حين عدت من المقبرة في ذلك الصباح الحزين ، ذهبت رأسا إلى صندوق أمي المزركش بأطياف قوس قزح . دققت الباب دقا خفيفا وكأنها مازالت نائمة على سرير المرض ، ومشيت على أطراف أصابعي حتى لا أوقضها ...
وأنا أنظر باتجاه السرير المرتب بعناية ، شممت رائحة صخابها المعطر ، فقلت :
- سامحيني أيتها العزيزة إن هتكت اليوم أسرارك .
جاءني ردها من هناك ، من حيث لا أدري :
- مفتاح الصندوق تحت الوسادة يا صغيري .
أدرت المفتاح في القفل ورفعت الغطاء ، فخبطتني روائح الجنة : عود القماري ، والعنبر ، وقوارير ماء الورد ، و سفرجلة صفراء ذكية ، وكتاب الحصن الحصين في حجم كف اليد ، وثلاث شمعات جديدات – فالمرحومة كانت تمقت أزرار الكهرباء الشبيهة بأنياب الكلاب المسعورة – وواحدة رابعة تآكلت حتى النصف ، وقراطيس البخور ، وعملات مصكوكة في عهد الحماية الفرنسية للإيالة التونسية – مثقوبة في الوسط ومكتوب عليها ضربت في عهد الناصر باشا باي تونس وأحوازها - ، ورسائل بعث بها والدي من فرنسا أيام الحرب العالمية الثانية قبل أن يموت في معسكرات الاعتقال التي أقامها الألمان على شرف اليهود .
كان أبي ككل المسلمين مختونا ، فذبحه جنود هتلر ظنا منهم أنه من أبناء شعب الله المختار . ولم تفده شهادة أن لا إله إلا الله وان محمدا عبده ورسوله في شيء ، فكل اللغات في تلك المعسكرات تتشابه وكل المختونين يهودا .
أمي وهي تحكي لي هذه الحكاية وأنا ابن عشر سنين ، كانت لا تكف لحظة عن سب يهود العالم . وكنت أضحك ، فيزيد غضبها استعارا وتكف عن سب اليهود لتنهمك في سب أبي الذي لم يعرف كيف يخبئ سوأته عن أنظار الألمان فمات بسبب قطعة جلد صغيرة تافهة علم اليهود الأجداد في الصحراء كيف يقتطعونها من أجساد الأبناء ونسي الأبناء أن أولاد العم يعقوب الذين قاسموهم المعتقل في فرنسا سيصنعون من ذلك الجلد حبالا يشنقونهم بها .
وتضحك وتقول إن المغفور له " أنور السادات " تصالح مع الملعون إلى يوم الدين " مناحين بيقن " لأن جواسيسه أعلموه بأنه مختونا كاليهود .
ثم يعود الحنان إلى وجهها ، فتربت على كتفي وتقول : لم أفكر في الزواج بعد والذك يا بني لأن قلبي أصبح مسكونا برماد جهنم بعد أن صار فراش والدك أبرد من شتاء الصحراء ....
خبأت أسرار أمي الصغيرة والكبيرة في قلبي ، ثم أغلقت أبوابه السبعة بابا وراء باب فرأيتها تبتسم في القبر .
قلت لها :
- لن أبيع صندوقك الخشبي المزركش بأطياف قوس قزح .
فنبت الربيع فوق قبرها ...
وأنا أنظر باتجاه السرير المرتب بعناية ، شممت رائحة صخابها المعطر ، فقلت :
- سامحيني أيتها العزيزة إن هتكت اليوم أسرارك .
جاءني ردها من هناك ، من حيث لا أدري :
- مفتاح الصندوق تحت الوسادة يا صغيري .
أدرت المفتاح في القفل ورفعت الغطاء ، فخبطتني روائح الجنة : عود القماري ، والعنبر ، وقوارير ماء الورد ، و سفرجلة صفراء ذكية ، وكتاب الحصن الحصين في حجم كف اليد ، وثلاث شمعات جديدات – فالمرحومة كانت تمقت أزرار الكهرباء الشبيهة بأنياب الكلاب المسعورة – وواحدة رابعة تآكلت حتى النصف ، وقراطيس البخور ، وعملات مصكوكة في عهد الحماية الفرنسية للإيالة التونسية – مثقوبة في الوسط ومكتوب عليها ضربت في عهد الناصر باشا باي تونس وأحوازها - ، ورسائل بعث بها والدي من فرنسا أيام الحرب العالمية الثانية قبل أن يموت في معسكرات الاعتقال التي أقامها الألمان على شرف اليهود .
كان أبي ككل المسلمين مختونا ، فذبحه جنود هتلر ظنا منهم أنه من أبناء شعب الله المختار . ولم تفده شهادة أن لا إله إلا الله وان محمدا عبده ورسوله في شيء ، فكل اللغات في تلك المعسكرات تتشابه وكل المختونين يهودا .
أمي وهي تحكي لي هذه الحكاية وأنا ابن عشر سنين ، كانت لا تكف لحظة عن سب يهود العالم . وكنت أضحك ، فيزيد غضبها استعارا وتكف عن سب اليهود لتنهمك في سب أبي الذي لم يعرف كيف يخبئ سوأته عن أنظار الألمان فمات بسبب قطعة جلد صغيرة تافهة علم اليهود الأجداد في الصحراء كيف يقتطعونها من أجساد الأبناء ونسي الأبناء أن أولاد العم يعقوب الذين قاسموهم المعتقل في فرنسا سيصنعون من ذلك الجلد حبالا يشنقونهم بها .
وتضحك وتقول إن المغفور له " أنور السادات " تصالح مع الملعون إلى يوم الدين " مناحين بيقن " لأن جواسيسه أعلموه بأنه مختونا كاليهود .
ثم يعود الحنان إلى وجهها ، فتربت على كتفي وتقول : لم أفكر في الزواج بعد والذك يا بني لأن قلبي أصبح مسكونا برماد جهنم بعد أن صار فراش والدك أبرد من شتاء الصحراء ....
خبأت أسرار أمي الصغيرة والكبيرة في قلبي ، ثم أغلقت أبوابه السبعة بابا وراء باب فرأيتها تبتسم في القبر .
قلت لها :
- لن أبيع صندوقك الخشبي المزركش بأطياف قوس قزح .
فنبت الربيع فوق قبرها ...