عند الحديث عن الإبتكار في النمط الغذائي ، لابد من الاشارة اولا الى ان المطبخ المغربي يتركب من عدة مطابخ غير متجانسة إطلاقا ، يحاول المغاربة حاليا تجميعها و تصميمها ككتلة متجانسة عبر طبعها بذوق خاص و من تم تعميمها و هذا يلاحظ عند كثير من الطباخين الشباب في محاولة لإعطاء المطبخ المغربي مفهوما موحدا ( للتقارب) عن طريق وضعه لقوانين علمية وتقنيات معاصرة في محاولة لتطعيمه وتعشيقه بوصفات جديدة من مطابخ أخرى أغلبها أوروبية و متوسطة و آسيوية وذلك بإخضاعها للذوق المغربي ، و هذا ما حصل للمطبخ المغربي في أزمنة سابقة و جعله خليط غير متوافق او بلغة مجازية ( متنوع الاذواق و لا متجانس مثلا الحلو / الحامض ) و مع كونه في الأصل يحمل متضادات غير متوافقة في السلم ( سلم ابن رشد و غيره من الأطباء العرب و اليونان ) ، خليط يتشكل من وصفات بسيطة و أخرى جد معقدة فالأولى جبلية و صحراوية يغلب عليها طابع البداوة والثانية مدنية يغلب عليها طابع الصنعة والمهارة أو التركيب composées / complexes ( وصفات منمقة تتركب في غالبها من عدة وصفات ) و كانت قد تأثرت بعدة ثقافات تبعا للشعوب الكثيرة و الحضارات التي استوطنت هذه الأرض السعيدة و تركت بصماتها وتأثيرها القوي تارة او الوضيع تارة اخرى و لا غرابة انه بمرور الأجيال و الأعوام الطويلة انصهر هذا الخليط و شكل في خاتمة المطاف شكلا صار ما هو عليه اليوم . وككل الثقافات الأخرى فهو يخضع لإشكاليات وجدليات التاريخ ، و لا غرو أن يعالج كأي ثقافة غيره بتمعن و دراية . و سواء خضع لعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا او كثقافة تراثية غذائية محضة بعيدا عن التحليلات العلمية او العقيمة فسنرى ان تكوينه و بعدها تركيبه و تشكيله استمر لآلاف السنين و تداولت فيه عدة تشكيلات و تنويعات و تطورات وحتى انتكاسات مع الزمن حسب احوال كل حقبة سواء قوتها او ضعفها و حسب سخاء الأرض و بوارها ، الأرض لعبت دورها في المطابخ المغربية و الثقافة الغذائية عموما تتحول وتتأرجح بين الرخاء والنماء و الجدب و الكفاف و الحاجة من اليسر إلى العسر بين ازدهار عصور و انحطاط أخرى في مد وجزر تبعا للظروف و الأحكام و الأحداث ، فقد تأثر بكل ما حصل وتنوع تبعا للواقع المعاش في كل لحظة تاريخية و هذا ان دل على شيء فإنما يدل على أن هذه الثقافة كانت حية دائما تتعايش مع الواقع المعاش و تنتقل من جيل إلى جيل و تتقدم و تضمحل حسب رقي وانحطاط تلك الشعوب القديمة حتى تشكل اكلات لسنوات الجفاف و الكفاف و أخرى لأعوام الخير و الخيرات ، ثم ما مدى تأثير الوعي و الرقي عند تلك الشعوب و درجات ثقافتها و مجدها عامل آخر مهم فهذا بدوره شكل نظرية ثقافية للغذاء سيما في المدن المتحضرة و شكل طرازا لطبقة النبلاء و أرضية و نوعية معينة متينة لنمط غذائي سائد و يشمل عدة وصفات لا زالت مستمرة بشكل إثني او ديني او طقسي ، نلاحظ ان الثقافة الغذائية في المغرب تعتمد على غذاء الجمع أي أنها ثقافة الجموع و الجماعة و ليست ثقافة الأفراد بمعنى انها عائلية و أسرية و لا تتجزأ كما هو حال ثقافة شعوب أخرى و نذكر على سبيل المثال لا الحصر الثقافة الغذاءية الرومانية ( و قد ذكرت الرومانية لأسباب سأعود لها لاحقا لما شاكلته الثقافة الرومانية في المطبخ المغربي ) لكني سأكتفي هنا بإعادة نشر جزء سابق عن الكسكس و المطبخ المغربي و مامدى قوته و الإقناع الذي قوبل به لتتقبله ثقافات شعوب اخرى و تحتضنه و تمارسه و لاحقا ساتناول تتمنى هذا الموضوع ، الكسكس كدليل على ذلك
لماذا فشل الكسكس المغربي في الشرق العربي ؟
بينما نجح في الوصول إلى باقي بلدان المعمور ، ( فصل من كتاب: تاريخ المطبخ المغربي الحسين الهواري )
لولا الإصرار والصمود المغربي لاندثر و محي المطبخ المغربي كثقافة غذائية من التاريخ مثل ما حصل لثقافات أصيلة في بلدان أخرى سوء حظها أنها سقطت تحت الغزو و الاحتلال .
اول ظهور للكسكس في الشرق كان في كتاب كمال الدين بن العديم ( و ليس ابن النديم المعروف ( وابن العديم هو المؤرخ و قاضي حلب في العصر الأيوبي 1192 / 1262 عمر ابن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة ) رحل من حلب إلى دمشق و فلسطين و العراق و الحجاز و مات بالقاهرة ، في كتابه الشهير الوصلة ( الوصلة الى الحبيب في وصف الطيبات و الطيب ) ( بينما يرجعه بعض الباحثين لابن الجزار المصري ) توجد نسخة منه في طوب كابي باسطنبول ، و فيه وصفة وحيدة خاصة بالكسكس ، و كتاب الرحالة و الفقيه المغربي العياشي ( رحلة العياشي المعروفة بـ ماء الموائد ) وفيه إشارة إلى صنع الكسكس في غزة بفلسطين بيد العلامة الفقيه مؤرخ السعديين و قاضي فاس الشيخ المقري ،
في العصر الفاطمي ( العبيدي ) و العصر المملوكي الأيوبي كان الكسكس شائع في بلاد المشرق العربي كان الكسكس يحضر في عدة بلدان شرقية من القاهرة حتى دمشق و حلب و في غزة والقدس ثم ما لبث ان اندثر و انحصر في بعض المناطق الصحراوية النائية من مصر و لا تزال بقايا من وصفاته في صحراء سيوه آخر محطاته التاريخية على الحدود الليبية المصرية بعد ان كان من الأطباق المرغوب فيها في الشرق فلماذا انحصر بعد تمدده ؟
انحساره كان في العصر العثماني .
يجب ان نقرأ التاريخ بطريقة محايدة و بعيدا عن العاطفة لان في التاريخ أسئلة غامضة و لكونها أساسية و تتعلق بتراثنا و بقائه وديمومته ؟ والسؤال الكبير الذي يجب ان نطرحه. هو لماذا استمر المطبخ المغربي وتطور بينما اندثر و اضمحل في بلدان أخرى قريبة وبعيدة ، هذا سؤال جوهري و سؤال فارق يجب ان يطرحه المغاربة و العلماء و الباحثين ، و لكننا سنكتفي بطرح. سؤال داخل هذا الموضوع ما دام السؤال الكبير تستلزمه مائدة كبيرة ،
نحن لا نقول بأن المطبخ المغربي هو الأفضل و الأحسن في البلاد العربية لا .. نحن نقر بأن لكل شعب ذوقه الخاص وطريقة عيشه المفضلة والخاصة به و نحن نحترمها ، اننا فقط نركز هنا على تفرد المطبخ المغربي مقارنة ببلدان أخرى تتشابه اغذيتها و تستنسخ بل تكاد تكون هي نفسها في عدة بلدان و أن تغيرت مسمياتها
بقلم الحسين الهواري
جريدة " المساء " اقرأ
لماذا فشل الكسكس المغربي في الشرق العربي ؟
بينما نجح في الوصول إلى باقي بلدان المعمور ، ( فصل من كتاب: تاريخ المطبخ المغربي الحسين الهواري )
لولا الإصرار والصمود المغربي لاندثر و محي المطبخ المغربي كثقافة غذائية من التاريخ مثل ما حصل لثقافات أصيلة في بلدان أخرى سوء حظها أنها سقطت تحت الغزو و الاحتلال .
اول ظهور للكسكس في الشرق كان في كتاب كمال الدين بن العديم ( و ليس ابن النديم المعروف ( وابن العديم هو المؤرخ و قاضي حلب في العصر الأيوبي 1192 / 1262 عمر ابن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة ) رحل من حلب إلى دمشق و فلسطين و العراق و الحجاز و مات بالقاهرة ، في كتابه الشهير الوصلة ( الوصلة الى الحبيب في وصف الطيبات و الطيب ) ( بينما يرجعه بعض الباحثين لابن الجزار المصري ) توجد نسخة منه في طوب كابي باسطنبول ، و فيه وصفة وحيدة خاصة بالكسكس ، و كتاب الرحالة و الفقيه المغربي العياشي ( رحلة العياشي المعروفة بـ ماء الموائد ) وفيه إشارة إلى صنع الكسكس في غزة بفلسطين بيد العلامة الفقيه مؤرخ السعديين و قاضي فاس الشيخ المقري ،
في العصر الفاطمي ( العبيدي ) و العصر المملوكي الأيوبي كان الكسكس شائع في بلاد المشرق العربي كان الكسكس يحضر في عدة بلدان شرقية من القاهرة حتى دمشق و حلب و في غزة والقدس ثم ما لبث ان اندثر و انحصر في بعض المناطق الصحراوية النائية من مصر و لا تزال بقايا من وصفاته في صحراء سيوه آخر محطاته التاريخية على الحدود الليبية المصرية بعد ان كان من الأطباق المرغوب فيها في الشرق فلماذا انحصر بعد تمدده ؟
انحساره كان في العصر العثماني .
يجب ان نقرأ التاريخ بطريقة محايدة و بعيدا عن العاطفة لان في التاريخ أسئلة غامضة و لكونها أساسية و تتعلق بتراثنا و بقائه وديمومته ؟ والسؤال الكبير الذي يجب ان نطرحه. هو لماذا استمر المطبخ المغربي وتطور بينما اندثر و اضمحل في بلدان أخرى قريبة وبعيدة ، هذا سؤال جوهري و سؤال فارق يجب ان يطرحه المغاربة و العلماء و الباحثين ، و لكننا سنكتفي بطرح. سؤال داخل هذا الموضوع ما دام السؤال الكبير تستلزمه مائدة كبيرة ،
نحن لا نقول بأن المطبخ المغربي هو الأفضل و الأحسن في البلاد العربية لا .. نحن نقر بأن لكل شعب ذوقه الخاص وطريقة عيشه المفضلة والخاصة به و نحن نحترمها ، اننا فقط نركز هنا على تفرد المطبخ المغربي مقارنة ببلدان أخرى تتشابه اغذيتها و تستنسخ بل تكاد تكون هي نفسها في عدة بلدان و أن تغيرت مسمياتها
بقلم الحسين الهواري
جريدة " المساء " اقرأ