لطالما حيرني أمر هذا الرجل. هو أكثر ممن كان يفهم ما كان يجري حوله، لكنه كان أقل الناس كلاما. ترتفع من حوله الأصوات والضوضاء، لكنه لا ينساق ولا يكترث وكأنه صنع من رزانته هالة تمنع اختراق الرياح العابرة لمجاله. ويظل ينظر لما حوله بنفس نظرة الثبات وكأنه هو الهدوء نفسه.
هو أكثر من خاض المعارك ممن بقوا احياء من رجال المنطقة. حارب مع عبدالكريم وقبله وبعده في رقع وأزمنة شتى، لكنه لم ينسب لنفسه أي بطولة أو دور حاسم كما يفعل المقاتلون القدامى حين يطول بهم المقام في الدنيا. وحتى حين كان يتحدث عن ذلك، فهو لم يرو غير بطولات من لم يعودوا. وكانه كان يسحب خارج الرقع الملتهبة حين تدور رحى المعارك ليطل من نفس الزاوية التي كان يشرئب منها التاريخ بعنقه ليسحل حكايات الأبطال والمندحرين حين تنازعوا حول امتلاك مفاتيح الابواب المفضية لممرات المجد والبقاء.
في الفسحة الممتدة بين الحر ب والسلم انتسب للقرويين. مثله مثل الحالمين من أبناء جيله. وهو ما سيصنفه كنخبة فيما يتعلق بامور الحل والعقد التي يحتاجها الناس في امور حياتهم. وربما احس بالرضى عن نفسه مثلما اختار في الماضي لما سرت في عروقه دماء الكرامة بعد ان رفض ان يعيش مستعبدا في بلده.. ولانه ايضا نجح بتحصيله في منع الظروف المتغيرة من مغالطته مهما تنكرت واتقنت حيل التخفي خلف الوان حربائية.
لقد تغيرت المعطيات كثيرا عند الانتقال من المرحلة الاستعمارية الى مجتمع الاستقلال، وما يهم هنا هو ان شريحة من رجالات القرويين نات بنفسها بعيدا عما كان يحري في الصراع الاحتماعي ورفضت ان تركب العربة التي تجرها القاطرة السياسية. وقد تجسد ذلك في التزام الصمت واشبه باللامبالاة. ولعل هذا قد اغضب السلطة السياسية التي قررت تهميش دور القرويين من خلال استدعاء بعض اقطاب ورموز الوهابية من المشرق لتتخذها كدرع واق ، وانيط بها مهمة اعادة هيكلة المجتمع المغربي وفق اهدافها السياسية. والمهم هنا هو هل ادرك الفقيه الخمسي مجريات واهداف هذا التحول؟
هو لم يصرح بشئ. لكن نهجه يفيد أنه كان على وعي تام بما كان يجري. فهو قد هجر مجالس الاعيان الذين لم يكونوا يتوقفون لحظة عن ابداء دعمهم المطلق للسلطة. علما انه كان يمكن ان يصنف من نخبة الاعيان في حال لو كان قد انضم اليهم. لكنه قاطع حفلاتهم وولائمهم. ولم يقف يوما في طابور المستقبلين او المودعين لرحال السلطة. ولم يتدخل يوما باي شكل في شؤون ابنائه الذين كانوا قد حولوا بيته الى مأوى لمن لا مأوى له.وايضا لما يشبه مقرا للاحزاب اليسارية. بل ودافع بشراسة ضد كل من حاول ان يجعل من هذا الوضع اتهاما او مجالا لنقاش.
لم يكن الفقيه الخمسي سعيدا بما كان يجري في الواقع ولذلك اختار ان ينزوي جانبا ليعيش عزلة طويلة كان يجدها افضل من الغوص في فضاء ملوث اختلط فيه الحابل بالنابل. خصوصا بعد ان هبت رياح الوهابية المقيتة، فصار يسمع وهو يمشي في الشارع أناسا لا إلمام لهم لا باللغة ولا بالفقه والتفسير ، بل ان بعضهم يختلط لديهم الحديث بالقرٱن، ومع ذلك يبيحون لأنفسهم اصدار الفتاوي والاحكام.
كان الرحل يلوذ مجبرا بالصمت كخيار كلما تقادمت به الايام. وحين كان يستفسر عن صمته وهو العالم المتمكن كان يجيب: " جينا نعلمو الناس الدين، لقينا كلشي علماء"
رحمة الله عليه.
هو أكثر من خاض المعارك ممن بقوا احياء من رجال المنطقة. حارب مع عبدالكريم وقبله وبعده في رقع وأزمنة شتى، لكنه لم ينسب لنفسه أي بطولة أو دور حاسم كما يفعل المقاتلون القدامى حين يطول بهم المقام في الدنيا. وحتى حين كان يتحدث عن ذلك، فهو لم يرو غير بطولات من لم يعودوا. وكانه كان يسحب خارج الرقع الملتهبة حين تدور رحى المعارك ليطل من نفس الزاوية التي كان يشرئب منها التاريخ بعنقه ليسحل حكايات الأبطال والمندحرين حين تنازعوا حول امتلاك مفاتيح الابواب المفضية لممرات المجد والبقاء.
في الفسحة الممتدة بين الحر ب والسلم انتسب للقرويين. مثله مثل الحالمين من أبناء جيله. وهو ما سيصنفه كنخبة فيما يتعلق بامور الحل والعقد التي يحتاجها الناس في امور حياتهم. وربما احس بالرضى عن نفسه مثلما اختار في الماضي لما سرت في عروقه دماء الكرامة بعد ان رفض ان يعيش مستعبدا في بلده.. ولانه ايضا نجح بتحصيله في منع الظروف المتغيرة من مغالطته مهما تنكرت واتقنت حيل التخفي خلف الوان حربائية.
لقد تغيرت المعطيات كثيرا عند الانتقال من المرحلة الاستعمارية الى مجتمع الاستقلال، وما يهم هنا هو ان شريحة من رجالات القرويين نات بنفسها بعيدا عما كان يحري في الصراع الاحتماعي ورفضت ان تركب العربة التي تجرها القاطرة السياسية. وقد تجسد ذلك في التزام الصمت واشبه باللامبالاة. ولعل هذا قد اغضب السلطة السياسية التي قررت تهميش دور القرويين من خلال استدعاء بعض اقطاب ورموز الوهابية من المشرق لتتخذها كدرع واق ، وانيط بها مهمة اعادة هيكلة المجتمع المغربي وفق اهدافها السياسية. والمهم هنا هو هل ادرك الفقيه الخمسي مجريات واهداف هذا التحول؟
هو لم يصرح بشئ. لكن نهجه يفيد أنه كان على وعي تام بما كان يجري. فهو قد هجر مجالس الاعيان الذين لم يكونوا يتوقفون لحظة عن ابداء دعمهم المطلق للسلطة. علما انه كان يمكن ان يصنف من نخبة الاعيان في حال لو كان قد انضم اليهم. لكنه قاطع حفلاتهم وولائمهم. ولم يقف يوما في طابور المستقبلين او المودعين لرحال السلطة. ولم يتدخل يوما باي شكل في شؤون ابنائه الذين كانوا قد حولوا بيته الى مأوى لمن لا مأوى له.وايضا لما يشبه مقرا للاحزاب اليسارية. بل ودافع بشراسة ضد كل من حاول ان يجعل من هذا الوضع اتهاما او مجالا لنقاش.
لم يكن الفقيه الخمسي سعيدا بما كان يجري في الواقع ولذلك اختار ان ينزوي جانبا ليعيش عزلة طويلة كان يجدها افضل من الغوص في فضاء ملوث اختلط فيه الحابل بالنابل. خصوصا بعد ان هبت رياح الوهابية المقيتة، فصار يسمع وهو يمشي في الشارع أناسا لا إلمام لهم لا باللغة ولا بالفقه والتفسير ، بل ان بعضهم يختلط لديهم الحديث بالقرٱن، ومع ذلك يبيحون لأنفسهم اصدار الفتاوي والاحكام.
كان الرحل يلوذ مجبرا بالصمت كخيار كلما تقادمت به الايام. وحين كان يستفسر عن صمته وهو العالم المتمكن كان يجيب: " جينا نعلمو الناس الدين، لقينا كلشي علماء"
رحمة الله عليه.