خالد جهاد - وهم خارج الزمن

ليس النقص بالغريب في عالمنا الذي جبل عليه كما جبلت عليه حياة البشر ككل، لكن الأغرب بعد كل ما شهده العالم خلال السنوات الأخيرة هو اعتقاد البعض أو استغراقه في (وهم) التفوق أو التمايز عن الآخرين لا لبطولةٍ قام بها أو إنجازٍ خدم به الغير أو عملٍ قدمه فدخل به التاريخ من أوسع أبوابه، بل لمجرد أنه يحمل لقباً أو شهادة ًجامعية أو يتحدث لغةً أجنبية أو بضع لغات (وهو ما بات عادياً جداً بل ومبتذلاً وفي غير موضعه على الأغلب)، فصنع من خلال ما يفترض أنه أمر بديهي وليس حتى محل نقاش خاصةً في زمننا الحالي فرصةً يمارس من خلالها التنظير على غيره ويشبع بها النقص الذي يحركه من الداخل..

ففي الوقت الذي بات فيه أغلبنا مؤمناً بأن لكلٍ منا اختياراته في الحياة لا زال البعض يستخدم أسلوب التعالي المريض والفاشل لمهاجمة وانتقاد من يختلف عنه حتى وإن لم يمسه بكلمة سواءاً كان ذلك تلميحاً أو تصريحاً، فكلنا مهما اختلفت الطرق نظل في حالة تعلم وتثقف مستمر في مختلف الميادين حتى نهاية العمر، ولكن البعض يخلط بين ورقة تمنح له من مؤسسة تعليمية أياً كانت وبين وعيه وثقافته وموهبته ولياقته وتميزه والمقومات التي يمتلكها سواءاً كانت فطرية أو عن طريق الإجتهاد والمثابرة والتي لا تبرر بكل الأحوال هذه التصرفات، ولسنا بحاجة إلى التذكير بأن من صنعوا المجد (الحقيقي) في شتى المجالات لم يدرسوا في كبرى الجامعات لكن هذه الجامعات لا تستطيع أن تغفل تجربتهم لأنهم قدموا ما هو أكبر من أن يباع ويشترى..

واليوم في ظل تراجع الإهتمام (الحقيقي) لما يحدث في غزة وانكفاء غالبية الكتاب عنها أو تجاهلها من الأساس (وهذا شأنهم)، نرى نوعاً من الإستهزاء والهمز واللمز من بعضهم تجاه بعض من لا زالوا يهتمون بالوضع الإنساني هناك، إلى جانب استخدام لغة تحتوي على الكثير من الفوقية والعنصرية لمجرد أنهم اختاروا قناعتهم دون إيذاء أو تعرض لأي شخص وشملت حتى السخرية من لهجاتهم المحلية ومظهرهم الخارجي كونه متواضعاً..

فإذا كان البعض يعتقد أن (شهادته) أو درجته العلمية قد تصنع منه شيئاً عندما يتعالى على البسطاء وينفصل عن وجعهم وينتقدهم لإختلافهم عنه، مع أنه يفترض أن يكون قدوة ومثلاً بحيث يتصدر المشهد فهو في الحقيقة لم يرتقي ليصل إلى مرتبة الإنسان الذي يمكننا إقامة حوار معه ولا يمكننا الوثوق بعلمه أو أفكاره أو آرائه إذا صح إطلاق هذه الصفات عليه أو على نتاجه.. نحن اليوم في أمس الحاجة إلى الأخلاق والقدوة أما ما بتنا نراه من زيف فهو وهم خارج الزمن لأن المؤهلات العلمية والشهادات شيء يخص صاحبها خاصةً وأن طريق الوصول إليها ليس متاحاً للجميع بالتساوي أو ميسراً لمن هو جديرٌ بالحصول على فرصة نيلها..

خالد جهاد..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى