فنون بصرية خيرة جليل - سميائية اللون والخط لدى التشكيلي محمد أولاد ملوك...

إن من الواجب على كل باحث علمي أن يلتزم الموضوعية والحياد النقدي في بحثه.
لقد كان العديد من الفنانين بالمغرب سباقين لزمانهم ولم يستطع النقاد اتباث ذلك الا بعد رحيلهم مثل الفنان الصمادي او القاسيمي وغيرهما من الفنانين المغاربة، ولهذا من الواجب على الباحثين في الجمال والكتاب المهتمين بالميدان التشكيلي ان يكرسوا الوقت الكافي للكتابة والبحث في ما تفرزه الساحة التشكيلية المغربية حاليا. إن هذا الزخم الابداعي لا يعني زخم في البحث والتجديد لانه ليس كل من رسم وردة فنانا .....بل القليل منهم من كانوا قادرين على التحدث والتحاور ببعد معرفي وفكري وفلسفي بلغة الفن، موظفين مصطلحات من قبيل: اللوحة الحية وحركة القماش والإحساس الإيقاعي.. ...ومن منهم من سعى وراء القبض على الضوء وترجمته على فضاء منجزه الفني الى ألوان، لكن الكل مازال يبدع في إطار المدارس الفنية المتعارف عليها سابقا او يمزج بين مدرستين فنيتين مختلفتين أو يتبنى المدرسة التجريدية لكن تتخللها بعض الايحاءات الواقعية ....اليوم نحن امام تشكيلي له حس مرهف ومنتوج غزير و يعمل في صمت بعيدا عن البهرجة ،و هو التشكيلي اولا ملوك محمد.
فمن هو هذا الفنان ؟ وما هي المدرسة الفنية التي اختار العمل فيها؟ وكيف تعامل مع المنشأ الفني؟ وهل ينطلق من خلفية فكرية وفلسفية ام انه يتحرك بحس جمالي دون اي تاطير فكري لبعد لوحته الجمالي؟
محمد أولاد ملوك فنان تشكيلي عصامي من مواليد 1981 بمدينة سلا شارك في عدة معارض وطنية ودولية افتراضية وواقعية على سبيل المثال لا الحصر : مجموعة معارض في القاهرة بمصر والمغرب ......حاصل على عدة شواهد تقديرية وناشط جمعوي بالاعمال الفنية التطوعية لتزيين المدارس والأحياء والفضاءات العمومية .
إن ما يهمني من سيرته الذاتية ليس الوقوف عند تكوينه العلمي او بنائه العصامي، لكن ما يهمني هو نهجه الفني وسميائية الالوان باعماله من حيث دلالتها وابعادها وكيفية توظيفها بمنجزه الفني، وهذا في حد ذاته يبرز إشكالية مرجعيته الفكرية، فالى أي حد وظف روافده الفنية والتراثية في منجزه الفني؟
كلنا نعلم ان مدينة سلا تزخر بموروثها الفني والثقافي الاسلامي الاندلسي العريق والوانها الغنية والتي تمزج بين الالوان الباردة المحيطية التي تطغى عليها الزرقة والالوان الساخنة المتوسطية المغربية بما في ذلك اللون الاصفر والاحمر والبرتقالي وهذا الخليط هو ما تحتفي به المدينة بموكب الشموع كفن وتراث وبعكس غناها الفني الجمالي، مما يشكل أرضية خصبة يمتح منها الفنان لتشكيل نهجه الفني ونحت أسلوبه الشخصي ..
حين اقول سيميائية الألوان لدى الفنان أولاد ملوك عميقة ومتشعبة وبهذا يحيلنا الى تحديد مفهوم السيميائية في الثقافة بصفة عامة وفي التشكيل خاصة، وهو تسلح بمجموعة من الألوان والرموز.....لبناء تمثلاته التشكيلية لفيحولها من واقعه الملموس الى تجسيدات جمالية مختلفة الخاملات التي دمجها بحنكة ودراية حاملة رموزا هو ادرى بتشابك خيوطها وتداخل دلالاتها الجمالية والنفسية .... كالجسد واللون والشكل والحركة والرمز والإيقاع والتلقي، ليبعث فيها رسائله المشفرة لاغيا الفراغ شأنه شأن الطبيعة التي تخشى الفراغ .
وبذلك نستشف في هذا السياق التحليلي أن التشكيلي أتقن قواعد الرسم والصباغة والمقاييس والإضاءة والظل والاشتغال على كافة المواضيع، كالبورتريه والطبيعة والطبيعة الميتة والعمارة من خلال منجزاته التشكيلية كلوحات او منشآت فنية ومنحوتات خشبية ، لكن الان هو في إطار البحث عن ذاته ومنهجه الشخصي كمشروع فردي حيث انتقل لمرحلة الفن والابداع والابتكار كما قال بابلو بيكاسو: “أتقن القواعد كمحترف حتى تتمكن من كسرها كفنان ....
إن مشروعه هذا جاء في إطار البحث عن الذات و التميز والخصوصية وهو ما سيشكل انزياحا فنيا في البراديم الفني كمشروع شخصي لكنه كونيفي ذات الوقت ، حيث تتماهى وتتداخل وتتلاشى الحدود بين الالوان والاشكال لديه، وتصبح اللوحة التشكيلية لا تقتصر على الصباغة وخامة الثوب أو الورق، بل تمتد الى استعمال خامات اخرى وتوظيف بعض المتلاشيات الخشبية والمعدنية لتشكيل منشأة فنية ذات بعد فني جمالي فلسفي يستعمل مختلف المواد، كالرمل والصور والمجسمات.
عموما لم يعد الرهان للفنان التشكيلي اولاد ملوك إبلاغ رسالة ما أو تخليد جمالية ما، أو حتى الاكتفاء بذات فنه ورؤاه، بل انفتح على احتمالات وابعاد جديدة أعادت نثر أجزاء فنه التجريدي ، وجعلت لوحاته فضاء كونيا مفتوحا لكل المتلقين سواء بالمغرب او خارجه ليحقق عتبات التواصل الفنية كلغة كونية بابداع لا حدود له......

خيرة جليل
  • Like
التفاعلات: خيرة جليل

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى