د. محمد عباس محمد عرابي ‏ - أسس التعامل معالآخرين في كتابات الأستاذ الدكتور /محمد عيسى

إعداد / د. محمد عباس محمد عرابي

للأستاذ الدكتور /محمد عيسى أستاذ المناهج وطرائق تدريس اللغة العربية‏ في ‏كلية التربية جامعة المنصورة‏(حفظه الله )كتابات مميزة تتعلق بالقضايا اللغوية والاجتماعية والثقافية ،وهو بحكم تخصصه يغلب على معالجاته الجانب اللغوي والتربوي
.ونقف هنا مع بعض القضايا الاجتماعية التي تبين لنا كيف نتعامل مع الآخرين حيث يبين ضرورة عدم الانخداع بالمظاهر الكاذبة ،وضرورة الالتزام بعدة قواعد عند محادثة الآخرين حتى تسود المحبة والاحترام بين الناس، مراعاة التسامح والتجاهل أثناء التعامل مع الآخرين حفاظا على استمرار علاقاتنا الطيبة مع الآخرين،يحث حفظه الله على البعد عن الكلام الجارح للآخرين، والحرص على القول الطيب لهم حفاظا على علاقتنا الطيبة معهم.

1.jpg


وفيما يلي عرض لبعض هذه القضايا :

• قضية "الشكل والمضمون" من منظور اجتماعي
ومن هذه القضايا التي تناولها قضية "الشكل والمضمون" وبالرغم من أنها تعد من قضايا الأدب والبلاغة إلا أنه يتناولها هنا من منظور اجتماعي حيث يحذرنا من المظاهر الكاذبة وفي ذلك يقول :"
جاء في الحكم:
“الجميع يرون مظهرك ، لكن القليل هم الذين يستطيعون إدراك حقيقتك"
تنطبق هذه الحكمة على كثير من الأمور في حياتنا، في كل شيء سنجد معادلة "المظهر والجوهر"، و"الشكل والمضمون"، في أعمالنا وعلاقتنا، حتى في بيعنا وشرائنا… ومن منا لم ينخدع بالمظهر ويقع ضحية الحكم على الشكل دون الجوهر والمضمون؛ "فانجرف" وراء "مظاهر خداعة"، و"سمات زائفة" لا تعكس حقيقة الواقع، الذي تكشفه عوامل كثيرة، أهمها التعامل والتجربة، والقرب والتدقيق في السمات والصفات.
يعجبنا شيء أو شخص من مظهره وشكله الخارجي، فنقبل عليه، ونتهافت عليه، لكن عندما نجربه ونتعامل معه ونقترب منه أكثر، نكتشف بأن الجوهر ضعيف جدًا، وأن المضامين هزيلة، وقد يكون هذا الشيء أو الشخص الجميل خارجيًا وظاهريًا "أجوفَ" من الداخل.
فلا تنخدعوا بالشكل الظاهر، ولا يغرنكم كيف يُعلن بعض البشر عن أنفسهم وماذا يقولون؛ إذ كم من البشر كنا نحبهم ونحترمهم "من بعيد"، لكن حينما "نقترب منهم" و"نتعامل معهم"؛ ينتهي بنا المطاف إلى صدمة موجعة؛ لأن الواقع يكشف لنا "المظاهر الخداعة" و"السيماء الزائفة".
وصدق الله تعالى إذ يقول: (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ).
وصدق المثل القائل: "الناس مخابر وليست مظاهر"،"فلا يغرك المظهر واحرص على الجوهر، واختر الأكفأ".
وفي مقولة أخرى له يحبذ أن يكون جمال الشكل والعناية بالمظهر يكون أجمل وأبقى إذا اقترن بجمال الروح.ثم يبين مظاهر هذا الجمال حيث يقول :"جمال الشكل والعناية بالمظهر يكون أجمل وأبقى إذا اقترن بجمال الروح.
وإنَّ من جمال الروح: البشاشة، وملاطفة الآخرين وإسعادهم، والحلم والصبر.
ومن جمال الروح: عدم كشف أسرار الناس وعيوبهم ..، والذوق واللباقة وحسن اختيار الكلام الجميل في التعامل مع الناس، وفي جميع مجالات الحياة اليومية.
أتمنى لكم يومًا جميلا، تملؤه مشاعر الرضا ، ولا تبارحه ابتسامة التفاؤل ، تسعد فيه نفوسكم بالخير ، وتمتلئ قلوبكم بالمحبة."

أسس المحادثة مع الآخرين :
حيث أوصى حفظه الله الالتزام بعدة قواعد عند محادثة الآخرين حتى تسود المحبة والاحترام بين الناس حيث يقول :"
المحادثة الناجحة السلسة فن اجتماعي ومهارة تواصلية مهمة على المرء امتلاكها وإتقانها؛ فبها تسهل الحياة، وتُفتح الأبواب، وتُكتسب العلاقات وتزداد، ويُحال دون سوء الفهم ومواجهة كثير من الصعوبات والمشكلات..
وللمحادثة الناجحة التي تترك أثرًا طيبًا، وانطباعًا جيدًا لدى الآخرين مجموعة من القواعد والآداب المهمة، أوردها كتاب رقيق جميل في: "آداب المعاملة والإتيكيت"، تخيرتُ لي ولكم منها القواعد الآتية:
• لتكن وتيرة صوتك لطيفة، معتدلة، لا قسوة فيها ولا حدَّة.
• لا تقل لمن أخطأ (أنت مخطئ) بل قل: (قد تكون على صواب أما أنا فأظن..)
• لا تحاول تعرف أسرار غيرك، وإذا استودعك أحدٌ سرًّا فكن كتومًا ولا تفشه..
• اترك جانبًا الحديث عن السياسة والموضوعات الخلافية؛ لتتجنب الاصطدام مع من تتحدث معهم.
• تجنّب الحديث عن نفسك ومآثرك، وعن صحتك أو مرضك.
• كن متواضعًا في حديثك واستأذن لتأخذ الكلام.
• لا تهمس بإذن أحد وأنت في مجموعة.
• لا تتبادل مع بعض الحاضرين نظراتٍ فيها غمز بالآخرين.
• يجب أن تولي محدثيك الانتباه التام، دعهم يتكلموا، وأصغ إليهم بصمت واهتمام، فكلما أصغينا إلى الآخرين نكون أقرب إلى قلوبهم.
• لا تهزأ بأحد وامتنع عن المزاح.
• لا تكذب في حديثك ولا تحلف.
• لا تتملق، ولا تَستَغب، ولا تُشهِّر.
• احذر أن تكون من المداحين الكَذبة، بل اصدق القول، وقدِّم النصح بمحبة، وانتقد أصدقاءك بحرص.
• مارس الثناء والشكر بكثير من الأدب واللياقة.
• إذا كان لابد من المناقشة في حديثك، فناقش بهدوء ووعي، واستند في مناقشتك على علمك وثقافتك وعلى المنطق السليم، وتجنب الصياح والتجريح.
• لا تكن ثرثارًا وتعتقد أن الآخرين يستمتعون بكلامك كما تستمتع به أنت.
• إذا كان النقاش يدور حول موضوع بعيد عن ثقافتك فمن دواعي الأدب أن تنصت، ومن الذكاء أن تحاول الاهتمام به وفهمه.
• لا تقل (هو) أو (هي) عن شخص ثالث موجود بين المتحدثين.
وأختم بقوله صلى الله عليه وسلم:
"إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق"
فعلى المرء أن يصطحب معه دائمًا (الابتسامة، وطيب الكلام، ولين القول، وبشاشة الوجه).
وقديمًا قال الشاعر الحكيم:
بنيَّ إنَّ البرَّ شيءٌ هيِّن
وَجهٌ طليق وكلامٌ ليِّن

مراعاة التسامح والتجاهل أثناء التعامل مع الآخرين حفاظا على استمرار علاقاتنا الطيبة مع الآخرين:
وتحت هذا العنوان يقول:"ما استقصى كريم قط"
الكريم هو الإنسان الشريف، الواعي، المعطاء، المتسامح، الذي لا يرهق نفسه وغيره باستقصاء التفصيلات،ومعرفة الخصوصيات، يترفع عن التوافه والصغائر، ويتغافل عن كثير من الأمور، ويتنازل - كرمًا لا خوفًا- عن كثير من الحقوق، ويتجاهل - عمدًا لا غباءً- أخطاءَ كثير من الخُلطاء، يُقيل العثرات، ويقبل العذر، وهو مدرك للحال.
وهذا جزء من القبول والمحبة والسعادة بل ومن تحقيق السيادة، كما قال شعراء حكماء:
أحبُ من الإخوان كل مُوَاتي
وكلَّ غضيضِ الطرف عن هفواتي
وليس الغبيُ بسيِّد في قومِهِ
لكنّ سيَّد قومِهِ المتغابي
وأما المستقصي فهو الواهم النّباش الشكاك، يبحث ويستقصي عن كل شيء من أحوال الناس وخصوصياتهم، وتفصيلات ما فعلوه وقالوه، وينَبّشها نبشًا، لا يكاد يسمع إجابة عن سؤاله الشخصي؛ ليمطر محدثه بسؤال ثانٍ وثالث ورابع: لماذا؟ وأين؟ وكيف؟ ومتى؟ وهل؟ ولو سمع جوابًا شافيًا تشكك فيه.
يُفتش عن الزلات صغيرها وكبيرها، ويعاتب على الهفوات جليلها وحقيرها، وإن من يفعل ذلك لا يجلب لنفسه سوى الهم والغم، والحزن والنكد، والتعاسة والشقاء.
وإن من أعظم المصائب وأشدها بلاء أن نعيش مع أُناس يدققون في أمورنا وأعمالنا، ويتتبعون كل شاردة وواردة.
فكونوا كرماء، وعظموا أقداركم بالتغافل، كما قال جعفر الصادق رحمه الله.
فما استقصى كريم قط، كما قال الحسن البصري رحمه الله.
ومن شددَ نَفّر، ومن تراخى تآلف، والشرف في التغافل، كما قال أكثم بن صيفي.

الكلمة الطيبة تأسو جراح القلوب:
يحث حفظه الله على البعد عن الكلام الجارح للآخرين، والحرص على القول الطيب لهم حفاظا على علاقتنا الطيبة معهم. حيثيقول :
"وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن"
فيختاروا أحسن ما يقال مضمونًا وصياغةً ليقولوه، ويحاولوا البحث عن الأحسن والأجمل الذي يرتقي بإنسانية السامع، والذي لا يجرح هيئةً ولا شخصًا، ولا ينال من عرض أو من كرامة؛ وبذلك يتقون أن يُفسد الشيطان ما بينهم من مودة؛ فالشيطان ينزغ بين الناس بالكلمة الخشنة تفلت، وبالرد السيء يتلوها؛ فإذا جو الود والمحبة والوفاق مشوب بالخلاف ثم بالجفوة ثم بالعداء . والكلمة الطيبة تأسو جراح القلوب، وتدخل إليها الحب والتسامح، وتجمعها على الود الكريم…إنها من هداية الله وفضله على العبد قال تعالى: "وهدوا إلى الطيب من القول ...".
وصدق القائل: إن المرء يكون طيبًا إذا جعل الآخرين أفضل.
فهلاَّ حرصنا على اللفظ الحسن والكلمة الجميلة مع استحضار أنقى نيّة وأفضل قصد، فنترك أثرًا طيبًا في النفس، امتثالاً لأمره تعالى.

وختاما :

يجب عليناحسن معاملة الآخرين فديننا دين حسن المعاملة (إنما الدين المعاملة " ولنتذكر ونحن نعامل الآخرين قول عمر: لست بالخب ولا يخدعني الخب)وليكن كلمنا طيبا "الكلمة الطيبة صدقة "،وأن التغافل والتجاهل للإساءات ريح النفس ويريح الآخرين .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى