيَّدٌ في الحناجرِ
يأمرُنا الجدارُ أنْ نتراصفَ
وأنْ نحدِّقَ في صَلعةِ السُّكونِ
عقاباً لقلوبِنا التي تخفقُ
بخفوتٍ ورعبٍ
يجلدُنا الصَّقيعُ ألفَ جلدةٍ
على ظهرِ رجفتِنا
والسُّوطُ يقدِّمُ استقالتَهُ
احتجاجاً على صمودِ كرامتِنا
المهانةُ والذِّلُ يستغربانِ
منَّا هذا التَّحدِّي
فما كانَ بمقدورنا أنْ ننحني
لأنَّ دمنا رفض الانهزامَ
وأبتْ جروحُنا
أنْ ترفعَ الرايةَ البيضاءَ.*
إسطنبول
* أمُّ الياسمينِ..
إن تَهمُسُ لي أصابعُكِ
ينفلتُ قلبي منِّي
ليأتيكِ محمَّلاً بمجرَّاتِ الفضاءِ
فالكونُ أمامَكِ يرتبكُ
وقصائدي تتقافزُ حولَكِ كما الصبيانِ
تمُرُّ ألفُ سنةٍ
والضَّوءُ يقتربُ منكِ على استحياءٍ
بعد أن تدفعه نحوكِ الفراشاتُ
والمطرُ يغتسلُ ببسمتِكِ
والشَّجرُ يثمرُ نضارتَكِ
برحيقِ أنفاسِكِ تتطهَّرُ ُالأرضُ
ومن سموِّ جمالِكِ يطلُّ النَّدى
مسكوناً بلهفتي
يتدفَّقُ منه الزَّمانُ
والأيامُ تعرِّشُ تحتَ مجدكِ
يا أنتِ.. يا مدينةَ التَّناهيدِ
والأناشيدِ البعيدةِ
يا عروسةَ الشُّهَدَاءِ
وأمَّ الياسمينِ
إليكِ تنادي جوارحي
إليكِ أُهدي كلَّ جروحي
السَّماءُ تسمو باسمكِ
وتعلو فوقَها أسوارُكِ
وقلاعُ العشاقِ الخالدينَ
يا بلداً شُيِّدتْ بعصرِ
آدمَ وحوُّاءَ.*
إسطنبول
* توابلُ التَّاريخِ القذرِ..
أبشِّرُكُمْ:
- جحافلُ الظَّلامِ ستجتاحُ
بقوَّةٍ..
وشراسَةٍ منقطعةِ النظيرِ
آفاقَ الضَّوءِ
وستنقضُّ على عنقِ الشَّمسِ
تخنُقُ النُّورَ الأزليَّ
وأنَّ السَّماءَ سترضَخُ
لجرذانِ الأرضُ المتكاتفةُ
تسحقُنا .. تفتِّتُنا
نحن غبارُ الأبديَّةِ
فارفعوا عقيرتَكمْ بالغناءِ
وتمجيدِ القتلةِ العباقرة!
ولدتَ لكي تُداسَ رغباتكَ
وتناسلَ المجرمُ لكي يعتلي
حرِّيَّتكَ
فلا تندُبْ حظَّكَ المرسومَ
لأنَّ القطيعَ لا يعرفونَ الاعتراضَ
الموتُ مسكنُنا منذُ الصَّرخةِ
الأولى
نحنُ حميرُ البراري المتوحِّشةُ
نركضُ باتجاهِ حتفِنا
بعنفوانٍ لا يُقهرُ
الطبيعةُ أغدقتْ على الأسودِ
لحمَنا الشَّهيَّ
فلا داعٍ للتذمُّرِ والتأفُّفِ
وكتابةُ الشُّعرِ الوجدانيِّ
نحنُ طعامُ الإبادةِ الحسناءِ
نحنُ توابلُ التَّاريخِ القذرِ.*
إسطنبول
* الديُّوث..
قبيحُ الدَّمِ
سافلُ القامةِ
عريضُ الكرامةِ
طويلُ النَّجاسةِ
مكتنِزُ الوجدانِ
منحطُّ الابتسامةِ
جهورُ القذارةِ
وضيعُ المؤانسةِ
صفيقُ الشَّرفِ
شامخٌ في الرّذيلةِ
سيِّدُ العهرِ
واسعُ البغاءِ
هو الديَّوثُ المتألِّقُ
خطفَ مصيرَنا
وأهدانا للقوَّادينَ
مقابلَ سيجارةِ حشيشٍ
معطوبة!!!*
إسطنبول
* الغاشمُ..
لأنَّنا نبالغُ في إحترامِهِ
يُهينُنا
لأنَّنا نخافُهُ
يتشجَّعُ
لأننا نصمتُ
يرتفعُ صوتُهُ
لأنًّنا ننحني
يعتلينا
لأنَّنا نصفِّقُ
يجزلُ الخطابةَ
لأننا نبكي
يضحكُ ملء سخريَّتِهِ
لأنَّنا نغدُرُ ببعضِنا
ونكتبُ التقاريرَ لهُ
يحتقرُنا
ولا نَسلمُ من بطشِهِ
والتنكيلِ بأعراضِنا
واستباحةِ دمِنا.*
إسطنبول
* مواجعُ الذكرياتِ..
صوتُ السكونِ يهدِّمُ رأسي
ستنفجِرُ شراييني
من هذا الدويِّ المتواصلِ
رحماكَ أيها الليلُ
صراخُكَ يُفقدُني اعصابي
إنِّي أستجيرُ بظلمتِكَ
برهبتِكَ
بشراسةِ توقيتِكَ
ترفَّقْ بأعصابي التَّالفةِ
أكلني القلقُ
وأحرقتْني الذكرياتُ
وسرقتْني أفكاري من روحي
لا أسمعُ سوى الضَحيجِ
لا أبصرُ إلَّا الإختناقَ
سيجارتي فزِعةٌ منِّي
فنجانُ قهوتي منكمشٌ على نفسه
طاولتي تغرقُ في تأمُّلِ إرتباكي
سريري متيقظُ الحواسِ
والشرشفُ منكشفٌ بعصبيَّةٍ
والمخدَّةُ تغُطُّ في صحوتي
ودفتري لا يرغبُ بقلمي الأسودِ
أكاد أجَنُّ
نظري يتسرَّبُ من الحائطِ
يهرُبُ منِّي دونَ أنْ أسمحَ له
يذهبُ بعيداً
يتوغَّلُ في دروبٍ أخافُها
يجتازُ مسافاتٍ عُمُري ما فكَّرت
أنْ أقطَعَها
وأنا أخافُ عُتمةَ العراءِ
وأرتجفُ من بردِ الوحدةِ
دعني أغفو أيها القٍنديلُ الهرٍمُ
مَنْ تبحثُ عنهم
لا يعرفونَ كم أنا محتاجٌ لهُمُ
قالوا وداعاً وانصرفوا
إلى أوديةِ النِّسيانِ
وانشغلوا عنِ الذكرى.*
إسطنبول
* نيرانُ القلقِ..
أنتحلُ جسمي
وأزوِّرُ ذكرياتي
وأرمي بإسمي
في حاويةِ النَّارِ
أتقمَّصُ صدى الأيامِ
لأمدّ اليد لمن جَافاني
وكبحَ بجموحِ حناني
صورتي في مطرٍ من الغبارِ
محفورةٌ على جذعِ الرَّمادِ
غارقة في صديدٍ من النِّسيانِ
تحدَّرت دمعتي تعطّرُ العفنَ
ترُشُّ الحنانَ على كفنِ الوفاءِ
تمزِّقُ زجاجَ العتمةِ عن قلوبٍ أحبَّتني
والضَّباب عن تجاعيدِ القبلاتِ
لهفتي عَلِقَتْ على رملِ الجحودِ
وتسمَّرَ دمي على بابِ الوداعِ
لا أودِّعُ خطاي
لا يلتفتُ إليَّ صوتي
في هاويةِ الوحشةِ الدَّائمةِ
حلَّقت أشواقي بروحي
تلامسُ جليدَ قلوب أحببتُها
ويعودُ الموتُ يتأجَّجُ في دهشتي
ويتصاعدُ الإختناقُ إلى قصائدي
تبكي على صدري العاري الحجارةُ
بدمعٍ فيهِ كلُّ ملح البحر
والموجُ يغرقُ في خضمِّ وحدتي
الضَّاربةِ في الهواجسِ والقلقِ.*
إسطنبول
* جدرانُ المهانةِ..
في أصقاع عطشي
يتفتَّتُ الماء
ويتراكم دمع الصَّدى
وتتوسَّع أصداء الحنين
تنوح قفار الصَّمت في دمي
تتوغَّلني كثبان الندى
يسوقني لهيب الحلم
إلى قاع الرَّحِيلِ الرَّاعف بالحيرة
َوالرَّماد
تتبعثر طرقي على سفوح الهلاك
تنقض على لهفتي مناقير التَّشتت
ومخالبُ الضَّياعِ
ورياح المواجع العمياء
تعاركني خطواتي
يسابقني سقوطي
تتمسَّك بأنفاسي الرِّمال
تجرُّني صرختي
يجرفُني السَّراب
ويخنقُني الأمل
من كل صوبٍ تتقدَّم نحوي غربتي
يسألني العدم عن هويتي
تفتُّشني الفاجعة
ويعتقلني القنوط
ويأتي صرير الجفاف لإغتصابي
الشَّمس تلعق إرتجافي
الجهات تجلس على جراحي
والسُّكون يطبق على إنفجاري
يحملني موتي إلى بوابة الجحيم
ترحِّب بي ملائكة السَّعير
يستقبلني اللهب السَّاخط
السمسار يساومني على نسلي
صاحب البيت يريد مني كلية
رعبوناً للإجار
المسكن مفتوح على المقبرة
ويطل على الجوع
بلا ماء
بلا هواء
وبلا جدران وسقف
كان سابقاً مكبَّاً للنفايات
تحوَّل بقدرة العصابات المتّحدة
إلى مأوى غير آمن
وغير واقٍ من الحرائقِ
وفيضانات الحقد الأسود.*
إسطنبول
* حنين..
آهِ منْ
توجُّساتِ قلبي
وتحسُّساتِ جِراحي
يحنو عليَّ قلقي
وتنفكُّ النيرانُ عن بصيرتي
وتحملُني حِيرتي
إلى مشارفِ الدَّمعِ
وتجتاحُني الهواجسُ
مزوَّدةً بأوجاعي
وهناكَ
في ركنِ لوعتي
وفي فضاءِ اختناقي
تهاجِمُني رؤايَ
وتصرُخُ وُحدتي بوجهي
فيرميني الصَّمتُ
بألفاظِ الحروفِ
وتتعتَّقُ لُغتي
في نشيجِ المرارةِ
ويتسامقُ انكساري
فيشُبُّ العطشُ في هشيمِ هِضابي
و يتقوَّضُ رمادُ الجبالِ التي
شَرَّشَتْ في سواعدي
يجرِفُني الانحدارُ إلى
قُمَمِ الهاويةِ
يترنَّحُ شهيقي
ويتلوَّى دمي
يتلقَّفُني التَّمزُّقُ
وتنتابُني السَّكينةُ
أتمدَّدُ فوقَ هلاكي
فيتقلَّبُ النَّزفُ على جوانبي
تتراكمُ الرِّياحُ فوقي
يُبصِرُني صدى حُطامي
وتهرعُ المسافاتُ تضمِّدُ ارتعاشي
فتبزُغُ لعينيَّ
قامةُ وطَني المسلوب
لِأذهبَ في عُمقِ الرَّملِ
وآوي إلى أحضانِ الأملِ
حيثُ تقطِفُني إليهِ
رائحةُ العودةِ
بلا عوائِقَ قاتلة.*
إسطنبول
* جبروتُ عاشق..
خُذيني إلى قلبي
الذي توارى عنِّي
فأنا أعرفُ أنَّهُ عندكِ
فهو لا يلجأُ إلَّا إليكِ
ولا يختبئُ عند أحدٍ سواكِ
ولا يعصيني إلَّا لأجلِكِ
فلا داعيَ للإنكارِ وللكذبِ
رُدِّي إليَّ قلبيَ الطائشَ
الأحمقَ السَّاذَجَ
أنتِ لا تحبِّينَهُ
فلماذا تستأثرينَ بهِ؟!
ولا تشفقينَ عليهِ؟!
فلِمَ تشجِّعينَهُ على التمرِّدِ؟!
مغرورةٌ أنتِ
متكبِّرةٌ
وقلبي بسيطٌ بلا تجاربٍ
تستطيعينَ
بدهائِكِ ، ومَكرِكِ
التسلُّل إلى أقدسِ أسِرارهِ
وأنا لا أريدُ أنْ يفضَحَ عذاباتِ
ليلي أمامكِ
ولا أنْ يقصَّ عليكِ
ساعاتِ موتي
ويكشفَ مَواطنَ ضعفي
ويزيحَ الغطاءَ عن كِبريائي
أحاولُ ألَّا أهزمَ
أمامَ حبُّكِ
وأعملُ جاهداً
لأكونَ قوِّياً أمامَكِ
دفنتُ دمعتي بدمِي
وشدَدْتُ على نبضي
وثاقَ الصَّمتِ
وحاولتُ أن أكونَ غيرَ آبهٍ
فأنا لا أعشقُ مَنْ لا تبادلُني الحبَّ
خانني قلبي وسقطَ في الفخِّ
أعيديهِ لينالَ عقابَِهُ
سأحشو له فمَهُ بالفُلفُلِ الحارِّ
وأُطفِئُ أعقابَ سجائري في سويدائِهِ
وأسوطُ خفقاتهِ الصَّاهلَةَ
وأنتزِعُ صورَكِ عنْ جدرانِهِ
ولنْ أعترِفَ بحبٍّ فاشلٍ أبداً
أنا يا حبيبتي لا أهوى
مَنْ أخذتْ بمجامِعِ قلبي
وتركتْني وحيداً
مع البردِ ومعَ الظَّلامِ.*
مصطفى الحاج حسين.
إسطنبول
الفهرس:
======================
01 - الشعاع
02 - القدر
03 - سلسبيل السراب
04 - حرية الكلام
05 - بابُ قلبِكِ
06 - هذيان الإحتضار
07 - منيعة الأسوار
08 - طلب لجوء إلى جهنّم
09 - حبيبتي الجليلة
10 - تحت عجلات الحب
11 - تصحر الغياب
12 - عميق الغباء أنا
13 - ثمار الريح
14 - بزوغ السكون
15 - السمسار
16 - حصان القمر
17 - المكلوم
18 - رياح العدم
19 - رعونة
20 - خرير الدم
21 - راية الإباء
22 - أم الياسمين
23 - توابل التاريخ القذر
24 - الديوث
25 - الغاشم
26 - مواجع الذكريات
27 - نيران القلق
28 - جدران المهانةِ
29 - حنين
30 - جبروت عاشق
--------------------------------------------
مصطفى الحاج حسين.
