حسين محمود البشبيشي - النغم الضائع!.. (قصة من أدب الحياة الواقعي، طغت فيها التقاليد على قلب فنان عبقري)

في يوم من أيام عام 1717م أضاءته شمس الجنوب اللامعة الباسمة، ترنحت عربة رثة متربة خلال مدخل كابيونيا أحد مداخل نابلي، وقد جلس في داخلها غلام في عامه الثامن، تحمل الرحلة المرهقة القاسية وحيداً من قرية جيزي إلى نابلي. وما كان معه من سند غير بعض كتب التوصية لنفر من البيوتات النابولية الرفيعة.

كان هذا الغلام هو (جيامباتيسنا بورجوليزي)

ولما نزل من العربة تعباً غريباً تائهاً في حياة العاصمة الدوارة الصاخبة، وضعه جنود الحراسة في عربة عامة، وأرسلوا به إلى أحد العناوين التي على كتبه.

تصور طفلاً صغيراً ضعيفاً كصاحبنا خرج لأول مرة من مجتمعه الصغير الحقير في قرية جيزي بالقرب من أنكونا حيث توافقت الأزقة المهجورة وملالة الوجود، وتمازجت حقارة الفكرة وشفافية الحياة، إلى نابلي هذه المدينة الرحبة الصاخبة الماجنة العابثة الغارقة في النور وشهوته، الضاربة في كل فن وكل غريب. . .

تصوره وقد تعلق الأطفال حول العربة كل يريد الركوب، والحوانيت تبين وتغيب، والمطاعم تقدم صحاف المكرونة المعهودة ليلاً ونهاراً في ضجة ومرح، وهناءة وفرح، والجمهور التائه كسرب من الحمام، الصاخب كقطيع من الأغنام، يزيد في صخبه، ويمعن في دورانه، والأسواق متنوعة: أسواق للسمك وأسواق للفاكهة وأسواق للخضر تموج في ضجتها وشدتها، وتضطرب في تقلبها وحركتها، كل ذلك بين أصوات الباعة ترتفع جشاء جوفاء لا انسجام فيها ولا اتزان. . .

مسكين (جيامباتيسنا)! هل كان في حيرته يدور في خلده، إذ ذاك، أن عبقريته ستتوجه يوماً ما في هذه المدينة الدوارة المضطربة بوسائل الفرح، المتقلبة في مظاهر الانطلاق الروحي والحسي!!

لقد ولد في أسرة هي أغنى في عقليتها وتعليمها منها في ماليتها وتقاليدها، وأعظم في ميولها وأحاسيسها منها في أصلها وأعراقها.

ورأت فيه عائلته عن حق ميلاً إلى النبوغ الموسيقي، يتألق أنغاماً روحية تشعها روحه الباسمة وحركاته الراتبة ولفتاته الأنيقة. فأرسلته إلى (نابلي) ليأخذ هناك من نبعها الدافق، ويتعيش فيها بعد منها. ودخل بالتوصية والالتفات والرعاية (المعهد الموسيقي العظيم) حيث تعلم العزف على القيثارة تحت إرشاد الفنان القديم (ديماتيس)، فكان له من طبعه الفني القادر، وروح أستاذه الساحر، أكبر باعث ألهب فيه حيوية الفن واقتباسه. فصقل روحه بكل جديد من الصور، وخلع على قلبه كل فاتن من الأحاسيس، وإن ما كان يتوقعه هذا الفنان (ديماتيس) لتلميذه المتألق المتوثب من مجدٍ دفعه إلى أن أثر على الشاعر العظيم (جريكو) الذي أهتم بهذه العبقرية المتألقة المتطلقة التي لم تزل بعد في أكمامها.

ووجد (برجوليزي) ككل فنان حديث يشعر في قرارة نفسه بحيوية تريد أن تفيض، وأقباس تتطلع للظهور، وألوان تتواثب لتتنسم الحياة؛ وجد فناننا (برجوليزي) من القيود الموسيقية الرثة أغلالاً تجعل أجنحة فنه تحلق في سماء محدودة وأجواء مقيدة، وآفاق لا تشبع الرغبة الجامحة والنزعة الطافرة. وضاق صبره بتلك القيود ولكنه أكره نفسه عليها! حتى غادر مع أستاذه المعهد العظيم في عام 1726 ليجني حراً طليقاً ما يريده من أزاهير، فتفتحت أمامه مبكرة، وتحققت أمانيه؛ فلحن على حداثته قطعاً من الأوبرا ونشيداً رائعاً فاتناً ساحراً هو (سان جيجليلمو) مما كان له مكانه سامية وشهرة عظيمة حتى في هذا الوسط الفني

ورحبت به العائلات الرفيعة التي كان عطفها ورعايتها قبلة فناني القرن الثامن عشر

ولا عجب أن رحبت به والتفتت إليه، وهامت بألحانه الساحرة، وما تريد سوى أن يلتف حولها الفنانون. أما هو فقد جملت أثوابه الجديدة الأنيقة من ملامحه الدقيقة الوسيمة، وقد عكس وجهه المضيء الغني وروحه الشاعرة الفتية العامرة بالحساسية!

ووجد ثمرة الإلهام أمامه ناضجة

فقد كان ملك نابلي المتحمس لتشجيع فناني عصره ملاذاً للعلماء والمهندسين والرسامين والموسيقيين، وأصبحت نابلي إذ ذاك ف أوج مجدها الفني، إذ كانت مركزاً منفرداً للمدنية، انبثق منها إلهام حي سام متألق لجامياتيسنا

لقد كانت الدينة الغنية بفنانيها حقاً. لقد انطفأت شعلة حياة (كوريللي) و (وللي) ولكن الجمرة التي تركاها تأججت من جديد عندما نفخ فيها سحر (سكارلاتي) ولما قضى هذا الفنان أيضاً لم يكن إلا لفنان قادر سامي العبقرية، متوقد الروح، بعيد مدى الآمال، أن حفظ عظمتها وينهض بها

فكان برجوليزي فتاناً ولم يزل بعد في العشرين وارثاً ملهماً فذاً لهذا الإرث السامي من الفن العظيم. ما أسعده وما أتم نعمة الفن عليه! لقد بلغ المجد الذي تطلع إليه. لقد سطع عليه القبس الروحي الذي طالما عناه. لقد أصبح الفنان القادر الساحر

ثم خفق فؤاده يوماً ما شديداً عنيفاً عند ما دعي إلى بيت (سبينللي) النبيل الكبير

ثم خفق فؤاده مرة أخرى، ولكنه كان في هذه المرة أشد خفقاناً، حينما انتهت مراسيم التقديم، ووجد نفسه منحنياً أمام غيداء فاتنة. لقد تنازلت ابنة أكبر البيوتات النابولية أرستقراطية عن كبرياء عائلتها، رائعة دقيقة ساحرة، تلك هي ماريا سبينللي التي نظرت إلى الشاب الفنان بورجليزي، وألهبت شرارة حبها نار الوجد في حناياه!. . . وسواء أكان ذاك لفتنة فيه أم لسحر في موسيقاه فقد باحت بسر الجوى أعين لطاف فجاوبتها عيون! وصفق قلب فأسرع إليه قلب. . . وهكذا فاض روح الحب من النفس الجميلة والنفس الفنانة

ولكن وا أسفاه! لم يكن للقصيدة الأبدية من تمام. لقد كانا في ميعة الشباب وفتنته، يتدفق فيهما الشعور روح الجمال، وتفيض أعينهما إحساساً به، كما كان هناك على آخر ما يصل إليه البصر من نافذة القصر حيث يتصاعد عبير البرتقال قبور، ترفع نصبها في جنون تحت شمس الظهر المرهقة الحارة. أجل لقد كانا في ميعة الشباب، ولكن كان هنالك قبور بالقرب من عش غرامهما!

فلا عجب أن دار قدرهما قوياً قاهراً فعصف بهما عصفاً

تناثرت هنا وهناك الأحاديث! وعرى أرستقراطيو القوم وجوم ودهش. يا عجبا! ابن الشعب ذلك الحقير، يتطلع إلى أن يختلط دمه الأحمر الشديد الحمرة بدم أسرة سبينللي الأزرق الشديد الزرقة! لتكن عبقريته ما هي، ليكن قدره ما يكون، ليكن مستقبله ما سيكون، ليكن كل شيء

لقد كانوا حمقى! وما كانوا غير ذاك. فإن من اتحاد الأحمر والأزرق يتكون ذلك اللون البنفسجي الرائع الذي يعلوهما!

تلك هي السماء

ولقد كانت الفكرة، بل التفكير فيها أمراً حراماً. . . ابن الشعب يتطلع إلى بنت البيوتات الرفيعة!

ثار أهلها كل الثورة، وحقدوا على الفنان كل الحقد، وبرموا به كل التبرم. وأما أشياعهم من ذوي التقاليد والأشراف ولهم فتيات قد يتطلع إلى إحداهن يوماً ما فنان من أبناء الشعب فقد شاركوهم الأمر، وتنكروا لفناننا برجوليزي

وهكذا تعبث الشهوات الزائلة بجلال الفن، وتعبث الأغراض الدنيئة بجلال الحب، وتفسد التقاليد العتيقة انسجام روحين؛ فما أحقر الإنسان إذا انطلقت فيه نوازع النفس الترابية وغطت على بصره، فظن أن الحياة مظاهر وتقاليد؛ وما كانت لتكون كذلك والزهر يعانقه الشوك ويقاسمه أغصان دوحته! أوصدت الأبواب المسرحية، وحبست الوجوه الباسمة، وولت الأقدام المقبلة، وأغلقت. . . وأغلقت تلك الخميلة التي طالما عزف فيها لماريا، وألهمته فيها ماريا

وحجبت عن نظراته الوالهة ابنة أسرة سبينللي

ولم يك يصل إليها إلا على جناحي أنشودة خالدة، وفي ثنايا نسمة عابرة، وبين ألفاف أمنية مستعرة. وثقلت به الحياة وثقل بها فانغمس في ألحانه الباكية، وترانيمه الحزينة، عساها أن تكون له عن دنياه سلوى، كما هي عن جواه

وتدفقت أمامه الشهرة الفارغة الجوفاء. وسجدت نابولي لعبقريته حين قدم لها في عام 1730 قطعته الخالدة بعد نجاتها بأعجوبة من زلزال مروع. ولقد كانت قطعته هذه فريدة حقاً في نغماتها، وحيدة حقاً في ألحانها، فذة حقاً في معانيها، منقطعة حقاً في روعتها. ولقد أدرت عليه كل ما ابتغاه في فجر أيامه، وتمناه في متنفس عمره. أدرت عليه كل شيء ليضعه تحت قدمي ماريا، ماريا الفاتنة، ماريا ملهمته الفن الساحر القادر. ولكنما قدماها كانتا مغلولتين بغل من حديد التقاليد

لقد كان محرماً عليها هناك في سجنها الذهبي حتى النطق باسم برجوليزي. فماتت بسمتها المرحة على شفتيها، وانطفأت شعلة في عينيها كانت متألقة باسمة. وجاءها أخوتها الثلاثة يوماً، وقد أخذ الغضب منهم كل مأخذ، وتطاير شرر التقاليد من أعينهم، وأجهر بوق الأرستقراطية أصواتهم، فتدافعوا إلى خدرها، وهددوها وسيوفهم مشروعة بأنها إن لم تتخذ لها بعلاً كفئا لها استقر السيف في قلب هذا الموسيقي الحقير! فدافعتهم بدورها ولوحت لهم بالقانون منتقماً لحبيبها. فضحكوا؛ فهم حماة الشرف السبينللي؛ ولم تك ليد أن تمتد إليهم إذ ذاك لا أن تمسهم. لقد كان لهم أن يضحكوا؛ فلم يك قولهم إلا حقاً، فما نابلي إذ ذاك إلا مدينة الأشراف؛ ولقد كانوا هم سادة الأشراف!!

ومرت أيام ومضت ليال وجاء أخوتها برجل من أسرة كرافا أثقلته حليه، وجللته عظمته، فأخفت رأسه الفارغ، وكست روحه العارية

لقد كان غنياً أرستقراطياً لا شبهة في ذلك، جاء به أخوتها لترضى به زوجاً؛ ولكن لم تكن ماريا لتفتنها الثروة أو تأخذها الأبهة، وما كانت لتريد رجلاً أياً كان. . . لقد كانت تريد شيئاً غير هذا! شيئاً أجمل من هذا. فخرج الكرافي بوجهه المصقول، وجواهره اللامعة، وتقاليده الرائعة، وانحنى له أخوتها مودعين وقد وضع يده في جيبه بتحسس خاتمه الذي لم يقدر له بعد أن يوضع في مكانه

وأمضت ماريا برفضها الكرافي أمراً القضاء على برجوليزي. ولم تك هناك إلا طريقة واحدة لنقضه. لم يك هناك إلا أن تهب نفسها لله!

فوافق أخوتها. ولأمر ما قرروا أن يرأس برجوليزي العازفين في حفل ترهيها! يا عجباً! برجوليزي يقدم قلبه لله!

وفي الحادي عشر من مارس عام 1734 في كنيسة سانتاشيرا رأس برجوليزي العازفين وبدأ الحفل فلوح بعصاه يفتتح قبر قلبه فكان لنقراته على حامل الموسيقى صدى، كأنما هو يؤذن برفع الستار عن إحدى المآسي

ورفع الستار عن مأساة مروعة: عذراء تترهب مقدمة شبابها، جمالها، حياتها، قلبها، إلى نسيج حسن لا يرققه ولا يلطفه إلا الإيمان بالله مأساة أعمق من أن تصل إليها الألفاظ والجمل. لقد كان الرهبان يصيحون: (مرحباً بعروس البيعة)، ورنت أصواتهم في كل أذن سمعتهم. أما أذن العروس، وأما أذن رئيس العازفين فقد سمعتا مأربا كل نغمة تصيح: وداعاً. وداعاً رمى بها الأفق، وداعاً ابتهل بها الرهبان. وداعاً نطق بها دخان البخور وقد صعد يتلوى في زرقته إلى الله. إنه لم يترنم في صعوده برسالة حبيب إلى السماء، بل لقد كان يصيح وداعاً ويتلوى لرسالته من الألم! وتخافتت الأصوات، وسكنت الأقدام ووقف برجوليز وحيداً مرفوع الرأس مديراً بعصاه أنغام العازفين وحركاتهم

لقد كان جديراً حقاً ذلك الحفل بأن يضع على رأسه أكاليل الغار، ولكنه كان مأخوذاً مرعوباً لم يدر شيئاً، ووقف يحترق في لهبه، لقد كان فريسة لأساه، هشيما لنار جواه. وبكاها برجوليزي إلى العالم ولم تزل حية، لم يبك (الأخت فكتوريا) كما نادوها في الدير، بل بكى الحبيبة ماريا. لقد بكاها وهي في كهفها الضيق ولا من يسمع أناتها. إنك لتقرأ مأساتها كما قرأها من قبلك، وكما سيطالعها إلى الأبد الكثيرون في دمعته المحرقة في دمعته الصارخة ولا عجب أن كانت معجزة فلم يك أبداً فؤاد إنسان ذاك الذي لحنها، ولكنه فؤاد من ذهب روحي خالص نقي صهرته الآلام الملتهبة

لم يتمكن الزمن أن يحدث معجزة النسيان، ولكن لم يك غير الموت شافياً (لماريا). فلم تمض سنة حتى تركت الأخت (فكتوريا) وراءها على الأرض صدفة مرمرية ورسالة إلى من وهبته قلبها. وحمل الرسالة أخوتها إلى (برجوليزي) في روما؛ فقد رحل من قبل عن (نابلي) مثوى أحلامه. أما الرسالة فكانت: (دعوا برجوليزي يدير المحفل الأخير لروحي حتى يتاح لها أن تصعد إلى عالم الخلد على أجنحة المجد)

فترك برجوليزي ما لم يتم من تأليفه؛ وقد كاد أن يتم أوبراه الخالدة (الأوليمبياد) ورحل سريعاً إلى (نابلي) ليجد هناك طعنة جديدة تنتظره؛ فقد كانت القطعة التي سيدير عزفها ليست له ولكنها من تلحين (ليد) الموسيقي القديم. ويحهم! ويحهم! لم يريدوا حتى أن يكون له شرف تأليف لحن جنازتها. لم يريدوا إلا حرمانه حتى ذلك التأسي الفاني، ولكنه فنان عاشق، ولكنه محب واله، ولكنه. . . لحن في سرعة جنونية يائسة قطعة كل نغم فيها فلذة من حنايا قلبه المضني، من ثنايا أساه البليغ لم ير شيئاً سوى وجوهٍ كالحة ساخرة مجرمة. وتخافتت الأصداء، وسكنت الأقدام، ولكن أقدام ماريا لم تخفق معها هذه المرة، ولم تندمج في الصف الذي اندمجت فيه من قبل في حفل ترهبها. وهاهي ذي فوق أكتاف الراهبات يحملن منها صدفتها المرمرية الهشة. وهاهي ذي وخزات الآس الدامية ينقلها (برجوليزي) إلى لغة اللحن في أنات طويلة علوية

ولما أوصد الباب للمرة الأخيرة، وانتهت المراسيم الحزينة، تقدم برجوليزي وهبط عن منصته ثم جمع أوراقه التي سطر فيها أساه واحدة فواحدة، وعدها ببطء ودقة. ولما تأكد من أنه لم يترك منها شيئاً. تقدم إلى المذبح. ويحه ماذا يريد؟ وعلى أحد الشموع الكبيرة التي قدمت حياتها قرباناً لتضيء ساحة بيت الله، ألهبت ناراً في عصارة قلبه، في هديته الأخيرة لماريا ملهمته، ولما اسودت الأوراق، وتلوت ثم ترامت في ألم على الأرض، صاح في أسى وحرقة:

لقد لحنتها لماريا! لماريا وحدها. إنها لحني الأخير لموكبها. إنها سلامي الأخير لها، ووداعي الأخير لروحها. ولن تكون إلا لها. دائماً أبداً لن تكون

ولم يعلم أحد هل كانت هذه البقايا المحترقة هي معجزة برجوليزي التي جمعها الراعي في الصباح

لم يعلم أحد هل كانت هذه البغايا المرتعشة في مهب الريح هي (النغم الضائع) أو الوتر المنزوع من قيثارة (جيامباتسنا)

ولم تنتظر ماريا طويلاً. فلم تمض سنة حتى كان جيامباتسنا برجوليزي في قرية بوزيولي، قريباً من نابلي، وقد امتنع عن العزف، وامتنع عن الشكوى والنواح

وارتفع إلى السماء ليعزف لها هناك على قيثارة الروح الأناشيد التي وضعها لها على الأرض

حسين محمود البشبيشي


23 - 03 - 1942

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى