ليلى تبّاني - المرأة والتراث... تحدّيات ورهانات .

لا خير في يمنى بغير يسار.....ذلك اليسار مصدر الإمداد العاطفي والسيل الفياض من مشاعر الأمان و الحنان والعطاء الممتد في سرمد الكينونة الإنسانية . إنها حواء ، المرأة ...تلك الفكرة والرغبة والقانون والفضيلة والعاطفة . النعيم و الجحيم ، تلك الجاذبية والجنون . برّاقة ، شفافة ، قوية لا تكسرها الضربات المتتالية ، والدليل ما نراه كل يومٍ من بطولات نساء ، يكتبن أسماءهن في ملحمة الحياة . فهي نصف المجتمع من حيث التكوين وكل المجتمع من حيث التأثير في النشأة والتكوين ، فلا يستهان بدورها الأساسي في حياة المجتمع إلى جانب الرجل ، فمن نجحت في ترسيخ قواعدها الأسرية والتربوية هي بالفعل امرأة ناجحة شاركت وتشارك في وضع دعائم القوة والمجد في المجتمع ، تراهن على النجاح وتتحدّى معوّقاته لتصنع أمّة وتبني أمجادا .

1709892131460.png


إنّ موضوعنا اليوم من أهمّ وأثرى المواضيع التي تناولتها الدراسات وهي التراث ، ولعلّ المرأة كعنصر فاعل مساهمة فعّالة في صنعه وتمريره

فالمرأة قاطرة لنقل التراث تخطو به نحو العالمية ، و تساهم بفعالية في صنعه وحمايته من الاندثار ، فهي بذلك تدخل غمار التحدّي بين الاستمرارية والاندثار والثابت والمتحوّل ، وتراهن على ثبات الموروث الثقافي الحضاري و عدم زواله ، في خضمّ ما يشهده العالم من تحوّلات مريبة إثر التطوّر التكنولوجي الرهيب الذي يشكّل سلاحا ذا حدّين ، فعلى قدر أهميته في تسهيل سبل العيش و رفاهية الحياة ، فهو بالتوازي يعمل على طمس الهوّيات و إذابتها في بعض حيث تفقد المجتمعات هويّتها و تخطىء ذاتها من حيث هي متأصّلة بتاريخ وعادات و قيم لا يمكن بأية حال من الأحوال تجاوزها و إلاّ فقدت الحياة ككل نكهتها فالتشابه يخلق الملل و الزوال ، والاختلاف يفرض الاستمرارية و يبعث على الرغبة في الحياة .فهل المرأة على القدر الكافي من الجرأة في كسب الرهان وتحدّي قوة التغيير ...؟

قد يدفعنا التساؤل ونحن نقارب نظريا مفهومي التراث و المرأة ، و كيف يؤثّر أحدهما بالآخر ويتأثّر به ، و هل هو محض ترف فكري؟ أم أنه أستقص أساسي في تطوّر المجتمعات ؟ إلى الدواعي الواقعية التي تحفّز وتستدعي إعادة ضبط مفهوم التراث و ذكر عناصره ، قبل الخوض في جدلية المرأة و التراث .

مفهوم التراث :

يرجع أصل لفظ التراث في اللغة العربية إلى كلمة (و.ر.ث) وتجعله المعاجم العربية القديمة مرادفا ل (الإرث) و (الورث) و(الميراث)، لذلك يعرّف معجم اللغة العربية المعاصر مصطلح التراث ب: " كلّ ما خلّفه السَّلف من آثار علميّة وفنية وأدبيّة، سواء مادِّيَّة كالكتب والآثار وغيرها، أم معنوية كالآراء والأنماط والعادات الحضاريّة المنتقلة جيلاً بعد جيل، مما يعتبر نفيسًا بالنسبة لتقاليد العصر الحاضر وروحه: التُّراث الإسلاميّ/ الثَّقافيّ/ الشَّعبيّ " . وعليه يمكن اعتبار التراث بشكل عام هو ما خلّفه السلف من موروث ذي قيمة حضارية وإنسانية سواء كان ملموسا (تراث مادي) يتمثّل في الآثار و المجمعات والمواقع ، أو غير ملموس (تراث لا مادي) و يضمّ التراث الشفهي والعبارات، وتتضمن اللغة كأداة للتراث الثقافي غير الملموس كالموسيقى وفنون العزف ، العادات الاجتماعية، أحداث تعبدية أو أعياد ، المعرفة والتعامل مع الطبيعة ومع العالم ،الحرف والمنتجات التقليدية.

على مستوى الاتفاقيات الدولية قد لا نصادف تعريفا محدّدا لمفهوم التراث، وإنما نجد تعريفا لمفهومي التراث الثقافي والطبيعي والتراث اللامادي، فقد كان الميل إلى تعريف ممتلكات التراث بأنّها المعالم الفردية والمباني مثل أماكن العبادة أو الحصون والقلاع، وكانت تعتبر أمكنة مستقلّة قائمة بذاتها لا ترتبط بالمناظر الطبيعية المحيطة بها. أما اليوم فهناك اعتراف عام بأنّ البيئة بأسرها قد تأثرت بتفاعلها مع الإنسانية، وهي بالتالي مؤهلة لأن يعترف بكونها تراثا.

التراث بين الأصالة والمعاصرة ...تحدّ و رهان :

نواكب القرن الحادي والعشرين ومازلنا نتخبّط تائهين بين التمسّك بأصالتنا وتراثنا الذي يمثّل حلقة متينة من تاريخنا و ضرورة مسايرة الحاضر بما يحمله من معطيات تفرض التكيّف والتغيير .و نحن نشهد هذا الإنفجار المعرفي والثورة التكنولوجية وهذه التغيرات الكبرى في العالم والفارق الحضاري الواسع بيننا وبين دول العالم المتقدمة ، و رغم ذلك لم نحسم بعد مشكلة الجدل القائم بين الأصالة والمعاصرة ، فنرفض الجديد معتبرين أنه دخيل على ثقافتنا و لا يعكس هويتنا ...لكنّ الشباب من أولادنا يجبروننا على مواكبة الجديد الوافد ، ولم يعد الترويج للثقافات الوافدة صعبا فقد يتوقف الأمر على ضغطة زر أو ومضة أثير من خلف شاشات الحواسيب والهواتف . فنقف حائرين بين أن نواكب العصري أو نلتزم بالأصيل فينا ؟ وعلى اعتبار أن المرأة عنصر فاعل في المجتمع قبلت التحدي وراهنت على التغيير ، حسب ما تمليه مبادئ العقل والعلم والتطوير في الأشياء والأفكار دون المساس بالثوابت و القيم والأعراف التي تشكّل هوية الفرد ، فوجدت أن الأصالة الحقيقية تكمن قي قلب الحداثة ، وبدل المقارنات العقيمة لا بد من اللجوء الى المقاربة التكاملية بين الأصالة والمعاصرة وذلك بجعل التراث يحيا فينا ، لا نحيا نحن فيه ، فالأصالة تتجلى وتكتمل في مجتمع يعيش عصره وقيمه الحداثية ، وتضيع الأصالة في مجتمع لايعرف كيف يعيش عصره إلا بمحاكاة ماضيه ، فيعيش مأساة تدهوره المستمر.



بقلم : ليلى تبّاني من الجزائر .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى