كنانة عيسى - قراءة في "الخبز والليل والبيداء"

القراءة:

صديقة علي هذا القلم المتمكن الخجول، لا يفتىء يقدم تلك الوجبة الناصعة من الكتابة القصصية ضمن تآلف سردي شيق، يؤطر تصنيفات الادب الواقعي بالحداثة الجديدة، التي تقولب المتن القصصي ليس ببراعة الشخصيات المجتثة من الواقع ولا من زاوية التداول والمعالجة والرؤية، بل من منطلق الابداع الخالص الذي يحول عنوان قصيدة، لعتبة استهلال موحية شيقة، وفريدة، تعمق المنظور العام بثيمة متداولة وهي التناقضات التي تحكم روتين الحياة، لكن البراعة تكمن في اللغة الانسيابية الباذخة، وتأثيث فضاء قصصي زمكاني تصويري ارتبط حسيا بأسلوب التلقي، فترك هامشًا للقراء لدرجات تختلف عن بعضها البعض بعمق التأثر وترك الأثر فتصوير المعاناة الداخلية والصراع الانساني ليس هدف القص المباشر، بل هو التفاف استباقي لبراعة الشخصية البطلة التي ستفاجئنا بمخزونها الثقافي وبقوة شخصية وصلادة شكيمتها وبفهمها لمرارة الواقع المعاش و فداحته في لحظة غضب مدوية، تقابل فيها صورة المرأة المتمردة على زوج أناني غارق في مهاتراته اللامسؤولة من شراء الكتب على حساب عائلة تعاني شظف العيش، وقلة ذات اليد والصبر على المتاح في تواضعه.
هناك نسق ثقافي مضمر وخفي، ان الكاتبة لا تلغي دور المرأة الثقافي، بل تسلط الضوء عليه بشكل تهكمي و ساخر، فامرأة السرد التي تقوم بكل مهام العائلة لا تكترث الا لتوازنها الداخلي، ورغم تعبها ومعاناتها ومكابدتها لظروف للعمل القاسية الشاقة في الريف، تراها بكل شجاعة تشاطر زوجها ثقافته واستعلاءه وترد له الكيل بانفعالية وقوة وثبات.
هذا قلم صديقة علي، ينعطف داخل مفاهيم جديدة، ويتوغل في دواخل المألوف،فيظن القارىء انه امام اصالة الحكاية بانسيابية لغتها وحكائيتها ولا يدرك عمق الطرح وتجديده وبراعته على مستوى المتن وفضاءاته وشخصياته وابتكاره لمستوى جديد من الثقفة القصصية.

كنانة عيسى


_---------_-----_----_--_

القصة


الخبز والليل والبيداء

كانا صامتين أمامَ مهابة الطبيعةِ، لا يخدش هدوء الفجرِ سوى وقع حوافر ِالحمارِ الذي يمتطيانه، والذي يتلكأُ بانحداره بدربٍ وعر يؤدي إلى وادٍ قليل العمقِ، وما إن ينبسطَ الطريقُ حتى يتهادى الحمارُ في مشيته، مما يجعلها تستقرُ في جلستها، وتحرر خصرَ زوجها بفكِّ ذراعيها عنهُ، ليمضيا القسمَ الأطولَ من الطريق برتابةٍ وسهولةٍ، وكان عليها أن تترجلَ في بدايةِ السفحِ الشديدِ الانحدارِ ، لتكمل مشيًا على الأقدامِ حتَّى المفرقِ الإسفلتي، حيثُ تنتهي إليهِ شبكةٌ من عدةِ طرق ترابية، ويمتدُّ منه الطريقُ المعبّد الذي يصلُ القرى المتناثرةَ حولهُ بالمدينةِ.
نزلَ عن ظهر الحمارِ، سوّى بدلته الأنيقة وربطة العنقِ، مسَّد شعره إلى الوراءِ وأنهى صمتهُ ليعطي أوامرهُ التي لا تنتظرهُا:
-عودي الآن، وعند الظهيرة لا تجعلي نظرك يغيبُ عن الطريقِ، ولا تجعلي انتظاري يطول، فأكياسُ الطحينِ قد تفسدْ إن لامست الأرض ...
ما إن ابتعدت منحدرةً إلى الوادي ...حتى عادَ يصرخُ:
- لا تنشغلي بالأولادِ عن مراقبةِ الطريقِ ..وهي تومئ برأسِها وتتمتمُ :
-والله فهمت .. والله فهمت.
تأملتْ برضى بيتها القابعَ على التلة المقابلةِ الغارق ِفي الغابةِ، كانت العودة بالنسبة لها رحلةً ماتعةً، النسماتُ الخريفيةُ تلفحُ وجهها، حالةٌ روحانيةٌ لشدِّ ما كانت تحتاجُها في خضمِ أيَّامها الصاخبةِ، تتأملُ الأشجارَ وكأنَّها لم ترَها بالذهاب، يحتفي قلبها بزقزقة العصافيرِ، وبحفيفِ أوراق الشجر المصفقة بسذاجةٍ للريح الخريفيةِ، كل شيءٍ يوحي بالراحةِ، والنقاء، ومتعة الاكتشافِ، وأهم ما كان يسعدها أنَّه لا منافسَ لها بالركوبِ على ظهر الحمارِ، الذي يبطئ المسيرَ مانحاً لعينيها وأذنيها فرصة التشبع من جمال الطبيعة التي كانت مشغولة عنها، حتى خشخشة الأوراقٌ اليابسةٌ تحت َحوافرهِ غدت موسيقى تطربها.
ومع ذلك بدا لها الدربُ أقصر ُمما تتمنَّاه، شعرت أنَّ كلَّ ما حولها ينتمي إِليها، حتَّى الطريقَ الصاعد إلى مملكتها، غدا أقلَّ وعورةً مما كان عليه بالذهابِ. ما إن لاح رأسُها للمنتظرين حتى نبحَ الكلبُ معلنًا قدومها وتصاعدت موسيقى متناغمةٌ احتفالًا بها ثغاءُ الخرافِ التي تزاحمت حَولها، صياح الديكةِ التي اجتمعت والدجاجاتِ عند قدميها، حتى البقرةُ الوحيدةُ تركت معلفها الثَّري وأطلقت خوارَها مشاركةً بجوقةِ الجوعِ هذه.
طالعتها عيونُ أطفالِها، الفرحةُ المملوءةُ بالرجاءِ، وقفوا بثيابِ نومهم الموحَّدة، كأنَّهم شجيراتٌ فتيةٌ صفَّت بتناسقٍ منتظمٍ أمَامها، وكان لصيحاتِ أصغرهِم بهجةٌ عارمةٌ في قلبها لقد بدأ يكوِّنُ جمله الفصيحةَ دون تلقينٍ:
-جاءت ماما ..جاءت ماما
قالت معتذرةً بحنانها المعهودِ:
-أعرفُ لقد تأخرتُ عليكم.
لم يدم غيابها أكثر من ساعةٍ، لكنَّها ساعة الاحتياجِ، قد مرَّت بطولِ نهارٍ على البطونِ الخاوية.
أحاطوا بطبقٍ يتصاعد منه بخارُ الحليبِ، كانت قد فتَّت فيه آخر َما لديها من الخبز ِاليابس، تركتهم يستمتعونَ بفطورِهم، وراحت تلبِّي حاجة بقيةِ الأفواهِ.
دأبت على تدبُّرِ طعامهم مما تزرعهُ، ومما تربيهِ من دواجنَ وخرافٍ، وكان ما تجودُ به الغابة كفيلاً بمنحهم الدفءَ بالمجانِ.
ويبقى همُّها الأكبرُ هو التزوُّد بالطحينِ لإنَّها لا تزرعُ القمحَ.
زوجُها مدرسٌ لكلِّ الصفوفِ الابتدائيةِ في القريةِ، لكنَّه يتقاضى راتباً واحداً، يقسمه بين الطحينِ والكتبِ، وملابس سنوية ٍ للأولادِ.
وكان يضنيها بتلكؤه ِ في إحضار الدقيقِ بالتوقيتِ المناسبِ، فعليها أن تكرر َّ طلبها لمدة أسبوع أو أكثر:
- الطحين نفد من عندنا يارجل ..
وكان يستجيبُ على مضضٍ، ويتأفف ُمن إلحاحها المتواصلِ، وهي لا تسكتُ أو تطمئن إلا بعودته ورؤية الأكياس بأمِّ عينِها.
كان باب مركز توزيع الطحين موصدًا، مما دفعه لأن يؤوبَ بخطواتٍ مترددة باتجاهِ الكراجِ، يقصد الحافلةَ الوحيدةَ التي ستعودُ الى القرية فورًا، وإلا فعليه الانتظار لعدةِ ساعاتٍ أُخرى، لكنه تراجعَ عن قراره، تلمسَ الخمسين ليرةً في جيبهِ، لا تكفي إلا لشراء كيسي دقيقٍ، مما أخرسَ رغبتهُ بالجلوس في مطعمٍ وتناولِ إفطارٍ شهيٍ، وعاد ينتظر مع من ينتظرْ ...
أخبرهَ أحدهمْ أنَّ الطحينَ لن يتوفرَ قبل الظهيرةِ ...
لم لا يجوبُ شوارع المدينةِ؟ فهولن يشتري شيئًا، فقط يقضم الوقتَ والمللَ، حاولَ كثيرًا الابتعاد عن ذاك الشارعِ الذي طالما شهدَ ضعفهُ، لكن لا يعرف كيف ساقته قدماه إليه، وها هو يتوسطه.
يتأملها بعينينِ حالمتينِ وهل للعينين أن يقاوما سحرَها!
زجاجٌ مغبشٌ يفصلُ بينها وبينه، لطالَما حلم بأن تتربع على عرش مملكتهِ، وأن تداعبها أناملهُ، وأن يحتضِنها ولو لوقتٍ قصيرٍ، اعتاد أن يتركَها مديرًا ظهرهُ لها، عالقًا قلبهُ بها، مقاومًا لإغوائِها، لكنَّ شيئًا ما يشدهُ هذه المرة بقوة إليها، غمغمَ لنفسهِ:
-لأقتربَ قليلًا فقط
يبتسمُ لها يشعر ُبأنَّها تبادله الابتسامةَ قال العاقلُ بداخلهِ:
- انج بمالكَ يا رجل، أولادكَ أحقُّ به منها، هذه سلسلةُ من الإغواءاتِ قد تطلبُ كَل ما بجيبكَ.
كانت الزوجة طوال الصباح تراقب الأفقَ، وما أن لمحت الحافلةَ تلوحُ من بعيد ٍحتى تركت كلَّ مهامِها، وسارعت إلى الحمار ِتحثُّه بسرعة كي تصلَ إلى المفرقِ بالتوقيت المناسبِ.
وقفت تتأملُ الركابَ وهم ينزلون أخبرَها أحدهم بأن الأستاذَ لم يعد معهَم، تمتمت:
- خير ٌإن شاء الله لابدَّ أنَّ أمرًا ما قد أخَّره
وعادت بخيبتِها لإكمالِ مهامِها، هذه المرة لا أحدَ بانتظارها فالكلُّ منهمكٌ باللعب أو بالتقاطِ الطعام. كان انشغالهم عَنها فرصةً جيدة ًلتكمل خياطةَ ثيابِ الأطفالِ، ومناسبة أيضا لنقل الماء من النبع، وتوكيلِ مهمةِ مراقبةِ الطريقِ لابنِها، زادت بهجتها بأنَّ نظره قد التقطَها في التوقيتِ المناسبِ.
- اجر بسرعة ..
وكان الحمارُ ينفذُ أوامرَ كعبيها النكَّازين لكرشهِ فيتحولُ لخيلٍ سريعٍ. وصلت مع توقيتِ وصولِ الحافلةِ.بعضُ الركاب ألقى عليها التحيةَ بكل احترامٍ، آخرُ من ترجلَ كانَ زوجها منكَّس الرأسِ، يرمقها بخجلٍ من طرفِ عينيهِ، كانت منهمكةً بسوق الحمار ِلتوقفهُ ملاصقًا للحافلةِ، وهي تنظرُ إلى أعلى بانتظارِ سائقِ الحافلةِ أن يصعدَ إلى سطحِها، ويسقطَ أكياسَ الطحينِ، لكنَّ هذا لم يحدثْ، فالحافلةُ تابعت طريقَها، وتركتْها في ذهولٍ تراقبُ ما يتأبطهُ زوجُها، كيسٌ ورقيٌ أنيقٌ لا يتسِع لبضعةِ حفناتِ طحينٍ.
قطعَ عليها السؤالَ بنظرةٍ صارمةٍ منْه، اعتادت أن تقرأَ في ملامحهِ إحساسه بالذنبِ المقنَّع بصرامةٍ، صرامته لم تعد تخيفها كثيرًا، لكن الخيبةَ الآن قتلتْ كلَّ كلامٍ، تخلفتْ عنْه، رافضةً بعنادٍ أنْ تركبَ معهُ، كانت الدرب طويلةً جدا هذه المرةَ، تضجُّ بالغضبِ الذي ينهَشها من الداخلِ ..
-لقد أعددتُ حطبَ التنور، قالت بصوتٍ هامسٍ.
تجاهلَ ما سمعهُ منهَا، فعادت تندبُ في خلدها حظَّها العاثِر.زوجٌ لا يكترثُ بها ولا بشقائِها ،يلبس بدلتهُ الأنيقة كل صباحٍ، يسرحُ متأبطًا كتابهُ، وكان قد أدمنَ على اللجوءِ لدغلِ ريحانةٍ، حتى يأتيَ على كل أشعارِ المتنبي وأبي العلاء المعري،هي تتصارعُ مع مهامها اليوميةِ التي لا تنتهي، ومع سماعِ ما حفظه من أشعارٍ، وللسخريةِ المرَّة، كانت جميع نساءِ القريةِ يغبطنَها فهي زوجةُ الأستاذ ...الأستاذُ الوحيدُ الذي يهابه الأولادُ،وتهدد الأمهاتُ أبنائهن بالشكايةِ له إن لم يقوموا بواجباتِهم المدرسيةِ وغيرهَا، وكان ذكرُ اسمه كفيلاً بدبِّ الرعبِ في قلوبهمْ .
كانَ قد سبقها إلى البيتِ يوزعُ قطعَ السكاكرِ الملونةِ على أطفالهِ المبتهجينَ حولهُ، يسرعُ بالدخولِ إلى غرفتهِ يغلقُ البابَ وراءهُ، ينكبُّ على منضدةٍ قليلةِ الارتفاعِ، يفرد الكتبَ بسعادة غامرةٍ، يتلمسُ سلسلةً من الدواوين غير مصدقٍ أنَّها صارت ملكهُ يتلمسُها بلطفٍ، يربتُ على أغلفتِها الصقيلةِ بأناملِ عاشقٍ، يهمسُ بحبورٍ المنتصرِ:
-(لقطةٌ .. والله لقطةٌ لا تتكررُ ..أربعةُ دواوين بأربعين ليرة !...)
تتلبسُ الغبطةُ كيانهُ كلَّه، تكسرُها زفراتٌ حانقةٌ من زوجتهِ، وحفيفِ ثوبِها المزعجِ بغدوِّها ورواحِها، وتمتمَتها:
- بجد.. ! الّذين استحَوا ماتوا.
لن تكلّمه، مهما حاولَ إرضاءَها، سامحَته عن قراره بالسكنِ في القريةِ، وعن عدم شراءِ حذاءٍ مريحٍ لها، ولا حتى حبكاتِ شعر ٍملونة، و عن عدمِ تفريغِه لها الوقتَ لزيارةِ أهلهِا، أمَّا عند الخبزْ، فقد طفحَ الكيلَ . .
تملّص منها بالهروبِ إلى الدكانِ، فقد اعتادَ عند غروبِ الشمس ِأن يجمعَ الرجالَ أمامَ الدّكان الوحيدِ في القريةِ متخذاً مصطبتهِ منبراً له، يقصُّ عليهم ما قرأهُ ويذيعُ عليهمْ ما جادَ به المذياعِ.
عند المساءِ، تابعَت نقلَ كلِّ ما حضرتُه، عزمت على ألا تتحايلَ عليهم بطبخِ البرغلِ أو الأرزِ تعويضًا عن غيابِ الخبزِ، بل بالغتَ بتقديمِ ما صنعتُه من الحليبِ الوفيرِ، اللبنةُ والجبنةُ والقريشُ مع الزيتونِ والزعترِ والزيتِ، لكنَّ الأيادي لم تمتدْ إلى شيءٍ، تسمّرَت عيونُهم على الطبقِ الشهيِ سال لعابهم وهم يتربَّعون على الأرضِ حولهُ، وقفتْ تراقبِهم زامّةً شفتيها بقوةٍ. دامَ صمتُهم لعدةِ دقائقٍ ثم تجرأَ أكبرهمْ:
-خبز ..نريدُ خبزًا ...
تشجعَ الذي يليهِ:
-وكيف سنأكلُ الجبنَ دونَ خبزٍ؟
وقال الثالث:
- ألم نساعدك ِبجمعِ الحطب ِللتنُّورِ؟
صمّ أذنيه عن صراخهمْ، وحاد َبنظرهِ عن تحديقِها المطوَّل بوجههِ، زادَ قلقهُ بصمتها الغاضبِ.
غابت قليلاً في غرفةٍ جوانيّةٍ تعلًقت عيونهُم على بابهِا، ثم عادت تحتضنُ صرَّةً قماشيةً كانت مخصصةً للخبزِ، بدت الصرِّة منتفخةً أكثرَ من المعتادِ، وامضةً بضوء ِمصباحِ الكازِ فأفرجَت أساريرُهم، وعيونُ الزوجِ معلّقةٌ عليها، وفي خلدهِ يتساءلُ: كيفَ تدبّرت أمر َالخبزِ؟ لاسيَّما أنَّها منذ البارحةِ قد أقسَمت أنها لن تستعيرَ مجدداً الخبزَ والطحينَ من جاراتِها، حتَّى لو مات أطفَالها جوعًا.
كانَ ظلّها يمتدُّ على الحائطِ كأنَّها قاربٌ يسيرُ إليهم ..... .
بشفتينِ مرتعشتينِ، وحاجبينِ معقودينِ، استجمعت شجاعَتها، وفتحتْ الصرةَ وراحت بيدينِ مرتجفتينِ توزِّع لكلِّ طفلٍ حصَّته، أصغرُهُم صدَّق ما بينَ يديهِ وراحَ يغمرهُ بالزيتِ.
_ هل جنَّت أمي؟ همسَ أكبرهُم لأخيهِ ...
-اصمت. كان قد استشعرَ بمعركة ستدورُ رحاها بعد قليلٍ، وبخوفٍ شديدٍ يرمق ُوجْهَ والدهِ المحتقنِ غضباً.
راحتْ تلوِّح بيدِها أمامَ وجه زوجِها، وتصرخُ بصوتٍ حاد لم يعهدهُ منْها من قبلٍ:
_ خُذ..كُلْ .. كُلْ .. ..تركتُ لك الحصةَ الأكبرَ .. ألستَ كبيرنا؟ بحركةٍ سريعةٍ ومباغتهٍ، وبيدين متعبتين راحت تنبشُ من الصرةِ أوراقاً ممزقةً بعشوائية ٍتفوحُ منها رائحةُ المطبعةِ والدقيقِ، تكدّسها أمامه وتنثُرها في حضنهِ وحولهُ، تستأنفُ صراخَها الهستيريَ المتزايدَ أمامَ صدْمته وصمته:
- ما بكَ...؟ اغمس (على قدر أهل العزم) بالزيتِ ..تذوّق (وا حرَّ قلباه ) ...أترك قليلاً منْها لأردَّها الى جيراننا بدلاً من نصفِ كيسٍ من طحينٍ، استعرتُه من قبلٍ، علّهم يقبلونَ بـ(االخيل والليلُ والبيداءُ...)

صديقة علي - سوريا ٢٠٢٠

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى