أريد أن أخبرك بعض التفاصيل التي حدثت بعد أن نمت:
زارتنا جارتنا أم عمران، وثرثرت كالعادة، سردت قصة طريفة ستعجبك، أنا آمنت بها شخصيا لأني شهدتها كما ستعرفين لاحقا، قالت إنها رأت، ذلك المساء، امرأة ممدة مرسومة بالقطن في الجهة الغربية من السماء، تتوسد ذراعها الأيمن، وتفرد جسمها مثل حورية بحر لكن بلا ذيل ، وأكدت أم عمران وهي تقسم باسم الله، أنّ السماء أمطرت ذلك المساء حين قامت الحورية لتغتسل، فكت أزرار ثوبها فاجتمع الضباب ليخبيء نهدييها العذبين، وظل شعرها الأسود فقط مطلّا والسماء صارت تنثر مطرها مثل أجنحة الفراشات.
كنت البارحة في البيت أكنس أرضية المطبخ ، واستطعت أن أرى أمك من الباب وهي تعقد ربطة شعرك بذيل القلب الأحمر الذي اشتريتِه مؤخّرا، كنت أراها تعتصر وتقاوم السقوط على الأرض، وصار الألم يبدأ حريقا في معدتي وينزل إلى الحوض، تفحصت البلاطات المورّدة، أعدت فرد الأوساخ التي جمعتها بعناية على الأرض لأنشغل بجمعها مجددا حتى لا أضطر للوقوف أمام صورة أمّك، وهي تفك ربطة شعرك من جديد، وتعيد ربطها للمرة السابعة، وكي أهرب من نظراتها إن نظرت إليّ مجددا.
أمسكت الصحون، نظفت الأرزّ العالق، حبّات قليلة مغموسة بالبندورة وبقايا مقلي الباذنجان، فتحت حنفية الماء وتركته ينهمر، وحاولت أن أستعيد تلك اللحظة حين قبلتك يومها خلسة على خدك، ليس مهما إن كان الأيسر أم الأيمن، كانت لحظة بريئة ، بقيت تتذكرينها بجرأة على غير ما يحصل حين نصرّ على إخفاء عواطفنا الأكثر صدقا، ستتأملين الكراسي المرتفعة التي جلسنا عليها في محل العصائر في جنين، شربنا عصير البرتقال ، ونحن نجلس ونحرك أرجلنا التي صارت قصيرة فوق الكراسي الطويلة، ضحكنا، وضحكنا أكثر في الحافلة القديمة الصفراء وهي تهتز فنميل على بعض، ولم نكترث بتبرمات الرجل والمرأة اللذان كانا يجلسان في الكرسيّ الخلفي، ولا بشخير العجوز الجالس في الكرسيّ الأماميّ، كنا وحدنا من يثرثر .
كنتِ مستغرقة في النوم، كانت المرأة تتمتم، مددت يدي ومسحت عينيكِ، مددت يدي وسكبت الماء، هي قلبتك على كل الجهات، غسلتك جيدا كي لا يحاسبها الله ، وقالت: حتى لا تخاصمني في النوم قلت لها إنني غير مستيقظة أيضا، الحموضة اشتعلت، غلت الماء حتى تبخر ، قالت لي: إنها مبتسمة، ترى سريرها، ترى لون الشرشف، ترى شكل الوسادة، ترى نافذة الغرفة، ترى ورود الحديقة"
كنتِ مبتسمة تماما، و إلى الآن أحاول أن أتأكد من حجم ابتسامتك تلك، إلى الآن، في الليل حين ينتشر الناموس في الغرفة، في النهار حين تندلع الشمس، في كل وقت لا يليق بتوقعات التذكر أعاين حجم ابتسامتك تلك، فأراك تمدين يدكِ لي، يدك اليمنى، تطلبين مني شيئا، والآن، حين يتنسّم الجو فتمرّ قطع الهواء من النافذة الخلفية وتصير تلعب بالستارة القديمة، وحين أملأ إبريق الماء وأصير أرش وردات المخمل والصبار المرتّبة على جدار البرندة، أثور في وجه البراد والورد وأسأل:
" ماذا كنت تريدين من امرأة عليها أن تستمر غير نائمة؟" توسعين لي قطعة الخشب، أتمدد إلى جانبك، تعرّيني المرأة من ثيابي، تضغط على معدتي لتخرج السوائل، تضع قطع من القطن في فتحتيّ أنفي وفمي، تقلبني على جنبي، تفرك جسمي بالرغوة، تغلسني بالماء، تلبسني الثياب البيضاء، ونسافر معا في الطريق من المدينة أتكيء على ركبتيّ إلى جانبك، أظل أقرأ قريبا منك، على غير ما يحدث عادة لا أشعر بالدوار، سريعا تنتهي الطريق التي مررنابها أكثر من مرة ، حين كنا نزور المدينة لنشتري الثياب التي ظلت تملأ خزانتك، أحمل فراشك في كيس بلاستيكيّ، أقفز من السيارة و أتركك، أسرع لأفتح لك الطريق كي تسيري فلا يتسخ ثوبك الأبيض، كي لا يقترب منك طفل يحمل قطعة شكولاه، أو حشرة تتعلق بشعرك الذي تساقط بفعل الأدوية ولم يبق منه سوى خصلات تشبه شعرات نابتة في رأس طفل، يداك اللتان ضاقت شرايينهما بفعل الحقن، ساقاك اللتان خانتاك حين وصل المرض إلى النخاع، عيناك الواسعتان اللتان سقطت رموشهما، حاجباك اللذان يرتسمان مثل ظل أشقر باهت ورأيتك حين نظرت جهة الغرب، كنت تحت العريشة تماما، النساء يملأن ساحة البيت، يصفقّن بأيديهن، يضحكن، يغنين، جهة الغرب ارتسمت امرأة بالقطن، صرت أنظر وأنظر، وعميقا كنت تنامين، النساء صرن ينظرن، لم يثرثرن كعادتهن في الأعراس، أم عمران في هذه اللحظة لم تكن قد سردت قصتها العجيبة بعد، ورغم هذا لم تسأل النساء لماذا ترحل العروس إلى السماء مثلا، فمن عادة العرائس أن يذهبن إلى بيوت الرجال في كامل زينتهن، هذا ما حفظه تاريخ الفرح منذ العهد القديم، لذا فإن كل ما حصل كان منطقيا غير قابل للتصديق، وأنا مازلت ذاهلة حتى ساعة الكتابة إليكِ .
أحلام بشارات
زارتنا جارتنا أم عمران، وثرثرت كالعادة، سردت قصة طريفة ستعجبك، أنا آمنت بها شخصيا لأني شهدتها كما ستعرفين لاحقا، قالت إنها رأت، ذلك المساء، امرأة ممدة مرسومة بالقطن في الجهة الغربية من السماء، تتوسد ذراعها الأيمن، وتفرد جسمها مثل حورية بحر لكن بلا ذيل ، وأكدت أم عمران وهي تقسم باسم الله، أنّ السماء أمطرت ذلك المساء حين قامت الحورية لتغتسل، فكت أزرار ثوبها فاجتمع الضباب ليخبيء نهدييها العذبين، وظل شعرها الأسود فقط مطلّا والسماء صارت تنثر مطرها مثل أجنحة الفراشات.
كنت البارحة في البيت أكنس أرضية المطبخ ، واستطعت أن أرى أمك من الباب وهي تعقد ربطة شعرك بذيل القلب الأحمر الذي اشتريتِه مؤخّرا، كنت أراها تعتصر وتقاوم السقوط على الأرض، وصار الألم يبدأ حريقا في معدتي وينزل إلى الحوض، تفحصت البلاطات المورّدة، أعدت فرد الأوساخ التي جمعتها بعناية على الأرض لأنشغل بجمعها مجددا حتى لا أضطر للوقوف أمام صورة أمّك، وهي تفك ربطة شعرك من جديد، وتعيد ربطها للمرة السابعة، وكي أهرب من نظراتها إن نظرت إليّ مجددا.
أمسكت الصحون، نظفت الأرزّ العالق، حبّات قليلة مغموسة بالبندورة وبقايا مقلي الباذنجان، فتحت حنفية الماء وتركته ينهمر، وحاولت أن أستعيد تلك اللحظة حين قبلتك يومها خلسة على خدك، ليس مهما إن كان الأيسر أم الأيمن، كانت لحظة بريئة ، بقيت تتذكرينها بجرأة على غير ما يحصل حين نصرّ على إخفاء عواطفنا الأكثر صدقا، ستتأملين الكراسي المرتفعة التي جلسنا عليها في محل العصائر في جنين، شربنا عصير البرتقال ، ونحن نجلس ونحرك أرجلنا التي صارت قصيرة فوق الكراسي الطويلة، ضحكنا، وضحكنا أكثر في الحافلة القديمة الصفراء وهي تهتز فنميل على بعض، ولم نكترث بتبرمات الرجل والمرأة اللذان كانا يجلسان في الكرسيّ الخلفي، ولا بشخير العجوز الجالس في الكرسيّ الأماميّ، كنا وحدنا من يثرثر .
كنتِ مستغرقة في النوم، كانت المرأة تتمتم، مددت يدي ومسحت عينيكِ، مددت يدي وسكبت الماء، هي قلبتك على كل الجهات، غسلتك جيدا كي لا يحاسبها الله ، وقالت: حتى لا تخاصمني في النوم قلت لها إنني غير مستيقظة أيضا، الحموضة اشتعلت، غلت الماء حتى تبخر ، قالت لي: إنها مبتسمة، ترى سريرها، ترى لون الشرشف، ترى شكل الوسادة، ترى نافذة الغرفة، ترى ورود الحديقة"
كنتِ مبتسمة تماما، و إلى الآن أحاول أن أتأكد من حجم ابتسامتك تلك، إلى الآن، في الليل حين ينتشر الناموس في الغرفة، في النهار حين تندلع الشمس، في كل وقت لا يليق بتوقعات التذكر أعاين حجم ابتسامتك تلك، فأراك تمدين يدكِ لي، يدك اليمنى، تطلبين مني شيئا، والآن، حين يتنسّم الجو فتمرّ قطع الهواء من النافذة الخلفية وتصير تلعب بالستارة القديمة، وحين أملأ إبريق الماء وأصير أرش وردات المخمل والصبار المرتّبة على جدار البرندة، أثور في وجه البراد والورد وأسأل:
" ماذا كنت تريدين من امرأة عليها أن تستمر غير نائمة؟" توسعين لي قطعة الخشب، أتمدد إلى جانبك، تعرّيني المرأة من ثيابي، تضغط على معدتي لتخرج السوائل، تضع قطع من القطن في فتحتيّ أنفي وفمي، تقلبني على جنبي، تفرك جسمي بالرغوة، تغلسني بالماء، تلبسني الثياب البيضاء، ونسافر معا في الطريق من المدينة أتكيء على ركبتيّ إلى جانبك، أظل أقرأ قريبا منك، على غير ما يحدث عادة لا أشعر بالدوار، سريعا تنتهي الطريق التي مررنابها أكثر من مرة ، حين كنا نزور المدينة لنشتري الثياب التي ظلت تملأ خزانتك، أحمل فراشك في كيس بلاستيكيّ، أقفز من السيارة و أتركك، أسرع لأفتح لك الطريق كي تسيري فلا يتسخ ثوبك الأبيض، كي لا يقترب منك طفل يحمل قطعة شكولاه، أو حشرة تتعلق بشعرك الذي تساقط بفعل الأدوية ولم يبق منه سوى خصلات تشبه شعرات نابتة في رأس طفل، يداك اللتان ضاقت شرايينهما بفعل الحقن، ساقاك اللتان خانتاك حين وصل المرض إلى النخاع، عيناك الواسعتان اللتان سقطت رموشهما، حاجباك اللذان يرتسمان مثل ظل أشقر باهت ورأيتك حين نظرت جهة الغرب، كنت تحت العريشة تماما، النساء يملأن ساحة البيت، يصفقّن بأيديهن، يضحكن، يغنين، جهة الغرب ارتسمت امرأة بالقطن، صرت أنظر وأنظر، وعميقا كنت تنامين، النساء صرن ينظرن، لم يثرثرن كعادتهن في الأعراس، أم عمران في هذه اللحظة لم تكن قد سردت قصتها العجيبة بعد، ورغم هذا لم تسأل النساء لماذا ترحل العروس إلى السماء مثلا، فمن عادة العرائس أن يذهبن إلى بيوت الرجال في كامل زينتهن، هذا ما حفظه تاريخ الفرح منذ العهد القديم، لذا فإن كل ما حصل كان منطقيا غير قابل للتصديق، وأنا مازلت ذاهلة حتى ساعة الكتابة إليكِ .
أحلام بشارات