أكانَ عليَّ ألَّا أتبعَ
هذا الشُّعاعَ؟!
لكنَّهُ نورُ وجهِكِ ينبثقُ
من خلايا سطوعِكِ!!
ينبعُ من نقاءِ أنفاسكِ
يتدفَّقُ من هالةِ ظلالِكِ
ينبجسُ من جبينِ قامتِكِ
يتفجَّرُ من قدومِكِ
ينبعثُ من غيابِكِ
يهطلُ من حضورِكِ
يعمُّ الآفاقَ
يكتسحُ الأرضَ
ينبسطُ فوق الندى
ويطبِقُ على أمواجٍ البحرِ
على خُطا أنوارِكِ تنتظمُ النُّجومُ
تبصرُ المجراتُ
يتَّسعُ الكونُ
تطيرُ العصافيرُ
تتفتَّحُ مساماتُ التُّربةِ
تحلِّقُ أجنحةُ الغيمِ
وتتهاطلُ قبلاتُ الشَّغفِ
أيَّتها المنيرةُ
تعلَّقَ قلبي بتوهُّجِ عينيكِ
ببريقِ فتنتِكِ
بسموِّ خصالِكِ
بضوءِ صوتِكِ
بنعومةِ قدميكِ
بتناهي كيانِكِ
بقمَمِ عطرِكِ
بشواطئِ أنوثتِكِ
بأشرعةِ رذاذِكِ
بأعشابِ سحركِ
كانَ لا بدَّ أنْ يجرفَني العشقُ
أنْ يجذبَني كلامُكِ
أن يأسرَني صوتُكِ
أن تصهرَني ضحكتُكِ الحالمةُ
سأحبُّكِ رغمَ إنذاراتِ الموتِ
التي تتعالى
رغم إحتجاجِ المسافاتِ
وحنقِ الأعالي
وسأكتبُ عنكِ قصائدَ النَّارِ
والدَّمعِ المضمَّخِ بالخيبةِ.*
إسطنبول
* القدر..
قدري أنْ أنسجَ من موتي
حياةً..
ومن نزيفي ضوءً
ومن أوجاعي شلالاتِ محبَّةٍ
وأنْ أستبدلَ الخناجرَ بالورودِ
وأنْ أفتحَ في جدرانِ العتمةِ
نوافذاً
وأصيغَ من الكلماتِ
سحائبَ انعتاقٍ ونشوةٍ
فأحوِّلُ مسرى الدروبِ إلى
فيضانِ نورٍ
َوأرمي عذاباتي في مجرى الأملِ
وأشيِّدُ من سقوطي درجاً
يرتقي إلى الشموخِ
َوأعطي للندى سفوحَ البرقَ
وللشمسِ بسمةَ الأشجارِ
وللعاصفةِ ثيابَ الوقارِ
أحملُ أمواجي على مراكبي
لأغسلَ بها درنَ الضَّغينةِ
أنا العاشقُ
الذي أجهَزَ عليَّ حُبِّي.*
إسطنبول
* سلسبيلُ السّرابِ..
ألمسُ خيالكِ في مخيِّلتي
يشعُّ النَّدى في أصابعي
وتُضاءُ كهوفُ دمعتي
وتتكسَّرُ قيودُ قلبي
تتفتَّحُ أمواجُ اللهفةِ
تَتَّسعُ آفاقُ الحنينِ
وتموءُ ساحاتُ الشَّوقِ
أحتَضِنُ صدى سطوعِكِ
أضمُّ أمواجَ التَّألُّقِ
أشمُّ دبيبَ السُّحرِ
أتنشَّقُ شموخَ البهاءِ
أتسلَّقُ أجنحةَ النُّورِ
أمسحُ عن قدميكِ قبلاتِ الدُّروبِ
وأستلقي على جلّنارِ ينابيعِكِ
أُصغي لحنانِ غيابِكِ
بعيدةٌ أنتِ كما آفاق المستحيلِ
كما ذكريات الطُّفولةِ
كالجرعةِ الباردةِ
من سلسبيلِ السَّرابِ.*
إسطنبول
* حرِّيَّةُ الكلامِ..
كم كنتِ كريمةً ببخلِكِ على قلبي؟!
أعطيتني كلَّ أسبابِ اليأسِ
منحتِني الظّلمةَ الدَّائمةَ
أغدقتِ عليَّ المرارةَ
أغلقتِ جميعَ المنافذِ
وكنتِ ،تصعدينَ على أوجاعي
لتطلِّي على رميمِ انتظاري
دموعي تغسِّلُ ضحكتَكِ
دمي يطهِّرُ دربَ مجدكِ
أنتِ ألمُ حياتي
مَحرَقةُ نبضي
مخالبُ هواجسي
كفنُ قصيدتي
أحببتُكِ بكاملِ العفَويَّةِ
فقتلتِني بكاملِ التَْخطيطِ
قلتِ لمرآتكِ:
- لن ينالَني
حتَّى يبقى مخدوعاً بي
ويزدادَ توهُّجي
في أشعارهِ
أمَّا أنا
فأخبرتُ أحرُفي عن خُصالِكِ
وتركتُ لها حريَّةَ القولِ.*
إسطنبول
* بابُ قلبِكِ..
دائماً أكونُ عند أسوارِكِ
أتوسَّلُ إلى بابِكِ علَّهُ يفتحُ
أَرشو المِقبضَ
أوشوِشُ ثقبَ المفتاحِ
أمسِّدُ قضبانَ الحديدِ
أقبِّلُ الجرسَ
أتضرَّعُ للعتبةِ
أداعبُ الرَّصيفَ
أبُثُّ أشواقي للحجرِ
أبلِّلُ الشَّارعَ بدموعي
ونافذتُكِ مقفلةٌ
وشُرفتُكِ ترميني بالتَّجاهُلِ
وورودُ حديقتِكِ متجهِّمَةُ العطرِ
مدجَّجةٌ بالأشواكِ
تعضُّ مَنْ يَلمَسُها
والفراشاتُ ترفرفُ بعنجهيَّةٍ
وغرورٍ أسوَدَ
حتَّى العصافيرَ التي تحرسُ بيتَكِ
تقذفُني بالخيبةِ
وتهدِّدُني بالإعتقالِ
إنْ تجاسرتُ على دقِّ بابكِ
لا يشفقُ عليَّ الزُّجاجُ
ولا يتعاطفُ معي العشبُ
محيطُ مسكنِكِ يطردُني
ضوءُ الشَّمسِ يرسلُ لعيوني
جحافلَ الظُّلمَةِ
والهواءُ يتحوَّلُ إلى حبلٍ
يلتفُّ حول عنقي
أحبُّكِ رغمَ قسوتكِ
أكتبُ لكِ القصائدَ لتمزِّقيها
أمدُّ لكِ يدي لتقطعيها
وأكشفُ لكِ عن حُبِّي
لتهيلي عليه التُّرابَ
أحتاجُ ألفَ سنةٍ منْ تجاهلِكِ
لأبتعد عن بابِكِ
لكنَّ عُمُري قصيرٌ
وقلبي ضعيفٌ لا يحتمِل.*
إسطنبول
* هذيانُ الاحتضارِ..
تركتُ لكِ كلَّ الصَّباحاتِ
كلَّ المساءاتِ
كلَّ أوقاتِ الحياةِ
لم أُنقِصْ وردةً في حياتي
تركتُ لكِ كلَّ الورودِ
لم أحظَ بفرحةٍ واحدةٍ
تركتُ لكِ كلَّ الفرحِ
لمْ أقطفْ نَجمةً
لم ألمسْ نسمةً
لمْ أنفردْ مع بسمةٍ
تركتُ لكِ فضاءَ الأملٍ
وعشتُ وأنا أعمِّرُ لكِ قِلاعَ الخلودِ
قِممَ المجدِ
أسوارَ النَّضارةِ
حضارةَ العطرِ
خنوعَ القصائدِ
لم أُنْقصْ لكِ منَ الدُّنيا
مثقالَ قبلةٍ
أو بضعَ همسةٍ
أمواجَ البحرِ هي ذاتُها
عدِّدِيها وتأكَّدي
أنَّ عددَ رمالِ الشاطئِ
مازالَ على حالِهِ
الأشجارُ زادتْ وتضاعفَتِ
الأنوارُ ساطعةً لم تنطفئْ
الضّحكةُ لمْ أتعاطاها
اللمسةُ لمْ أقترفْها
أصابعي متلبِّدةٌ
تركتُ لكِ الهواءَ
الذي كان يجافيني
الخبزَ الذي أكلَ عظامي
الماءَ الذي تجرَّعَ عنفواني
الأرضَ التي ستنعمُ بجثماني
كلَّ ما فعلتُهُ بحياتي القصيرةِ
أنَّني أضفتُ لكوكبِنا
أبجديَّةَ العشَّاقِ
وقصائدَ منْ ندى.*
إسطنبول
* منيعةُ الأسوارِ..
أهاجمُ بخشوعٍ توهُّج آفاقِكِ
ألتُهمُ رِحابَ أنوارِكِ
وأقتحمُ بانكسارٍ مفاتنَ العطرِ
الصَّارخِ من بسمتِكِ
أنتِ نيرانُ نبضي
فيضانُ أحلامي الجزلةِ
شواهقُ أمنياتي
أحبُّكِ ما فوق الشَّغَفِ
تجنُّ أصابعي إنْ لامسَتْ
نسمة عبرتْ من قربكِ
أنتِ تاجٌ على رأسِ الزَّمانِ
قلادة نورٍ على صدرِ المكانِ
رحيقُ النَّدى أنتِ
وعصارةُ البرقِ
ثمرةُ الموجِ المتلاطمِ
على شواطٍئِي النَّاهدةِ
أحبُّكِ أضعافَ ما عند الموتِ
من شبقٍ وعنفوانٍ
أنا إنهيارُ الرَّهبةِ عند مذبحِ القبلةِ
إعصارُ الرَّغبةِ الجامحةِ
سكاكينُ الوميضِ في الهمسةِ المخمورةِ
أزرعُ على دروبِكِ سماواتِ حنيني
أشتلُ الأرضَ بلهفتي
أعمٍّرُ من ناري جنَّةَ الخلودِ
أحبٍُّكِ أعظمَ منَ الإتساعِ
بحجمِ ما عند قلبي من قوَّةٍ
أهصرُ عذوبتَكِ
أنقضُّ على رهافتِكِ
أُشعِلُ النيرانَ في وداعتِكِ
وأفجِّرُ ينابيعَ التَّصحُّرِ
في أنوثتِكِ
حين تأذنينَ لي
بالاقترابِ من أسواركِ
المنيعةِ.*
إسطنبول
* طَلَبُ لُجوءٍ إلى جهنَّمَ..
تدوسُ الحشرةُ على رأسِهِ
يلتهمُ الحيوانُ نظافتَهُ
والطَّيرُ يخطفُ منهُ قامتَهُ
أباحوا لكلِّ الشُّعوبِ إذلالَه
طردوا منْ مجلِسهم دموعَهِ
وآهاتِهِ
والأممُ تلهوا بمأساتِهِ
وتَتَلاعَبُ بمصيرِهِ
حرَّضوا عليهِ الرَّغيفَ
أثاروا حفيظَةَ البيوتِ
لكي لا تؤويهِ
ربطوا الهواءَ ليمتنعَ عنهُ
مسكوا بيفاعةِ الضَّوءِ عن طريقِهِ
دسُّوا بفراشِهِ ألسنةَ النَّارٍ
وزرعوا الهمَّ في لِحافِهِ
وعبَّأُوا بالقلقِ مِخدَّتَهُ
أينما حلَّ وتوجَّهَ يصدمُهُ
الكرتُ الأحمرُ
ملَّ الموتُ من حصادِهِ
ضاقَ الخرابُ من تفسُّخِ أحلامِهِ
هربَتِ القبورُ من بينَ ذراعيهِ
يجرفُهُ المطرُ بإزدراءٍ
ويتأفَّفُ الغبارُُ من أنفاسِهِ
والشَّمسُ تَرجُمُهُ بلهيبِها الحانقِ
لا أحدَ يَقبَلُهُ يا اللهُ!!
لا أحدَ يشفقُ على تراثِهِ الضَّاوي
على تفتُّقِ الموسيقا من جوارحِهِ
على اكتمالِ البدرِ في قَلبِهِ
أخوتُهُ أجتثُّوا هُوِيَّتَهُ
والوطنُ استبدلَ جذورَهُ
وصارتْ لغتُهُ النَّاهدةُ نقمةً
على وجودِهِ
تلكَ حكايةُ اللاجِئِ المقتولِ
في كَبِدِ الحَضَارَةِ!!*
إسطنبول
* حبيبتي الجليلةُ..
لا..
لا يُعقلُ أنتِ
أنْ تمشي فوق الأرضِ!!
هذا هُراءً
فمكانتكُ فوقَ النّجومِ!
حتماً
سيخصُّكِ اللهُ
بكوكبٍ من نورٍ
إنَّ التُّرابَ قزَمٌ
أمامَ نضارتِكِ
والماء علقمُ
على مَنْ يرتشفُ
سحرَ عينيكِ
مؤكد
لنْ تطالَكِ الشيخوخةُ
ولنٍ يقتربَ الموتُ منكِ
أمامَكِ
يجثو الزَّمانُ
وبكِ تعتني الأبديَّةُ
ولكِ سيخصِّصُ اللهُ
الطابقَ الأوَّلَ منَ الجنَّةِ
والطَّابقَ الثاني لخدَّامِكِ
وسأكونُ زعيمَهم
لن اسمحَ للضوءِ
أن يقتربَ منكِ
إلَّا بَعدَ أنْ يُبرزَ لي
هويَّتَهُ
وبعد أنٍ أفتِّشَ النَّسمةَ
وأتأكَّدَ من نقاءِ الابتسامةِ
حتَّى قصائدي
ستخضعُ للمراقبةُ
والمسائلةِ الفطِنَةِ
أخافُ عليكِ من كلِّ كائنٍ
فأنتِ لا تقلِّينَ أهميَّةً
عنِ الحكامِ العربِ!!*
إسطنبول
* تحتَ عجلاتِ الحبِّ!!
حبيبتي
أيتها الغبيَّةُ الحمقاءُ
كم أنتِ وحيدةً وحزينةٌ؟!
أنتِ مِثلي تماماً!!
لا نصلُحُ سوى للشفقةِ
نحنُ عبارةٌ عن أشقياءَ
بؤساءَ
يبكي الذُّبابُ النَّشطُ
على أحوالِنا تألُّماً!!
يحزنُ الغبارُ النَّخِرُ علينا!!
ويتعاطفُ الموتُ-ذو الخِبرة ِبالتُّعساءِ- بقوَّةٍ مَعَنا!!
كان شبابُنا متجمِّداً
بليدَ الليالي
سقيمَ المروجِ
لم يذُقْ طعمَ الندى
عِشنا بلا حياةٍ
لم تُثْمِرْ أغصانُنا
قبلةً
لمْ تعرِفْ شفاهُنا
نكهةَ الاكتواءِ
كنَّا ننظُرُ من خلال خيوطِ العناكبِ
إلى أصدقائِنا العشَّاقِ
بحسرةٍ مخنوقةِ الأنفاسِ
والسَّببُ هو أنتِ!!
بمفاهيمِكِ الغبيَّةِ
ولأسبابٍ واهيةٍ
مخجلةٍ في هذا الزمنِ المتفجِّرِ
بالحيويَّةِ والصَخَبِ
كان للشكليَّاتِ السَّخيفةِ
عندكِ
كلُّ الأهميِّةِ والاعتبارِ
فلمْ تقتربي منِّي
ولم تسمحي لي
بالإقترابٍ!!
فأمضينا عُمرَينا تحتَ عجلاتِ
الحبِّ!!
إسطنبول
* تصحُّرُ الغِيابِ..
أتناهى إلى حدودِكِ
أقِفُ على قلقي
وخوفي وارتباكي
نبضي فاغرٌ فمُهُ
وهواجسي ترتعشُ
ينتشرُ اللهبُ على أطرافِها
كأنَّها جبالٌ من جنونٍ
أتحسَّسُ الشُّعاعَ
أتلمَّسُ الرَّحيقَ
أتنفَّسُ الفتنةَ
وأتسلَّلُ إلى فيءِ ظلالِكِ
أستمعُ لأناشيدِ الوردِ
وصخبِ الفراشاتِ
وشغبِ الندى المشاكسِ
يدي على اندلاعِ السَّكينةِ
دمي على شفاهِ النَّارِ
أطوِّقُ خصرَ العطرِ
ألعقُ عُنُقَ البرقِ
أشمُّ زَغَبَ السَّحابِ
أتضوَّرُ أمام الذُّرا
أقبِّلُ دفءَ التَّوهُّجِ
أصرخُ ملأَ دمعتي
شكراً للمرارةِ التي أحياها
شكراً للخيبةِ التي ترافقُني
منذ تعارَفْنا في رحمِ العشقِ
لولا الجحيمُ ما عرفتُ
نكهةَ الجنَّةِ
لو لا احتراقي بحبِّكِ
ما أشفقتْ عليَّ القصيدةُ
أضمُّ رمادَ انتظاري
أحتضنُ رميمَ عُمُري
أمجِّدُ عذاباتِ الحُلُمِ
وأسعى في تصحُّرِ الغيابِ
الغيابُ قطعةٌ من وجودِكِ
بل رايةً لامتدادِكِ
أنتِ وهمُ شموخي.*
إسطنبول
* عميقُ الغباءِ أنا..
في آخِرِ قصيدةٍ لي
وبآخِرِ سطرٍ منها
سأقولُ لكُمُ:
- مزقوا قصائدي كلَّها
لأنِّي كنتُ أخدعُكُمْ
فأنا لا أعرفُ كتابةَ الشعرِ
وكذبتُ عليكُمُ كثيراً
أمَّا أنتم فقد أحسنتُمْ مجاملتي
وتظاهرتُمْ بالإعجابِ
ألفُ شكرٍ للنقَّادِ
الذين كتبوا عنِّي دون أنْ يقرؤوني
وألفُ إعتذارٍ ممنْ لم يسمعْ باسمي
كان على الحكامِ أن يتجاهلوني
لأنِّي لم أزلزلْ من تحتِهم كراسيَهُمْ
وعلى المرأةِ أن تتوقَّفَ عن مهاجمتي
لأنِّي لم أفلحْ بالإستحواذِ على قلبِ أنثى
أنا شاعرٌ شديدُ الرَّداءةِ
استخدمتُ قاصداً
كلماتٍ بغيرِ معانيها
فظنَّني القارئُ عميقَ الرُّؤيةِ
وواسعَ الخيالِ
وهكذا داريْتُ غبائي عنكُمُ.*
إسطنبول
* ثِمارُ الرِّيحِ..
جاءَ دمي ليودّعَني
أحسستُ بموتٍ عارمٍ
يطوِّقُ فضائي
الأفقُ كانَ متَّشحاً بالصرخَةِ
الهواءُ كانَ مسكوناً بالرَّمادِ
شدَّ الرَّحيلُ على يدي
همسَتْ شفاهُ الإختناقِ
وعانقَني جُرحي البليغُ
تمسَّكَتْ أصابعي بذَهابِهِ
استوقفَتْهُ أنفاسي
وارتمتْ عليهِ مخاوفي
كانَ ظلُّهُ ينحسِرُ عندما غادرَني
أشعلَتْني أشجارُ الرِّيحِ
تواثَبتْ عليَّ المقابرُ
حدَّقتُ بمخاوفي بذعرٍ شرسٍ
رأيتُ السَّيفَ يهوي على طرقاتِ
العودةِ
شاهدتُ البحرَ يزحفُ على عكَّازِ النَّدمِ
من شرَّدَ الأمواجَ
هو مَنْ أحرقَ الأشرعةَ
من بعثَ الجوعَ في الحقولِ
هو مَنْ أكلَ الرَّغيفَ
تعالتِ احتجاجاتُ الوميضِ
ثارت آلامُ الفاجعةِ
لكنَّ الخيبةَ خسفتْ قِوى الرُّوحِ
وصارتِ المسافاتُ تصُدُّ الحنينَ
وبشراهةٍ تلتهمُ اللهفةَ الهوجاءَ.*
إسطنبول
* بزوغُ السُّكونِ..
تبكي دموعي معي
وتشهقُ أصابعي على أسطرِ
الإختناقِ
سجائري تُكفكِفُ نبضَ قلبي
وروحي تتعثَّرُ بأحزاني
تسقُطُ منِّي قوايَ
تنفلتُ عزيمتي
َتتدحرجُ أحلامي
تنقبضُ رؤايَ
وتتلاطمُ أمواجُ دروبي
إنِّي أحيا دونَ عمرٍ
وأموتُ بغيرِ جسدٍ
وأجابهُ نهايتي
قبل أن ألمسَ بدايتي
أبحُري بِلا ماءٍ
سمائي لمْ تقوَ على الارتفاعِ
وصحرائي هجرَتْها رمالُها
مرَّةً صادفتُ اسمي
كان يجلسُ عند عتبَةِ الشَّقاءِ
اقتربتُ منه ، لم يعرفْني!
تهالَكَ الجبلُ فوق دهشتي
وتزلزلَ سحابُ رمادي
أبصرتُ الظّلمةَ في السَّرابِ
شربتُ الحرقةَ من كأسِ العدمِ
تناهيتُ إلى علقمِ الوحدةِ
إلى شفاهِ الغيابِ
إلى صلصالِ الصَّمتِ
وبزوغِ السُّكونِ.*
إسطنبول
* السُّمسارُ..
السُّمسارُ صَفيقُ الوجهِ
متكبّرٌ
ومتعجرفُ الأخلاقِ
لا يقتربُ منِّي
ولا يبعثُ لي بتحيّاتِهِ
يحاولُ جاهداً
ألَّا يجمعَنا مكانٌ واحدٌ
قالَها علانيَّةً
هو لا يحبُّ الفقراءَ
ويحتقرُ
أصحابَ الشَّرفِ الرَّفيعِ
ويسخرُ
مِمَّنْ يتمسَّكونَ بالفضيلةِ
والنزاهةِ
والسُّمعةِ الطيّبةِ
في عُرفٍهِ الفقراءُ
أغبياءٌ
الشُّرفاءُ سذَّجُ
الأنقياءُ مغفَّلونَ
والحياةُ تحتاجُ للأذكياءِ
اللذينَ يصعدونَ
وإن سَقَطَتْ منهم كرامتُهم
وتمرَّغَ شرفُهم بالقذارةِ
يتحتَّمُ عليهم التَّضحيةُ
في سبيلِ السَّطوةِ
والحظوةِ
والرُّكوبِ على كبرياءِ الآخرينَ.*
إسطنبول
* حِصانُ القمرِ..
يتلعثمُ البرقُ
يرتبكُ الرَّعدُ
ويرتدي المطرُ معطفَ دمعتي
الشجرُ يتبلَّلُ بحنيني
والأرضُ تُصغي لاحتراقي
الأيامُ يذروها الوجعُ
والأفقُ معلَّقٌ على آهتي
بسمتي يسكنُها الخرابُ
ويدي تبحثُ في جيبِ
الذُّكرى
الدَّربُ يفقدُ عينيهِ
الصَّمتُ يلوكُ جمرَهُ
النَّافذِةُ تهاجمُ النَّسَماتِ
والجدرانُ تنتصبُّ فوق جموحي
تطاردُني الهواجسُ
يقضُمُ القلقُ روحي
ويخيِّمُ الحزنُ على نبضي
أتلفَّتُ إلى رمادي
أستنجدُ بنزيفي
أمسكُ بشريانِ الحلمِ
علَّ الضَّوءَ ينهضُ
في ظلمةِ الانهزامِ
تُراني هل أفكُّ عن الوردِ
قيودَهُ..؟!
وأرمّمُ للعصفورِ فضاءَهُ؟!
وأعيدُ للقمَرِ حصانَهُ
الذي سرقَهُ الظَّلامُ؟!*
إسطنبول
* المكلوم..
تتنفَّسُني جدرانُ غرفتي
ويحطُ السَّقفُ على صدري
الوقتُ يعتصرُ صمتي
ويحدِّقُ بي صفيرُ الليلِ
وأخالُ البابَ يهاجمُني بغتَّةً
أراقبُ صمتَهُ المريبَ
أسدُّ ثقبَ المفتاحِ بحذرٍ
وأنصتُ للَمَعانِ المِقبضِ
والضَّوءُ الأصفرُ لا يتوقَّفُ
عن الدَّقِ على رأسي
والهواءُ الذي أتنفسُهُ
مسلَّحٌ بالمخالبِ!!
يجرحُ هواجسي القلقةَ
أتأمَّلُ مخاوفي المتوثِّبةِ
أقرأُ بِلا لغةٍ قصيدتي
على سيجارتي المتَّقدةِ
دُخَانُها يصفِّقُ
رمادُها يبكي
وجمهوري هو الفراغُ الثوري
الذي يُتوِّجُني بالجائزةِ
وتهرعُ إليَّ أحرفي العرجاء
تصافِحُ دمعتي
حُبرُها الأبيضُ المتجمِّرُ
في دمي المكلوم.*
إسطنبول
* رياحُ العدمِ..
ويشهقُ الصَّمتُ
الدَّمعُ يطوِّقُ الرُّوحَ
والقلبُ يتهدَّمُ ضَوؤُهُ
وفي العينِ ظلامٌ
يمتدُّ على سعةِ الغربةِ
كنتُ أخطو نحو التَّلاشي
أتَّكئُ على حلمٍ منخورِ الأماني
أتوهَّمُ أنَّ يديَّ إليَّ
أنَّ دمي مُلك يميني
وأنَّ أسواري تُطيحُ بالعاصفةِ
خدعَني الدَّربُ الذي أفضى بي
إلى التَّشرُّدِ
أنا في وسطِ الفاجعةِ
في قلبِ الهزيمةِ
في فكِّ الانهيارِ
أتمسَّكُ بصُراخي
ألوذُ بعويلي
أستنجدُ بالخيبةِ
أرتمي على أقدامِ المرارةِ
أطرُقُ بابَ الهلاكِ
أُريدُ خيمةً تعصفُ فيها
رياحُ العدم.*
إسطنبول
* رعونة..
سَرَقتُ بَصمَتَكِ
من بابِ عمارتِكِ
كنتُ خائفاً من جرسِ شقَّتِكِ
غافلْتُ الدَّرجَ وصعدتُ
بحذرٍ شديدٍ
قبَّلتُ الجدرانَ المغترَّةَ بلمساتِكِ
لعقتُ الضَّوءَ المُنْبعِثَ مِنْ شُرفتِكِ
هصرتُ هواءَ المَمَرِّ الطَّويلِ
انحنيتُ للدرجِ بتقديرٍ واحترامٍ
أصغيتُ لسحرِكِ الوارفِ
والمندلقِ من كلِّ العمارةٍ
سمعتُ لحنَ كعبِ حذائِكِ
كان البهوُ يُنشدُهُ عنْ ظهرِ قلبٍ
كتبتُ على قطعةٍ اقتطعتُها
من قلبي المضطرمِ بعشقِكِ
أحبُّكِ يا ملاكي السَّفاحُ
ها أنا أتيتُكِ إلى حَدِّ المِقصلةِ
إقطعي عُنُقَ ابتهالاتِي
اذبحي أوردةَ قصائدي
ابتُري شَغَفَ قُبُلاتي
أطيحي بمكانتِكِ السَّامقةِ
التي تبوَّأتْ آفاقَ رُوحي
واقتُليني جيَّداً
لكي يعودَ قلبي لرشدِهِ
وأصحو مِنْ جمالِكِ الفتَّاكِ.*
إسطنبول
* خريرُ الدَّمِ..
يجثُمُ الخوفُ فوقَ دمي
والخرابُ يملأُ الخرائطَ
أختفي تحتَ خوفِي
أتخبَّطُ بخطواتِ ظلِّي
الخائبِ من توسُّعِ الخمودِ
في جحودِ الرؤى
وأُناشدُ النشوةَ أنْ تشفَّ
من شقوقِ النَّزيفِ
العابثِ بسهوبِ لوعتي
السَّاطعةِ بالنَّجوى
والشَّاهقةِ النُّدوبِ
يتصاعدُ انهيارُ صَمتِي
يترنَّحُ لهبُ القلبِ
يطوِّقُني الظلامُ بساعديهِ
أدفعُ عنِّي أيادِ الصَّدى
تجنُّ رائحةُ الخواءِ
أعاركُ أنيابَ الهزيمةِ
أتمسَّكُ بشهيقي
وأفقأُ ورمَ الاستسلامِ
فيَتفجَّرُ الماءُ من بينَ أصابعي
عذباً كقبلةِ أمِّي يومَ ولدتُ.*
إسطنبول
* رايةُ الإباءِ..
للظَّلامِ عيونٌ
ترقبُ تحرُّكاتِ أنفسَنا
وتستدعي الخوفَ
إن تجرأنا وتهامسنا
ظلامٌ دامسٌ
يحطُّ فوقَ رموشِنا
يفترسُ البصيصَ
إنْ أطلَّ علينا
نمسكُ بتلابيبِ الدَّمعةِ
فبريقُها طوقُ نجاةٍ لخطاوينا
والكلامُ مقيَّدٌ في الحناجرِ
يأمرُنا الجدارُ أنْ نتراصفَ
وأنْ نحدِّقَ في صَلعةِ السُّكونِ
عقاباً لقلوبِنا التي تخفقُ
بخفوتٍ ورعبٍ
يجلدُنا الصَّقيعُ ألفَ جلدةٍ
على ظهرِ رجفتِنا
والسُّوطُ يقدِّمُ استقالتَهُ
احتجاجاً على صمودِ كرامتِنا
المهانةُ والذِّلُ يستغربانِ
منَّا هذا التَّحدِّي
فما كانَ بمقدورنا أنْ ننحني
لأنَّ دمنا رفض الانهزامَ
وأبتْ جروحُنا
أنْ ترفعَ الرايةَ البيضاءَ.*
إسطنبول
* أمُّ الياسمينِ..
إن تَهمُسُ لي أصابعُكِ
ينفلتُ قلبي منِّي
ليأتيكِ محمَّلاً بمجرَّاتِ الفضاءِ
فالكونُ أمامَكِ يرتبكُ
وقصائدي تتقافزُ حولَكِ كما الصبيانِ
تمُرُّ ألفُ سنةٍ
والضَّوءُ يقتربُ منكِ على استحياءٍ
بعد أن تدفعه نحوكِ الفراشاتُ
والمطرُ يغتسلُ ببسمتِكِ
والشَّجرُ يثمرُ نضارتَكِ
برحيقِ أنفاسِكِ تتطهَّرُ ُالأرضُ
ومن سموِّ جمالِكِ يطلُّ النَّدى
مسكوناً بلهفتي
يتدفَّقُ منه الزَّمانُ
والأيامُ تعرِّشُ تحتَ مجدكِ
يا أنتِ.. يا مدينةَ التَّناهيدِ
والأناشيدِ البعيدةِ
يا عروسةَ الشُّهَدَاءِ
وأمَّ الياسمينِ
إليكِ تنادي جوارحي
إليكِ أُهدي كلَّ جروحي
السَّماءُ تسمو باسمكِ
وتعلو فوقَها أسوارُكِ
وقلاعُ العشاقِ الخالدينَ
يا بلداً شُيِّدتْ بعصرِ
آدمَ وحوُّاءَ.*
إسطنبول
* توابلُ التَّاريخِ القذرِ..
أبشِّرُكُمْ:
- جحافلُ الظَّلامِ ستجتاحُ
بقوَّةٍ..
وشراسَةٍ منقطعةِ النظيرِ
آفاقَ الضَّوءِ
وستنقضُّ على عنقِ الشَّمسِ
تخنُقُ النُّورَ الأزليَّ
وأنَّ السَّماءَ سترضَخُ
لجرذانِ الأرضُ المتكاتفةُ
تسحقُنا .. تفتِّتُنا
نحن غبارُ الأبديَّةِ
فارفعوا عقيرتَكمْ بالغناءِ
وتمجيدِ القتلةِ العباقرة!
ولدتَ لكي تُداسَ رغباتكَ
وتناسلَ المجرمُ لكي يعتلي
حرِّيَّتكَ
فلا تندُبْ حظَّكَ المرسومَ
لأنَّ القطيعَ لا يعرفونَ الاعتراضَ
الموتُ مسكنُنا منذُ الصَّرخةِ
الأولى
نحنُ حميرُ البراري المتوحِّشةُ
نركضُ باتجاهِ حتفِنا
بعنفوانٍ لا يُقهرُ
الطبيعةُ أغدقتْ على الأسودِ
لحمَنا الشَّهيَّ
فلا داعٍ للتذمُّرِ والتأفُّفِ
وكتابةُ الشُّعرِ الوجدانيِّ
نحنُ طعامُ الإبادةِ الحسناءِ
نحنُ توابلُ التَّاريخِ القذرِ.*
إسطنبول
* الديُّوث..
قبيحُ الدَّمِ
سافلُ القامةِ
عريضُ الكرامةِ
طويلُ النَّجاسةِ
مكتنِزُ الوجدانِ
منحطُّ الابتسامةِ
جهورُ القذارةِ
وضيعُ المؤانسةِ
صفيقُ الشَّرفِ
شامخٌ في الرّذيلةِ
سيِّدُ العهرِ
واسعُ البغاءِ
هو الديَّوثُ المتألِّقُ
خطفَ مصيرَنا
وأهدانا للقوَّادينَ
مقابلَ سيجارةِ حشيشٍ
معطوبة!!!*
إسطنبول
* الغاشمُ..
لأنَّنا نبالغُ في إحترامِهِ
يُهينُنا
لأنَّنا نخافُهُ
يتشجَّعُ
لأننا نصمتُ
يرتفعُ صوتُهُ
لأنًّنا ننحني
يعتلينا
لأنَّنا نصفِّقُ
يجزلُ الخطابةَ
لأننا نبكي
يضحكُ ملء سخريَّتِهِ
لأنَّنا نغدُرُ ببعضِنا
ونكتبُ التقاريرَ لهُ
يحتقرُنا
ولا نَسلمُ من بطشِهِ
والتنكيلِ بأعراضِنا
واستباحةِ دمِنا.*
إسطنبول
* مواجعُ الذكرياتِ..
صوتُ السكونِ يهدِّمُ رأسي
ستنفجِرُ شراييني
من هذا الدويِّ المتواصلِ
رحماكَ أيها الليلُ
صراخُكَ يُفقدُني اعصابي
إنِّي أستجيرُ بظلمتِكَ
برهبتِكَ
بشراسةِ توقيتِكَ
ترفَّقْ بأعصابي التَّالفةِ
أكلني القلقُ
وأحرقتْني الذكرياتُ
وسرقتْني أفكاري من روحي
لا أسمعُ سوى الضَحيجِ
لا أبصرُ إلَّا الإختناقَ
سيجارتي فزِعةٌ منِّي
فنجانُ قهوتي منكمشٌ على نفسه
طاولتي تغرقُ في تأمُّلِ إرتباكي
سريري متيقظُ الحواسِ
والشرشفُ منكشفٌ بعصبيَّةٍ
والمخدَّةُ تغُطُّ في صحوتي
ودفتري لا يرغبُ بقلمي الأسودِ
أكاد أجَنُّ
نظري يتسرَّبُ من الحائطِ
يهرُبُ منِّي دونَ أنْ أسمحَ له
يذهبُ بعيداً
يتوغَّلُ في دروبٍ أخافُها
يجتازُ مسافاتٍ عُمُري ما فكَّرت
أنْ أقطَعَها
وأنا أخافُ عُتمةَ العراءِ
وأرتجفُ من بردِ الوحدةِ
دعني أغفو أيها القٍنديلُ الهرٍمُ
مَنْ تبحثُ عنهم
لا يعرفونَ كم أنا محتاجٌ لهُمُ
قالوا وداعاً وانصرفوا
إلى أوديةِ النِّسيانِ
وانشغلوا عنِ الذكرى.*
إسطنبول
* نيرانُ القلقِ..
أنتحلُ جسمي
وأزوِّرُ ذكرياتي
وأرمي بإسمي
في حاويةِ النَّارِ
أتقمَّصُ صدى الأيامِ
لأمدّ اليد لمن جَافاني
وكبحَ بجموحِ حناني
صورتي في مطرٍ من الغبارِ
محفورةٌ على جذعِ الرَّمادِ
غارقة في صديدٍ من النِّسيانِ
تحدَّرت دمعتي تعطّرُ العفنَ
ترُشُّ الحنانَ على كفنِ الوفاءِ
تمزِّقُ زجاجَ العتمةِ عن قلوبٍ أحبَّتني
والضَّباب عن تجاعيدِ القبلاتِ
لهفتي عَلِقَتْ على رملِ الجحودِ
وتسمَّرَ دمي على بابِ الوداعِ
لا أودِّعُ خطاي
لا يلتفتُ إليَّ صوتي
في هاويةِ الوحشةِ الدَّائمةِ
حلَّقت أشواقي بروحي
تلامسُ جليدَ قلوب أحببتُها
ويعودُ الموتُ يتأجَّجُ في دهشتي
ويتصاعدُ الإختناقُ إلى قصائدي
تبكي على صدري العاري الحجارةُ
بدمعٍ فيهِ كلُّ ملح البحر
والموجُ يغرقُ في خضمِّ وحدتي
الضَّاربةِ في الهواجسِ والقلقِ.*
إسطنبول
* جدرانُ المهانةِ..
في أصقاع عطشي
يتفتَّتُ الماء
ويتراكم دمع الصَّدى
وتتوسَّع أصداء الحنين
تنوح قفار الصَّمت في دمي
تتوغَّلني كثبان الندى
يسوقني لهيب الحلم
إلى قاع الرَّحِيلِ الرَّاعف بالحيرة
َوالرَّماد
تتبعثر طرقي على سفوح الهلاك
تنقض على لهفتي مناقير التَّشتت
ومخالبُ الضَّياعِ
ورياح المواجع العمياء
تعاركني خطواتي
يسابقني سقوطي
تتمسَّك بأنفاسي الرِّمال
تجرُّني صرختي
يجرفُني السَّراب
ويخنقُني الأمل
من كل صوبٍ تتقدَّم نحوي غربتي
يسألني العدم عن هويتي
تفتُّشني الفاجعة
ويعتقلني القنوط
ويأتي صرير الجفاف لإغتصابي
الشَّمس تلعق إرتجافي
الجهات تجلس على جراحي
والسُّكون يطبق على إنفجاري
يحملني موتي إلى بوابة الجحيم
ترحِّب بي ملائكة السَّعير
يستقبلني اللهب السَّاخط
السمسار يساومني على نسلي
صاحب البيت يريد مني كلية
رعبوناً للإجار
المسكن مفتوح على المقبرة
ويطل على الجوع
بلا ماء
بلا هواء
وبلا جدران وسقف
كان سابقاً مكبَّاً للنفايات
تحوَّل بقدرة العصابات المتّحدة
إلى مأوى غير آمن
وغير واقٍ من الحرائقِ
وفيضانات الحقد الأسود.*
إسطنبول
* حنين..
آهِ منْ
توجُّساتِ قلبي
وتحسُّساتِ جِراحي
يحنو عليَّ قلقي
وتنفكُّ النيرانُ عن بصيرتي
وتحملُني حِيرتي
إلى مشارفِ الدَّمعِ
وتجتاحُني الهواجسُ
مزوَّدةً بأوجاعي
وهناكَ
في ركنِ لوعتي
وفي فضاءِ اختناقي
تهاجِمُني رؤايَ
وتصرُخُ وُحدتي بوجهي
فيرميني الصَّمتُ
بألفاظِ الحروفِ
وتتعتَّقُ لُغتي
في نشيجِ المرارةِ
ويتسامقُ انكساري
فيشُبُّ العطشُ في هشيمِ هِضابي
و يتقوَّضُ رمادُ الجبالِ التي
شَرَّشَتْ في سواعدي
يجرِفُني الانحدارُ إلى
قُمَمِ الهاويةِ
يترنَّحُ شهيقي
ويتلوَّى دمي
يتلقَّفُني التَّمزُّقُ
وتنتابُني السَّكينةُ
أتمدَّدُ فوقَ هلاكي
فيتقلَّبُ النَّزفُ على جوانبي
تتراكمُ الرِّياحُ فوقي
يُبصِرُني صدى حُطامي
وتهرعُ المسافاتُ تضمِّدُ ارتعاشي
فتبزُغُ لعينيَّ
قامةُ وطَني المسلوب
لِأذهبَ في عُمقِ الرَّملِ
وآوي إلى أحضانِ الأملِ
حيثُ تقطِفُني إليهِ
رائحةُ العودةِ
بلا عوائِقَ قاتلة.*
إسطنبول
* جبروتُ عاشق..
خُذيني إلى قلبي
الذي توارى عنِّي
فأنا أعرفُ أنَّهُ عندكِ
فهو لا يلجأُ إلَّا إليكِ
ولا يختبئُ عند أحدٍ سواكِ
ولا يعصيني إلَّا لأجلِكِ
فلا داعيَ للإنكارِ وللكذبِ
رُدِّي إليَّ قلبيَ الطائشَ
الأحمقَ السَّاذَجَ
أنتِ لا تحبِّينَهُ
فلماذا تستأثرينَ بهِ؟!
ولا تشفقينَ عليهِ؟!
فلِمَ تشجِّعينَهُ على التمرِّدِ؟!
مغرورةٌ أنتِ
متكبِّرةٌ
وقلبي بسيطٌ بلا تجاربٍ
تستطيعينَ
بدهائِكِ ، ومَكرِكِ
التسلُّل إلى أقدسِ أسِرارهِ
وأنا لا أريدُ أنْ يفضَحَ عذاباتِ
ليلي أمامكِ
ولا أنْ يقصَّ عليكِ
ساعاتِ موتي
ويكشفَ مَواطنَ ضعفي
ويزيحَ الغطاءَ عن كِبريائي
أحاولُ ألَّا أهزمَ
أمامَ حبُّكِ
وأعملُ جاهداً
لأكونَ قوِّياً أمامَكِ
دفنتُ دمعتي بدمِي
وشدَدْتُ على نبضي
وثاقَ الصَّمتِ
وحاولتُ أن أكونَ غيرَ آبهٍ
فأنا لا أعشقُ مَنْ لا تبادلُني الحبَّ
خانني قلبي وسقطَ في الفخِّ
أعيديهِ لينالَ عقابَِهُ
سأحشو له فمَهُ بالفُلفُلِ الحارِّ
وأُطفِئُ أعقابَ سجائري في سويدائِهِ
وأسوطُ خفقاتهِ الصَّاهلَةَ
وأنتزِعُ صورَكِ عنْ جدرانِهِ
ولنْ أعترِفَ بحبٍّ فاشلٍ أبداً
أنا يا حبيبتي لا أهوى
مَنْ أخذتْ بمجامِعِ قلبي
وتركتْني وحيداً
مع البردِ ومعَ الظَّلامِ.*
مصطفى الحاج حسين.
إسطنبول
الفهرس:
======================
01 - الشعاع
02 - القدر
03 - سلسبيل السراب
04 - حرية الكلام
05 - بابُ قلبِكِ
06 - هذيان الإحتضار
07 - منيعة الأسوار
08 - طلب لجوء إلى جهنّم
09 - حبيبتي الجليلة
10 - تحت عجلات الحب
11 - تصحر الغياب
12 - عميق الغباء أنا
13 - ثمار الريح
14 - بزوغ السكون
15 - السمسار
16 - حصان القمر
17 - المكلوم
18 - رياح العدم
19 - رعونة
20 - خرير الدم
21 - راية الإباء
22 - أم الياسمين
23 - توابل التاريخ القذر
24 - الديوث
25 - الغاشم
26 - مواجع الذكريات
27 - نيران القلق
28 - جدران المهانةِ
29 - حنين
30 - جبروت عاشق
--------------------------------------------
مصطفى الحاج حسين.